المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الله جل جلالهيحذر هذه الأمة من ترك الدعوة إلى الله - كلمات مضيئة في الدعوة إلي الله

[محمد علي محمد إمام]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم

- ‌مقدمة

- ‌البشارة بالرسول الخاتم صلى الله عليه وسلموأمته فى الكتب المتقدمة

- ‌الإعدادلبعثة الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم

- ‌إمام الدعاة صلى الله عليه وسلميتحدث عن نفسه

- ‌الحبيب صلى الله عليه وسلميصفه أصحابه

- ‌الجاهلية الأولىوالحاجة إلى بعثة نبى

- ‌موازنةبين الجاهلية الأولى وجاهلية اليوم

- ‌إفتقار العباد إلى الهداية

- ‌ميادين الهداية

- ‌منعلامات الهداية

- ‌وجوب الدعوة إلى الله عز وجلعلى الأمة المحمدية فى ضوءالكتاب والسنة

- ‌عظم المسئولية

- ‌الإحساس بمسئولية الدعوة

- ‌بعثة المسلم

- ‌عالمية الرسالة والدعوة

- ‌شرفالأمة المسلمة وعزها

- ‌رحماء بينهم

- ‌الدين النصيحة

- ‌وتعاونوا

- ‌ أنصر أخاك

- ‌حقائق فى الدعوة إلى الله

- ‌منمرتبة الحسن إلي الأحسن

- ‌الموعظة فى آيات

- ‌أحوال الناس أمام الدعاة

- ‌من أنوار القرآن

- ‌القدوة

- ‌الحكمة والموعظة الحسنة

- ‌من الصفاتالتى يجب أن يتحلى بها الداعىإلى الله

- ‌بركات الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى

- ‌عاقبةترك الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى

- ‌الله جل جلالهيحذر هذه الأمة من ترك الدعوة إلى الله

- ‌لماذا يتكررقصص الأنبياء فى القرآن

- ‌هل تجب الدعوة إلى الله عز وجلعلى المقصر

- ‌مع آية الخيرية

- ‌شروط إنكار المنكر

- ‌الباعث علىالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر

- ‌نصاب جهد الدين

- ‌هل تقدم الدعوة على القتال

- ‌هل هناك فرقبين لفظ الجهاد ولفظ الدعوة

- ‌ما هى مراتب الجهاد

- ‌الرباط

- ‌أقوالالسلف فى آية المجاهدة

- ‌مزاجالنبوة فى الدعوة إلى الله

- ‌مقصد الأمة

- ‌النبوة والخلافة والنيابة

- ‌العقيدة أولاً أم الحاكمية

- ‌هل ننصر بدون الدعوة

- ‌الدعوة طريق العودة

- ‌الداعى إلى الله مؤيد من الله

- ‌إيمان الجند سبيل النصر

- ‌الأفراح

- ‌الابتلاءطريق الدعاة إلى الله

- ‌صيحة إلى كل داعى

- ‌ما هو الترقى

- ‌قطوفمن بستان الدعوة إلى الله

- ‌الدين

- ‌وصية الصديق رضي الله عنه

- ‌وصية جندب رضي الله عنه

- ‌أذهله أمر آخرته

- ‌عبرة

- ‌صلاح الأحوال

- ‌المنافع مع الدين الكامل

- ‌الحقائق الغيبية

- ‌التكاليف والأوامر

- ‌مصحة إيمانية

- ‌هل أنت مؤمن

- ‌من أجود جوداً

- ‌سنة الحركة والترك

- ‌من جميل ما يروى فى الحلم

- ‌حديث قدسى

- ‌رسالة عبد الله بن المباركإلى فضيل ابن عياض

- ‌جهد الأعلى وجهد الأدنى

- ‌الأسباب للاختبار والامتحان

- ‌هل نترك الأسباب

- ‌الجهد سبباً للورع والتقوى

- ‌عاطفة نشر الدين

- ‌الصفات

- ‌صفة الإتباعمحمدٌ رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌صفة الصلاةذات الخشوع والخضوع

