المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الرقائق

- ‌(عملي في هذا الكتاب:

- ‌باب تعريف الرقائق:

- ‌باب أسباب الكلام في الرقائق:

- ‌باب حاجتنا إلى الرقائق:

- ‌باب العناية بالرقائق:

- ‌باب: التوازن في الرقائق

- ‌باب ما الأشياء التي يمكن أن نطلق عليها رقائق

- ‌الحُجُبُ التي تحول بين العبد وربه هي عشرة

- ‌الحجاب الأول: الجهل بالله:

- ‌الحجاب الثاني: البدعة:

- ‌الحجاب الثالث: الكبائر الباطنة:

- ‌الحجاب الرابع: حجاب أهل الكبائر الظاهرة:

- ‌الحجاب الخامس: حجاب أهل الصغائر:

- ‌الحجاب السادس: حجاب الشرك:

- ‌(توحيد الربوبيةِ:

- ‌(توحيد الأ لوهية:

- ‌(توحيد الأسماءِ والصفات:

- ‌الحجاب السابع: حجاب أهل الفضلات والتوسع في المباحات:

- ‌الحجاب الثامن: حجاب أهل الغفلة عن الله:

- ‌الحجاب التاسع: حجاب اهل العادات والتقاليد والأعراف:

- ‌الحجاب العاشر: حجاب المجتهدين المنصرفين عن السير إلى المقصود:

- ‌باب شرطي قبول العمل:

- ‌(أهمية العلم بشرطي قبول العمل:

- ‌(أولاً الإخلاص:

- ‌(تعريف الإخلاص:

- ‌(فضائل الإخلاص:

- ‌(ماذا قال بعض العلماء في الإخلاص

- ‌(خطورة ترك العمل خوف الرياء:

- ‌(هناك أشياء تظن من الرياء وليست منه:

- ‌(علامات الإخلاص:

- ‌(ثانيا: متابعة السنّة:

- ‌باب حقيقة الموت:

- ‌مسألة: ما هي حقيقة الموت

- ‌(الموت أعظم المصائب:

- ‌(الموت موعد مجهول:

- ‌مسألة هل الموت راحة

- ‌مسألة: هل يجوز تمني الموت

- ‌(من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه:

- ‌مسألة: هل يجوز لنا أن نكره الموت

- ‌مسألة: ما حكم موت الفجأة

- ‌(عبرة الموت:

- ‌(هو الموت ما منه فوت

- ‌باب‌‌ كل نفس ذائقة الموت:

- ‌ كل نفس ذائقة الموت:

- ‌(رُسُلُ ملك الموت:

- ‌باب ذِكْرُ الموت:

- ‌(كيف تتناسى الموت

- ‌(فوائد ذكر الموت:

- ‌(الأسباب الباعثة على ذكر الموت:

- ‌باب كيف نستعد للموت

- ‌مسألة: كيف نستعد للموت

- ‌(1) اجتناب المنهيات:

- ‌(2) أداء الفرائض والواجبات:

- ‌(3) كثرة ذكرالموت:

- ‌(4) محاسبة النفس:

- ‌(كيفية محاسبة النفس

- ‌(الأدلة على مشروعية المحاسبة:

- ‌(أهمية محاسبة النفس:

- ‌ولمحاسبة النفس فوائد عظيمة ومزايا جسيمة منها ما يلي:

- ‌(5) الإكثار من الطاعات والقربات:

- ‌باب استحضار حسن الخاتمة وسوء الخاتمة:

- ‌(أثر استحضار حسن الخاتمة وسوء الخاتمة في رقة القلب:

- ‌(معنى حسن الخاتمة:

- ‌(أسباب حسن الخاتمة:

- ‌(علامات حسن الخاتمة:

- ‌(صور من حسن الخاتمة:

- ‌(علامات سوء الخاتمة:

- ‌(صور من سوء الخاتمة:

- ‌(الأسباب التي تنشأ عنها سوء الخاتمة:

- ‌(1) التسويف بالتوبة:

- ‌(2) طول الأمل:

- ‌(3) حب المعصية وأُلفها واعتيادها:

- ‌(4) الانتحار:

- ‌باب ساعة الاحتضار:

- ‌(أحوال الناس عند الاحتضار:

- ‌(لحظات المحتضرين:

- ‌(من دُرَرِ أقوال المحتضرين لحظة الاحتضار:

- ‌(تعزية النفس عند الاحتضار بالصبر والاحتساب:

- ‌(البكاء عند الموت مخافة سوء المرد:

- ‌(سكرات الموت:

- ‌(الثبات عند الموت:

- ‌(ما يسن عند الاحتضار:

- ‌باب وجوب الصبر والاسترجاع لأهل الميت:

- ‌باب ما ورد في البكاء على الميت:

- ‌باب‌‌ غسل الميتوتكفينه والصلاة عليه ودفنه:

