المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌رجال أدهشوا التاريخ - كلمات مضيئة في الدعوة إلي الله

[محمد علي محمد إمام]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم

- ‌مقدمة

- ‌البشارة بالرسول الخاتم صلى الله عليه وسلموأمته فى الكتب المتقدمة

- ‌الإعدادلبعثة الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم

- ‌إمام الدعاة صلى الله عليه وسلميتحدث عن نفسه

- ‌الحبيب صلى الله عليه وسلميصفه أصحابه

- ‌الجاهلية الأولىوالحاجة إلى بعثة نبى

- ‌موازنةبين الجاهلية الأولى وجاهلية اليوم

- ‌إفتقار العباد إلى الهداية

- ‌ميادين الهداية

- ‌منعلامات الهداية

- ‌وجوب الدعوة إلى الله عز وجلعلى الأمة المحمدية فى ضوءالكتاب والسنة

- ‌عظم المسئولية

- ‌الإحساس بمسئولية الدعوة

- ‌بعثة المسلم

- ‌عالمية الرسالة والدعوة

- ‌شرفالأمة المسلمة وعزها

- ‌رحماء بينهم

- ‌الدين النصيحة

- ‌وتعاونوا

- ‌ أنصر أخاك

- ‌حقائق فى الدعوة إلى الله

- ‌منمرتبة الحسن إلي الأحسن

- ‌الموعظة فى آيات

- ‌أحوال الناس أمام الدعاة

- ‌من أنوار القرآن

- ‌القدوة

- ‌الحكمة والموعظة الحسنة

- ‌من الصفاتالتى يجب أن يتحلى بها الداعىإلى الله

- ‌بركات الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى

- ‌عاقبةترك الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى

- ‌الله جل جلالهيحذر هذه الأمة من ترك الدعوة إلى الله

- ‌لماذا يتكررقصص الأنبياء فى القرآن

- ‌هل تجب الدعوة إلى الله عز وجلعلى المقصر

- ‌مع آية الخيرية

- ‌شروط إنكار المنكر

- ‌الباعث علىالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر

- ‌نصاب جهد الدين

- ‌هل تقدم الدعوة على القتال

- ‌هل هناك فرقبين لفظ الجهاد ولفظ الدعوة

- ‌ما هى مراتب الجهاد

- ‌الرباط

- ‌أقوالالسلف فى آية المجاهدة

- ‌مزاجالنبوة فى الدعوة إلى الله

- ‌مقصد الأمة

- ‌النبوة والخلافة والنيابة

- ‌العقيدة أولاً أم الحاكمية

- ‌هل ننصر بدون الدعوة

- ‌الدعوة طريق العودة

- ‌الداعى إلى الله مؤيد من الله

- ‌إيمان الجند سبيل النصر

- ‌الأفراح

- ‌الابتلاءطريق الدعاة إلى الله

- ‌صيحة إلى كل داعى

- ‌ما هو الترقى

- ‌قطوفمن بستان الدعوة إلى الله

- ‌الدين

- ‌وصية الصديق رضي الله عنه

- ‌وصية جندب رضي الله عنه

- ‌أذهله أمر آخرته

- ‌عبرة

- ‌صلاح الأحوال

- ‌المنافع مع الدين الكامل

- ‌الحقائق الغيبية

- ‌التكاليف والأوامر

- ‌مصحة إيمانية

- ‌هل أنت مؤمن

- ‌من أجود جوداً

- ‌سنة الحركة والترك

- ‌من جميل ما يروى فى الحلم

- ‌حديث قدسى

- ‌رسالة عبد الله بن المباركإلى فضيل ابن عياض

- ‌جهد الأعلى وجهد الأدنى

- ‌الأسباب للاختبار والامتحان

- ‌هل نترك الأسباب

- ‌الجهد سبباً للورع والتقوى

- ‌عاطفة نشر الدين

- ‌الصفات

- ‌صفة الإتباعمحمدٌ رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌صفة الصلاةذات الخشوع والخضوع

- ‌العلم الحقيقي

- ‌الفقه

- ‌مقصود العلم إحياء الإسلام

- ‌الدعاة هم أولياء الله عز وجل

- ‌الذكر

- ‌الإيثار والإكرام

- ‌تصحيح النيةوإخلاصها لله عز وجل

- ‌الدعوة إلى الله عز وجلوالتضحية لدين الله عز وجل

- ‌ملخص الصفات الطيبة

- ‌المحبة

- ‌أيها الدعاة إلى اللهأخلصوا

- ‌من أفواه الدعاة

- ‌الدعوة مصنع الرجال

- ‌رجال أدهشوا التاريخ

- ‌الدعوة إلى اللهمن البداية إلى النهاية

- ‌حال العالم قبل ظهور الأمة المحمدية:

- ‌ظهور الأمة المحمدية:

- ‌وهل بعثت الأمة للتجارة

- ‌وهل بعثت الأمة للصناعة

- ‌وهل بعثت الأمة لتنضم إلى الحكومات

- ‌وهل بعثت الأمة للتوسع في الشهوات والملذات

- ‌ وهل تريد ملكا

- ‌لقد بعثت الأمة لغرض سام جداً

- ‌في أي مكان ظهرت هذه الأمة

- ‌مجابهه قريش لها:

- ‌ غزوة بدر وبيان مهمة الأمة:

- ‌شرط بقاء الأمة:

- ‌ربعي بن عامر رضي الله عنه يبين لرستم قائد الفرس مقصد بعثة الأمة:

- ‌عتاب الله لمن تلكأ عن المهمة:

- ‌حال الأمة اليوم:

- ‌حجة ظاهرة علي المسلمين:

- ‌لماذا كتب الله لنا الخلود والظهور

- ‌ تخلف الأمة عن الأمم المعاصرة:

- ‌ما الذي يقهر المادة

- ‌العالم بأسرة ينتظر رسل المسلمين:

- ‌انحراف المسلمين عن المثل الكامل:

- ‌ماذا كان يفعل الصحابة إذا أسفر النهار

- ‌ماذا إذا أذن المؤذن

- ‌مجالس الذكر والعلم:

- ‌حال القراء

- ‌المعرفة بالحلال والحرام:

- ‌التبليغ:

- ‌الحب .. التضحية .. الإيثار:

- ‌وضع كل شيء في محله:

- ‌ماذا لو نادي منادي الجهاد:

- ‌يسيحون في الأرض:

- ‌كيف السبيل إلى عودة هذه الحياة:

- ‌الكلمة وتغيير منهاج الحياة:

- ‌وما الذي يساعد علي التغيير

- ‌الصلاة:

- ‌العلم:

- ‌الذكر:

- ‌الدعوة والتبليغ:

- ‌الخروج في سبيل الله:

- ‌الشيخ إلياس وفكرة في الإصلاح:

- ‌تأسيس المدارس والكتاتيب:

- ‌الفرق بين المعلمين والمرسلين:

- ‌فراسة إيمانية:

- ‌النتيجة والثمرة:

- ‌وقبل الختام

- ‌الختام

- ‌المراجع

الفصل: ‌رجال أدهشوا التاريخ

‌رجال أدهشوا التاريخ

!!

عن عائشة رضى الله عنها قالت: لما اجتمع أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم وكانوا ثمانية وثلاثين رجلاً، ألح أبو بكر رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الظهور. فقال: يا أبا بكر .. إنا قليل فلم يزل أبو بكر يلح حتى ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرق المسلمون فى نواحى المسجد كل رجل فى عشيرته، قام أبو بكر فى الناس خطيباً ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس فكان أول خطيب دعا إلى الله عز وجل وإلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وثار المشركون على أبى بكر وعلى المسلمين فضربوا فى نواحى المسجد ضرباً شديداً ووطئ أبو بكر وضرب ضرباً شديداً ودنا منه الفاسق عتبة بن ربيعة فجعل يضربه بنعلين مخصوفتين ويحرفهما لوجهة وترا على بطن أبى بكر حتى ما يعرف وجهه من أنفه وجاءت بنو تيم يعادون فأجلت المشركين عن أبى بكر وحملت بنو تيم (1) أبا بكر فى ثوب حتى أدخلوه منزله ولا يشكون فى موته ثم رجعت بنو تيم فدخلوا المسجد وقالوا والله لئن مات أبو بكر لنقتلن عتبة بن ربيعة فرجعا إلى أبى بكر فجعل أبو قحافة وبنو تيم يكلمون أبا بكر حتى أجاب، فتكلم آخر النهار. فقال: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

(1) قبيلة سيدنا أبى بكر الصديق رضى الله عنه.