- ‌العلم الحقيقي

- ‌الفقه

- ‌مقصود العلم إحياء الإسلام

- ‌الدعاة هم أولياء الله عز وجل

- ‌الذكر

- ‌الإيثار والإكرام

- ‌تصحيح النيةوإخلاصها لله عز وجل

- ‌الدعوة إلى الله عز وجلوالتضحية لدين الله عز وجل

- ‌ملخص الصفات الطيبة

- ‌المحبة

- ‌أيها الدعاة إلى اللهأخلصوا

- ‌من أفواه الدعاة

- ‌الدعوة مصنع الرجال

- ‌رجال أدهشوا التاريخ

- ‌الدعوة إلى اللهمن البداية إلى النهاية

- ‌حال العالم قبل ظهور الأمة المحمدية:

- ‌ظهور الأمة المحمدية:

- ‌وهل بعثت الأمة للتجارة

- ‌وهل بعثت الأمة للصناعة

- ‌وهل بعثت الأمة لتنضم إلى الحكومات

- ‌وهل بعثت الأمة للتوسع في الشهوات والملذات

- ‌ وهل تريد ملكا

- ‌لقد بعثت الأمة لغرض سام جداً

- ‌في أي مكان ظهرت هذه الأمة

- ‌مجابهه قريش لها:

- ‌ غزوة بدر وبيان مهمة الأمة:

- ‌شرط بقاء الأمة:

- ‌ربعي بن عامر رضي الله عنه يبين لرستم قائد الفرس مقصد بعثة الأمة:

- ‌عتاب الله لمن تلكأ عن المهمة:

- ‌حال الأمة اليوم:

- ‌حجة ظاهرة علي المسلمين:

- ‌لماذا كتب الله لنا الخلود والظهور

- ‌ تخلف الأمة عن الأمم المعاصرة:

- ‌ما الذي يقهر المادة

- ‌العالم بأسرة ينتظر رسل المسلمين:

- ‌انحراف المسلمين عن المثل الكامل:

- ‌ماذا كان يفعل الصحابة إذا أسفر النهار

- ‌ماذا إذا أذن المؤذن

- ‌مجالس الذكر والعلم:

- ‌حال القراء

- ‌المعرفة بالحلال والحرام:

- ‌التبليغ:

- ‌الحب .. التضحية .. الإيثار:

- ‌وضع كل شيء في محله:

- ‌ماذا لو نادي منادي الجهاد:

- ‌يسيحون في الأرض:

- ‌كيف السبيل إلى عودة هذه الحياة:

- ‌الكلمة وتغيير منهاج الحياة:

- ‌وما الذي يساعد علي التغيير

- ‌الصلاة:

- ‌العلم:

- ‌الذكر:

- ‌الدعوة والتبليغ:

- ‌الخروج في سبيل الله:

- ‌الشيخ إلياس وفكرة في الإصلاح:

- ‌تأسيس المدارس والكتاتيب:

- ‌الفرق بين المعلمين والمرسلين:

- ‌فراسة إيمانية:

- ‌النتيجة والثمرة:

- ‌وقبل الختام

- ‌الختام

- ‌المراجع

الفصل: ‌الله جل جلالهيحذر هذه الأمة من ترك الدعوة إلى الله

‌الله جل جلاله

يحذر هذه الأمة من ترك الدعوة إلى الله

قال تعالى {فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ * وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا

مُصْلِحُونَ} (1).

فهلا وجد من القرون الماضية (أُولُو بَقِيَّةٍ) أولوا فضل وخير. . أي بقايا من أهل الخير ينهون عما كان يقع بينهم من الشرور والمنكرات والفساد فى الأرض.

إلا قليلاً: أى قد وجد منهم من هذا الضرب قليل لم يكونوا كثيراً وهم الغرباء الذين أشار إليهم النبى صلى الله عليه وسلم فى الحديث الشريف الذى أخرجه الإمام

(1) سورة هود - الآيتان 116: 117.

ص: 172

مسلم .. عن أبى هريرة رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " بدأ الإسلام غريباً وسيعود كما بدأ غريباً فطوبى (1) للغرباء "(2).

وفى رواية: قيل يا رسول الله صلى الله عليه وسلم .. ومن الغرباء .. ؟ قال: النزاع (3) من القبائل.

وفى رواية: الذين يفرون بدينهم من الفتن.

وفى رواية: الذين يزيدون إذا نقص الناس.

وفى رواية: الذين يصلحون حين فساد الناس.

وفى رواية: الذين يصلحون إذا فسد الناس.

وفى رواية: الذين يصلحون ما أفسده الناس من سنتى.

وفى رواية: قوم قليل فى ناس سوء كثير من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم.

