المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الجاهلية الأولىوالحاجة إلى بعثة نبى - كلمات مضيئة في الدعوة إلي الله

[محمد علي محمد إمام]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم

- ‌مقدمة

- ‌البشارة بالرسول الخاتم صلى الله عليه وسلموأمته فى الكتب المتقدمة

- ‌الإعدادلبعثة الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم

- ‌إمام الدعاة صلى الله عليه وسلميتحدث عن نفسه

- ‌الحبيب صلى الله عليه وسلميصفه أصحابه

- ‌الجاهلية الأولىوالحاجة إلى بعثة نبى

- ‌موازنةبين الجاهلية الأولى وجاهلية اليوم

- ‌إفتقار العباد إلى الهداية

- ‌ميادين الهداية

- ‌منعلامات الهداية

- ‌وجوب الدعوة إلى الله عز وجلعلى الأمة المحمدية فى ضوءالكتاب والسنة

- ‌عظم المسئولية

- ‌الإحساس بمسئولية الدعوة

- ‌بعثة المسلم

- ‌عالمية الرسالة والدعوة

- ‌شرفالأمة المسلمة وعزها

- ‌رحماء بينهم

- ‌الدين النصيحة

- ‌وتعاونوا

- ‌ أنصر أخاك

- ‌حقائق فى الدعوة إلى الله

- ‌منمرتبة الحسن إلي الأحسن

- ‌الموعظة فى آيات

- ‌أحوال الناس أمام الدعاة

- ‌من أنوار القرآن

- ‌القدوة

- ‌الحكمة والموعظة الحسنة

- ‌من الصفاتالتى يجب أن يتحلى بها الداعىإلى الله

- ‌بركات الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى

- ‌عاقبةترك الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى

- ‌الله جل جلالهيحذر هذه الأمة من ترك الدعوة إلى الله

- ‌لماذا يتكررقصص الأنبياء فى القرآن

- ‌هل تجب الدعوة إلى الله عز وجلعلى المقصر

- ‌مع آية الخيرية

- ‌شروط إنكار المنكر

- ‌الباعث علىالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر

- ‌نصاب جهد الدين

- ‌هل تقدم الدعوة على القتال

- ‌هل هناك فرقبين لفظ الجهاد ولفظ الدعوة

- ‌ما هى مراتب الجهاد

- ‌الرباط

- ‌أقوالالسلف فى آية المجاهدة

- ‌مزاجالنبوة فى الدعوة إلى الله

- ‌مقصد الأمة

- ‌النبوة والخلافة والنيابة

- ‌العقيدة أولاً أم الحاكمية

- ‌هل ننصر بدون الدعوة

- ‌الدعوة طريق العودة

- ‌الداعى إلى الله مؤيد من الله

- ‌إيمان الجند سبيل النصر

- ‌الأفراح

- ‌الابتلاءطريق الدعاة إلى الله

- ‌صيحة إلى كل داعى

- ‌ما هو الترقى

- ‌قطوفمن بستان الدعوة إلى الله

- ‌الدين

- ‌وصية الصديق رضي الله عنه

- ‌وصية جندب رضي الله عنه

- ‌أذهله أمر آخرته

- ‌عبرة

- ‌صلاح الأحوال

- ‌المنافع مع الدين الكامل

- ‌الحقائق الغيبية

- ‌التكاليف والأوامر

- ‌مصحة إيمانية

- ‌هل أنت مؤمن

- ‌من أجود جوداً

- ‌سنة الحركة والترك

- ‌من جميل ما يروى فى الحلم

- ‌حديث قدسى

- ‌رسالة عبد الله بن المباركإلى فضيل ابن عياض

- ‌جهد الأعلى وجهد الأدنى

- ‌الأسباب للاختبار والامتحان

- ‌هل نترك الأسباب

- ‌الجهد سبباً للورع والتقوى

- ‌عاطفة نشر الدين

- ‌الصفات

- ‌صفة الإتباعمحمدٌ رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌صفة الصلاةذات الخشوع والخضوع

