الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المصنف
اللهمّ إنّى بحمدك أستفتح، وبرشدك أسترشد وأستنجح، وبتوفيقك أستسهل كلّ صعب، وبعظمتك أستقلّ كلّ خطب، وبنور هدايتك أستضئ، وبعزّ عنايتك مرتضى، وببركة قدسك أستهلّ، ومن سعة علمك أستملّ، ومن غزير إلهامك أستمدّ، وإلى عزيز سلطانك أستعدّ. لك الحمد والمنّة، وبعظمتك التوقّى والجنّة، وبك أعوذ من شرّ الإنس والجنّة، وبرحمتك أرجو الفوز بالجنّة. اللهمّ صلّى على خير الأصفياء، وخاتم الأنبياء، ومنشئ الفصاحة، وجامع الملاحة، وصاحب البيان، وحبيب الرحمن، ذو الجمال البديع، والجناب الرفيع، والدين القويم، والمنهاج المستقيم، سيّد المرسلين، والمؤيد بالملائكة المقرّبين، محمد الأمين الذى أعليت درجته فى علّيّين، وأنزلت عليه فى كتابك المبين:
{يس، وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ، إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ»} . (3)
(1) القرآن الكريم 1/ 1 - 7
(2)
القرآن الكريم 2/ 286
(3)
القرآن الكريم 37/ 1 - 3
اللهمّ فصلّ عليه وعلى آله الطاهرين وأصحابه الذين أضحوا على أهل الشرك ظاهرين، وارض اللهمّ عن الأنصار والمهاجرين ومن تبعهم بإحسان إلى (3) يوم الدين، إنّك بالإجابة جدير، وأنت على كلّ شئ قدير، يا نعم المولى ويا نعم النصير.
وبعد: فإنّ خير الكلام ما شغل بذكر بعض محاسن من جمع الله تعالى له ملك الدنيا إلى ثواب الآخرة، وعزّة النفس إلى بسطة العلم، ونور الحكمة إلى نفاذ الحكم وجعله مبرّا على سائر ملوك العصر، كما فاق بملكه على جميع سلاطين الدهر، بخصائص من العدل، وخلائل من الفضل، ودقائق من الكرم المحض، وعزائم قد شاعت فى أقطار الأرض، لا يدخل أيسرها تحت العادات، ولا يدرك أقلّها بالعبادات، ومحاسن سير تحرسها أسنّة الأقلام، وتدرسها ألسنة الليالى والأيّام، فأصبحت الأيّام بدوام أيّامه تميس إعجابا، والأزمنة بعد هرمها بزمانه قد عادت شبابا، فلذلك وجب على كلّ ذى عقل ودين، بل على كافّة الناس من سائر الملل أجمعين أن يمدّوا بالدعوات الصالحة، بأفكارهم القادحة لدوام أيّامه وخلود سلطانه وبقاء ملكه واستمرار زمانه، لأنّه زمان، قد جمع بين العدل والإحسان، والخصب والأمان والطمأنينة، وقد قيل: الأوطان حيث يعدل السلطان، وعدل السلطان خير من خصب الزمان، فكيف إذا اجتمعت هذه الخلال فى بعض محاسن مولانا السلطان، ملك العصر والزمان، والمؤيّد بالملائكة والقرآن، سيّدنا ومولانا ومالك رقّنا السلطان الأعظم الملك الناصر أيا المعالى صاحب هذه المناقب والمفاخر، ناصر الدنيا والدين محمّد ابن مولانا السلطان الشهيد الملك المنصور، سيف الدنيا والدين قلاون الألفى الصالحى (4).