وفى رواية: الفرارون بدينهم .. يجتمعون إلى عيسى بن مريم عليه السلام يوم القيامة (4) .. وهم الذين أنجاهم الله عند حلول غضبه وفجأة نقمته، ولهذا

(1) عن ابن عباس رضي الله عنه قال طوبى معناه: فرح وقرة عين، وقال عكرمة: نعم ما لهم. وقال الضحاك: غبطة لهم. وقال قتادة: حسنى لهم وأصابهم خيراً. وقال إبراهيم: خيراً لهم وكرامة. وقال ابن عجلان: دوام الخير. وقيل: الجنة. وقيل: شجرة فى الجنة، وكل هذه الأقوال محتملة فى الحديث (صحيح مسلم – بشرح النووى – 2/ 176).

(2)

صحيح مسلم بشرح النووى – 2/ 176.

(3)

يقول ابن الأثير فى النهاية .. النزاع جمع نازع ونزيع وهو الغريب الذى نزع على أهله وعشيرته أى بعد وغاب أى طوبى للمهاجرين الذين هجروا أوطانهم فى الله تعالى.

(4)

مدارج السالكين - ابن القيم - باب الغربة - 3/ 203، رسالة كشف الكربة فى وصف حال أهل الغربة - ابن رجب.

ص: 173

أمر الله عز وجل هذه الأمة الشريفة أن يكون فيها من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر (1) حتى لا يحل بهم ما حل بالأمم السابقة من العذاب والهلاك والاستئصال بسبب ترك الدعوة إلى الله عز وجل {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} (2) بظلم .. أى بمجرد ظلم، وأهلها مصلحون .. مجرد الإصلاح.

فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن أول ما دخل النقص على بنى إسرائيل أنه كان الرجل يلق الرجل فيقول: يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك ثم يلقاه من الغد وهو على حاله فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض ثم قال: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ .. إلى قوله .. فَاسِقُونَ} (3). ثم قال: كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه

(1) مختصر تفسير ابن كثير - 2/ 236.

(2)

سورة هود - الآية 117.

(3)

سورة المائدة - الآيات 78: 81.

ص: 174

على الحق أطراً ولنقصرنه على الحق قصراً أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ثم ليلعنكم كما لعنهم ". رواه أبو داود والترمذى وقال حديث حسن وهذا لفظ أبو داود.

ولفظ الترمذى .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لما وقعت بنوا إسرائيل فى المعاصى نهتهم علماؤهم فلم ينتهوا فجالسوهم فى مجالسهم وواكلوهم وشاربوهم فضرب الله قلوب بعضهم ببعض ولعنهم على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان متكئاً فقال: والذى نفسى بيده .. حتى تأطروهم على الحق أطراً (1).

أصحاب السبت:

قال تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} (2).

وهم أهل إيلة .. قرية كانت على البحر الأحمر بين مدين والطور وقيل بين مصر والمدينة أراد الله أن يبتليهم وقد حرم الله على اليهود العمل فى يوم السبت فيظهر السمك على وجه الماء يوم السبت وهو اليوم المحرم عليهم فيه الصيد ويخفيه عنهم فى اليوم الحلال فيه الصيد فينزل إلى قاع البحر فذلك قول الله عز وجل {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ

(1) رياض الصالحين - باب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.

(2)

سورة البقرة - الآية 65.

ص: 175

إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} (1).

وظلوا على ذلك فترة من الزمن ثم أخذوا يتحايلون على أمر الله عز وجل فقام أحدهم وأخذ الحوت وخزمه فى أنفه وربطه فى وتد على الشاطئ وأخذه يوم الأحد وأخذ يشوى السمك فيشم جاره رائحته فيسأله فيخبره الخبر فيعمل مثله وبعضهم جعل يحفر الحفرة ويجرى لها نهراً من البحر فيفتح النهر يوم السبت فتأتى الأمواج بالحيتان فتلقيها فى الحفرة فإذا أرادت العودة لا تستطيع من قلة الماء وهكذا انتشر الخبر وظهرت المعصية حتى أصبحت علانية فقامت منهم طائفة تعظهم وتنهاهم عن هذا الفعل وتبين لهم أن هذا احتيال على أمر الله عز وجل الذى لا يغفل ولا ينام وطائفة ثالثة قالت لهم كما قال الله عز وجل {وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً} (2) قالت لهم الطائفة الواعظة {قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} (3) أى فيما أخذ علينا من الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، ولعلهم يرجعون ويتوبون إلى الله عز وجل قال تعالى {فَلَمَّا نَسُوا مَا

(1) سورة الأعراف - الآية 163.