- ‌العلم الحقيقي

- ‌الفقه

- ‌مقصود العلم إحياء الإسلام

- ‌الدعاة هم أولياء الله عز وجل

- ‌الذكر

- ‌الإيثار والإكرام

- ‌تصحيح النيةوإخلاصها لله عز وجل

- ‌الدعوة إلى الله عز وجلوالتضحية لدين الله عز وجل

- ‌ملخص الصفات الطيبة

- ‌المحبة

- ‌أيها الدعاة إلى اللهأخلصوا

- ‌من أفواه الدعاة

- ‌الدعوة مصنع الرجال

- ‌رجال أدهشوا التاريخ

- ‌الدعوة إلى اللهمن البداية إلى النهاية

- ‌حال العالم قبل ظهور الأمة المحمدية:

- ‌ظهور الأمة المحمدية:

- ‌وهل بعثت الأمة للتجارة

- ‌وهل بعثت الأمة للصناعة

- ‌وهل بعثت الأمة لتنضم إلى الحكومات

- ‌وهل بعثت الأمة للتوسع في الشهوات والملذات

- ‌ وهل تريد ملكا

- ‌لقد بعثت الأمة لغرض سام جداً

- ‌في أي مكان ظهرت هذه الأمة

- ‌مجابهه قريش لها:

- ‌ غزوة بدر وبيان مهمة الأمة:

- ‌شرط بقاء الأمة:

- ‌ربعي بن عامر رضي الله عنه يبين لرستم قائد الفرس مقصد بعثة الأمة:

- ‌عتاب الله لمن تلكأ عن المهمة:

- ‌حال الأمة اليوم:

- ‌حجة ظاهرة علي المسلمين:

- ‌لماذا كتب الله لنا الخلود والظهور

- ‌ تخلف الأمة عن الأمم المعاصرة:

- ‌ما الذي يقهر المادة

- ‌العالم بأسرة ينتظر رسل المسلمين:

- ‌انحراف المسلمين عن المثل الكامل:

- ‌ماذا كان يفعل الصحابة إذا أسفر النهار

- ‌ماذا إذا أذن المؤذن

- ‌مجالس الذكر والعلم:

- ‌حال القراء

- ‌المعرفة بالحلال والحرام:

- ‌التبليغ:

- ‌الحب .. التضحية .. الإيثار:

- ‌وضع كل شيء في محله:

- ‌ماذا لو نادي منادي الجهاد:

- ‌يسيحون في الأرض:

- ‌كيف السبيل إلى عودة هذه الحياة:

- ‌الكلمة وتغيير منهاج الحياة:

- ‌وما الذي يساعد علي التغيير

- ‌الصلاة:

- ‌العلم:

- ‌الذكر:

- ‌الدعوة والتبليغ:

- ‌الخروج في سبيل الله:

- ‌الشيخ إلياس وفكرة في الإصلاح:

- ‌تأسيس المدارس والكتاتيب:

- ‌الفرق بين المعلمين والمرسلين:

- ‌فراسة إيمانية:

- ‌النتيجة والثمرة:

- ‌وقبل الختام

- ‌الختام

- ‌المراجع

الفصل: ‌الجاهلية الأولىوالحاجة إلى بعثة نبى

‌الجاهلية الأولى

والحاجة إلى بعثة نبى

بعث الله - سبحانه وتعالى - نبينا محمدٌ صلى الله عليه وسلم على حين فترة من الرسل وانقطاع من الوحى، وفى الحين الذى بعث فيه الرسول صلى الله عليه وسلم " نظر الله إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب "(1).

لأن الناس قد نسوا رسالة ربهم منذ عهد عيسى - عليه السلام إلى أن بعث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وأظلمت الدنيا وعادت الجاهلية فى حياة الناس وبَعُدَ الناس عن مقتضى الإيمان بالله تعالى وعن عبادة الله تعالى وعن دعوة الله، ولقد ضربت الوثنية بجرانها.

