الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر البلدان وما فيها من السكّان
(1)
ذكر علماء الهيئة: إنّ المسكون من الأرض <على> (2) تفاوت أخطاره وبعد أقطاره مقسوم بين سبع أمم، وهم: أهل الصين، والهند، والسند، والروم، والفرس، والترك، والعرب.
قلت: ولم يذكر صاحب هذا النقل السودان وهم أعظم هذه الأمم كثرة ولعلّهم داخلين فى قوله السند وبعيد ما بينهم.
قال: (3) وروى بطليموس أنّه أحصى مدن الدنيا فى زمانه فكانت أربعة آلاف مدينة ومائتى مدينة، وذكر خالد بن عبد الله المروزى (4) أنّ مدن الدنيا ثمانية آلاف مدينة، ففى الصين ألف مدينة، وفى الهند ألف مدينة، وفى الزنج والحبشة والنوبة ألف مدينة (91) وباقى المدن مفرّقة فى الأقاليم.
وقال الحسن البصرى رحمه الله: الأمصار المعتبرة فى الإسلام سبعة: مكّة والمدينة والبصرة والكوفة والجزيرة والشأم ومصر وسواد البصرة والأهواز وفارس داخل فى الجملة.
فأمّا المشهور من المدن فنبتدئ بذكر مدائن المشرق فنقول: الفنصورة: (5)
بالفاء، وهى من مدائن الصين وإلى كافورها المنتهى، ويمتدّ رستاقها على البحر شهرين، وقال الأصمعى رحمه الله؛ إنّما سمّيت الصين بصين ابن نعبر نزلها وكثر نسله بها فسمّيت به، وسأذكر ذلك فى موضعه عند ذكرنا لتفرّق الأمم بعد الطوفان إن شاء الله تعالى.
قال: وحدّها من الهند إلى التّبت وجزائر الوقواق فيها، وقال بطليموس:
(1) مأخوذ من مرآة الزمان 12 آ،4
(2)
على: مرآة الزمان
(3)
الممالك 5،4
(4)
المروزى: المروروذى مروج الذهب 6/ 298
(5)
مأخوذ من مرآة الزمان 12 آ،12
من دخل بلاد الصين لم يهنء عليه الخروج منها لاعتدال هوائها ورقّة مائها وكثرة خيرها والذهب والفضّة، ولا يزال الإنسان فيها مسرورا طوبا.
وقال فى جغرافيا: وفى بلاد الصين أنهار كبار مثل دجلة والفرات تجرى من بلاد الترك والتبّت والصغد، وفيها جبال النشادر (1) يرتفع منها فى الصيف نيران ترى من مائة فرسخ فى الليل وفى النهار يرى دخان لغلبة شعاع الشمس، وأكثر سلوك الناس إلى مدينة الفنصورة، والصين من ناحية خراسان إلى أوّل أعمال الصين نحو من أربعين يوما وقيل أربعة أشهر وهناك جبل الصغد.
وقال المسعودى (2) فى مروج الذهب وذكر هذه الجبال النشادر وأطنب فى ذكرها وأن يمكن الدخول إلى الفنصورة من طريق جبال النشادر، لكن فى الشتاء من الزمان، وهناك أناس من أهل تلك الديار وعندهم دوابّ فره معتادة لسلوك تلك الأرض وأنّ التجّار يقصدون تلك الطريق لقرب المسافة فإنّهم يقطعون تلك الجبال فى أربعة أيّام لكن ليلا ونهارا لا ينزلون ولا يستريحون بل لا يزالون (92) يضربون أكفال تلك الدوابّ ويحثّونهم على السير ويسرعون فيه حتّى يقطعون مسافة تلك الجبال، ومن انقطع من بنى آدم أو من الدوابّ هلك ولا يجد له خلاص، ولهم على ذلك الأجرة الوافرة من التجّار السالكين بهم فيصلون إلى هذه المدينة وغيرها من أعمال الصين فى تلك المسافة القريبة ويتوفّر عليهم تلك المسافة البعيدة.