وذلك أنّ صدقاته العميمة الشاملة شرقا وغربا، الذاهبة غورا ونجدا،
كشفت عن أهل الفضل أحوالا تتضمن أهوالا، وعلّمهم كرمه كيمياء تجعل الآمال أموالا، وأقام سوق العلوم وسوقها، وأربح تجارة من حمل إليه وسوقها، فلذلك جعلت كتابى هذا من رعايا الكتب أميرا، وأمطيته من عروس المملكة سريرا، وجعلت رأسه لسماء الفخر مظلّلا وبتاج العزّ مكلّلا، وافتتحته بذكر ملك هو مفتاح يد التطرّق إلى باب الرشاد، ومصباح عين المستضئ بنور السداد، ورحمة الله الموعودة للعباد، ورحمته المنشورة فى البلاد، ملك قام بأمر الله معتصما بحبل رجائه، فصبّ بحار النعم على أوليائه، وأسواط النقم على أعدائه، فهو بشارة مصبوبة فى الآدان وباكورة مجلوبة من ثمرات الجنان، ومالك له فى كلّ مكرمة عزة الأرضاح، ومن كلّ فضيلة قادمة الجناح، بصدر تضيق عند الدهناء وتفزع إليه الدهماء (من الكامل):
لله صدر للإمام كأنّما
…
أقطار طاعته به قطمير
تتزاحم الأضداد فيه وتنثنى
…
عنه وليس لوقعها تأثير
(من الوافر):
وأثبت ما تراه نهى وجاشا
…
إذا دهش المشاور والمشير
سيّد للجميل معتاد، والفضل منه مبدأ ومعاد، وسلطان ما له للعفاة مباح، وفعاله فى ظلمة الدهر مصباح، بهمّة تعزل السّماك الأعزل، وتجرّ ذيلها على المجرّة، مفترع أبكار المكارم، رافع منار المحاسن، ينابيع الجود تنفجر من أنامله، وربيع السماح يضحك عن فواضله، بيت القصيدة والواسطة الفريدة (5)، ذكر الأنام لنا فكان قصيدة كتب البديع الفرد من أبياتها، شجرة فضل عودها أدب وأغصانها علم وثمرتها عقل وعروقها شرف، تسقيها سماء الحرّيّة، وتغذيها أرض المروّة، يحلّ دقائق الأشكال، ويزيل معترض الإشكال، قد جمع الحفظ العزيز،
والرأى السديد فى التدبير، يفهم من مبادئ الأقوال خواتم الأحوال، ومن صدور الأمور إعجاز ما فى الصدور (من الطويل):
يناجيك عمّا فى الضمير كأنّه
…
بمختلسات الظنّ يسمع أو يرا
فأبوابه الشريفة كعبة المحتاج لا كعبة الحجّاج، وأمن الخائف لا منا الطائف، ومشعر الكرم، لا مشعر الحرم، ومنجد الخوف لا مسجد الخيف، حرسها الله تعالى بما حرس به كعبته من أصحاب الفيل ورمى من رامها بسوء بحجارة من سجيل (من الطويل):
إليه والاّ قيّدوا قدم السرى
…
وفيه والاّ أخرسوا اللسن (1) الحمد
وعنه أفيضوا إنّه مشعر الهدى
…
وحوليه طوفوا إنّه كعبة القصد
وحسب الليالى أنّها فى زمانه
…
بمنزلة الخيلان فى سفحة الخدّ
يغيثك فى محل يعينك فى ردا
…
يروعك فى درع يروقك فى برد
جمال وإجمال وسبق وصولة
…
كشمس الضحى كالمزن كالبرق كالرعد
قد أقامه الله تعالى رحمة لعباده، وغيثا لبلاده، وغوثا لعباده، حاسم عن القيام بحقوق الله ساق التشمير، وحاسم بنفوذ أوامره المطاعة موادّ الفساد بحسن التدبير، كنز الآملين وغيث الماجلين وملجأ القاصدين وبحر الواردين، سيّد الملوك والسلاطين، فى كل عصر ووقت وحين (6) الذى عجزت الألسن فى مدحه حتى عادت قصار، ولو كان كلّ اللسن (2) كحسّان والأنصار له أنصار:
(من الكامل):
ماذا أقول إذا وصفت جلاله
…
والنطق فيه مطلق ومقيّد
النظم أضيق أن يحوز صفاته
…
لكنّه جهد الذى هو يجهد
(1) اللسن: ألسن
(2)
اللسن: الألسن
إنّا إذا قمنا له بالشكر نعمل
…
للمعاد حقيقة ونمهد
أدام الله أيامه لملك الأرض حتى يدبّره، وملك العصر حتى يثمره ولا أخلاه من عناء يبتنيه، وثناء يقتنيه، وخير يصطنعه، ومدح يستمعه، وأعزّ أنصاره وبسط ظلّه وجعل أعداؤه خاشعة أبصارهم ترهقهم (1) دلّة،
آمين آمين يا ربّ العالمين.