ويصور الشيخ أبو الحسن الندوى رحمه الله حال الناس فى تلك الفترة فيقول: بعث محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم والعالم بناء أصيب بزلزال شديد هزه هزاً عنيفاً، فإذ كل شيء فيه في غير محله، فمن أساسه ومتاعه ما

(1) جزء من حديث رواه الإمام مسلم عن عياض بن حمار المجاشعى (مشكاة المصابيح - باب الإنذار والتحذير - 3/ 1476).

ص: 34

تكسر، ومنه ما التوى وانعطف، ومنه ما فارق محله اللائق به وشغل مكاناً آخر، ومنه ما تكدس وتكوم.

نظر إلى العالم بعين الأنبياء فرأى إنساناً قد هانت عليه إنسانيته، رآه يسجد للحجر والشجر والنهر، وكل مالا يملك لنفسه النفع والضر.

رأى إنساناً معكوساً قد فسدت عقليته، فلم تعد تسيغ البديهيات، وتعقل الجليات، وفسد نظام فكره، فإذا النظري عنده بديهي وبالعكس، يستريب في موضع الجزم، ويؤمن في موضع الشك، وفسد ذوقه فصار يستحلي المر ويستطيب الخبيث، ويستمرئ الوخيم، وبطل حسه فأصبح لا يبغض العدو الظالم، ولا يحب الصديق الناصح.

رأى مجتمعاً هو الصورة المصغرة للعالم، كل شيء فيه في غير شكله أو في غير محله، قد أصبح فيه الذئب راعياً والخصم الجائر قاضياً، وأصبح المجرم فيه سعيداً حظيا، والصالح محروماً شقياً لا أنكر في هذا المجتمع من المعروف، ولا أعرف من المنكر، ورأى عادات فاسدة تستعجل فناء البشرية، وتسوقها إلى هوة الهلاك.

رأى معاقرة الخمر إلى حد الإدمان، والخلاعة والفجور إلى حد الاستهتار، وتعاطي الربا إلى حد الاغتصاب واستلاب الأموال ورأى الطمع وشهوة المال إلى حد الجشع والنهامة ورأى القسوة والظلم إلى حد الوأد وقتل الأولاد.

ص: 35

رأى ملوكاً اتخذوا بلاد الله دولاً، وعباد الله خولاً، ورأى أحباراً ورهباناً أصبحوا أرباباً من دون الله، يأكلون أموال الناس بالباطل، ويصدون عن سبيل الله.

رأى المواهب البشرية ضائعة أو زائغة لم ينتفع بها ولم توجه التوجيه الصحيح، فعادت وبالا على أصحابها وعلى الإنسانية، فقد تحولت الشجاعة فتكاً وهمجية، والجواد تبذيراً وإسرافاً، والأنفة حمية جاهلية، والذكاء شطارة وخديعة، والعقل وسيلة لابتكار الجنايات، والإبداع في إرضاء الشهوات.

رأى أفراد البشر والهيئات البشرية كخامات لم تحظ بصانع حاذق، ينتفع بها في هيكل الحضارة، وكألواح الخشب لم تسعد بنجار يركب منها سفينة تشق بحر الحياة.

رأى الأمم قطعاناً من الغنم ليس لها راع، والسياسة كجمل هائج حبله على غاربه، والسلطان كسيف في يد سكران يجرح به نفسه، ويجرح به أولاده وإخوانه.

وانتشرت عبادة الأصنام قلما يخلو بيت من صنم، وكان فى جوف الكعبة المشرفة البيت الذى بنى لعبادة الله تعالى وحده، وفى فنائها ثلاث مائة وستون صنماً يعبدون من دون الله وإذا سُئلوا عن ذلك قالوا:

{مَا

ص: 36

نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (1) وهو الشرك بعينه وكثرت الآلهة من الجن والملائكة والكواكب.