(2)

سورة الأعراف - الآية 164.

(3)

نفس الآية السابقة

ص: 176

ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} (1).

فمسخهم الله عز وجل قردة بمعصيتهم ونجى الناهين وأهلك الظالمين وسكت عن الساكتين وقيل أنه أهلك الساكتين مع الهالكين وقيل أنهم لم يهلكوا (2).

فيا إخوانى .. احذروا المعاصى واعملوا على إزالتها لأنه إذا حدثت معصية فى مكان فأثرها السيئ يؤثر على الأرض كلها لحديث النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مثلُ القائم فى حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها وكان الذين فى أسفلها إذا ستقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا لو أنا خرقنا فى نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا وهلكوا جميعاُ وإن أخذوا على أيديهم نجو ونجوا جميعاً. رواه البخارى (3).

(1) سورة الأعراف - الآيتان 165، 166.

(2)

مختصر تفسير بن كثير، سورة البقرة.

(3)

رياض الصالحين - باب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.

ص: 177

والمعصية إذا أخفيت لم تضر إلا صاحبها وإن أعلنت ولم تنكر ولم تغير أهلك الله عز وجل العامة والخاصة. قال الله سبحانه وتعالى {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} (1).

يقول ابن عباس رضي الله عنه فى تفسير هذه الآية .. أمر الله المؤمنين أن لا يقروا المنكر بين ظهرانيهم فيعمهم الله بالعذاب. ويدل على ذلك الأحاديث الواردة فى الفتنة.

فعن عميرة الكندى رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " أن الله عز وجل لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكروه فإذا فعلوا ذلك عذب الله الخاصة

والعامة ". رواه فى شرح السنة ورواه الإمام أحمد (2).

وعن حذيفة رضي الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " والذى نفسى بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عذاباً من عنده ثم لتدعنه فلا يستجاب لكم ". رواه الترمذى (3).

وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أوحى الله سبحانه وتعالى إلى جبريل عليه السلام أن أقلب مدينة كذا وكذا بأهلها قال: يارب إن فيهم عبدك فلاناً لم يعصك

(1) سورة الأنفال - الآية 25.

(2)

مشكاة المصابيح - باب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر - 3/ 1424.

(3)

المرجع السابق.

ص: 178

طرفة عين. قال: فقال: اقلبها عليه وعليهم فإن وجهه لم يتمعر فىَّ ساعة قط " (1).

وعن أم المؤمنين أم الحكم زينب بنت جحش رضى الله عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم دخل عليها فزعاً يقول: " لا إله إلا الله. ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وحلق بإصبعيه الإبهام والتى تليها فقلت يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون.؟ قال: نعم إذا كثر

الخبث (2) " متفق عليه (3).

وهذا بيان لشؤم المعصية والتحريض على إنكارها فمع وجود الصالحين قد يحصل الهلاك والتدمير.

يقول الشيخ الشعراوى رحمه الله:

يأمرنا الحق عز وجل أن نتقى الفتن من بدئها قبل أن يستفحل شأنها وأن يتجنب الإنسان المعصية وأن يضرب المجتمع على يد أى منحرف .. فمن يسرق الآن الخزائن قد بدأ أولاً بسرقة اليسير .. سرق من أخيه .. أو من البيت ثم من الجيران .. ثم من البنك .. ولو أن كل انحراف عوجل بالضرب على يد من فعله وهو صغير لما كبر المنحرف والانحراف ولتم وأد الجرائم الكبيرة فى مهدها لأن من ارتكب الصغيرة قد عوقب.

(1) المرجع السابق.

(2)

الخبث: المعاصى.

(3)

رياض الصالحين - باب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.

ص: 179

وإياكم أن يقول أحدكم مادام مثل هذا الانحراف لا يمسنى فليس لى به شأن لأن الذى اجترأ على مثلك من السهل أن يجترئ عليك ونحن نعرف جميعاً قصة الثيران الثلاثة (الأحمر، الأبيض، الأسود) فقد هاجم الأسد الثور الأبيض فأكله ولم يدافع عنه الثور الأحمر أو الأسود، ثم هاجم الأسد الثور الأحمر بعد ذلك .. فقال الثور الأسود لنفسه: مادام الأسد لم يأكلنى فلا دخل لى بهذا الأمر، ثم جاء الأسد إلى الثور الأسود وبينما هو يقترب منه قال: لقد أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض.