- ‌ غسل الميت

- ‌(تكفين الميت:

- ‌(الواجب في الكفن:

- ‌(كيفية تكفين الميت:

- ‌(الصلاة على الميت:

- ‌(فضل الصلاة على الميت:

- ‌(مقصود الصلاة على الميت:

- ‌(مقام الإمام من الميت:

- ‌(صفة صلاة الجنازة:

- ‌(هل يصلي الإمام على قاتل نفسه:

- ‌(الصلاة على السقط:

- ‌(حمل الجنازة والسير بها:

- ‌(الموعظة بالجنازة والاعتبار بها:

- ‌ دفن الميت

- ‌(الأوقات التي لا يجوز الدفن فيها إلا لضرورة:

- ‌(استحباب الدفن في الأماكن المقدسة:

- ‌(استحباب طلب الموت في أحد الحرمين:

- ‌(الأمور التي تستحب في الدفن:

- ‌(الأمور التي تستحب بعد الفراغ من الدفن:

- ‌(الأشياء التي تنفع الميت بعد موته:

- ‌(ما ورد في التعزية وحكمها:

- ‌(الحداد على الميت:

- ‌(ما ورد في النهي عن سب الأموات:

- ‌باب أهوال القبور وأحوال أهلها إلى النشور:

- ‌(ما هو البرزخ

- ‌(سؤال القبر:

- ‌(التثبيت في القبر:

- ‌(عذاب القبر ونعيمه:

- ‌(الأسباب الموجبة لعذاب القبر:

- ‌(الأسباب التي تكون سبباً في النجاة عذاب القبر:

- ‌لعذاب القبر أنواع منها ما يلي:

- ‌(ذكر ضيق القبور وظلمتها على أهلها وتنورها عليهم بدعاء الأحياء:

- ‌(عرض منازل أهل القبور عليهم من الجنة أو النار بكرة وعشيا:

- ‌(ضمة القبر:

- ‌(اجتماع أعمال الميت عليه من خير وشر ومدافعتها عنه:

- ‌(اجتماع الموتى إلى الميت وسؤالهم إياه:

- ‌(ما ورد من سماع الموتى كلام الأحياء:

- ‌(ذكر محل أرواح الموتى في البرزخ:

- ‌(زيارة الموتى والاتعاظ بهم:

- ‌(آداب زيارة القبور:

- ‌ الأمور التي يحرم فعلها عند القبور

- ‌(عِظةُ القبور:

- ‌ فوائد زيارة القبور

- ‌(الفرق بين زيارة الموحدين للقبور، وزيارة المشركين:

- ‌(استحباب تذكر القبور والتفكير في أحوالهم:

- ‌(أحوال السلف في تذكر القبور والتفكير في أحوالهم:

- ‌باب القيامة الكبرى وما يجري فيها:

- ‌(منهج أهل السنة والجماعة في تفصيل الإيمان باليوم الآخر:

- ‌(التفكر في أهوال يوم القيامة:

- ‌(حشر الناس حفاة عراة غرلا:

- ‌(دنو الشمس من الخلق بقدر ميل أو ميلين:

- ‌(نصبُ الموازين:

- ‌(الدليل على أن الأعمال توزن:

- ‌(نشرُ الدواوين:

- ‌(حساب الخلائق:

- ‌(الحوض المورود للنبي

- ‌(الصراط:

- ‌(الإيمان بالجنة والنار:

- ‌(الشفاعة:

- ‌باب الترغيب في الجنة:

- ‌(الترغيب في الجنة:

- ‌(إدامة ذِكْرِ الجَنَّة:

- ‌(من أعظم الغبن أن تبيع الجنة بالدنيا الفانية:

- ‌(حُفَّت الجنة بالمكاره:

- ‌(منزلة الجهاد في الإسلام:

- ‌(ومن ملابسهم التيجان على رؤسهم:

- ‌(أهل الجنة لا ينامون:

- ‌(نعيم الجنة يُنسي بؤس الدنيا:

- ‌(مفتاح الجنة:

- ‌(وجود الجنة الآن:

- ‌(مكان الجنة وأين هي:

- ‌ تَفجَّر أنهار الجنة

- ‌(درجات الجنة:

- ‌(الشهداء ممن ينالون الدرجات العلى:

- ‌(أعلى درجاتها واسم تلك الدرجة:

- ‌(ارتقاء العبد و هو في الجنة من درجة إلى درجة أعلى منها:

- ‌(أعلى أهل الجنة منزلة:

- ‌(أدنى أهل الجنة منزلة:

- ‌(آخر أهل الجنة دخولا إليها:

- ‌(طلب أهل الجنة لها من ربهم وطلبها لهم:

- ‌(أسماء الجنة ومعانيها:

- ‌(عدد الجنات:

- ‌(أبواب الجنة وخزنتها:

- ‌(خزنة الجنة:

- ‌(عدد أبواب الجنة:

- ‌(سعة أبواب الجنة:

- ‌(صفة أبواب الجنة وأنها ذات حلق:

- ‌(أول من يقرع باب الجنة:

- ‌(أول من يدخلون الجنة وصفاتهم:

- ‌(صفات أول من يدخلون الجنة:

- ‌(سبق الفقراء الأغنياء إلى الجنة:

- ‌(أصناف أهل الجنة وأوصافهم:

- ‌ أوصاف أهل الجنة في السنة الصحيحة:

- ‌(أكثر أهل الجنة هم أمة محمد

- ‌(النساء في الجنة أكثر من الرجال وكذلك هم في النار:

- ‌(من يدخل الجنة من هذه الأمة بغير حساب:

- ‌(ذكر حثيات الرب تبارك وتعالى الذين يدخلهم الجنة:

- ‌(عرض الجنة:

- ‌(ذكر بناء الجنة وملاطها وحصباؤها و تربتها:

- ‌(غُرف الجنة وقصورها:

- ‌(خيام الجنة:

- ‌(قصور الجنة:

- ‌(كيفية دخول أهل الجنة الجنة:

- ‌(سوق الجنة و ما اعد الله تعالى فيه لأهلها:

- ‌(صفة أهل الجنة في خَلْقِهِم وَخُلُقِهم:

- ‌(سِنُ أهلِ الجنة:

- ‌(تحفة أهل الجنة إذا دخلوها:

- ‌(ريح الجنة ومن مسيرة كم ينشق:

- ‌(الأذان الذي يؤذن به مؤذن الجنة:

- ‌(أشجار الجنة وبساتينها وظلالها:

- ‌(ثمار الجنة وتعداد أنواعها وصفاتها:

- ‌(في زرع الجنة:

- ‌(نهر الكوثر:

- ‌ عيون الجنة:

- ‌(طعام أهل الجنة وشرابهم ومصرفه:

- ‌فاكهة أهل الجنة:

- ‌شراب أهل الجنة:

- ‌(آنية أهل الجنة التي يأكلون فيها ويشربون:

- ‌(لباس أهل الجنة وحليهم:

- ‌(حُلِّي أهل الجنة:

- ‌(مناديل أهل الجنة:

- ‌(لبسهم التيجان على رؤسهم:

- ‌(فُرُشُ أهل الجنة:

- ‌(بُسُطُ أهل الجنة وزرابيهم:

- ‌(خيام أهل الجنة وسررهم وأرائكهم وبشخاناتهم:

- ‌(مطايا أهل الجنة و خيولهم و مراكبهم:

- ‌(غلمانُ أهل الجنة وخدمُهم:

- ‌(وصف الحور العين:

- ‌(ارتفاع العبادات في الجنة إلا عبادة الذكر فإنها دائمة:

- ‌(رؤية أهل الجنة لله تعالى بأبصارهم جهرة:

- ‌(تكليم الله تعالى لأهل الجنة:

- ‌(أبدية الجنة وأنها لا تفنى ولا تبيد:

- ‌(الجنة تتكلم:

- ‌(صفات من يستحقُّ الجنة في القرآن والسنة:

- ‌(الطريق إلى الجنة:

الفصل: ‌(عذاب القبر ونعيمه:

هل تذكرت نعيم القبر وروحه وريحانه؟

أخي أعد للسؤال جواباً، وللجواب صواباً، وللصواب إخلاصاً لا رياء. وكان عون بن عبد الله يقول في بكائه وذكر خطيئته: ويح نفسي، بأي شيء لم أعص ربي؟

ويحي! إنما عصيتُه بنعمته عندي.

ويحي! من خطيئة ذهبت شهوتُها، وبقيت تبعتُها عندي.

ويحي! كيف أنسى الموت ولا ينساني؟

ويحي! إن حُجبت يوم القيامة عن ربي.

ويحي! كيف أغفل ولا يغفل عني؟

أم كيف تُهنئُي معيشتي واليوم الثقيل ورائي؟ أم كيف لا تطول حسرتي ولا أدري ما يفعل بي؟

أم كيف يشتد حبي لدار ليست بداري؟

أم كيف أجمعُ بها وفي غيرها قراري؟

أم كيف تعظم فيها رغبتي والقليل منها يكفيني؟

أم كيف أوثرها وقد أضرت بمن آثرها قبلي؟

أم كيف لا أبادر بعملي قبل أن يغلق باب توبتي؟

أم كيف يشتد إعجابي بما يزايلني وينقطع عني؟

‌(عذاب القبر ونعيمه:

القبر فتنة وحساب فإما نعيم وإما عذاب، وأن المرء يموت على ما عاش عليه، ويبعث على ما مات عليه. ففريق في الجنة وفريق السعير.

