الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تعالى إلى غير ذلك مما يحرك الساكن من قلوبهم وينير الكامن من عواطفهم ويذرف الجامد من عيونهم ويشعل فيهم الحياة الإسلامية.
ثم يخرجون فى أوقات مناسبة فيطوفون فى القرى ويمرون على البيوت ويحادثون الناس فى أمكنتهم ويغشونهم فى أنديتهم فيجلسون إليهم ويحرضونهم على الإقبال على الدين ويفهمونهم الغرض الذى خلقوا لأجله والغاية التى بعثوا لها، وأنهم لم يخلقوا عبثاً ولم يتركوا سدى ويرهبونهم من النار ويشوقونهم إلى الجنة ويرغبونهم فى تعلم الدين والمبادرة إلى ذلك ويخوفونهم من التسويف والمماطلة ويدعونهم إلى مركزهم الذى قد أقاموا فيه ليكلموهم فى تفصيل ذلك كله فى لطف ورفق ولين واحترام لإيمان المخاطب وتقدير لإسلامه فى غير ازدراء ولا فظاظة وهم يغضون الطرف عن الحرام ويلهجون بالذكر أثناء الكلام.
وهكذا يقضون أوقاتهم فى طلب العلم والدين وفى العبادة والجهد للدين وفى الاختلاط بجماهير الأمة والاتصال بها فى سبيل الدين تحت نظام محكم متقن لا يتسرب فيه الفساد ولا تتطرق إليه الفتن، لأن حول العاملين والمتطوعين حصناً حصيناً من الذكر والدعاء وحارساً من إكرام المسلمين والتذلل لهم كافة والتجنب عن كل مالا يعنيهم فى الدين والدنيا.
النتيجة والثمرة:
وكان لذلك نفع ملموس قد تجلى فى ناحيتين:
الأولى: أن المتطوعين الذين قضوا قسطاً صالحاً من أوقاتهم تغيروا فى أنفسهم، عرفوا مبادئ الدين وأحكامه الأولية واستيقظت فيهم العاطفة الدينية وهبت عليهم نفحة من نفحات الحياة الإسلامية.
وقد رأينا طلائع هذه الحياة وآيات النهضة الدينية فى ميوات فرأينا تغيراً مشاهداً فى المعتقد والأعمال والأخلاق، رأينا مدارس تشيد ومساجد تبنى وتعمر وجنايات تقل وتندر، وفتناً تضمحل، وبدعاً تموت، وتقاليد جاهلية ترتفع، ودعوات دينية وتعليمية تثمر وتزدهر، ونفوساً جامحة تلين وقلوباً جانية ترق وعيوناً تذرف، وهمماً تعلوا فى سبيل الدين وإجلالاً لأهل العلم والدين وخضوعاً للحق مما لو جاهد الإنسان الواحد منها بالاستقلال لاستغرق وقتاً طويلاً وجهداً كبيراً.
ورأينا كذلك فى أوساط المتصلين بهذه الدعوة والحركة والمتطوعين لها من الناشئة الجديدة والطبقة المثقفة والموظفين والتجار آثار الانقلاب الدينى، رأينا وحشة عن الدين تزول وتتبدل بالأنس، وتنافراً بين طبقتى المتدينين والمتمدينين أو المتنورين – كما يسمون أنفسهم – يرتفع وإجلالاً لشعائر الإسلام وتعظيمها يحل محل الاستهزاء والسخرية منها، ورغبة فى تعلم الدين ومعرفة أحكامه تشتد وتلح إلى غير ذلك مما يمتازون به عن أقرانهم وأترابهم وزملائهم.
الثانية: أن الجماهير من المسلمين لم يزالوا يبتعدون عن الدين بالتدريج حتى أصبحوا فى واد والدين فى وادٍ وتشاغل عنهم العلماء وأصحاب
الإصلاح والتعليم حتى انفصلوا عنهم فى كل شئ وأصبح هؤلاء أمة وأولئك أمة، تختلف الأولى عن الثانية فى العادات واللباس ومظاهر الحياة واللغات واللهجات، وأصبح هؤلاء العامة بجهلهم فريسة لكل صائد وأتباع كل ناعق تنهشهم سباع المادية وتغير عليهم لصوص الدين، وأخيراً فشت فيهم دعوة الشيوعية ووجدت أنصارها فى عامة المسلمين مرتعاً خصباً، ولكنا نتوقع أن هذه الدعوة الدينية والحركة الصحيحة والاتصال بالجماهير والطبقات المنحطة فى العلم والدين والمعاش مباشرة وبذل النصح لها يصد هذا التيار إن شاء الله سبحانه وتعالى ويكون سداً منيعاً فى وجه الحركات اللادينية.
عرفنا كذلك أنه لا يزدهر مشروع إصلاحى أو تكميلى إلا بالدعوة الدينية الأولى عن طريق التحريض والدعاية لا على طريق النظام والسياسة فى البداية، فالحياة المدنية فى الإسلام مبنية دائماً على أساس الحياة المكية، وكل مؤسسة لا تقوم على أساس الدعوة والتحريض الدينى
…
ولا تسبقها جهود فى تمهيد الأرض، إلى انهيار فى العاجل أو الآجل، اقتنعنا بهذه المبادئ وجربناها فى بلاد بعيدة عن مركز الإسلام، فى أرض وعرة قد أهملت منذ زمن طويل فرأينا الغراس يثمر والجهد القليل يأتى بحاصل كبير.
وها نحن وقد تلقيناها منهم فليتلقوها اليوم من إخوانهم ويقولوا " بضاعتنا أولاء نتحف إخواننا المسلمين فى البلاد الإسلامية عامة وفى
الأقطار العربية خاصة بهذه الدعوة الدينية ومبادئها ردت إلينا " (1) ويجربوها فى تربتهم الذكية الندية وفى أممهم النجيبة الذكية بجهودهم المتواصلة القوية ويشاهدوا سنة الله الأبدية فى نصر الأمة المحمدية وخوارق الدعوة الإسلامية (2).
(1) أى أن العرب هم الذين حملوا بضاعة الإسلام إلى العجم ثم هاهم العجم المهتمون بالرسالة يردون الجميل إلى أحفاد العرب.
(2)
محاضرة ألقاها الشيخ أبو الحسن الندوى فى إحدى اجتماعات التبليغ والدعوة، عام 1366هـ.