وهذا القول يدلنا على .. أن اتقاء الفتنة يبدأ من الضرب على أيدى صانع الفتة وهى فى بدايتها، وأضرب هذا المثل ليبقى فى الذاكرة دائماً .. إن الأم التى قسمت الأكل بما فيه من لحم وخضر وفاكهة على الأبناء، فأكل أحد الأبناء نصيبه ثم احتفظت الأم ببقية أنصبة اخوته فى الثلاجة .. وبعد ذلك لاحظت الأم أن الإبن الذى أكل نصيبه يأكل نصيب إخوته من خلف ظهرها ودون استئذانها وهنا يجب أن تؤنبه وتعاقبه على مثل هذا الفعل حتى لا يتمادى فى ذلك.

كذلك .. إذا دخل الابن بلعبة أو بشئ يفوق ثمنه قدرة مصروف يده على الشراء .. فعلى الأب أن يضرب على يد الابن حتى لا يتمادى الولد فى إفساد نفسه

ولذلك .. نجد الحق سبحانه وتعالى جعل الدية فى القتل الخطأ على العاقلة وهم العصبة أى قرابة القاتل من جهة أبية ويطلق عليهم العائلة أى عائلة القاتل

ص: 180

- لأن أفراد العائلة حين يرون أن كلا منهم سوف يصيبه جزء من الغرم فإنه يضرب على يد من يتمادى فى إرهاب الغير وتهديدهم إن كان من عائلته.

ولذلك .. ترى الناس إذا رأوا الظالم ثم لم يضربوا على يده فإن الله يعمهم بغضب من عنده لأن الظالم يتمادى فى ظلمه ويعربد فى الآخرين فيستشرى الظلم فى المجتمع ويحق على الجميع عقاب الله (1).

فعن أبى بكر الصديق رضي الله عنه قال: يا أيها الناس .. إنكم تقرأون هذه الآية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} (2) فإنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه يوشك أن يعمهم الله بعقابه ".

وفى رواية أبى داود: " إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك الله أن يعمهم بعقاب ".

وفى أخرى له: " مامن قوم يُعمل فيهم بالمعاصى ثم يقدرون على أن يغيروا ثم لا يغيرون إلا يوشك أن يعمهم الله بعقاب "(3).

فبقاء الأمة ببقاء الدعوة .. وفناء الأمة بترك الدعوة .. فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تقوم الساعة حتى لا يقال فى الأرض

(1) تفسير الشيخ الشعراوى - سورة الأنفال.

(2)

سورة المائدة – الآية 105.

(3)

مشكاة المصابيح، باب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.

ص: 181

الله .. الله " وفى رواية: " لا تقوم الساعة على أحد يقول الله .. الله (1) ". رواه مسلم (2).

وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تقوم الساعة حتى لا يقال فى الأرض لا إله إلا الله " رواه الحاكم (3).

وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" والذى نفسي بيده لا تقوم الساعة على رجل يقول لا إله إلا الله ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر " رواه الحاكم (4)

وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تقوم الساعة حتى يأخذ الله شريطته من أهل الأرض فيبقى عجاج (5) لا يعرفون معروفا ولا ينكرون منكرا ". رواه أبو يعلى برجال ثقات والإمام أحمد والحاكم (6).

(1) قال القرطبى: قال علماؤنا رحمة الله عليهم: قيد " الله " برفع الهاء ونصبها، فمن رفعها فمعناه: ذهاب التوحيد، ومن نصبها فمعناه: انقطاع الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر أى لا تقوم الساعة على أحد يقول: اتق الله. فإذا أراد الله زوال الدنيا قبض أرواح المؤمنين وانتزع هذا الاسم من ألسنة الجاحدين وفجأهم عن ذلك الحق اليقين (كتاب التذكرة - ص 798)

(2)

صحيح مسلم بشرح النووى - باب ذهاب الايمان آخر الزمان 2/ 178.

(3)

فى مستدركه – باب الفتن والملاحم – 4/ 494.

(4)

المرجع السابق – 4/ 495.

(5)

العجاج: الأراذل ومن لا خير فيه.