فهل أعددت للموت عده؟ وهل فكرت يوماً في وحشة القبور؟ وهل تأملت في أهوال الحشر والنشور؟

(عذاب القبر ونعيمه ثابت بالكتاب والسنة والإجماع:

عذاب القبر ونعيمه ثابت بالكتاب والسنة والإجماع، ولا ينكر ذلك إلا مكابر ومعاند قال تعالى: سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ [التوبة:101]

[*] قال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيره:

قال مجاهد في قوله: {سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ} يعني: القتل والسباء وقال ـ في رواية ـ بالجوع، وعذاب القبر، {ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ}

وقال ابن جريج: عذاب الدنيا، وعذاب القبر، ثم يردون إلى عذاب النار.

وقال الحسن البصري: عذاب في الدنيا، وعذاب في القبر.

وقال سبحانه: وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر:46،45]

[*] قال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيره:

ص: 220

{وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ} وهو: الغرق في اليم، ثم النقلة منه إلى الجحيم. فإن أرواحهم تعرض على النار صباحا ومساءً إلى قيام الساعة، فإذا كان يوم القيامة اجتمعت أرواحهم وأجسادهم في النار؛ ولهذا قال:{وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} أي: أشده ألما وأعظمه نكالا. وهذه الآية أصل كبير في استدلال أهل السنة على عذاب البرزخ في القبور، وهي قوله:{النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا} .

[*] (قال الإمام ابن رجب الحنبلي رحمه الله تعالى في كتابه أهوال القبور:

وقد دل القرآن على عذاب القبر في مواضع كقوله تعالى: (وَلَوْ تَرَىَ إِذِ الظّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُوَاْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوَاْ أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ)[الأنعام: 93]

قال تعالى: (النّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ أَدْخِلُوَاْ آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدّ الْعَذَابِ)[غافر: 46]

(النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا)

[*] قال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيره:

وهذه الآية أصل كبير في استدلال أهل السنة على عذاب البرزخ في القبور.

وقد تواترت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في عذاب القبر والتعوذ منه منها ما يلي:

(حديث عائشة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن عذاب القبر قال " نعم عذاب القبر حق " قالت عائشة: فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك صلى صلاة إلا تعوذ من عذاب القبر.

(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع يقول اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن شر فتنة المسيح الدجال.

(حديث ابن عباس في الصحيحين) قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبرين فقال "إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان لا يستتر من البول وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة"

ص: 221

(حديث البراء الثابت في الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يُثَبّتُ اللّهُ الّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَفِي الَاخِرَةِ) نزلت في عذاب القبر، زاد مسلم: "يقال له: من ربك؟ فيقول ربي الله ونبيي محمد، فذلك قوله سبحانه وتعالى: (يُثَبّتُ اللّهُ الّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثّابِتِ.

(حديث البراء الثابت في الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: العبد إذا سُئل في قبره يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبد ورسوله فذلك قوله تعالى: (يُثَبّتُ اللّهُ الّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَفِي الَاخِرَةِ)[إبراهيم: 27].

(حديث أنس رضي الله عنه الثابت في صحيح النسائي) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لولا أن تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم عذاب القبر.

(حديث أنس في الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن العبد إذا وضع في قبره و تولى عنه أصحابه حتى أنه يسمع قرع نعالهم أتاه ملكان فيقعدانه فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ لمحمد فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله و رسوله فيقال: انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعدا من الجنة فيراهما جميعا، و أما المنافق و الكافر فيقول: لا أدري كنت أقول ما يقول الناس فيقال له: لا دريت و لا تليت ثم يضرب بمطارق من حديد ضربةً فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين.

[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير:

(إن العبد) المؤمن المخلص

(إذا وضع في قبره) بالبناء للمفعول

(وتولى عنه) أي أعرض

(أصحابه) المشيعون له من أهله وأصدقائه

(يسمع قرع نعالهم) أي صوتها عند الرؤوس قال القاضي: يعني لو كان حياً فإن جسده قبل أن يأتيه الملك فيقعده ميت لا حس فيه انتهى وسيجيء ما ينازع فيه قال الطيبي: وقوله (أتاه) جواب الشرط والجملة خبر إن وقوله وإنه يسمع قرع نعالهم إما حال بحذف الواو أو كأحد الوجهين في قوله تعالى {ويوم القيامة ترى الذين كذبوا} الآية (ملكان) بفتح اللام منكر ونكير بفتح كاف الأول وكلاهما ضد المعروف سميا به لأنهما لا يشبه خلقهما خلق آدمي ولا ملك ولا غيرهما وهما أسودان أزرقان جعلهما اللّه نكرة للمؤمن ليبصره ويثبته وعذاباً على غيره

