المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌بركات الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى - كلمات مضيئة في الدعوة إلي الله

[محمد علي محمد إمام]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم

- ‌مقدمة

- ‌البشارة بالرسول الخاتم صلى الله عليه وسلموأمته فى الكتب المتقدمة

- ‌الإعدادلبعثة الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم

- ‌إمام الدعاة صلى الله عليه وسلميتحدث عن نفسه

- ‌الحبيب صلى الله عليه وسلميصفه أصحابه

- ‌الجاهلية الأولىوالحاجة إلى بعثة نبى

- ‌موازنةبين الجاهلية الأولى وجاهلية اليوم

- ‌إفتقار العباد إلى الهداية

- ‌ميادين الهداية

- ‌منعلامات الهداية

- ‌وجوب الدعوة إلى الله عز وجلعلى الأمة المحمدية فى ضوءالكتاب والسنة

- ‌عظم المسئولية

- ‌الإحساس بمسئولية الدعوة

- ‌بعثة المسلم

- ‌عالمية الرسالة والدعوة

- ‌شرفالأمة المسلمة وعزها

- ‌رحماء بينهم

- ‌الدين النصيحة

- ‌وتعاونوا

- ‌ أنصر أخاك

- ‌حقائق فى الدعوة إلى الله

- ‌منمرتبة الحسن إلي الأحسن

- ‌الموعظة فى آيات

- ‌أحوال الناس أمام الدعاة

- ‌من أنوار القرآن

- ‌القدوة

- ‌الحكمة والموعظة الحسنة

- ‌من الصفاتالتى يجب أن يتحلى بها الداعىإلى الله

- ‌بركات الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى

- ‌عاقبةترك الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى

- ‌الله جل جلالهيحذر هذه الأمة من ترك الدعوة إلى الله

- ‌لماذا يتكررقصص الأنبياء فى القرآن

- ‌هل تجب الدعوة إلى الله عز وجلعلى المقصر

- ‌مع آية الخيرية

- ‌شروط إنكار المنكر

- ‌الباعث علىالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر

- ‌نصاب جهد الدين

- ‌هل تقدم الدعوة على القتال

- ‌هل هناك فرقبين لفظ الجهاد ولفظ الدعوة

- ‌ما هى مراتب الجهاد

- ‌الرباط

- ‌أقوالالسلف فى آية المجاهدة

- ‌مزاجالنبوة فى الدعوة إلى الله

- ‌مقصد الأمة

- ‌النبوة والخلافة والنيابة

- ‌العقيدة أولاً أم الحاكمية

- ‌هل ننصر بدون الدعوة

- ‌الدعوة طريق العودة

- ‌الداعى إلى الله مؤيد من الله

- ‌إيمان الجند سبيل النصر

- ‌الأفراح

- ‌الابتلاءطريق الدعاة إلى الله

- ‌صيحة إلى كل داعى

- ‌ما هو الترقى

- ‌قطوفمن بستان الدعوة إلى الله

- ‌الدين

- ‌وصية الصديق رضي الله عنه

- ‌وصية جندب رضي الله عنه

- ‌أذهله أمر آخرته

- ‌عبرة

- ‌صلاح الأحوال

- ‌المنافع مع الدين الكامل

- ‌الحقائق الغيبية

- ‌التكاليف والأوامر

- ‌مصحة إيمانية

- ‌هل أنت مؤمن

- ‌من أجود جوداً

- ‌سنة الحركة والترك

- ‌من جميل ما يروى فى الحلم

- ‌حديث قدسى

- ‌رسالة عبد الله بن المباركإلى فضيل ابن عياض

- ‌جهد الأعلى وجهد الأدنى

- ‌الأسباب للاختبار والامتحان

- ‌هل نترك الأسباب

- ‌الجهد سبباً للورع والتقوى

- ‌عاطفة نشر الدين

- ‌الصفات

- ‌صفة الإتباعمحمدٌ رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌صفة الصلاةذات الخشوع والخضوع

- ‌العلم الحقيقي

- ‌الفقه

- ‌مقصود العلم إحياء الإسلام

- ‌الدعاة هم أولياء الله عز وجل

- ‌الذكر

- ‌الإيثار والإكرام

- ‌تصحيح النيةوإخلاصها لله عز وجل

- ‌الدعوة إلى الله عز وجلوالتضحية لدين الله عز وجل

- ‌ملخص الصفات الطيبة

- ‌المحبة

- ‌أيها الدعاة إلى اللهأخلصوا

- ‌من أفواه الدعاة

- ‌الدعوة مصنع الرجال

- ‌رجال أدهشوا التاريخ

- ‌الدعوة إلى اللهمن البداية إلى النهاية

- ‌حال العالم قبل ظهور الأمة المحمدية:

- ‌ظهور الأمة المحمدية:

- ‌وهل بعثت الأمة للتجارة

- ‌وهل بعثت الأمة للصناعة

- ‌وهل بعثت الأمة لتنضم إلى الحكومات

- ‌وهل بعثت الأمة للتوسع في الشهوات والملذات

- ‌ وهل تريد ملكا

- ‌لقد بعثت الأمة لغرض سام جداً

- ‌في أي مكان ظهرت هذه الأمة

- ‌مجابهه قريش لها:

- ‌ غزوة بدر وبيان مهمة الأمة:

- ‌شرط بقاء الأمة:

- ‌ربعي بن عامر رضي الله عنه يبين لرستم قائد الفرس مقصد بعثة الأمة:

- ‌عتاب الله لمن تلكأ عن المهمة:

- ‌حال الأمة اليوم:

- ‌حجة ظاهرة علي المسلمين:

- ‌لماذا كتب الله لنا الخلود والظهور

- ‌ تخلف الأمة عن الأمم المعاصرة:

- ‌ما الذي يقهر المادة

- ‌العالم بأسرة ينتظر رسل المسلمين:

- ‌انحراف المسلمين عن المثل الكامل:

- ‌ماذا كان يفعل الصحابة إذا أسفر النهار

- ‌ماذا إذا أذن المؤذن

- ‌مجالس الذكر والعلم:

- ‌حال القراء

- ‌المعرفة بالحلال والحرام:

- ‌التبليغ:

- ‌الحب .. التضحية .. الإيثار:

- ‌وضع كل شيء في محله:

- ‌ماذا لو نادي منادي الجهاد:

- ‌يسيحون في الأرض:

- ‌كيف السبيل إلى عودة هذه الحياة:

- ‌الكلمة وتغيير منهاج الحياة:

- ‌وما الذي يساعد علي التغيير

- ‌الصلاة:

- ‌العلم:

- ‌الذكر:

- ‌الدعوة والتبليغ:

- ‌الخروج في سبيل الله:

- ‌الشيخ إلياس وفكرة في الإصلاح:

- ‌تأسيس المدارس والكتاتيب:

- ‌الفرق بين المعلمين والمرسلين:

- ‌فراسة إيمانية:

- ‌النتيجة والثمرة:

- ‌وقبل الختام

- ‌الختام

- ‌المراجع

الفصل: ‌بركات الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى

‌بركات الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى

-

- بالدعوة إلى الله عز وجل يكون الأجر والثواب والرفعة فى الدرجات.

- بالدعوة إلى الله عز وجل يكون الفلاح فى الدنيا والآخرة.

- بالدعوة إلى الله عز وجل يكون الحصول على ميراث النبوة.

- بالدعوة إلى الله عز وجل تحيى القلوب الميتة.

- بالدعوة إلى الله عز وجل تكون الحفاظة من شياطين الأنس والجن.

- بالدعوة إلى الله عز وجل تكون نضارة الوجه.

- الدعوة إلى الله عز وجل تنفى الشرك عن الداعى.

- بالدعوة إلى الله عز وجل تحل البركة فى الداعى والمدعو.

ص: 152

بالدعوة إلى الله

يكون الأجر والثواب والرفعة فى الدرجات

عن أبى مسعود الأنصارى قال جاء رجل إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال: إنه أُبدع (1) بى فاحملنى فقال ما عندى، فقال رجل: يا رسول الله أنا أدله على من يحمله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من دل على خير فله مثل أجر فاعله "(2) رواه مسلم (3).

(1) أى انقطعت راحلتى.

(2)

المتسبب إلى الهدى بدعوته له مثل أجر من اهتدى به لأنه بذل مافى وسعه فى هداية الناس، والمتسبب فى الضلالة بدعوته عليه مثل أثم من ضل به لأنه بذل ما فى وسعه فى ضلالتهم قال تعالى (لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُون َ)

(سورة النحل - الآية 25) وقال تعالى (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ)(سورة العنكبوت - الآية 13).

(3)

مشكاة المصابيح - كتاب العلم - 1/ 72.