ص: 487

فمسوا منه بألسنتهم وعذلوه، ثم قالوا لأمه أم الخير: انظرى أن تطعميه شيئاً أو تسقيه إياه، فلما خلت به ألحت عليه وجعل يقول: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

فقالت: والله مالى علم بصاحبك. فقال: اذهبى إلى أم جميل بنت الخطاب فاسأليها عنه. فخرجت حتى جاءت أم جميل فقالت: إن أبا بكر يسألك عن محمد بن عبد الله؟ فقالت: ما أعرف أبا بكر ولا محمد

بن عبد الله وإن كنت تحبين أن أذهب معك إلى ابنك فعلت. قالت: نعم. فمضت معها حتى وجدت أبا بكر صريعاً دنفاً فدنت أم جميل وأعلنت بالصياح. وقالت: والله إن قوماً نالوا هذا منك لأهل فسق وكفر وإنى لأرجو أن ينتقم الله منهم. قال: فما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم .. ؟

قالت: هذه أمك تسمع. قال: فلا شئ عليك منها. قالت: سالم صالح. قال: أين هو .. ؟ قالت: فى دار الأرقم بن أبى الأرقم.

قال: فإن لله علىَّ لا أذوق طعاماً ولا أشرب شراباً أو آت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمهلتا حتى إذا هدأت الرجل وسكن الناس خرجتا يتكئ عليهما حتى أدخلتاه على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكب عليه رسول الله فقبله (1) وأكب عليه المسلمون ورقَّ له رسول الله صلى الله عليه وسلم رقة شديدة. فقال أبو بكر: بأبى وأمى يا رسول

(1) جواز معانقة المسلم وتقبيله بعد نجاته من محنة ما حتى لولم يكن مسافراً.

ص: 488

الله! ليس بى بأس إلا ما نال الفاسق من وجهى، وهذه أمى بارة بولدها وأنت مبارك فادعها إلى الله وادع الله لها عسى أن يستنقذها بك من النار.

قال: فدعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاها إلى الله فأسلمت

الخ (1).

وهذا عروة بن مسعود الثقفى يقول لقومه .. والله لقد وفدت على الملوك على كسرى وقيصر والنجاشى، والله ما رأيت ملكاً يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمداً والله إن تنخم نخامة إلا وقعت فى كف

رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده وإذا أمرهم ابتدروا أمره وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده وما يحدون النظر تعظيماً له (2).

وعن عمرو بن السائب أنه بلغه أن والد أبى سعيد الخدرى (مالك بن سنان) لما جُرح النبى صلى الله عليه وسلم يوم أحد مصَّ جرحه حتى نقاه ولاح أبيض فقيل له مُجَّه. فقال: لا والله لا أمجه أبداً ثم أدبر فقاتل. فقال النبى صلى الله عليه وسلم من أراد أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا فاستشهد.

وفى رواية أخرى: أنه مصَّ الدم عن وجهه ثم ازدرده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من مس دمه دمى لم تمسه النار (3).

(1) حياة الصحابة - 1/ 262.

(2)

زاد المعاد - ابن القيم.

(3)

تاريخ الإسلام - الذهبى - 1/ 325.

ص: 489

وعن أنس رضي الله عنه قال: انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى سبقوا المشركين إلى بدر وجاء المشركون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض، قال عمير بن الحمام بخٍ .. بخٍ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يحملك على قول بخٍ .. بخٍ. قال لا والله يا رسول الله إلا رجاء أكون من أهلها. قال: فإنك من أهلها.

قال: فأخرج تمرات من قرنه فجعل يأكل منهن ثم قال: لئن أنا حييت حتى آكل تمراتى إنها لحياة طويلة. قال: فرمى بما كان معه من التمر ثم قاتلهم حتى قتل. رواه مسلم (1).

وعن محمود بن عمرو بن يزيد بن السكن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يوم أحد حين غشيه القوم من رجل يشرى منا نفسه .. ؟ فقام زياد بن السكن فى خمسة من الأنصار وبعض الناس يقول: هو عمارة بن زياد بن السكن فقاتلوا دون رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل ثم رجل يُقتلون دونه حتى كان آخرهم زياداً أو عمارة فقاتل حتى أثبتته الجراحة ثم فائت من المسلمين فئة فأجهضوهم عنه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أدنوه منى فوسده قدمه فمات وخده على قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وترس دون رسول لله صلى الله عليه وسلم أبو دجانة بنفسه يقع النبل فى ظهره وهو منحنٍ على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كثرت فيه النبل (2).

(1) مشكاة المصابيح - باب الجهاد - 2/ 1122.

(2)

تاريخ الإسلام - الذهبى - غزوة أحد - 1/ 317.

ص: 490

وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد يوم أحد فى سبعة من الأنصار ورجلين فى قريش فلما رهقوه، قال: من يردهم عنا وله الجنة أو هو رفيقى فى الجنة. فتقدم رجل من الأنصار فقاتل حتى قُتل وتقدم آخر حتى قُتل فلم يزل كذلك حتى قُتل السبعة فقال لصاحبيه: ما أنصفنا أصحابنا. رواه مسلم (1).

