الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شروط إنكار المنكر
لو تأملنا لرأينا النبى صلى الله عليه وسلم شرع لأمته إنكار المنكر ليحصل بإنكاره ما يحبه الله ورسوله، فإذا كان المنكر يستلزم ما هو أنكر منه وأبغض إلى الله ورسوله فإنه لا يسوغ إنكاره، وإن كان الله يبغضه ويمقت أهله، وهذا كالإنكار على الملوك والولاة بالخروج عليهم، فإنه أساس كل فتنة وشر، وقد استأذن الصحابة رضى الله عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فى قتال الأمراء الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها، وقالوا: أفلا نقاتلهم .. ؟ فقال: " لا، ما أقاموا الصلاة "(1) وقال: " من رأى من أميره ما يكرهه فليصبر ولا ينزعن يداً من طاعته "(2).
ومن تأمل ما جرى على الإسلام فى الفتن الكبار والصغار رآها من إضاعة هذا الأصل وعدم الصبر على المنكر، فطلب إزالته فتولد ما هو أكبر منه فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى بمكة أكبر المنكرات مثل الأصنام التى كانت حول الكعبة وعددها ثلاثمائة وستون صنماً، ولما دخلها يوم الفتح فأشار
(1) رواه مسلم وأحمد والترمذى وأبو داود.
(2)
رواه البخارى ومسلم وأحمد الدارمى.
إلى كل صنم بعصا من غير أن يمسها وقال: {جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً} (1) فكان لا يشير إلى صنم إلا سقط.
وبعد أن فتح مكة وصارت دار إسلام عزم على تغيير البيت ورده على قواعد إبراهيم عليه السلام، ومنعه من ذلك – مع قدرته عليه – خشية وقوع ماهو أعظم منه من عدم احتمال قريش لذلك لقرب عهدهم بالإسلام وكونهم حديثى عهد بكفر، فعن أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لها:" يا عائشة، لولا أن قومك حديث عهد بجاهلية لأمرت بالبيت فهدم، فأدخلت فيه ما أخرج منه، وألزقته بالأرض وجعلت له بابين باباً شرقياً وباباً غربياً، فبغلت به أساس إبراهيم "(2).
وقال الحافظ بن حجر: لأن قريشاً كانت تعظم الكعبة فخشى صلى الله عليه وسلم أن يظنوا لأجل قربهم بالإسلام أنه غير بناءها لينفرد بالفخر عليهم فى ذلك ويستفاد منه ترك المصلحة لأمن الوقوع فى المفسدة.
ولهذا لم يأذن فى الإنكار على الأمراء باليد لما يترتب عليه من وقوع ما هو أعظم منه. فإنكار المنكر يحتاج إلى فقه وعلم حتى لا يزال ضرر أصغر بضرر أكبر.
(1) سورة الإسراء – الآية 81.
(2)
رواه البخارى ومسلم والنسائى وفى موطأ مالك ومسند أحمد.
درجات إنكار المنكر:
الأولى: أن يزول المنكر ويخلفه ضده.
الثانية: أن يقل المنكر وإن لم يزل بجملته.
الثالثة: أن يخلفه ما هو مثله.
الرابعة: أن يخلفه ما هو شر منه.
فالدرجتان الأوليان مشروعتان، والثالثة موضع اجتهاد والرابعة محرمة.
فإذا رأيت أهل الفجور والفسوق يلعبون بالشطرنج كان إنكارك عليهم من عدم الفقه والبصيرة إلا إذا نقلتهم منه إلى ما هو أحب إلى الله ورسوله كرمى النشاب وسباق الخيل ونحوك ذلك، وإذا رأيت الفساق قد اجتمعوا على لهو ولعب أو سماع مكاء وتصدية فإن نقلهم عنه إلى طاعة الله فهو المراد، وإلا كان تركهم على ذلك خيراً من أن تفرغهم لما هو أعظم من ذلك فكان ما هم فيه شاغلاً لهم عن ذلك، وكما إذا كان الرجل مشتغلاً بكتب المجون ونحوها وخفت من نقله عنها انتقاله إلى كتب البدع والضلال والسحر فدعه وكتبه الأولى (1).
(1) انظر كتاب إعلام الموقعين عن رب العالمين لابن القيم – فتح البارى لابن حجر.