ص: 153

وعن أبى هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً ". رواه مسلم (1)

وعن الحسن مرسلاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من جاءه الموت وهو يطلب العلم ليُحيى به الإسلام فبينه وبين النبيين درجة واحدة فى الجنة ". رواه الدارمى (2).

وأوحى الله سبحانه وتعالى إلى سيدنا موسى عليه السلام إن فى أمة محمد لرجالاً يقومون على كل شرف وواد ينادون بشهادة أن لا إله إلا الله جزائهم علىَّ كجزاء الأنبياء. رواه الديلمى عن أنس (3).

وأخرج البيهقى والنقاش فى معجمه وابن النجار عن واقد بن سلامة عن يزيد الرقاشى عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ألا أخبركم بأقوامٍ ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغبطهم يوم القيامة الأنبياء والشهداء بمنازلهم من الله على منابر من نور يعرفون، قالوا: من هم يا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: الذين يحببون عباد الله إلى الله ويحببون الله إلى عباده. ويمشون على الأرض نصحاً، فقلت هذا يحبب الله سبحانه وتعالى إلى عباده فكيف يحببون عباد الله

(1) رياض الصالحين - باب الدلالة على الخير.

(2)

مشكاة المصابيح - 1/ 83.

(3)

كتاب الإتحافات السنية للأحاديث القدسية، المناوى.

ص: 154

إلى الله؟ قال: يأمرونهم بما يحب الله وينهونهم عما يكره الله فإذا أطاعوهم أحبهم الله عز وجل " كذا فى الكنز (1).

وعن أبى العباس سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر: " لأعطين هذه الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه، يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجوا أن يعطاها فقال أين على بن أبى طالب فقيل: يا رسول الله هو يشتكى عينيه قال: فأرسلوا إليه. فأتى به فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم فى عينيه ودعا له فبرئ حتى كأن لم يكن به وجع فأعطاه الراية، قال على رضي الله عنه: يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا فقال: أنفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم أدعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى فيه فو الله لئن يهدى الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم ". متفق عليه (2).

فإذا كان هذا الأجر لمن كان سبباً فى هداية رجل واحد .. فكيف بمن كان سبباً فى هداية خلق كثيرً كل يوم.

وعن الحسن مرسلاً قال: سٌئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجلين كانا فى بنى إسرائيل أحدهما كان عالماً يصلى المكتوبة ثم يجلس فيعلم الناس الخير والآخر يصوم النهار ويقوم الليل أيهما أفضل؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فضل

(1) حياة الصحابة - باب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر - 2/ 634.

(2)

رياض الصالحين - باب الدلالة على الخير والدعاء إلى هدى أو ضلالة.

ص: 155

هذا العالم الذى يصلى المكتوبة ثم يجلس فيعلم الناس الخير على العابد الذى يصوم النهار ويقوم الليل كفضلى على أدناكم ". رواه الدارمى (1).

وذلك لأن العابد لا تتعدى منفعته لغيره بل أعماله تكون سبباً لهدايته وحده ولكن العالم الذى يعلم الناس الخير تتعدى منفعته لغيره وبه يصلح كثير من الخلق ولهذا روى فى الأثر إذا كان يوم القيامة يقول الله عز وجل للعابد ادخل الجنة فإنما كانت منفعتك لنفسك ويقال للعالم اشفع تشفع فإنما كانت منفعتك للناس. وروى عن ابن عباس مثله.

وقال الفضيل بن عياض: العالم العامل المعلم يدعى فى ملكوت السماوات عظيماً.

* * * * *

(1) مشكاة المصابيح - كتاب العلم - 1/ 83.

ص: 156

بالدعوة إلى الله سبحانه وتعالى

يكون الفلاح فى الدنيا والآخرة

قال الله عز وجل {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (1).

فالمفلح: هو الذى أخذ الصفقة الرابحة والكلمة مأخوذة من فلح الأرض، فالذى يفلح الأرض ويحرثها ثم يزرعها يجد الثمرة تجيئه فى النهاية قد جاء الحق بالمسألة المعنوية من أمر محسوس، وبعد ذلك يريد أن يعطينا شيئاً آخر فيقول: إياك أن تظن أن المشقة التى تُصيبك حين تفعل الخير من (الدعوة - الأمر بالمعروف - النهى عن المنكر) لا تعود عليك بالراحة أو أن النقص الذى تفعل به الخير لا يعود عليك بالكمال.