ص: 222

(فيعقدانه) حقيقة بأن يوسع اللحد حتى يجلس فيه زاد في رواية فتعاد روحه في جسده وظاهره في كله ونقله المصنف في أرجوزته عن الجمهور لكن قال ابن حجر: ظاهر الخبر في النصف الأعلى وجمع بأن مقرها في النصف الأعلى ولها اتصال بباقيه وقيل وجزم به القاضي والمراد بالإقعاد التنبيه والإيقاظ عما هو عليه بإعادة الروح فيه أجرى الإقعاد مجرى الإجلاس وقد يقال أجلسه من نومه إذا أيقظه والحديث ورد بهما والظاهر أن لفظ الرسول فيجلسانه وبعض الرواة أبدله بيقعدانه فإن الفصحاء يستعملون الإقعاد إذا كان من قيام والإجلاس إذا كان من اضطجاع وهو في ذلك تابع للأثر حيث قال عقب قوله يقعدانه وفي حديث البراء فيجلسانه وهو أولى بالاختيار لأن الفصحاء إنما يستعملون القعود في مقابلة القيام فيقولون القيام والقعود ولا تسمعهم يقولون القيام والجلوس يقال قعد عن قيامه وجلس عن مضجعه واستلقائه وحكى أن نصر بن جميل دخل على المأمون فسلم فقال له اجلس فقال يا أمير المؤمنين لست بمضطجع فأجلس فقال كيف أقول قال اقعد فالمختار من الروايتين الإجلاس لموافقته لدقيق المعنى وتصحيح الكلام وهو الأجدر ببلاغة المصطفى صلى الله عليه وسلم ولعل من روى فيقعدانه ظن أن اللفظين بمعنى ولهذا أنكروا رواية الحديث بالمعنى خشية أن يزل في الألفاظ المشتركة فيذهب عن المعنى المراد ورده الطيبي بأن الأقرب الترادف وأن استعمال القعود مع القيام والجلوس مع الاضطجاع مناسبة لفظية ونحن نقول به إذا كانا مذكورين معاً نحو {الذين يذكرون اللّه قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم} لا إذا لم يكن أحدهما مذكوراً، ألا ترى إلى حديث مجيء جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد قوله إذ طلع علينا ولا خفاء أنه عليه الصلاة والسلام لم يضطجع بعد الطلوع عليهم وكذا لم يرد في نص الحديث الاضطجاع ليوجب أن يذكر معه الجلوس

(فيقولان له) الظاهر أن أحدهما يقول لحصول الاكتفاء به لكن لما كان كل منهما بصدد القول نسب إليهما جميعاً

(ما كنت) في حياتك

(تقول) أي أيّ شيء تقوله

ص: 223

(في هذا الرجل لمحمد) أي في محمد صلى الله عليه وسلم وقال الطيبي قوله لمحمد بيان من الراوي للرجل أي لأجل محمد ولم يقولا رسول اللّه أو النبي امتحاناً له واغراباً على المسؤول لئلا يتلقى تعظيمه منهما فيقول تقليداً لا اعتقاداً وفهم بعض من لفظ الإشارة أنه يكشف له عن النبي صلى الله عليه وسلم حتى يراه عياناً فيقال ما تقول في هذا وأبطله ابن جماعة بأن الإشارة تطلق في كلامهم على الحاضر والغائب كما يقول المرء لصاحبه ما تقول في هذا السلطان وهما لم يرياه

(فأما المؤمن) أي الذي قبض على الإيمان

(فيقول) بعزم وجزم من غير تلعثم ولا توقف

(أشهد أنه عبد اللّه ورسوله) إلى كافة الثقلين

(فيقال) أي فيقول له الملكان المذكوران أو غيرهما

(انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك اللّه به مقعداً من الجنة) أي محل قعودك فيها

(فيراهما جميعاً) أي يرى مقعده من النار ومقعده من الجنة فيزداد فرحاً إلى فرح ويعرف نعمة اللّه عليه بتخليصه من النار وإدخاله الجنة وأما الكافر فيزداد غماً إلى غم وحسرة إلى حسرة بتفويت الجنة وحصول النار له

(ويفسح له في قبره) أي يوسع له فيه

(سبعون ذراعاً) يعني شيئاً كثيراً جداً فالسبعين للتكثير لا للتحديد كما في نظائره

(وأما الكافر) أي المعلن بكفره

(أو المنافق) الذي أظهر الإسلام وأبطن الكفر وهذا شك من الراوي أو بمعنى الواو قال ابن حجر: والروايات كلها مجمعة على أن كلاً منهما يسأل انتهى وفيه رد لقول ابن عبد البر لا يسأل الكافر لكن رجحه المصنف في أرجوزته قيل والسؤال من خصائص هذه الأمة وقيل لا وقيل بالوقف وقيل والمؤمن يسأل سبعاً والمنافق أربعين صباحاً

(فيقال له ما كنت تقول في هذا الرجل فيقول لا أدري كنت أقول ما يقول الناس فيقال له لا دريت) بفتح الراء