وعن أنس رضي الله عنه قال: لما كان يوم أحد انهزم الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو طلحة بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم يجوب عنه بجحفة معه وكان أبو طلحة رجلاً رامياً شديد النزع كسر يومئذٍ قوسين أو ثلاثة وكان الرجل يمر بالجعبة فيها النبل فينثرها لأبى طلحة ويشرف نبى الله فينظر إلى القوم فيقول أبو طلحة: يا نبى الله، بأبى أنت وأمى لا تشرف يصبك سهم من سهام القوم، نحرى دون نحرك. متفق عليه (2).

وفى رواية أنه ثبت بين يديه ثلاثون رجلاً منهم أبو بكر وعمر وعلى وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبى وقاص وأبو عبيدة

بن الجراح وسبعة من الأنصار الحُباب بن المنذر وأبو دجانة وعاصم بن ثابت والحارث بن الصُمة وسهل بن ضيف وسعد بن معاذ وقيل سعد بن عبادة ومحمد بن مسلمة.

(1) المرجع السابق.

(2)

المرجع السابق - 1/ 318.

ص: 491

وقيل ثبت بين يديه ثلاثون رجلاً كلهم يقول: وجهى دون وجهك .. ونفسى دون نفسك .. وعليك السلام غير مودع (1).

وعن أبى بكر بن أبى موسى الأشعرى قال سمعت أبى رضي الله عنه وهو بحضرة العدو يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف. فقام رجل رث الهيئة، فقال: يا أبا موسى .. أنت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا .. ؟ قال: نعم. فرجع إلى أصحابه فقال: أقرأ عليكم السلام. ثم كسر جفن سيفه فألقاه ثم مشى بسيفه إلى العدو فضرب حتى قتل. رواه مسلم (2).

وعن خارجه بن زيد بن ثابت عن أبيه قال: بعثنى النبى صلى الله عليه وسلم يوم أحد لطلب سعد بن الربيع وقال لى: إن رأيته فاقرأه منى السلام وقل له: يقول لك رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف تجدك .. ؟ فجعلت أطوف بين القتلى فأصبته وهو فى آخر رمق وبه سبعون ضربة. فقلت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ عليك السلام ويقول لك خبرنى كيف تجدك .. ؟ قال: على رسول الله صلى الله عليه وسلم السلام وعليك. قل له يا رسول الله: أجدُ ريح الجنة. وقل لقوم الأنصار لا عُذر لكم عند الله إن خلص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيكم شفر يطرف وفاضت نفسه (3).

وعن أنس رضي الله عنه قال: غاب عمى أنس بن النضر عن قتال بدر. فقال: غبت عن أول قتال قاتلت المشركين لئن الله أشهدنى قتال المشركين ليرين

(1) سبل الهدى والرشاد فى سيرة خير العباد - الصالحى - 4/ 292.

(2)

رياض الصالحين - باب الجهاد.

(3)

تاريخ الإسلام - الذهبى - 1/ 322.

ص: 492

الله ما أصنع. فلما كان يوم أحد انكشف المسلمون فقال اللهم إنى أعتذر إليك مما صنع هؤلاء – يعنى أصحابه – وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء – يعنى المشركين – ثم تقدم فاستقبله سعد بن معاذ. فقال: يا سعد بن معاذ الجنة ورب النضر، إنى أجد ريحها من دون أحد .. واهاً لريح الجنة، فقال سعد: فما استطعت يا رسول الله ما صنع. قال أنس: فوجدنا به بضعاً وثمانين ضربة بالسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم ووجدناه قد قتل ومثل به المشركين فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه. قال أنس: كنا نرى أو نظن أن هذه الآية نزلت فيه وفى أشباهه {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} (1) متفق عليه (2).

وفى رواية لما: أنتهى أنس بن النضر إلى عمر وطلحة ورجال ألقوا بأيديهم فقال: ما يجلسكم .. ؟ فقالوا: قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فما تصنعون بالحياة بعده فقوموا موتوا على ما مات عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم استقبل القوم فقاتل حتى قتل (3).

(1) سورة الأحزاب - الآية 23.

(2)

رياض الصالحين - باب المجاهدة.

(3)

تاريخ الإسلام - الذهبى - 1/ 323.