فمثلاً الإنسان الذى فلح الأرض وأخرج كيلة من القمح وبذرها فيها هذا الإنسان قد تكون له زوجة حمقاء تقول له: إننا لا نملك إلا أربع كيلات من القمح فكيف تأخذ كيلة لترميها فى الأرض .. ؟!

(1) سورة آل عمران - الآية 104.

ص: 157

إن هذه المرأة لا تعرف أن هذه الكيلة التى أخذها الزوج الله يعطى بدلاً منها عدد من الأرادب من القمح.

فإياك أن تفهم أن الإسلام يأخذ منك شيئاً ولا يعوضك عنها فهو لا يأخذ شيئاً إلا وهو يريد أن يعطيك أشياء، إن الفلاح الذى يشقى بالحرث والرى وتراه وقد علا جبهته العرق وتراب الأرض وتغوص أقدامه فى الطين والمياه، إنك تراه يوم الحصاد وهو فرح مسرور بالثمرة التى تحصل عليها.

فالداعى إلى الله عز وجل بإذن الله تعالى سوف يفرح بدعوته وبجهده الذى قدمه من أجل الدعوة إلى الله عز وجل عندما يرى ثواب الله سبحانه وتعالى يوم القيامة (1).

* * * * *

(1) تفسير الشيخ الشعراوى.

ص: 158

بالدعوة إلى الله

يكون الحصول على ميراث النبوة

عن أبى الدرداء رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من سلك طريقاً يبتغى فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع وإن العالم ليستغفر له من فى السموات ومن فى الأرض حتى الحيتان فى الماء وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب وإن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظٍ وافر ". رواه أبو داود والترمذى (1).

فى هذا الحديث العظيم الشأن أن الرسول صلى الله عليه وسلم شبه العالم بالقمر دون الشمس وهى أعظم نوراً لماذا .. ؟ لأن نور القمر مستفاداً من غيره والعالم كذلك نوره مستفاد من شمس الرسالة.

وإذا قيل أن تشبيه العلماء بالنجوم شئ معلوم مثل قول المصطفى صلى الله عليه وسلم " أصحابى كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم " .. فلماذا شبه العلماء هنا بالقمر

(1) رياض الصالحين - باب فضل العلم.

ص: 159

؟

الجواب .. إن العلماء والدعاة إلى الله سبحانه وتعالى مثل النجوم كما قال أصحابى كالنجوم. فإن النجوم يهتدى بها فى ظلمات البر والبحر وكذلك العلماء، والنجوم زينة للسماء وكذلك العلماء زينة للأرض، والنجوم رجوم للشياطين حائلة بينهم وبين استراق السمع لئلا يلبسوا بما يسترقونه من الوحى الوارد إلى الرسل من الله عز وجل على أيدى ملائكته كذلك العلماء رجوم شياطين الإنس والجن لئلا يلبسوا بما يسترقونه من الوحى الذى يوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا، فالعلماء رجوم لهذا الصنف من الشياطين ولولاهم لطمست معالم هذا الدين الحنيف بتلبيس المضلين فالله أقامهم حرساً وحفظاً لدينه ورجوماً لأعدائه فلهذا شبههم بالنجوم وأما تشبيههم بالقمر وذلك لتفضيلهم على أهل العبادة كفضل القمر على سائر الكواكب، وكذلك يرث الإنسان أقرب الناس إليه ولذلك العلماء هم أقرب الخلق إلى الله ورسله فجعلهم ورثة أنبيائه وكما أن الأنبياء خير الخلق فكذلك ورثتهم خير الخلق ولذلك محبتهم من الدين. قال على رضي الله عنه محبة العلماء دين يدان به (1).

{رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} (2).

(1) كتاب مفتاح دار السعادة - ابن القيم.

(2)

سورة الحشر - الآية10

ص: 160

بالدعوة إلى الله سبحانه وتعالى

تحيى القلوب الميتة

عن أبى موسى الأشعرى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن مثلى ومثل ما بعثنى الله من الهدى والعلم كمثل الغيث (1) الكثير أصاب أرضاً فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا منها وسقوا ورعوا - وفى لفظ وزرعوا - وأصاب منها طائفة أخرى إنما هى قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ فذلك مثل من فقه فى دين الله ونفعه الله بما بعثنى الله به فعلم وعلم ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هدى الله الذى أرسلت به ". متفق عليه (2).

