الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأسباب للاختبار والامتحان
يقول الشيخ / محمد عمر البالمبورى رحمه الله:
نشتغل فى الأسباب الظاهرية ولكن لا نتكل عليها ونتوكل على الله تعالى. الاشتغال فى الأسباب الظاهرية ليس ممنوع ولكن الاتكال على الأسباب الظاهرية ممنوع فنتجرد عن الأسباب والوسائل بحسب الاتكال، لا بحسب الاشتغال، نشتغل فى مشاغلنا الكسبية والبيتية، ونشتغل فى الأسباب الظاهرية فالله عز وجل ما منعنا أن نشتغل فى الأسباب الظاهرية.
قال الله عز وجل لنوح عليه السلام: {اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا} (1).
وقال لداود عليه السلام {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ} (2).
وقال تعالى {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً} (3).
وقال تعالى {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} (4)
والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم فى غزوة أحد لبس درعين من حديد.
(1) سورة المؤمنون - من الآية 27.
(2)
سورة الانبياء - الآية 80.
(3)
سورة البقرة - من الآية29.
(4)
سورة لأنفال - من الآية60.
عُلِمَ من ذلك أن الله سبحانه وتعالى لم يمنعنا من الاشتغال بالسبب الظاهرى فلو جاء علينا الجوع فعلينا أن نأكل قال تعالى {كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ} (1). ونحتاج إلى الزوجة فنتزوج فالله سبحانه وتعالى يقول لنا {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} (2). وإذا رزقنا بالمولود فالله يقول {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (3) وقال تعالى {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} (4).
من جميع الآيات السابقة عُلِمَ أن الله تعالى ما منعنا من الاشتغال بالأسباب الظاهرية ولكن الله تعالى منعنا من الاتكال على الأسباب الظاهرية.
وكيف يُعْلَم ذلك .. ؟ بالامتحان.
قال تعالى {الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ} (5).
كيف الله عز وجل يمتحن عبده؟
(1) سورة البقرة - من الآية 60.
(2)
سورة النساء - من الآية 3.
(3)
سورة البقرة - من الآية 233.
(4)
سورة الطلاق - من الآية 6.
(5)
سورة العنكبوت – الآية 2.
الله عز وجل يأتى بأوامره، فالأوامر تصير بمقابلة الأسباب الظاهرية، فإذا امتثل الإنسان أوامر الله عز وجل وترك السبب الظاهرى، فهذا الإنسان قوى الإيمان، وإذا ترك أمر الله عز وجل بسبب الاشتغال بالأسباب الظاهرية فهذا الإنسان ضعيف الإيمان.
والإنسان مكلف أن يتحصل سبب ظاهرى الذى فيه منافع وأن يتجنب الأسباب الظاهرية التى فيها مشقة يعنى:
يتجنب الجوع ويأكل الطعام.
يتجنب البرد ويلبس الثياب ليتحصل على الدفء.
يتجنب الظلمة ويضيئ المصباح ليتحصل على النور.
سيدنا موسى عليه السلام كان عنده سبب ظاهرى " العصا "، الله تعالى قال له:{وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى} (1).
فأجاب موسى عليه السلام {قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى} (2).
…
فالعصا سبب ظاهرى لتربية الغنم وصاحب الغنم، فجاءت المقابلة، أمر الله أمام سبب ظاهرى، قال {قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى} (3).
(1) سورة طه – الآية 17.
(2)
سورة طه – الآية 18.
(3)
سورة طه – الآية 19.
لو يمتثل أمر الله عز وجل يترك سبب نافع، ولو يشتغل فى السبب النافع يترك أمر الله عز وجل.
الآن صار مقابلة أمر الله عز وجل وبين سبب ظاهرى الذى فيه منافع، فسيدنا موسى عليه السلام كان فى قلبه أن النافع والضار هو الله عز وجل، والمعز والمذل هو الله عز وجل، وأن النجاح والخسارة من الله عز وجل، وأن هذه الأشياء المادية لا تنفعنا ولا تضرنا إلا بمشيئة الله تعالى.
فجميع الأشياء المادية مثالها مثال (العصا) فالعصا لا تنفع ولا تضر إلا بمشيئة صاحب العصا، فعندما تكون العصا على الأرض لا تنفع ولا تضر، ولكن صاحب العصا أخذ العصا وضرب الشجر وأخذ الثمر وأعطانا الثمر فنحن نشكر صاحب العصا ولا نشكر العصا.
ولو أن صاحب العصا غضب علينا، فأخذ العصا ثم ضربنا فنحن لا نعتب على العصا ونقول لماذا تضربينى يا عصا بل نعتب على صاحب العصا.
فالملك والمال والتجارة والدكاكين والمزارع والبساتين .. الخ فكل هذا مثل العصا، والله سبحانه وتعالى هو الذى يستعمل العصا.
فبعوضة واحدة عرجاء تكفى لإهلاك النمرود .. وذلك بعد إرادة الله تعالى. سيدنا موسى عليه السلام ما خاف عندما ترك العصا، ولكن الامتحان الصعب عندما
ألقاها تحولت حية، فهرب موسى عليه السلام {فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى} (1)، وقال تعالى {فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ} (2).
فجاء الأمر من الله {قَال خُذْهَا وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الأُولَى} (3).
…
فلما جاء أمر الله مقابلة ترك سبب نافع، فترك السبب النافع وامتثل أمر الله. ولما جاء أمر الله مقابلة أخذ سبب ضار فتحمل المشقة وأخذ السبب الضار.
فكذلك الله عز وجل يعطينا الأمر:
أنتم أنفقوا أموالكم مثل ترك العصا، ثم تحملوا مشقة أنفسكم مثل أخذ الحية، فإذا فعلتم ذلك فالله عز وجل يفعل معكم مثل ما فعل مع موسى عليه السلام، فموسى عليه السلام لما كان يلقى عصاه بإرادته فما كانت قوة العصا إلا لتربية الغنم وصاحب الغنم، ولما ألقاها بأمر الله عز وجل صارت هذه العصا سبباً لتربية الغنم وصاحب الغنم وتربية اثنا عشر أسباطاً، قال تعالى {: فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ
(1) سورة طه - الآية 20.
(2)
سورة القصص – من الآية 31.
(3)
سورة طه – الآية 21.
(4)
سورة التوبة – الآية 41.
عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ} (1).
ولما أتبعه فرعون بجنوده، قال تعالى {: فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ * فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} (2)
كان رد موسى عليه السلام: {قَالَ كَلا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} (3).
ماذا كانت النتيجة؟
فأصبحت العصا سبباً لحفاظة موسى عليه السلام وقومه، وصارت هذه العصا سبباً لإحياء الدين. قال تعالى {فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ} (5)
(1) سورة البقرة - من الآية 60.
(2)
سورة الشعراء- الآيتان 60، 61.
(3)
سورة الشعراء – الآية 62.
(4)
سورة الشعراء – الآيات 63: 65.
(5)
سورة الشعراء - الآيات 45: 48.
قيل كانوا حوالى ستون ألفاً وآمنت زوجة فرعون.
فعندما نترك أموالنا النافعة مثل ترك العصا بسبب أمر الله عز وجل ونتحمل مشقة أنفسنا مثل أخذ العصا، فكما وعد الله عز وجل موسى {قَالَ خُذْهَا وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الأُولَى} (1).فالله عز وجل يوعدنا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} (2).
*****
(1) سورة طه – الآية 21
(2)
سورة الصف _ الآيات من