(6)

فى مستدركة – باب الفتن والملاحم – 4/ 435.

ص: 182

ولهذا .. يا إخوانى .. إذا تركت الأمة الدعوة إلى الله تكون إيذاناً بنهاية العالم وقرب قيام الساعة ويظهر المسخ والقذف والخسف وإرسال الصواعق والشياطين وظهور الآيات والعلامات الكبرى للساعة (1).

* * * * *

(1) انظر سبل الهدى والرشاد فى سيرة خير العباد - الصالحى - 10/ 663، والتذكرة للقرطبى - باب الفتن.

ص: 183

بترك الدعوة

يصبح فكر المسلم مشاع

بدون الجهد والدعوة يكون الإنسان مثل الأرض الفضاء بدون زرع ولا أسوار ولا حارس .. يُلقى فيها الزبالة وكذلك بدون جهد الرسول المصطفى الأمين صلى الله عليه وسلم يصبح فكر المسلم مشاع للبث اليهودى والنصرانى والشيوعى والعلمانى، مثل شاشة التليفزيون، فيعرض الباطل على فكر المسلم وقلبه فيمتلئ فكره وقلبه بالباطل ولذلك لما يعرض الحق على المسلم يرفضه لامتلاء فكره وقلبه بالباطل.

وبسبب جهد الدعوة كانت حياة الصحابة مملوءة بالحق والأمثلة كثيرة فى عرض الباطل عليهم ولكنهم يرفضون لامتلاء حياتهم بالحق.

أمثلة ذلك: أخرج البيهقى وابن عساكر عن أبى رافع قال: وجه عمر بن الخطاب رضي الله عنه جيشاً إلى الروم وفيهم رجل يقال له عبد الله بن حذافة من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم فأسره الروم فذهبوا به إلى ملكهم فقالوا له: إن هذا من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فقال له الطاغية هل لك أن تَنَصَّر وأشركك فى ملكى وسلطانى .. ؟ فقال له عبد الله: لو أعطيتنى ما تملك وجميع ما ملكته العرب على أن أرجع عن دين محمد صلى الله عليه وسلم طرفة عين ما فعلت. قال: إذاً أقتلك. قال

ص: 184

: أنت وذاك فأمر به فصلب وقال للرماة أرموه قريباً من يديه قريباً من رجليه وهو يعرض عليه وهو يأبى ثم أمر به فأنزل ثم دعا بقدر فصب فيها ماء حتى إحترقت ثم دعا بأسيرين من المسلمين فأمر بأحدهما فألقى فيها وهو يعرض عليه النصرانية ثم أمر به أن يلقى فيها فلما ذهب به فبكى فقيل له إنه قد بكى فظن أنه قد جذع فقال: ردُوه .. فعرض عليه النصرانية فأبى فقال: ما أبكاك إذاً؟ قال: أبكانى أنى قلت فى نفسى تلقى الساعة فى هذه القدر فتذهب فكنت أشتهى أن يكون بعدد كل شعره فى جسدى نفسٍ تلقى فى الله قال له الطاغية: هل لك أن تقبل رأسى وأخلى عنك .. ؟ قال له عبد الله: وعن جميع أسارى المسلمين. قال: وعن جميع أسارى المسلمين. قال عبد الله فقلت فى نفسى عدو من أعداء الله أقبل رأسه يخلى عنى وعن جميع أسارى المسلمين لا أبالى فدنا منه فقبل رأسه فدفع إليه الأسارى فقدم بهم على عمر فأخبر عمر بخبره فقال عمر: حق على كل مسلم أن يقبل رأس عبد الله بن حذافة وأنا أبدأ فقام عمر فقبل رأسه. (كذا فىلكنز العمال ج 7 صـ62)(1).

وعندما تخلف كعب بن مالك رضي الله عنه عن غزوة تبوك مع النبى – صلى الله عليه وسلم ضمن الثلاثة الذين خُلفوا وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بهجرهم وعدم الكلام معهم قال بينما أنا أمشى بسوق المدينة إذا نبطى من أنباط أهل الشام ممن قدم

(1) حياة الصحابة - باب تحمل الصحابة الشدائد فى الدعوة إلى الله - 1/ 284.