ومن مدن الصين مدينة ثبت: (3) قال الأصمعى رحمه الله: أصلها ثبت بالثاء المثلثة وفتحها وتحريك الباء وإسكان التاء، وكانت التبابعة وهم ملوك حمير باليمن
(1) النشادر: نوشاذر مروج الذهب 1/ 185 مادة 383 - 385
(2)
قارن (4)
(3)
مأخوذ من مرآة الزمان 12 آ، -6
لمّا طافوا الدنيا وصلوا إلى هذه الأرض ورتّبوا على تلك الحدود رجالا مخافة العدوّ فثبتوا هناك فقال الناس: ثبت، ثم طال العهد فجعلوا موضع الثاء المثلثة تاء مثنّاة، قلت: وهذا تفاوت يسير فيما أبدلته العالم وصحّفوه.
قال: والمسلك التبّتى ينسب إلى هذه الأرض، قال: وهو من صرار غزلان تلك البقعة، وهم كغزلان سائر الدنيا وإنّما لهم بابان خارجان من فكّيهما كأنبية الأفيلة، ويتكوّن هذا المسك من دم يعقد فى صرارة كالدمل فإذا انتهى حصل له تآكل فيأتى إلى رؤس الأحجار المحدّدة فتحتك بها فتنفجر عليها وتسيل على تلك الأحجار فيخرجون أهل تلك الديار فيجمعون ما يجدون منه فى البرانى الصينى ويهدونه لملوكهم ورؤسائهم لأنّه أجود ما يكون من المسك، وأمّا ما عداه فإنّهم يصيدون تلك الضباء (1) ويأخذون صرارهم بنوافحها ولم تكن بعد انتهب فيه الموادّ فيكون فى ذلك زهوكة، هذا جميعه ما ذكره المسعودى (2) فى كتابه مروج الذهب ومعادن الجوهر، وذكر فى ذلك كلام كثير هذا زبدته، وما أحسن ما قال أبو الطيّب المتنبّى (من الوافر):
فإن تفق الأنام وأنت منهم
…
فإنّ المسك بعض دم الغزال
(3)
قال: (4) والذى فعل ذلك وأقام الحرس بهذه الأرض تبّع الأوّل، وسيأتى ذكره (93) فى جملة التبابعة إن شاء الله تعالى، وكان ملوك الثبت فى قديم الزمان يسمّون التبابعة تبعا لاسم تبعا فلمّا طال الزمان وحال العهد وانقرضوا سمّوا ملوكهم خاقان.
وقال بطليموس: من خاصّيّة بلاد الثبت والصين: إنّ الإنسان لا يعرف فيها
(1) الضباء: الظباء
(2)
قارن مروج الذهب 1/ 188 - 189 مادة 391 - 394
(3)
ديوان المتنبى 394، -2، رقم 165؛ البيت 45
(4)
قال: سبط بن الجوزى
الهمّ والغمّ ولو مات جميع من للإنسان لم يحزن عليه ولا يكاد يرى فيه شيخ ولا عجوز إلاّ الشباب والكهول، وسنذكر من ذلك فصلا جيّدا عند ذكرنا لبدء خروج التتار وأصول الترك الأوّل.
وأمّا ما ذكر من مدائن الهند، (1) فقال فى جغرافيا: ومن مدائن الهند سامل، ومورين، وخالون، ومهنديار، وقشمير، وأقربها إلى بلاد الإسلام غزنة وكان تحت يد ملكها ألف فيل.
وقد ذكر أيضا المسعودى (2) من أخبار هذه الأفيلة بتلك البلاد جملة كبيرة، وذكر أنّ فيها أفيلة حربيّة ويكون عليها فى وقت حربهم من آلات السلاح خمس مائة رطل حديد على كلّ فيل منها وحوله من سوّاسه المقاتلين به والمشجعين له خمس مائة رجل وضريبه كلّ فيل حربى إذا كان بهذه العدّة، والعدّة أن يلقى ألف فارس ويهزمهم، قال: ومنهم أفيلة لا يصلحون للحرب فيستعملونها كما تستعمل الأبقار فى الحرث والدراس وما أشبه ذلك.
