الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تصحيح النية
وإخلاصها لله عز وجل
-
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه قال حين بُعث إلى اليمن يا رسول الله أوصنى. قال: أخلص دينك يكفيك العمل القليل " (رواه الحاكم).
وروى ابن أبى الدنيا بسند منقطع عن عمر رضي الله عنه قال: لا عمل لمن لا نية له ولا أجر لمن لا حسبة له " (2).
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: لا ينفع قول إلا بعمل، ولا ينفع قول وعمل إلا بنية، ولا ينفع قول وعمل ونية إلا بما وافق السنة (3).
(1) سورة النساء - الآية 114.
(2)
جامع العلوم والحكم لابن رجب.
(3)
المرجع السابق.
وعن عبد الله بن المبارك قال: رب عمل صغير تُعظمه النية، ورب عمل كبير تصغره النية (1).
وعن حميد بن عبد الرحمن أن تميماً الدارى أستأذن عمر رضي الله عنه فى القصص سنتين ويأبى عليه فلما أكثر عليه قال: ما تقول؟ قال: أقرأ عليهم القرآن وآمرهم بالخير وأنهاهم عن الشر. قال عمر: ذلك الذبح. ثم قال: عظ قبل أن أخرج إلى الجمعة فكان يفعل ذلك. فلما كان عثمان رضي الله عنه استزاده فزاده يوماً آخر.
وفى رواية قال له: على مثل الذبح، قال إنى أرجو العاقبة. فأذن له.
وفى رواية قال له أو لرجل غيره أخشى أن تنتفخ حتى تبلغ الثريا (2).
وعن الحسن رحمه الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما من عبدٍ يخطب خطبة إلا الله عز وجل سائله عنها ما أراد بها؟ " قال جعفر: كان مالك بن دينار إذا حدث هذا الحديث بكى حتى ينقطع ثم يقول: تحسبون أن عينى تقر بكلامى عليكم، فأنا أعلم أن الله عز وجل سائلى يوم القيامة ما أردت به. (رواه ابن أبى الدنيا والبيهقى مرسلا باسناد جيد)(3).
(1) المرجع السابق.
(2)
تاريخ الإسلام للذهبى – 2/ 241.
(3)
كتاب الترغيب والترهيب للمنذري – باب الترهيب أن يعلم ولايعمل بعلمه وبقوله ولايفعله 1/ 63.
وخطب عمر بن عبد العزيز يوماً فرقَّ الناس وبكَوْا، فقطع خطبته فقيل له: لو أتممت كلامك رجونا أن ينفع الله به. فقال عمر: إن القول فتنة، والفعل أولى بالمؤمن من القول (1).
ويقول أبو حفص لأبى عثمان النيسابورى: إذا جلست للناس فكن واعظاً لقلبك ونفسك، ولا يغرنك اجتماعهم عليك، فإنهم يراقبون ظاهرك، والله يراقب باطنك.
وليس معنى ذلك أن يترك الدعوة إلى الله عز وجل خشية الرياء ولكن يجب على كل من قام بعمل الدعوة وتذكير الناس بالله عز وجل بمراقبة قلبه ومجاهدة نفسه على الإخلاص والتنزه عن خطرات الرياء، وذلك بتصحيح النية قبل العمل وأثناء العمل والاستغفار بعد الفراغ من العمل.
قال الحسن رحمه الله: رحم الله عبداً وقف عند همه فإن كان لله مضى وإن كان لغيره تأخر.
يكون الإخلاص هو الباعث على العمل، يعنى أى عمل تعمل تنوى به رضاء الله سبحانه وتعالى ونكون دائماً فى كل عمل مشغولين بقبول العمل، فالصحابة رضى الله عنهم كانوا يعملون ويخافون ألا يُقبل منهم، فعن عائشة – رضى الله عنها – قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية {
(1) جامع العلوم والحكم لابن رجب الحنبلى.
وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} (1) أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟ قال: لا يا بنت الصديق ! ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون وهم يخافون ألا يُقبل منهم أولئك الذين يسارعون فى الخيرات. (رواه الترمذى وابن ماجة)(2).
مع أنهم {كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} كانت أعمالهم مثل الجبال ولكن يخافون الله عز وجل ألا يقبل منهم، وكانوا يتهمون أنفسهم بالنفاق، فعن أبى مليكة رضي الله عنه: يقول أدركت ثلاثين من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه، ما منهم أحد يقول إن إيمانه كإيمان جبريل وميكائيل.
…
(رواه البخارى).
وقالوا: أنفع الأعمال أن تغيب عن الناس بالإخلاص وعن نفسك بشهود المنَّه (3).
وقالوا: .. فر من الناس فرارك من الأسد ..
ولا تفرح بما يقال عنك ..
ولا تصدق بما يقال عندك ..
(1) سورة المؤمنون – الآية 60.
(2)
مشكاة المصابيح – باب البكاء والخوف - 3/ 1470.
(3)
الفوائد لابن القيم.
من علامات إخلاص الداعى إلى الله عز وجل:
أن لا يتأثر بالذم ولا بالمدح.
أنه لو ظهر من هو أحسنُ منه وعظاً وأغزر منه علماً والناس أشدُ له قبولاً فرح به ولم يحسده، ولا بأس بحسد الغبطة وهو أن يتمنى لنفسه مثله.