(ولا تليت) من الدراية والتلاوة أصله تلوت أبدلت الواو ياء لمزاوجة دريت ومجموع ذلك دعاء عليه أي لا كنت دارياً ولا تالياً أو أخبار له أي لا علمت بنفسك بالاستدلال ولا اتبعت العلماء بالتقليد فيما يقولون ذكره ابن بطال وغيره وقال الخطابي: هكذا يرويه المحدثون وهو غلط وصوابه أتليت بوزن أفعلت من قولك أي ما أتلوته أي ما استطعته

(ثم يضرب) بالبناء للمجهول يعني يضربه الملكان اللذان يليان فتنته

(بمطارق من حديد) في رواية بمطرقة بكسر الميم أي بمرزبة كما عبر بها في سنن أبي داود

ص: 224

(ضربةً فيصيح صيحة يسمعها من يليه) ظاهره الملكان فقط وليس مراداً بقرينة قوله (غير الثقلين) الجن والإنس وبقرينة خبر أحمد فيسمعه خلق اللّه كلهم غير الثقلين والمنطوق مقدم على المفهوم وحكمة عدم سماع الثقلين الابتلاء فلو سمعا صار الإيمان ضرورياً وأعرضوا عن نحو المعايش مما يتوقف عليه بقاء الشخص والنوع فيبطل معاشهم وأصل الثقل المتاع المحمول على الدابة وقيل لهما الثقلان لأنهما قطان الأرض فكأنهما ثقلاها ذكره الزمخشري قال القاضي: وظاهر الخبر أن السؤال إنما يكون فيمن قبر أما غيره فبمعزل عنه ويشهد له خبر لولا أن لا تدافنوا لدعوات اللّه أن يسمعكم من عذاب القبر قلت بل هو أمر يشمل الأموات ويعمهم حتى من أكله سبع أو طير وتفرق شرقاً وغرباً فإنه تعالى يعلق روحه الذي فارقه يجزئه الأصلي الباقي من أول عمره إلى آخره المستمر على حالتي النمو والذبول الذي تتعلق به الأرواح أولاً فيحيى ويحيى بحياته سائر أجزاء البدن ليسأل فيثاب أو يعذب ولا يستبعد ذلك فإنه تعالى عالم بالجزئيات فيعلم الأجزاء انفصالها ومواقعها ومحالها ويميز بين الأصلي وغيره ويقدر على تعليق الروح بالجزء الأصلي منها حال الانفراد تعليقه به حال الاجتماع فإن البينة عندنا ليست شرطاً للحياة بل لا يستبعد تعليق ذلك الروح الشخص الواحد في آن واحد من تلك الأجزاء المتفرقة في المشارق والمغارب فإن تعلقه ليس على سبيل الحلول حتى يمنعه الحلول وفيه حل المشي بين القبور بنعل لكن يكره كذا قيل واستثنى من السؤال جماعة (9) ووردت أخبار بإعفائهم عنه (تنبيه) قال جدي نقلاً عن شيخه العراقي [ص 375] ظاهر الخبر أن الملكين يأتيان المؤمن والمنافق على صفة واحدة وهو اللائق بالامتحان والاختبار (تنبيه) قال ابن عربي: من أفسد شيئاً بعد إنشائه جاز أن يعيده كما يراه إذا قامت اللطيفة الروحانية بجزء من الإنسان فقد صح عليه اسم الحيوان والنائم يرى ما لا يراه اليقظان وهو إلى جانبه.

ص: 225

(حديث أبي هريرة في صحيحي الترمذي وابن ماجة) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا قبر الميت أتاه ملكان أسودان أزرقان يقال لأحدهما المنكر و للآخر النكير فيقولان: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: ما كان يقول هو: عبد الله و رسوله أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمد عبده و رسوله فيقولان: قد كنا نعلم أنك تقول ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعا في سبعين ثم ينور له فيه ثم يقال: نم فيقول: أرجع إلى أهلي فأخبرهم فيقولان: نم كنومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحب أهله إليه حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك و إن كان منافقا قال: سمعت الناس يقولون قولا فقلت مثله لا أدري فيقولان: قد كنا نعلم أنك تقول ذلك فيقال للأرض: التئمي عليه فتلتئم عليه فتختلف أضلاعه فلا يزال فيها معذبا حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك.

[*] قال العلامة المباركفوري في "تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي:

(إِذَا قُبِرَ الْمَيِّتُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ: إِذَا أُدْخِلَ فِي الْقَبْرِ وَدُفِنَ.

(أَتَاهُ مَلَكَانِ أَسْوَدَانِ أَزْرَقَانِ) بِزَايٍ فَرَاءٍ أَيْ: أَزْرَقَانِ أَعْيُنُهُمَا.