ص: 185

بطعام يبيعه بالمدينة يقول من يدلنى على كعب بن مالك فطفق الناس يشيرون له حتى إذا جاءنى دفع إلىَّ كتاب من ملك غسان فى سرقة من حرير فإذا فيه " أما بعد فإنه قد بلغنى أن صاحبك قد جفاك ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة فالحق بنا نواسيك ". فقلت لما قرأتها وهذا أيضاً من البلاء فتيممت بها التنور فسجرته بها. رواه البخارى ومسلم (1).

قلبه مملوء بالحق فلم تجد الفتنة إلى قلبه سبيلا.

وهذا خبيب رضي الله عنه لما رفعوه على الخشبة ليقتلوه نادوه يناشدونه أتحب أن محمداً صلى الله عليه وسلم مكانك؟ قال: لا والله العظيم ما أحب أن يفدينى بشوكة يشاكها فى قدمه فضحكوا منه (2).

وهذا زيد بن الدثنة رضي الله عنه قال له أبو سفيان بن حرب عندما قدموه ليقتل أنشدك بالله يا زيد أتحب أن محمداً صلى الله عليه وسلم الآن عندنا مكانك تضرب عنقه وأنك فى أهلك؟ قال والله ما أحب أن محمداً صلى الله عليه وسلم الآن فى مكانه الذى هو فيه تصيبه شوكه تؤذيه وأنى جالس فى أهلى. فقال أبو سفيان ما رأيت من الناس أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم محمداً (3).

* * * * *

(1) المرجع السابق - 1/ 453.

(2)

المرجع السابق - 1/ 510.

(3)

المرجع السابق - 1/ 508.

ص: 186

بسبب ترك الدعوة

وقعت الأمة فى الذل والهوان

حينما تركت الأمة المسلمة جهد نبيها صلى الله عليه وسلم وغرتهم الحياة الدنيا وانشغلوا بالزراعة والتجارة وتركوا حمل الرسالة أصابهم الذل والهوان ودب فيهم الضعف وصدق فيهم قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم " إذا تبايعتم بالعينة (1) وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد فى سبيل الله سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم " رواه الإمام أحمد. (إلى دينكم: إلى جهادكم).

وعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يوشك الأمم أن تتداعى عليكم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذٍ؟ قال صلى الله عليه وسلم: لا بل أنتم كثير ولكن غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن فى قلوبكم الوهن. قال قائل: وما الوهن؟ قال صلى الله عليه وسلم: حب

(1) أن يبيع الرجل شيئاً من غيره بثمن مؤجل ويسلمه للمشترى ثم يشتريه منه قبل قبض الثمن أقل من ذلك القدر يدفعه نقداً (توجيهات إسلامية - جميل زينوا).

ص: 187

الدنيا وكراهية الموت ". (رواه أبو داود، والبيهقى، فى دلائل النبوة وصححه الألبانى)(1).

ورضيتم بالزرع: أى ملتم إلى الدنيا والمقامة فيها، فى الدعة وطيب الثمار وملتم إلى شهواتها، واطمأنت إليها نفوسكم، ورضيتم بالخسيس على النفيس، فالمتأمل يرى أنه لا عيب على الإنسان أن يشتغل بالزراعة وتربية البقر ولكن العيب أن يتخذها مقصداً ويترك جهد الرسول صلى الله عليه وسلم قال الحق سبحانه وتعالى {إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (2).

وقال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلا قَلِيلٌ} (3).

* * * * *

(1) مشكاة المصابيح - باب تغير الناس – 3/ 1474.

(2)

سورة يونس – الآيتان 7، 8.

(3)

سورة التوبة – الآية 38.

ص: 188

بسبب ترك الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى

تحرم الأمة بركة الوحى وتذهب هيبتها

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا عظمت أمتى الدنيا نزع منها هيبة الإسلام وإذا تركت الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر حرمت بركة الوحى وإذا تسابت أمتى سقطت من عين الله "(1)

بركة الوحى: أى فهم القرآن

أى يأتى من يؤول القرآن والحديث على غير معناه، تتعامى عقولهم عن فهم النصوص الشرعية فيصبح تأويل النصوص الشرعية على غير معناها .. كالعمل عبادة .. الوجه غير عورة لدى المرأة .. ويأتى بالدليل من الكتاب والسنة ليؤيد الباطل الذى عنده .. فمثلاً رجل يأكل لحم الخنزير .. فأنكر عليه رجل آخر. وقال له: إن لحم الخنزير حرام .. ! فقال له: من أين جئت بالتحريم .. ؟! ففى القرآن أنه حلال .. قال الرجل: وكيف

ذلك

(1) ذكره الحافظ بن أبى الدنيا فى كتاب ذم الدنيا، عن فضيل والترمذى فى الدر.

