الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هل تجب الدعوة إلى الله عز وجل
على المقصر
.. ؟
نعم تجب الدعوة إلى الله عز وجل والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وإن لم نكن نفعل الخير كله ولم ننته عن المنكر كله بنية أن يأتى فينا ما ندعو إليه وأن ننتهى عما ننهى عنه.
وعن بعض السلف الصالح قال: مروا بالخير وإن لم تفعلوه.
وعن الحسن أنه سمع مطرف بن عبد الله يقول: لا أقول مالا أفعل. قال الحسن: وأينا يفعل ما يقول؟ ود الشيطان لو ظفر بهذه الكلمة منكم فلا يُأمر بمعروف ولا يُنهى عن منكر.
وقال مالك بن ربيعة عن أبى عبد الرحمن سمعت سعيد بن جبير يقول: لو كان المرء لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه شئ، ما أمر أحد بمعروف ولا نهى عن منكر.
قال مالك: وصدق من ذا الذى ليس فيه شئ.
وقيل:
لو لم يعظ الناس من هو مذنباً
…
فمن يعظ العاصين بعد محمد صلى الله عليه وسلم؟!
وجاء فى كتاب الأمالى للأصمعى: قال: بلغنى أن بعض الحكماء كان يقول إنى لأعظكم وأنا كثير الذنوب، مسرف على نفسى غير حامد لها، ولا حملها على المكروه طاعة لله تعالى، وقد بلوتها فلم أجد لها شكراً فى الرضا، ولا صبراً على البلاء، ولو أن المرء لا يعظ أخاه حتى يُحْكِّم نفسه
لتُرك الأمر بالخير والنهى عن المنكر، ولكن محادثة الإخوان حياة للقلوب، وجلاء للنفوس، وتذكير من النسيان.
وقال العلماء: لا يشترط فى الآمر بالمعروف والناهى عن المنكر أن يكون كامل الحال، ممتثلاً ما يأمر به، مجتنباً ما ينهى عنه، بل عليه الأمر وإن كان مرتكباً خلاف ذلك لأن المكلف يجب عليه شيئان:
- أحدهما: أن يأمر نفسه بالخير وينهاها عن الشر.
- الثانى: أن يأمر غيره بالخير وينهاه عن الشر.
والإخلال بأحد التكليفين لا يقتضى الإخلال بالآخر، واعلم أن التوبيخ فى الآية {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} (1) بسبب ترك فعل البر، لا بسبب الأمر بالبر، لأن الأولى بالداعى والآمر بالمعروف والناهى عن المنكر أن لا يخالف قوله فعله، كما قال شعيب – عليه السلام {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلا الأِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ((2)(3).
(1) سورة البقرة – الآية 44.
(2)
سورة هود - من الآية88.
(3)
انظر مفاتيح الغيب للرازى - 2/ 68، تفسير القرطبى - 1/ 367، مختصر تفسير ابن كثير - 1/ 59
ويقول الشيخ الشعراوى: الإنسان مطالب بأمرين:
• الأول: ألا يصنع المنكر.
• الثانى: أن ينهى عن المنكر.
ولذلك إذا جاء نصح من إنسان ينهاك عن المنكر وهو قد فعله فلا تقل له أصلح نفسك واتبع أنت ما تنصح به أولاً حتى لا يقول لك كما قال الشاعر:
خذ بعلمى ولا تركن إلى عملى
…
واجن الثمار وخل العود للنار (1)
وقيل:
اعمل بقولى وإن قصرت فى عملى
…
ينفعك قولى ولا يضرك تقصيرى
ويقول معاوية – رضي الله عنه: أيها الناس لا يمنعكم سوء ما تعلمون عنا، أن تعملون بأحسن ما تسمعون منا.
ولعل سائل يسأل: فماذا نفعل بهذه الآية الكريمة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} (2).
(1) تفسير الشيخ الشعراوى
(2)
سورة الصف - الآيتان 2، 3.
والحديث الذى رواه أسامة بن زيد بن حارثة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى فى النار فتندلق أقتاب بطنه فيدور بها كما يدور الحمار فى الرحا فيجتمع إليه أهل النار فيقولون .. يا فلان .. مالك؟ ألم تكُ تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول: بلى كنت آمر بالمعروف ولا آتيه وأنهى عن المنكر وآتيه. متفق عليه (1).
نعم يكون المقت من الله عز وجل والعذاب للعبد يوم القيامة إذا أمر بالمعروف والخير وليس فى نيته أن يأتيه ونهى عن المنكر وفى نيته ألا ينتهى عنه فيحسن بالداعى إلى الله والآمر بالمعروف أن يكون مطبقاً لما يأمر به ومبتعداً عما ينهى عنه حتى تكون الفائدة أتم وأنفع.
قال أحد السلف الصالح: إذا أردت أن يُقبل منك الأمر والنهى فإذا أمرت بشئ فكن أول الفاعلين له، أول المؤتمرين به، وإذا نهيت عن شئ فكن أول المنتهين عنه.
لأنك إذا قرت عينك بالله، قرت عيون الناس بك، صرت لقلوبهم كالكحل لعيونهم.
ولذا قيل:
يا أيها الرجل المعلم غيره
…
هلا لنفسك كان ذا التعليم
فإذا انتهيت عنه فأنت حكيم
(1) كتاب رياض الصالحين، باب تغليظ عقوبة من أمر بمعروف أو نهى عن منكر وخالف قوله فعله.
بالعلم منك وينفع ذا التعليم
ابدأ بنفسك فانهها عن غيها
…
فهناك يقبل ما تقول ويقتدى
ويقول ابن القيم رحمه الله: علماء السوء جلسوا على باب الجنة يدعون إليها الناس بأقوالهم ويدعونهم إلى النار بأفعالهم فكلما قالت أقوالهم للناس هلموا قالت أفعالهم لا تسمعوا منهم فلو كان ما دعوا إليه حقاً كانوا أول المستجيبين له فهم فى الصورة أدلاء وفى الحقيقة قطاع الطرق (1). فاحذر أخى الداعى أن تكون من علماء السوء.
فإن من الخيبة أن يدعو الإنسان إلى الخير وهو نفسه عاكف على هواه، ويأمر بالمعروف وهو متعلق بأذيال المنكر.
، .. نسأل الله السلامة والتوفيق وعدم الخذلان .. ،
(1) كتاب الفوائد المشوقة إلى علوم القرآن - ابن القيم.