قال الكلبى: كانت بنو مليح من خزاعة يعبدون الجن وقال صاعد: كانت حمير تعبد الشمس وكنانة تعبد القمر وتميم الدبران ولخم وجذام المشترى وطئ وسهيلا وقيس الشعرى وأسد عطارداً، وكثُرت شرب الخمور، وفشي الربا، وكانوا لا يفرقون بينه وبين التجارة وقالوا {إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا} (2)، وكان من شيوع تجارة الخمر أن أصبحت كلمة التجارة مرادفاً لبيع الخمر، وكان القمار من مفاخر الجاهلية، فكان الرجل يقامر على أهله وماله فيقعد حزيناً سليباً ينظر إلى زوجته وماله فى يد غيره فكانت تورث بينهم العداوة والبغضاء، وكثرت الأنكحة الفاسدة، وانتشر الزنا وكانت البغايا ينصبن الرايات الحمر على أبوابهن علماً على ذلك، وكان من العادات أن الرجل يتخذ الخليلات، ويتخذ النساء أخلاء بدون عقد. وقال ابن عباس – رضي الله عنه: كانوا فى الجاهلية يكرهون إماءهم على الزنا يأخذون أجورهم، وكانت المرأة فى المجتمع الجاهلى تُورث كما يورث المتاع

أو الدابة وبلغت كراهية البنات إلى حد الوأد وهن أحياء، قال تعالى:

{وَإِذَا

(1) سورة الزمر - الآية 3.

(2)

سورة البقرة - الآية 275.

ص: 37

الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} (1)، وكانت العصبية القبلية التى ملأت السكك والدور بالدماء، وكان جمهور الجاهلية لا يصدق بالميعاد والبعث بعد الموت وقالوا:

{مَا هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلا الدَّهْرُ}

(2)

{إِنْ هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ} (3).

{

أَءِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً} (4).

والقرآن الكريم مليئ بالآيات التى تؤكد إنكارهم للبعث بعد الموت .. فبالجملة: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (5)(6).

وما كان على الحنيفية السمحة دين إبراهيم الخليل عليه السلام إلا القليل مثل قس بن ساعدة وزيد بن عمرو بن نفيل .. وغيرهم.

(1) سورة التكوير – الآيتان 8، 9.

(2)

سورة الجاثية - الآية 24

(3)

سورة المؤمنون - الآية 37.

(4)

سورة الإسراء - الآية 49.

(5)

سورة الروم - الآية 41.

(6)

مقتبس من كتاب .. ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين - أبو الحسن للندوى.

ص: 38

وقال تعالى {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} (1).

والمقصود بالقرية فى لغة أهل العلم وفى لغة القرآن الكريم أهل المدن

وأهل الأمصار العظيمة فالله عز وجل أرسل الأنبياء فى تلك المدن ومن تلك المدن تنطلق دعوة الأنبياء عليهم السلام إلى القرى المجاورة لها وما أهلك الله قوماً حتى يبين لهم. قال تعالى {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً} (2) فكيف كان حال الناس حين بعث الله نبيه محمد – صلى الله عليه وسلم كانت الجاهلية ضربت أطنابها على البشرية كلها وكان كل شئ معكوس ومنكوس كما قال الله تعالى {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (3) أو كما قال الله تعالى {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ

(1) سورة الشورى - الآية 7.

(2)

سورة الإسراء - الآية 16.

(3)

سورة الملك - الآية 22.

ص: 40

نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} (1).

كان الناس أحياء بأجسادهم ولكن أمواتاً بقلوبهم وأرواحهم .. هكذا كان الحال فى جاهلية جهلاء، وضلالة عمياء .. لا يعرفون إلى الله سبيلا .. فالله عز وجل اختار حبيبه ونبيه ومصطفاه محمداً – صلى الله عليه وسلم ليكون للثقلين بشيراً ونذيراً قال تعالى {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} (2) وقال تعالى {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاس} (3)، وقال تعالى {وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ * أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} (4).

(1) سورة الأنعام - الآية 122.

(2)

سورة القصص - الآية 68.

(3)

سورة الحج - الآية 75.