(يُقَالُ لِأَحَدِهِمَا الْمُنْكَرُ) مَفْعُولٌ مِنْ أَنْكَرَ بِمَعْنَى نَكِرَ، إِذَا لَمْ يَعْرِفْ أَحَدًا.

(وَلِلْآخَرِ النَّكِيرُ) فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٌ مِنْ نَكِرَ بِالْكَسْرِ، إِذَا لَمْ يَعْرِفْهُ أَحَدٌ، فَهُمَا كِلَاهُمَا ضِدُّ الْمَعْرُوفِ سُمِّيَا بِهِمَا؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَمْ يَعْرِفْهُمَا وَلَمْ يَرَ صُورَةً مِثْلَ صُورَتِهِمَا، كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ، وقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ: ذَكَرَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ أَنَّ اسْمَ اللَّذَيْنِ يَسْأَلَانِ الْمُذْنِبَ في قبره مُنْكَرٌ وَنَكِيرٌ، وَاسْمَ اللَّذَيْنِ يَسْأَلَانِ الْمُطِيعَ في قبره مُبَشِّرٌ وَبَشِيرٌ.

(فيقولان: ما كنت تقول في هذا الرجل؟) زَادَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ رضي الله عنه عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ: {فَيُقْعِدَانِهِ} ، وزَادَ فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ:{فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ}

(فَيَقُولُ) أَيْ: الْمَيِّتُ وسؤال القبر

(مَا كَانَ يَقُولُ) أَيْ: قَبْلَ الْمَوْتِ

ص: 226

(فيقولان: قد كنا نعلم أنك تقول): أَيْ: الْإِقْرَارُ بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَالرِّسَالَةِ، وعِلْمُهُمَا بِذَلِكَ إِمَّا بِإِخْبَارِ اللَّهِ تَعَالَى إِيَّاهُمَا بِذَلِكَ، أَوْ بِمُشَاهَدَتِهِمَا فِي جَبِينِهِ أَثَرَ السَّعَادَةِ والنعيم في قبر المؤمن وَشُعَاعَ نُورِ الْإِيمَانِ وَالْعِبَادَةِ.

(ثُمَّ يُفْسَحُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ: يُوَسَّعُ

(سَبْعُونَ ذِرَاعًا فِي سَبْعِينَ) أَيْ: فِي عَرْضِ سَبْعِينَ ذِرَاعًا. يَعْنِي: طُولَهُ وَعَرْضَهُ كَذَلِكَ، قَالَ الطِّيبِيُّ: أَصْلُهُ يُفْسَحُ قَبْرُهُ مِقْدَارَ سَبْعِينَ ذِرَاعًا فَجَعَلَ الْقَبْرَ ظَرْفًا لِلسَّبْعَيْنِ، وَأَسْنَدَ الْفِعْلَ إِلَى السَّبْعِينَ مُبَالَغَةً فِي السَّعَةِ

(ثُمَّ يُنَوَّرُ لَهُ فِيهِ) أَيْ: يُجْعَلُ النُّورُ لَهُ فِي قَبْرِهِ الَّذِي وُسِّعَ عَلَيْهِ.

(نَمْ) أَمْرٌ مِنْ نَامَ يَنَامُ

(فَيَقُولُ) أَيْ: الْمَيِّتُ لِعَظِيمِ مَا رَأَى مِنَ السُّرُورِ

(أَرْجِعُ إِلَى أَهْلِي) أَيْ: أُرِيدُ الرُّجُوعَ، كَذَا قِيلَ، والْأَظْهَرُ أَنَّ الِاسْتِفْهَامَ مُقَدَّرٌ قَالَهُ الْقَارِي.

(فَأُخْبِرُهُمْ) أَيْ: بِأَنَّ حَالِي طَيِّبٌ، وَلَا حُزْنَ لِي لِيَفْرَحُوا بِذَلِكَ

(نَمْ كَنَوْمَةِ الْعَرُوسِ) هُوَ يُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى فِي أَوَّلِ اجْتِمَاعِهِمَا، وَقَدْ يُقَالُ لِلذَّكَرِ الْعَرِيسُ

(الَّذِي لَا يُوقِظُهُ) الْجُمْلَةُ صِفَةُ الْعَرُوسِ، وَإِنَّمَا شَبَّهَ نَوْمَهُ بِنَوْمَةِ الْعَرُوسِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ فِي طَيِّبِ الْعَيْشِ

(إِلَّا أَحَبُّ أَهْلِهِ إِلَيْهِ) قَالَ الْمُظْهَرُ: عِبَارَةٌ عَنْ عِزَّتِهِ وَتَعْظِيمِهِ عِنْدَ أَهْلِهِ يَأْتِيهِ غَدَاةَ لَيْلَةِ زِفَافِهِ مَنْ هُوَ أَحَبُّ وَأَعْطَفُ فَيُوقِظُهُ عَلَى الرِّفْقِ وَاللُّطْفِ

(حَتَّى يَبْعَثَهُ اللَّهُ) هَذَا لَيْسَ مِنْ مَقُولِ الْمَلَكَيْنِ، بَلْ مِنْ كَلَامِهِ صلى الله عليه وسلم وَحَتَّى مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ أَيْ: يَنَامُ طَيِّبَ الْعَيْشِ حَتَّى يَبْعَثَهُ اللَّهُ.