ص: 493

وكان عمرو بن الجموح أعرج شديد العرج وكان له بنون أربعة مثل الأسد يشهدون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المشاهد وهم خلاد ومعوذ ومعاذ وأبو أيمن فلما كان يوم أحد أرادوا حبسه قالوا: إن الله قد عذرك فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن بنى يريدون أن يحبسونى عن هذا الوجه وللخروج معك فيه، فو الله إنى لأرجوا أن أطأ بعرجتى هذه فى الجنة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما أنت فقد عذرك الله تعالى، فلا جهاد عليك وقال لبنيه: ما عليكم ألا تمنعوه لعل الله يرزقه الشهادة. فخرج وهو يقول مستقبل القبلة .. اللهم لا تردنى إلى أهلى خائباً، فقتل شهيداً ..

وروى الإمام أحمد عن قتادة بن الحارث بن ربعى الأنصارى قال: أتى عمرو بن الجموح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أرأيت إن قاتلت فى سبيل الله حتى أُقتل. أمشى برجلى هذه صحيحة فى الجنة - وكانت رجله عرجاء - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم. فقتلوه يوم أحد هو وابن أخيه ومولى لهم فمر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كأنى أنظر إليك تمشى برجلك هذه صحيحة فى الجنة فأمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلوا فى قبر واحد (1).

وعندما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر لأخذ العير ووجد أن أبا سفيان قد نجا بالقافلة وأتى خبر مسير قريش فاستشار الناس فتكلم المهاجرون فأحسنوا ثم استشارهم. وفى رواية فقام أبو بكر فقال وأحسن. ثم قام عمر بن الخطاب فقال وأحسن ثم قام المقداد بن الاسود فقال: يا رسول الله أمضِ

(1) سبل الهدى والرشاد - 4/ 315.

ص: 494

لما أمرك الله فنحن معك والله ما نقول لك كما قال قوم موسى لموسى {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} (1) ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إن معكما مقاتلون (2). عن يمينك وعن شملك وبين يديك ومن خلفك والذى بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه حتى نبلغه فأشرق وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له خيراً ودعا له.

وذكر موسى بن عقبة وابن عائذ، أن عمر قال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إنها قريش وعزها والله ما ذلت منذ عزت ولا آمنت منذ كفرت والله لتقابلنك فأهب لذلك أهبته. وأعد لذلك عُدته ثم استشارهم ثالثاً ففهمت الأنصار أنه يعنيهم وذلك أنهم عدد الناس فقام سعد بن معاذ رضي الله عنه وجزاه الله خيراً فقال: يارسول الله صلى الله عليه وسلم كأنك تعرض بنا قال: أجل وكان إنما يعنيهم لأنهم بايعوه على أن يمنعوه من الأحمر والأسود فى ديارهم فاستشارهم ليعلم ما عندهم فقال سعد: يا رسول الله قد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة فامضِ لما أردت ولعلك يا رسول الله تخشى أن تكون الأنصار ترى عليها ألا ينصروك إلا فى ديارهم وإنى أقول عن الأنصار وأجيب عنهم:

(1) سورة المائدة - الآية 24.

(2)

وفى ابن هشام: متبعون.

ص: 495

فاظعن حيث شئت

وصل حبال من شئت

واقطع حبال من شئت

وخذ من أموالنا ما شئت

وأعطنا ما شئت

وما أخذت منا كان أحب إلينا مما تركت

وما أمرت فيه من أمر فأمرنا تبع لرأيك

فو الله لئن سرت حتى تبلغ البرك من غمدان. وفى رواية برك الغماد من ذى يمن لنسيرن معك.

والله لو استعرضت بنا هذا البحر لخضناه معك ما تخلف منا رجلٌ واحد .. وما نكره أن نلقى عدونا غداً .. وإنا لصبرٌ فى الحرب .. صُدق فى اللقاء .. لعل الله يُريك منا ما تقر به عينك .. ولعلك خرجت لأمر فأحدث الله غيره فسربنا على بركة الله فنحن عن يمينك وشمالك وبين يديك وخلفك ولا نكون كالذين قالوا لموسى: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} (1) ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما متبعون. فأشرق وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وسر بقول سعد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم سيروا على بركة الله وأبشروا فإن الله وعدنى إحدى الطائفتين والله لكأنى أنظر الآن إلى مصارع القوم (2).

وعن عامر بن سعد عن أبيه قال: لما حكم سعد بن معاذ فى بنى قريظة أن يقتل من جرت عليه المواسى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد حكم فيهم بحكم الله الذى حكم به من فوق سبع سماوات.

(1) سورة المائدة - الآية 14.