(4)

سورة الزخرف - الآيتان 31، 32.

ص: 41

فما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتفت إلى شئ من هذا فالله الذى اختاره، وبعثه يتولى الرد عنه (1) فيقول الله عز وجل {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَه} (2).

وماذا بعد الصادق الأمين .. ؟! قالوا عنه (شاعر، مجنون، كاهن، ساحر، كذاب .. ).

فالله عز وجل كذلك يتولى الرد عنه، قال الله عز وجل {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ * وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} (3).

وقال الله سبحانه وتعالى {: وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ} (4).

وعجباً لهم

فما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ببدعاً من القول فما جاء إلا بما جاء به إخوانه من الرسل عليه السلام وهو التوحيد الخالص لله عز وجل والإقرار بعبوديته:

(1) بخلاف من تقدمه من الأنبياء فإنهم كانوا يدافعون عن أنفسهم ويردون على أعدائهم كما قال نوح {قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (سورة الأعراف– الآية 61)، وقال هود {قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (سورة الأعراف–

الآية 67) (سبل الهدى والرشاد للصالحى – 11/ 66).

(2)

سورة الأنعام - الآية 124.

(3)

سورة الحاقة - الآيات 40: 42.

(4)

سورة التكوير - الآية 22.

ص: 42

قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (1).

وقال تعالى {: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (2).

وقال تعالى {: يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاتَّقُونِ} (3).

وقال تعالى: {إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلا تَعْبُدُوا إِلا اللَّهَ} (4).

وقال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} (5).

وقال تعالى {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} (6).

(1) سورة الأنبياء - الآية 25.

(2)

سورة النحل - الآية 36.

(3)

سورة النحل - الآية 2.

(4)

سورة فصلت - الآية 14.

(5)

سورة الأعراف - الآية 59.

(6)

سورة الأعراف - الآية 65.

ص: 43

وقال تعالى {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} (1).

وقال تعالى {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} (2).

ولذا كانت دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم هى الدعوة إلى توحيد الله عز وجل، فعن أشعث بن كنانة قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بسوق ذى المجاز يتخللها يقول .. يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا .. (رواه الإمام أحمد بسند صحيح).

وعن ابن عمر رضي الله عنهم قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا منى دمائهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله "(متفق عليه)(3).

وعن معاذ رضي الله عنه قال كنت ردف الرسول صلى الله عليه وسلم على حمار ليس بينى وبينه إلا مؤخرة الرحل، فقال .. يا معاذ .. هل تدرى ما حق الله على عباده؟ وما حق العباد على الله؟ قلت الله ورسوله أعلم. قال .. فإن حق الله على العباد: أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا

(1) سورة الأعراف - الآية 73.

(2)

سورة الأعراف - الآية 85.

(3)

مشكاة المصابيح - كتاب الإيمان - 1/ 11.

ص: 44

يشرك بالله شيئاً، فقلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أفلا أبشر به الناس .. قال لا تبشرهم فيتكلوا. (متفق عليه)(1).

لذلك كانت بعثة الأنبياء عليه السلام لتحرير الإنسان من عبادة غير الله عز وجل ومن الخضوع لما سواه، والخضوع له وحده والرجوع إليه والإنابة إليه والاستعانة به والتوكل عليه، فلا يرجى سواه ولا يقصد إلا إياه ولا يُلاذ إلا بجنابه ولا تطلب الحوائج إلا منه .. فلا معطى لما منع، ولا مانع لما أعطى، ولا معز لمن أذل، ولا مذل لمن أعز، ولا قابض لما بسط، ولا باسط لما قبض .. كل قوى غيره ضعيف .. وكل عزيز غيره ذليل .. وكل عالم غيره متعلم .. لم يخلق ما خلق لتشييد سلطان ولا خوف من عاقبة زمان .. بل كل خلقه عبادٌ ضارعون وخلائق مربوبون.

* * * * *

(1) مشكاة المصابيح - كتاب الإيمان - 1/ 14.

ص: 45