ص: 189

؟! قال: قال الله عز وجل {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} (1) فقال له الرجل: سبحان الله .. !! ليس كل طعام أهل الكتاب حلٌ لنا .. بل ما حرمه الله عز وجل علينا فهو حرام .. قال الله عز وجل {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} (2) فقال الرجل: هذا بالنسبة للخنزير الذى كان فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم حرام .. لأنه كان يأكل النجاسة ..

وهذا من علامات الساعة .. فالكل يفسر القرآن على هواه وحسب مزاجه ورأيه دون فهم للقرآن والسنة وحياة الصحابة رضى الله عنهم أجمعين.

فحرمت الأمة بترك الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فهم القرآن الكريم وترك العمل بالقرآن وأصول الإسلام. فالقرآن منهج حركى لا يفهم إلا بالحركة. فالذى ينظر إلى القرآن الكريم يجده نزل فى الحضر والسفر حسب الأحوال والظروف فلا يفهم إلا مع الحركة والجهد.

(1) سورة المائدة - الآية 5.

(2)

سورة المائدة - الآية 3

ص: 190

بترك الدعوة إلى الله

تقع الأمة فى الحيرة

بنو إسرائيل عندما تركوا جهاد القوم العمالقة مع موسى عليه السلام وقعوا فى التيه أربعين سنة يسيرون ولا يهتدون للخروج منه، المكان الذي يبدأون منه يعودون إليه.

قال الحق سبحانه وتعالى {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعَالَمِينَ * يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ * قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ * قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَداً مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ * قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلا نَفْسِي

ص: 191

وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ * قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} (1).

لهذا السبب الأمة الإسلامية اليوم فى الحيرة لا يدرون أين يسيرون .. ولا إلى أى طريق يهتدون بسبب ترك جهد الرسول صلى الله عليه وسلم.

وقد أخبر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عن حال الأمة المسلمة اليوم فقال: " كيف بكم إذا فجر نساؤكم وفسق شبانكم وتركتم الجهاد. قالوا: وإن ذلك لكائن يا رسول الله؟ قال: والذى نفسى بيده وأشد منه سيكون، كيف بكم إذا لم يؤمر بالمعروف ولم ينه عن المنكر.؟ قالوا: وإن ذلك لكائن يا رسول الله؟ قال: والذى نفسى بيده وأشد منه سيكون. كيف بكم إذا رؤى المعروف منكراً والمنكر معروفاً. قالوا: وإن ذلك لكائن يا رسول الله؟ قال: والذى نفسى بيده وأشد منه سيكون، كيف بكم إذا أمر بالمنكر ونهى عن المعروف. قالوا: وإن ذلك لكائن يا رسول الله؟ قال: والذى نفسى بيده وأشد منه سيكون، يقول الله تعالى بى حلفت لأسلطن عليهم فتنة تدع الحليم فيهم حيران، قال وما المخرج يا رسول الله؟ قال: حتى تأطروهم على الحق أطراً ".

فبسبب ترك الدعوة يصبح الإنسان أعمى يقع فى الضلالة والفتن. فعن حذيفة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " تعرض الفتن على القلوب

(1) سورة المائدة - الآيات 20: 26.

ص: 192

كالحصير عوداً عوداً فأى قلب أُشربها نكتت فيه نكتة سوداء. وأى قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء حتى يصير على قلبين أبيض (1) مثل الصفا فلا تضره فتنة مادامت السماوات والأرض والآخر أسود مرباداً (2) مجخياً (3) لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً إلا ما أشرب من هواه " (رواه مسلم)(4).

فكم من قلب منكوس متحير بسبب ترك الدعوة إلى الله عز وجل وترك الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر .. نسأل الله السلامة.

* * * * *

(1) ومن هنا يتبين كذب من يدعى أن قلبه أبيض وهو لا يصلى بل يجب أن ينكر المنكر حتى يصبح قلبه سليماً {وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ * إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} .

(2)

أى صار لون الرماد من الربدة.

(3)

أى مائلاً معكوساً.

(4)

مشكاة المصابيح، باب الفتن - 3/ 1480.

ص: 193