(2)

انظر سبل الهدى والرشاد - 4/ 42، حياة الصحابة - 1/ 396.

ص: 496

وأخرج ابن سعد عن عاصم بن عمر بن قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استيقظ فجاءه جبريل أو قال ملك فقال من رجل مات من أمتك الليلة استبشر بموته أهل السماء قال: لا أعلمه. إلا أن سعد بن معاذ أمس دنفاً ما فعل سعد .. ؟ قالوا: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم .. قبض وجاء قومه فاحتملوه إلى دارهم فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس الصبح ثم خرج وخرج الناس مشياً حتى إن شسوع نعالهم تقطع من أرجلهم وإن أرديتهم لتسقط من عواتقهم فقال قائل: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بتت الناس مشياً قال: أخشى أن تسبقنا إليه الملائكة كما

سبقتنا إلى حنظله. وفى رواية .. من مات من أمتك قد إهتز له عرش الرحمن فرحاً بقدوم روحه. وعن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اهتز عرش الله لموت سعد بن معاذ (1).

وعن أبى بريدة عن أبيه قال بينما نحن قعود على شراب لنا ونحن نشرب الخمر حلة (حلالاً) إذ قمت حتى آتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأُسلم عليه قد نزل تحريم الخمر {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} (2).

(1) تاريخ الإسلام - الذهبى - 1/ 382.

(2)

سورة المائدة – الآيتان 90، 91.

ص: 497

قال وبعض القوم شربته فى يده قد شرب بعضها وبقى بعضاً فى الإناء فقال بالإناء تحت شفته العليا كما يفعل الحجام ثم صبوا ما فى باطيتهم فقالوا: انتهينا ربنا .. انتهينا ربنا (1)(2).

وأخرج عبد بن حميد عن رجل من بني سليم قال: جاورت أبا ذر بالربذة، وله فيها قطيع إبل. له فيها راع ضعيف فقلت: يا أبا ذر ألا أكون لك صاحبا أكنف راعيك، وأقتبس منك بعض ما عندك، لعل الله أن ينفعني به؟ فقال أبو ذر: إن صاحبي من أطاعني، فإما أنت مطيعي فأنت لي صاحب وإلا فلا. قلت: ما الذي تسألني فيه الطاعة؟ قال: لا أدعوك بشيء من مالي إلا توخيت أفضله.

قال: فلبثت معه ما شاء الله، ثم ذكر له في الماء حاجة فقال: ائتني ببعير من الإبل، فتصفحت الإبل فإذا أفضلها فحلها ذلول، فهممت بأخذه ثم ذكرت حاجتهم إليه فتركته، وأخذت ناقة ليس في الإبل بعد الفحل أفضل منها، فجئت بها فحانت منه نظرة فقال: يا أخا بني سليم خنتني. فلما فهمتها منه خليت سبيل الناقة ورجعت إلى الإبل، فأخذت الفحل فجئت به فقال لجلسائه: من رجلان يحتسبان عملهما؟ قال رجلان: نحن. . . قال: أما لا فأنيخاه، ثم اعقلاه، ثم انحراه، ثم عدوا بيوت الماء فجزئوا لحمه على عددهم، واجعلوا بيت أبي ذر بيتا منها ففعلوا.

(1) مختصر تفسير ابن كثير – 1/ 547.

(2)

مختصر تفسير ابن كثير – 1/ 547.

ص: 498

فلما فرق اللحم دعاني فقال: ما أدري أحفظت وصيتي فظهرت بها، أم نسيت فأعذرك؟ قلت: ما نسيت وصيتك ولكن لما تصفحت الإبل وجدت فحلها أفضلها، فهممت بأخذه فذكرت حاجتكم إليه فتركته فقال: ما تركته إلا لحاجتي إليه؟ قلت: ما تركته إلا لذلك قال: أفلا أخبرك بيوم حاجتي؟ إن يوم حاجتي يوم أوضع في حفرتي، فذلك يوم حاجتي. إن في المال ثلاثة شركاء: القدر لا ينتظر أن يذهب بخيرها أو شرها، والوارث ينتظر متى تضع رأسك ثم يستفيئها وأنت ذميم، وأنت الثالث فإن استطعت أن لا تكونن أعجز الثلاثة فلا تكونن مع أن الله يقول:{لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ} (1)

وإن هذا المال مما أحب من مالي فأحببت أن أقدمه لنفسي. (2).