ضرب النبى صلى الله عليه وسلم لما جاء به من الدين مثلاً بالغيث العام الذى يأتى الناس فى حال حاجتهم إليه وكذا كان حال الناس قبل مبعثه على حين فترة من

(1) الغيث .. المطر واختار الغيث على سائر أسماء المطر لإضطرار الخلق إليه ولذا قال الله عز وجل

{وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ} (سورة

الشورى - الآية 28).

(2)

رياض الصالحين - باب السنة وآدابها.

ص: 161

الرسل وقد امتحنوا بموت القلوب حتى أصابهم الله برحمة من عنده وأنزل عليهم مدراراً من السماء بوحيه، فكما أن الغيث يحيى البلد الميت كذا علوم الدين تحيي القلوب الميتة، ثم شبه السامعين له بالأرض المختلفة التى نزل الغيث بها .. فمنها:

العالم المعلم فهو بمنزلة الأرض الطيبة التى شربت فانتفعت فى نفسها وأنبتت فنفعت غيرها.

ومنهم الجامع للعلم المستغرق لزمانه يتعلم علم الدين ولم يعمل بنوافله ولم يتفقه فيما جمع لكنه أداه لغيره فهو بمنزلة الأرض التى يستقر فيها الماء فينتفع الناس.

ومنهم من سمع العلم فلا يحفظه ولا يعمل به ولا ينقله لغيره فهو بمنزلة الأرض السبخة أو الملساء التى لا تقبل الماء وتفسده على غيرها (1).

* * * * *

(1) سبل الهدى والرشاد فى سيرة خير العباد - محمد يوسف الصالحى الشامى - 2/ 373 (بتصرف).

ص: 162

الإنسان إما داعى وإما مدعو .. فإذا قام بالدعوة إلى الله سبحانه وتعالى يحفظه من دعوة الشيطان (دعوة الباطل) قال تعالى: {شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً} (1)(2).

وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد ". رواه الترمذى وابن ماجة (3).

قال المزنى روى عن ابن عباس أنه قال: إن الشياطين قالوا يا سيدنا مالنا نراك تفرح بموت العالم ولا تفرح بموت العابد والعالم لا تصيب منه والعابد تصيب منه .. ؟ قال: فانطلقوا .. فانطلقوا إلى عابد فأتوه فى عبادته قالوا إنا نريد أن نسألك فانصرف. فقال ابليس: هل يقدر ربك أن يجعل الدنيا فى جوف بيضة .. ؟ فقال: لا أدرى. فقال: أترونه كفر فى ساعة.

ثم جاءوا إلى عالم فى حلقته يضحك أصحابه ويحدثهم فقالوا إنا نريد أن نسألك .. فقال سل: فقال: هل يقدر ربك أن يجعل الدنيا فى جوف بيضة .. ؟ قال: نعم. قالوا كيف

؟ قال: يقول كن فيكون. فقال ابليس: أترون ذاك لا يعدوا نفسه وهذا يفسد عليَّ عالماً كثيراً.

ورويت هذه الحكاية من وجه آخر:

(1) سورة الأنعام - الآية 112.

(2)

مقتطف من بيان للشيخ فريد العراقى.

(3)

مشكاة المصابيح - كتاب العلم - 1/ 75.

ص: 164

أنهم سألوا العابد فقالوا: هل يقدر ربك أن يخلق مثل نفسه فقال العابد: لا أدرى. فقالوا أترونه تنفعه عبادته مع جهله، وسألوا العالم عن ذلك فقال: هذه المسألة محال .. لأنه لو كان مثله لم يكن مخلوقاً وهو مثل نفسه مستحيل، فإذا كان مخلوقاً فلا يكون مثله بل كان عبداً من عبيده وخلقاً من خلقه. فقال أترون هذا يهدم فى ساعة ما أبنيه فى سنين (1).

فالعابد يا إخوانى منشغل بنفسه ومقبل على عبادة ربه، والعالم منشغل بمعرفة ربه ودعوة الخلق إليه.

* * * * *

(1) مفتاح دار السعادة - ابن القيم.

ص: 165

نضارة الوجه

بالدعوة إلى الله سبحانه وتعالى

عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول: " نضر الله امرئ سمع منا شيئاً فبلغه كما سمعه فرب مبلغ أوعى له من سامع ". رواه الترمذى وابن ماجه (1).

وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " نضر الله امرئ سمع مقالتى ووعاها وأداها فرب حامل فقه غير فقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه. ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم: إخلاص العمل لله عز وجل، النصيحة للمسلمين، لزوم جماعتهم فإن دعوتهم تحيط من وراءهم. " رواه الشافعى والبيهقى والإمام أحمد والترمذى وأبو داود وابن ماجة والدارمى. والحاكم فى كتاب العلم (2).

وهذا من شرف الدعوة إلى الله عز وجل أن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم دعا لمن سمع كلامه وبلغه بالنضارة والبهجة والحسن الذى يكساه الوجه من آثار الإيمان لأن الدعوة تزيد الإيمان وتبهج الباطن وتفرح القلب وتسره فتظهر هذه

(1) مشكاة المصابيح - كتاب العلم - 1/ 78.

(2)

المرجع السابق.

ص: 166

البهجة والسرور والفرحة نضارة على وجه الداعى كما قال ربنا عز وجل {فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً} (1).

وقوله .. فإن دعوتهم تحيط من ورائهم .. هذا من أحسن الكلام فقد شبه دعوة المسلمين بالسور والسياج المحيط بهم المانع دخول عدوهم عليهم فتلك الدعوة دعوة الإسلام والنصيحة للمسلمين والإخلاص لله ولزوم جماعة المسلمين وهم داخلها أحاطت بهم تلك الدعوة التى هى دعوة الإسلام فالدعوة تجمع شمل الأمة وتلم شعثها وتحيط بها فمن دخل فى جماعتها أحاطت به وشملته (2).

* * * * *

(1) سورة الإنسان - الآية 11.

(2)

مفتاح دار السعادة - ابن القيم.

ص: 167

الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى

تنفى الشرك عن الداعى

قال تعالى {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (1).

وقال تعالى {وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (2).

وقال تعالى {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (3).

فأهل السفينة الذين كانوا مع نوح عليه السلام لم يكن على وجه الأرض غيرهم مؤمنين ولكن بترك الدعوة ظهر الشرك والكفر والفساد، وهذه سنة الله عز وجل إذا تركت الدعوة إلى الله عز وجل ابتعد الناس عن منهج الله رويداً .. رويداً .. وأنساهم الشيطان دعوة الرحمن فوقعوا فى الشرك والكفر وحل بهم الدمار والهلاك.

(1) سورة يوسف - الآية 108.

(2)

سورة القصص - الآية 87.

(3)

سورة فصلت - الآية 33.

ص: 168

بالدعوة إلى الله سبحانه وتعالى

تحل البركة فى الداعى والمدعو

قال تعالى مخبراً عن سيدنا عيسى عليه السلام حين نطق فى المهد {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً * وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً} (1).

مباركاً أينما كنت: أى معلماً للخير داعياً إلى الله جل وعلا مذكراً به مرغباً فى طاعته فهذا من بركة الرجل ومن خلا من هذه الخصال فقد خلا من هذه البركة ومحقت بركة لقائه والاجتماع به بل تمحق بركة من لقيه واجتمع به.

بل بحركة الداعى إلى الله تحل البركة فى الأرض لحديث جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أعطيت خمساً لم يعطهن أحدٌ قبلى نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجُعلت لى الأرض مسجداً وتربتها طهوراً فأيما رجل من أمتى أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لى الغنائم ولم تحل لأحد قبلى، وأعطيت

(1) سورة مريم - الآيتان 30 - 31.

ص: 169

الشفاعة وكان النبى يبعث إلى قومه خاصة وبُعثت إلى الناس عامة " متفق عليه (1).

فالله سبحانه وتعالى بسبب أن هذه الأمة داعية إلى الله تكمل رسالة نبيها صلى الله عليه وسلم فيتحركون فى العالم لنشر دين الله عز وجل فتأتى عليهم أوقات الصلاة فى أثناء سفرهم وحركتهم، فالله سبحانه وتعالى جعل لهم الأرض كلها مسجداً وتربتها طهوراً فيصلون فى أى مكان تدركهم فيه الصلاة فبارك الله عز وجل فى الأرض كلها وجعلها لهم مسجداً وذلك بسبب " بُعثت إلى الناس عامة "، وفى الحديث الذى رواه أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من عاد مريضاً أو زار أخاً له فى الله ناداه منادٍ أن طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلا " رواه الترمذى وقال حديث حسن (2).

* * * * *

(1) مشكاة المصابيح - باب فضائل سيد المرسلين - 3/ 1601.

(2)

رياض الصالحين - باب زيارة أهل الخير.

ص: 170