(وإن كان منافقا قال: سمعت الناس يقولون قولا) وَالْمُرَادُ بِالْقَوْلِ هُوَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ.

(فَقُلْتُ مِثْلَهُ) أَيْ: مِثْلَ قَوْلِهِمْ

ص: 227

(لَا أَدْرِي) أَيْ: أَنَّهُ نَبِيٌّ فِي الْحَقِيقَةِ أَمْ لَا، وَهُوَ اسْتِئْنَافٌ أَيْ: مَا شَعَرْتُ غَيْرَ ذَلِكَ الْقَوْلِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ عَلَى الْحَالِ.

(فيقولان: قد كنا نعلم أنك تقول ذلك):

(فيقال للأرض: التئمي عليه): أَيْ: انْضَمِّي وَاجْتَمِعِي.

(فتلتئم عليه فتختلف أضلاعه): بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ جَمْعُ ضِلَعٍ، وَهُوَ عَظْمُ الْجَنْبِ، أَيْ: تَزُولُ عَنِ الْهَيْئَةِ الْمُسْتَوِيَةِ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهَا مِنْ شِدَّةِ الْتِئَامِهَا عَلَيْهِ وَشِدَّةِ الضَّغْطَةِ، وَتُجَاوِزُ جَنْبَيْهِ مِنْ كُلِّ جَنْبٍ إِلَى جَنْبٍ آخَرَ.

(فلا يزال فيها معذبا حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك): أَيْ: فِي الْأَرْضِ، أَوْ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ.

أخي الحبيب:

هل تذكرت لحظة الفراق عندما تلقي آخر النظرات على هذه الدنيا وتستقبل الآخرة بما فيها من الأهوال والصعاب فإما أن تنتقل إلى سموم وحميم وتصلية جحيم فاعمل من الآن عملاً ينجيك بإذن الله مما أمامك من أهوال ما دام في الوقت مهلة وما دمت تستطيع ذلك لتخرج من هذه الدنيا مرتاحاً وفرحاً مسروراً بلقاء ربك، وبما أعده لك من النعيم المقيم.

ولدتك أمك يا ابن آدم باكياً

والناس حولك يضحكون سروراً

فاعمل لنفسك أن تكون إذا بكوا

في يوم موتك ضاحكاً مسروراً

ص: 228

(حديث البراء بن عازب رضي الله عنه الثابت في صحيح الترغيب والترهيب) قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار فانتهينا إلى القبر ولما يلحد بعد فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلسنا حوله كأنما على رؤوسنا الطير وبيده عود ينكت به في الأرض فرفع رأسه فقال تعوذوا بالله من عذاب القبر مرتين أو ثلاثا، ثم قال: إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس معهم كفن من أكفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة حتى يجلسوا منه مد البصر ويجيء ملك الموت عليه السلام حتى يجلس عند رأسه فيقول أيتها النفس الطيبة اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان قال فتخرج فتسيل كما تسيل القطرة من في السقاء فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن وفي ذلك الحنوط ويخرج منه كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض قال فيصعدون بها فلا يمرون على ملاء من الملائكة إلا قالوا ما هذا الروح الطيب فيقولان فلان ابن فلان بأحسن أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا فيستفتحون له فيفتح له فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها حتى ينتهى بها إلى السماء السابعة فيقول الله عز وجل اكتبوا كتاب عبدي في عليين وأعيدوه إلى الأرض في جسده فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان من ربك فيقول ربي الله فيقولان ما دينك فيقول ديني الإسلام فيقولان ما هذا الرجل الذي بعث فيكم فيقول هو رسول الله فيقولان ما يدريك فيقول قرأت كتاب الله وآمنت به وصدقته فينادي مناد من السماء أن قد صدق عبدي فأفرشوه من الجنة وافتحوا له بابا إلى الجنة، قال فيأتيه من روحها وطيبها ويفسح له في قبره مد بصره، قال ويأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح فيقول أبشر بالذي يسرك هذا يومك الذي كنت توعد فيقول من أنت فوجهك الوجه الحسن يجيء بالخير فيقول أنا عملك الصالح فيقول رب أقم الساعة رب أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي، وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه ملائكة سود الوجوه معهم المسوح فيجلسون منه مد البصر ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخط من الله وغضب فتفرق في جسده فينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبلول فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين

ص: 229