وبعد: فإنّ العبد لما اشتغل بفنّ الأدب السامى للقدر المالى للرتب، وعهدى بعهد الصبى مخيم ما استقلّ والوجه بالنبت موسم همّ وما بقل، والخطّان المتواردان من يمينه ويساره لم يتصافحا، والضدّان المتناقضان من ليله ونهاره لم يتصالحا، ولم يثن غنائى عن ما غنائى من الإيضاع مقلة ينبوع، ولا زمّنى عمّا أهمّنى من الإسراع بيانه أسروع، فعلى هنالك قدرى جدّ فى طلب العلم جدّه، وما رأى فى عسجد أستفيده ولكنّى فى مفخر أستعدّه، وكفى بالعلم مفخرا يقدع منه أنوف المفاخرين، وبالثناء الجميل مدخرا وهو لسان الصدق فى الآخرين، والموفّق من إذا همّ ألقى بين عينيه عزمه ونكب عن ذكر العواقب، ومدّ أطناب خيامه على النجوم الثواقب، فلذلك استأنست بالخلاء عن الملاء، وولّيت وجهى شطر الأئمة الفضلاء، (7) وبسطت حجرى لا لتقاط درر الشفاه وجعلت ذلك دواء لقلبى وشفاءه، وتركت اليراعة التى هى سنان رمح البراعة بطول انتظامها إلى أناملى سادسة لخامسها، والمداد الذى هو مستقى أرشه الأقلام منهلا لخوامسها، لا جرء أحمدت مسراى عند الصباح، ونادى مناد الخير حى على الفلاح، وهيّأ الله لى من أمرى رشدا، وثمر لى طول معاناة المخض زبدا، ومحقّق لى كلّ ظنّ ممّا تجمع لى من كلّ فنّ، فكأنّ الأرض حللت لى على اتّساع جوانبها ورويت عن الفضلاء
(1) ترهقهم: ترهقهم درر النيجان 3 آ،11
من مشارقها ومغاربها، فغدت كأنّى فى تخليد أخبارهم، وتجديد الدارس من آثارهم قبلى من اللواقح السواحب ذيولها على الأرض الخاشعة إحياء لمواتها، وربعى من النوافخ فى صور رعدها على الروضة الفائحة إنشارا لنباتها، ولم ينشر إلىّ الوصول إليها والفراغ منها إلاّ وقد وخط القتير، وطلع النذير، وانضمّ الخيط الأبيض من الفجر إلى الخيط الأسود من الشعر، فحلى الفود مشتعلا وأضاف الدود إلى الدود فصارت إبلا.
ثم اخترت الله تعالى بعد ما أخلصت النيّة، وسألته سرّا وعلانية أن يلهمنى رشدى، ولا يخيّب سؤالى وقصدى، فدلّتنى هناك الإرادة، وحرّكتنى لذلك السعادة، فوضعت هذا التأريخ اللطيف، مشرفا بالاسم السلطانى الناصرى الشريف، وشمّرت عن ساق التشمير، وهجرت كلّ جليس وسمير، ما خلا سمير الكتب، وشهير الأدب، وقدحت زناد الفكرة فأورا وأضا، وأحيت ما دثر من الأفاضل ممّن انقضا ومضا، الذين بأسنّة يراعتهم يضرب المثل، وبألسنة (8) براعتهم ملكوا قلوب تلك الملوك الأول، إذا كان الوقت للفاضل فيه مقال، ويقال فيه الجاهل وفى الفاضل يقال، فلمّا أقفرت تلك البقاع وخلت الرّخاخ من الرقاع، وتفرزنت بيادق الحراشى، ودثر ونسى الناثر والفاضل الناشئ، وكسد سوق اليراعة، وفسد زمان البداعة، قصدت أن أتتبع آثار الداثر، وأتشبّثّ بشئ من الدارس فى دا الزمان الفاتر، لعلّى أبلغ الأسباب وأضاف إلى جملة عبيد السادة الكتّاب وإن كنت لست من أهل هذه الصناعة، ولا تجّار هذه البضاعة، وأين وقع الضباب من قطر السحاب، وهفيف الغراب من هوى المقاب، لكنّنى تشبّتّ بفصلهم منهم إليهم، وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم.