وفى القادسية أرسل سعد بن أبى وقاص ربعى بن عامر رضي الله عنهم إلى رستم قائد الفرس فزينوا له المجلس وبسطوا البسط والنمارق ولم يتركوا شيئاً ووضع لرستم سرير الذهب وألبس زينته فى الأنماط والوسائد المنسوجة بالذهب وأقبل ربعى على فرس قصيرة، ومعه سيف له، وغمده لفافة ثوب خلق، ومعه قوسه ونبله، فلما غشى الملك وانتهى إليه وإلى أدنى البسط قيل له: انزل فحملها على البساط فلما استوت عليه نزل عنها وربطها

(1) سورة آل عمران _ الآية 92.

(2)

انظر تفسير الدر المنثور في التفسير بالمأثور- سورة آل عمران - الآية 92.

ص: 499

بوسادتين فشقها ثم أدخل الحبل فيهما فلم يستطيعوا أن ينهوه وإنما أروه التهاون وعرفوا ما أرادوا.

فأراد استخراجهم وعليه درع له كأنها إضاة وعباءة بعير قد جابها وتدرعها وشدها على وسطه بسلب وقد شد رأسه بمعجرته وكان أكثر العرب شعره ومعجرته نسعة بعير ولرأسه أربع ضفائر قد قمن قياماً كأنهن قرون الوعلة فقالوا: ضع سلاحك فقال إنى لم آتكم فأضع سلاحى بأمركم. أنتم دعوتمونى فإن أبيتم أن آتيكم إلا كما أريد وإلا رجعت فأخبروا رستم فقال: ائذنوا له. هل هو إلا رجل واحد فأقبل يتوكأ على رمحه وزجه نصل يقارب الخطو ويزج النمارق والبسط فما ترك لهم نمرقه ولا بساط إلا أفسده وتركه منتهكاً مخرقاً فلما دنا من رستم تعلق به الحرس وجلس على الأرض وركز رمحه بالبسط فقالوا: ما حملك على هذا .. ؟ قال: إنا لا نستحب القعود على زينتكم هذه. فكلمه فقال: ما جاء بكم .. ؟ قال: إن الله سبحانه وتعالى ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام.

فقاال رستم: ويحكم لا تنظروا إلى الثياب ولكن انظروا إلى الرأى والكلام والسيرة إن العرب تستخف باللباس والمأكل ويصونون الأحساب .. الخ (1).

وأخرج جرير فى تاريخه عن أبى عبدة العنبرى قال: لما هبط المسلمون المدائن وجمعوا الأقباض أقبل رجل بحق معه فدفعه إلى صاحب

(1) حياة الصحابة - 3/ 697.

ص: 500

الأقباض فقال الذين معه: ما رأينا مثل هذا قط ما يعدله ما عندنا ولا يقاربه فقالوا من أنت .. ؟ فقال: لا والله! لا أخبركم لتحمدونى ولا غيركم ليقرظونى ولكنى أحمد الله وأرضى بثوابه فأتبعوه رجلاً حتى انتهى إلى أصحابه فسأل عنه فإذا هو عامر بن عبد القيس (1).

وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع فعرض سعد على عبد الرحمن أن يناصفة أهله وماله.

قال سعد: أنا أكثر أهل المدينة مالاً فأقسم لى نصف مالى وانظر أى زوجتى هويت نزلت لك عنها فإذا حلت تزوجتها.

فقال عبد الرحمن: بارك الله عز وجل لك فى أهلك ومالك .. دلونى على السوق فاشترى وباع (2).

وقال حذيفة العدوى: انطلقت يوم اليرموك أطلب ابن عم لى ومعى شئ من ماء وأنا أقول إن كان به رمق سقيته ومسحت به وجهه فإذا أنا به فقلت: أسقيك؟ فأشار إلىَّ أن نعم، فإذا رجل يقول: آه فأشار ابن عمى إلىَّ أن انطلق به إليه فجئته فإذا هو هشام بن العاص فقلت: أسقيك؟ فسمع به آخر فقال: آه. فأشار هشام انطلق به إليه فجئته فإذا هو قد مات فرجعت إلى

(1) المرجع السابق - 3/ 690.

(2)

سبل الهدى والرشاد - 3/ 530.

ص: 501

هشام فإذا هو قد مات فرجعت إلى ابن عمى فإذا هو قد مات .. رحمة الله عليهم أجمعين (1).

وقيل أن ذلك حدث أيضاً مع كل من عكرمة بن أبى جهل وسهيل بن عمرو والحارث بن هشام .. أنهم أتوا بماء وهم صرعى فتدافعوا حتى ماتوا ولم يذوقوه (2).

ومن أمثلة الصدق ..