أنه لو حضر الأكابر مجلسه لم يتغير كلامه بل يكون ناظراً للخلق كلهم بعين واحدة، ولا يتأثر بكثرة الناس حوله، ولا بقلتهم، بل يتكلم مع القليل كما يتكلم مع الكثير، وقد حُكى لنا أن الشيخ / محمد إسماعيل (1) " ألقى محاضرة لمدة ثلاث ساعات وبعد أن فرغ من إلقاء المحاضرة وانصرف الناس فإذا برجل يدخل المسجد فوجد الشيخ / محمد إسماعيل وهو لا يعرفه، فقال: يا شيخ: أنا جئت من مسافة ثلاثة عشر كيلو متر لأسمع محاضرة الشيخ / محمد إسماعيل، فقال له الشيخ / محمد إسماعيل أتحب أن أسمعك الذى قاله الشيخ محمد إسماعيل؟ قال: نعم. فجلس معه الشيخ / محمد إسماعيل لمدة ثلاث ساعات يلقى عليه المحاضرة (وهذا دليل الإخلاص).
(1) هو أحد علماء الهند الأجلاء ووالد الشيخ إلياس مؤسس جماعة التبليغ والدعوة.
وأن لا يطلب من وراء دعوته أجر (مال – شهرة – جاه – منصب .. الخ)، قال تعالى {وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ} (1).
ويروى عن الأصمعى قال: حدثنا أبو عمرو الصفار قال: حاصر مسلمة حصناً فندب الناس إلى نقب منه، فما دخل أحد، فجاء رجل من عرض الجيش فدخله ففتحه الله عليهم، فنادى مسلمة: أين صاحب النقب؟ فما جاء أحد. فنادى: إنى آمرت الآذِن بإدخاله ساعة يأتى، فعزمت عليه إلا جاء. فجاء رجل فقال: استأذن لى على الأمير. فقال له: أنت صاحب النقب؟ قال: أنا أخبركم عنه. فأتى مسلمة فأخبره عنه فأذن له. فقال لمسلمة: إن صاحب النقب يأخذ عليكم ثلاثاً (2):
ألا تسود اسمه فى صحيفة إلى الخليفة.
ولا تأمروا له بشئ.
ولا تسألوا ممن هو؟
قال: فذاك له.
قال: أنا صاحب النقب.
(1) سورة يوسف _ الأية 104.
(2)
سورة الحج - الآية 78.
فكان مسلمة لا يصلى بعدها صلاة إلا قال: اللهم اجعلنى مع صاحب النقب (1).
قال الشيخ / محمد يوسف الكاندهلوي – رحمه الله: علامات الإخلاص المداومة على الأعمال حتى الموت.
لما يأتى الإخلاص عند الإنسان .. يأتى عنده التمييز .. فسيدنا على رضي الله عنه عندما أراد أن يقتل الذى قتل تسعة وأوجع فى المسلمين .. فالتفت وبصق فى وجه الإمام على كرم الله وجهه، فتركه بعد أن ظفر به فسأله الرجل: لماذا تركتنى؟! قال: كنت أريد أن أقتلك أولاً لله .. ثم تغيرت النية للثأر لنفسى .. فأسلم الرجل.
أستغفرك من كل عملٍ عملته لك ثم خالطته النية لغيرك .. (دعاء).
نجعل حال سر وحال علن.
هناك شيطان يخرج العمل من السر إلى العلن .. فإذا خرج للعلن يباهى به يخرجه من ديوان السر للعلن حتى يبطله.
الثلاثة الذين دخلوا الغار وأطبقت عليهم الصخرة وقالوا .. أدعو الله عز وجل بصالح أعمالكم .. فلولا الإخلاص .. كيف يكون مصيرهم.
(1) عيون الأثر لابن قتيبة.
يكون لنا عمل فى السر ولا حرج أن يكون لنا عمل فى العلن .. فقد سئل الشيخ العز بن عبد السلام الدمشقى: عن العمل الذى ينبغى تركه خوف الشهرة؟
فأجاب رحمه الله: الأعمال ثلاثة أقسام:
أحدهما: ما شرع فى السر والخفاء: كقيام الليل وإسرار الذكر والدعاء فهذا لا يظهره ولا يجهر به لأنه إذا أظهره فقد خالف سنته مع تعريضه
للسمعة والرياء.
الثانى: ما شُرع علانية كالأذان وتشييع الجنائز والجهاد والحج والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والولايات الشرعية (كالقضاء والإمامة) فهذا لا يتركه خوف الرياء والفتنة بل يأتى به ويجاهد نفسه فى دفع الفتنة والرياء وعلى هذا أدرج السلف والخلف.
الثالث: ما خير الشرع فيه بين الإظهار والإخفاء: كالصدقات فإنه قال جل وعلا {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} (1).
(1) سورة البقرة – من الآية 271.
فهذا إخفاؤه خير من إظهاره لما فيه من الحزم، وحفظ الأجر، عن خواطر الرياء، إلا أن يكون مظهره ممن يقتدى به فيه إذا أظهره وهو قوى على ضبط نفسه وحفظها من الشبهة والرياء كمن تصدق بدرهم على فقير مثلاً فاقتدى به فى التصدق عليه فهذا إظهاره أفضل لأنه أمن من الرياء فتسبب إلى التوسعة على الفقراء وإلى مثوبة من تصدق عليهم من الأغنياء وفى الحديث من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها (1).
وأخيراً: نختم باب الإخلاص .. بقول الحق سبحانه وتعالى {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الارْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} (2).
*****
(1) فتاوى العز بن عبد السلام.
(2)
سورة يونس – الآية 61.