وكان الابتداء فى الاشتغال بمسوّداته، وجمع نوادره ومستطرفاته وتحصيل أخباره وحكاياته فى سنة تسع وسبعمائة العربيّة للهجرة النبويّة، على صاحبها أفضل الصلوات، وأزكى التحيات، وذلك مما انتخبته وانتقيته وغربلته ونقيته، من تواريخ رئيسة وكتب نفيسة وزبد عجيبة، ونبذ غريبة، يشتمل على درر يتيمة وغرر كريمة، وبدع مؤنقة، ولمع مخرقة، فعاد كالحديقة المشرقة ذات أشجار مورقة بأثمار باسقة، وأطيار ناطقة وأنهار دامقة وأزهار شائقة، وحدائق مزهرة ودقائق مبهرة، ونوادر ملهية، ومضاحك هزليّة وملح شهيّة، ورقائق مبكية وأهاجى منكية، ومدائح زكيّة، وحكايات مليحة بروايات صحيحة، بألفاظ فصيحة، تصل إلى العقول الرجيحة، فلما كمّلت مسودّاته، ونجزت آياته (9) ألّفت كلّ واقعة فى زمانها، وما جرية فى أوانها، وأقمته تأريخا غريب المنال، كثير الحكم والأمثال، ولخضت من تواريخ الجمع، ما ينزّه الناظر ويشنّف السبع، يتضمّن من فوائد الجدّ، ونوادر الهزل، وفرائد النثر، وقلائد النظم، ما يملأ البصر نورا، والقلب سرورا، مع عيون تواريخ العرب والعجم، ومن سلف من ملوك الأمم، إلى نتف الأئمة الخلفاء وفقس الملوك والوزراء، ونكث الزهّاد والحكماء، ولمع المحدّثين والعلماء، وحكم الفلاسفة والأطبّاء وغرر البلغاء والشعراء، وملح المجان والظرفاء وطرف السّوال والغوغاء، وما يختصّ به كلّ زمان، ويفترد به كلّ طائفة بأوان.
واستفتحت الكلام بتنزيه البارئ المنزّه عن الأوهام الذى لا تدركه الأبصار ولا الأفهام ولا تفنيه الليالى ولا الأيّام، حىّ قيّوم لا ينام، الأبدى على الدوام، ثم أتبعت ذلك ببدء الدنيا وخلق الأشياء مع خلق السموات، وما فيها من المخلوقات العلويّات، وكذلك الأرضين وما قلّها من المخلوقين، وتلوت هذا الكلام بخلق
آدم عليه السلام وما ورد من الحديث فى الأمم المخلوقة من قبله، وأردفت ذلك بالأنبياء والمرسلين من نسله، تتلّوا ذلك الحين صلوات الله عليهم أجمعين، ثم ذكرت السحرة والكهّان من قبل آفة الطوفان، من بعد ما وهنت عن طوائف الجنّ والجانّ، وإبليس اللعين، وأولاده وجنوده وأعوانه الملاعين، وكلّ ذلك مستخرج من صحيح مسلم والبخارى، لا فوق بما ألفته على أهل زمانى من أنظارى، ثم ذكرت شجعان الجاهليّة، والفحول من الشعراء الأوائليّة، فى الفترة لما بين عيسى صلوات الله عليه والحواريّين، إلى مولد سيّدنا وحبيبنا وشفيعنا محمّد صلى الله عليه وعلى آله الطاهرين (10) وأصحابه والتابعين صلاة دائمة إلى يوم الدين.
ثم ابتدأت من أوّل عام الهجرة سياقة النيل من بعد سياقة التاريخ بعام الفيل وقدّمت قبل كل حادثة من حوادث ذلك العام، ما يليق من الكلام، وذلك ما استقرّ عليه القاع من الماء القديمة، وما انتهت إليه الزيادة على القانون المستقيم، وأثبتّ ذلك لفوائد عدّة يأتى شرحها، ويظهر للمتأمّل الحاذق ربحها.