وجاء رجل من الأعراب إلى النبى صلى الله عليه وسلم فآمن به واتبعه فقال أهاجر معك فأوصى به بعض أصحابه فلما كانت غزوة خيبر غنم رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً فقسمه له وكان يرعى ظهرهم فلما جاء دفعوه إليه فقال: ما هذا .. ؟ قالوا: قسم قسمه لك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذه فجاء إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال: ما هذا

يا رسول الله صلى الله عليه وسلم .. ؟ قال: قسم قسمته لك. قال: ما على هذا اتبعتك ولكن اتبعتك على أن أُرمى ههنا – وأشار إلى حلقه – بسهم، فأموت فأدخل الجنة. فقال: إن تصدق الله يصدقك ثم نهضوا إلى قتال العدو فأتى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مقتول. فقال: أهو هو .. ؟ قالوا: نعم. قال صدق الله فصدقه، فكفنه النبى صلى الله عليه وسلم فى جبته ثم قدمه فصلى عليه وكان من دعائه له: اللهم هذا عبدك خرج مهاجراً فى سبيلك قتل شهيداً وأنا عليه شهيد (3).

(1) منهاج المسلم - الشيخ أبو بكر الجزائرى.

(2)

منهاج القاصدين - ابن قدامة.

(3)

زاد المعاد - ابن القيم (غزوة خبير).

ص: 502

هؤلاء هم الرجال .. العظماء .. الذين صنعهم النبى صلى الله عليه وسلم فى مدرسة الدعوة إلى الله عز وجل فى بيت الأرقم بن أبى الأرقم فى مكة المكرمة ثم فى مسجد النبى صلى الله عليه وسلم فى المدينة المنورة .. فأخرج رجالاً أدهشوا تاريخ العالم لأنهم صُنعوا على عين رسول الله صلى الله عليه وسلم فضربوا أروع الأمثلة فى:

فى حب الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم

فى بذل النفوس والأرواح

فى العطاء والإيثار

فى الطاعة والانقياد

فى الاستخفاف بزخارف الدنيا الزائفة وحطامها الفانى

فى العفة والأمانة

فى الزهد فى الدنيا والإقبال على الآخرة.

فى الإخلاص

فى الصدق

وهكذا كان شأن الذين احتضنوا الدعوة إلى الله عز وجل من هذه الأمة المباركة فقد كان لكل منهم نصيب من متاعب الجهاد وخسائر النفوس والأموال أعظم من نصيب أى أمة فى العالم وقد خاطبهم الله عز وجل بقوله

{قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ

ص: 503

إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} (1).

وقال المولى سبحانه وتعالى {مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ} (2).

لأن سعادة البشرية كانت تتوقف على ما يقدمونه من تضحية وإيثار وما يتحملون من خسائر ونكبات فقال: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} (3).

وقال سبحانه وتعالى {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ} (4).

لأن إحجام العرب عن هذه المكرمة وقد ردهم بسبب امتداد الشقاء للإنسانية واستمرار الأوضاع السيئة فى العالم .. فقال سبحانه وتعالى {إِلا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} (5).

(1) سورة التوبة - الآية 24.

(2)

سورة التوبة – الآية 120.

(3)

سورة البقرة - الآية 155.

(4)

سورة العنكبوت - الآية 2.

(5)

سورة الأنفال - الآية 73.

ص: 504

فتضحية شباب العرب قنطرة لسعادة البشرية .. فالعالم لا يسعد .. وخيرة الشباب فى العواصم العربية عاكفون على شهواتهم ومدار حياتهم حول المادة والملذات لا يفكرون فى غيرهما ولا يترفعون عن الجهاد فى سبيلهما.

إن العالم لا يمكن أن يصل إلى السعادة إلا على قنطرة من جهاد ومتاعب يقدمها الشباب المسلم ومصاعب يواجهها ويتغلب عليها ..

إن الأرض لهى فى أشد الحاجة إلى سماد .. وسماد أرض البشرية الذى تصلح به وتنبت زرع الإسلام الكريم هى الشهوات والمطامع المغرية التى يضحى بها الشباب العربى فى سبيل علو الإسلام وبسط الأمن والسلام على العالم وانتقال الناس من الطرق المؤدية إلى جنهم والعياذ بالله إلى الطريق المؤدية إلى الجنة وإنه لثمن قليل جداً لسلعة غالية جداً (1).

عن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم .. من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة (2).

*****

(1) انظر كتاب ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين - الندوى.

(2)

رياض الصالحين - باب الخوف.

ص: 505