ثم أتبعت هذا الكلام، فى حوادث كلّ عام، ومن كان فيه من الحكّام من خلفاء الإسلام، وملوك الأنام، السادة الأعلام فى مشارقها ومغاربها، ومسالمها ومحاربها، وذلك ممّا اتّصل إلينا من أخبارهم فقصصناه من آثارهم وما عدا ذلك فعلمهم عند خالقهم، ومنشئهم ورازقهم، وذكرنا ما حدث فى كلّ عام من حوادث وأمور، وما تغيّر فيه من أمر كان أو مأمور، واعتمدت فى ذلك كلّه الغاية فى الاختصار، إذ التواريخ وجمعها لا يقع عليها إحصار، ولقد اعتنيت بحصر ما جمعت فيه من ملح تواريخ الإسلام، وما اخترت من نوادر جواهر الكلام، فكان نيف وخمسين، مجيدين محسنين، حسبما ذكرت من أسمائهم وبيّنت من
أنبائهم بحكم أنّنى لم أترك فى هذا المجموع المطبوع تقصيرا مخلّ، ولا أسهبت وأطنيت تطويلا مملّ، وليس الاعتماد فى هذا كلّه إلاّ على حسن فطرة القارئ، الذى ذهنه أرقّ من الماء الجارى، فإذا حسن من القارئ البراعة، وأصغى السامع وأخلى قلبه لسماعه، لذّت هنالك المحاضرة، وعلم هنالك أنّه كتاب لا يقاس بالمناظرة.
ثم إنّ العبد قد اقترح فى تأليفه اقتراحا أظن أننى لم أسبق إليه، يظهر صحّة الدعوى لكل واقف عليه وذلك أننى خصصت كلّ جزء من أجزائه التسع بدولة من الدول، وما فى ضمنها من الدول (11) المنقطعة وملوكها أرباب الخول، وجعلت أجزاءه مقسومة على هذه الأفلاك التسع، لعلوّ قدرها ولما خصّوا به من النفع، وأسماءهم:
الأول: نزهة البشر، من قسمة فلك القمر، المسمّى: بالدرّة العليا فى أخبار بدء الدنيا.
الثانى: علّة الوارد من نسمة عطارد، المسمّى: الدرة اليتيمة فى أخبار الأمم القديمة.
الثالث: المشرف بالقدرة، من قسمة فلك الزهرة، المسمّى: الدر الثمين فى أخبار سيّد المرسلين والخلفاء الراشدين
الرابع: بغية النفس من قسمة فلك الشمس، المسمّى: الدرّة السميّة فى أخبار الدولة الأمويّة.
الخامس: الذى كلّ سمع له نسيخ، من قسمة فلك المرّيخ، المسمّى: الدرّة السنيّة فى أخبار الدولة العبّاسيّة
السادس: الفائق صحاح الجوهرى، من قسمة فلك المشترى، المسمّى: الدرّة
المضيّة فى أخبار الدولة الفاطميّة.
السابع: شهد النحل، من قسمة فلك زحل، المسمّى: الدرّ المطلوب فى أخبار دولة ملوك بنى أيّوب.
الثامن: زهر المروج، من قسمة فلك البروج، المسمّى: الدرّة الزكيّة فى أخبار دولة الملوك التركيّة.
التاسع: الجوهر الأنفس، من قسمة الفلك الأطلس المسمّى: بالدرّ الفاخر فى سيرة الملك الناصر.
فلمّا اجتمعت هذه الدرر النفيسة، والغرر الرئيسة سمّيت مجموع التأريخ: كنز الدرر وجامع الغرر، وانتهيت فى سياقة التاريخ آخر الجزء التاسع بذكر سنة خمس وثلاثين وسبعمائة، فإن جلّى بإصابة سمع فعن قوس فكرى كانت الرماية، ولولا خوفى من التغالى والانتصار لتألّفى ومقالى، لقلت كما قال أبو الفرج الإصفهانى صاحب كتاب الأغانى: وهو كتاب ينتفع به الأديب المتقدّم. كما ينتفع به الشادى المتعلّم، ويأنس به الخليع المتهتّك، ويحتاج إليه الملك فى ممالكه كما يحتاج إليه المملوك فى خدمة مالكه، وهو نعم الأنيس وخير جليس.
قلت: فإن حسن لعين الناظر فيه والدارس، وأحلاه بحلّ القادح لدى القابس هنالك أقول (12) (من الخفيف):
يا كتابى قبّل يديه إذا ما
…
نلت حضّا وقل له يا كتابى
أنت بحر العلوم فاغفر إذا ما
…
قد أعادوا إليك قطر السحاب
وإن قذفه وقلاه، ونبذه من بعد ما استملاه، فأنا أسأله أن يسامحنى بالغلط، فمن ذا الذى ما ساء قطّ، ومن له الحسنى فقط، وإن جهل معانيه وما فيه من الزبد والنبذ، أو علم ذلك ثم داخله أوّل ذنب عصى الله به وهو الحسد، فهنالك أيضا