ونقل المسعودى (3) عن الجاحظ أنّه ذكر فى كتابه المعروف بكتاب الحيوان أنّ الكركدنّ تحمل به أمّه سبع سنين وأنّها فى العام الذى يكون فيه وضعها تأتى إلى الأماكن المخصبة من مآكلهم فترقد ويخرج الجنى رأسه من فرجها ويرعى ثم يجوز برأسه فيستمرّ كذلك إلى حين ما تضعه، ورأيت المسعودى قد أنكر ذلك واستبشعه وأخذ على أبى عمر الجاحظ فى هذه الرواية، (4) قلت: أمّا الجاحظ رحمه الله، فطويل الباع فى عدّة فنون وهو ثقة، وروى ذلك فى كتابه أنّه سمعه
(1) مأخوذ من مرآة الزمان 12 ب،3
(2)
مروج الذهب 1/ 200، مادة 421 - 422
(3)
قارن مروج الذهب 2/ 121 مادة 863 - 865؛ كتاب الحيوان 7/ 348
(4)
عمر: عثمان
سماع لا أنّه أجزم (94) جزم مرأى العين فوا عجبا لمن يأخذ على غيره ولا ينظر لنفسه.
وقال الأصمعى رحمه الله: ألذّ مدائن الشرق خراسان، نيسابور، وهراة، وبلخ، وهى من بناء الإسكندر، قال: ومعنى خراسان مطلع الشمس بالفارسيّة، وقيل إنّ هراة بناها الضحاك، ومدينة خراسان ومرو بناهما لهراسف.
وقال النضر بن شميل: أوّل مدن خراسان: الرىّ وهى آخر الجبال منها.
ومدينة مرو دار خلافة المأمون ومنها خرج أبو مسلم صاحب الدعوة العبّاسيّة، والنسبة إليها مروزى، ومن وراء النهر: كابل مدينة عظيمة وفيها الإهليلج الكابلى، وفرغانة مدينة الصغد، وهم رماة الحدق، إذا مات لهم كبير قطعوا آذانهم احتراما له.
قال: وأنشد ابن دريد لنفسه، وكان قد اشتاق إلى خراسان فلمّا دخلها لم تعجبه قال (من الوافر):
تمنّينا <خراسانا> زمانا
…
فلم نعط المنى والصبر عنها
فلما أن حللناها سراعا
…
وجدناها بحذف النصف منها
(1)
وأمّا مدائن العراق: (2) مدينة بابل: بناها نمرود بن كنعان ومكانها معروف وقد ذكرها الله تعالى: {وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ»} (3)، الآية، وقال الجوهرى:(4)
بابل اسم موضع بالعراق ينسب إليه السحر والخمر ولا ينصرف لتأنيثه، وقد أكثرت فيه الشعراء القول، قال ابن الجوزى رحمه الله: حكى لى جماعة من
(1) لا يوجد الشعر فى ديوانه
(2)
مأخوذ من مرآة الزمان 13 آ، -12
(3)
القرآن الكريم 2/ 102
(4)
الصحاح 4/ 1630 آ
مشائخنا عن البلخى الواعظ أنّه كان يعظ بالنضاميّة (1) وبدت منه حركات أوجبت إخراجه من بغداد.
ومنها الأنبار: (2) وهى مدينة قديمة وقد ذكرها الجوهرى.
وروى عن ابن عبّاس (3) قال: كتب عمر بن الخطّاب رضى الله عنه إلى كعب الأحبار يقول: اختر لى المنازل: فكتب إليه: يا أمير المؤمنين بلغنا أنّ الأشياء اجتمعت فقال السخاء: أريد اليمن، فقال حسن الخلق: وأنا معك، (95) وقال الجفاء: أريد الحجاز، فقال الفقر: وأنا معك، وقال البأس: أريد الشام، فقال السيف: وأنا معك، وقال الغناء: أريد مصر، فقال الذلّ: وأنا معك، فاختر لنفسك: ورد الكتاب إلى عمر قال: فالعراق إذا فالعراق إذا.
وأمّا مدينة النبىّ صلى الله عليه وسلم فهى يثرب، (4) وقال هشام بن الكلبى رحمه الله: لمّا أهلك الله قوم عاد تفرّقت القبائل فنزل قوم بمكّة وقوم بالطائف وسار يثرب بن بهديل بن أثرم بن عثيل وقومه فنزلوا موضع المدينة، فاستخرجوا العيون وغرسوا النخيل وأقاموا زمانا فأفسدوا فأهلكهم الله ويبست تلك النخيل وغارت تلك العيون حتى مرّ بها تبّع فبناها.
وأمّا مدائن اليمن، (5) فمنها صنعاء: قال الجوهرى: (6) صنعاء ممدود: قصبة اليمن، ومدينة حضر موت من مدن اليمن القديمة وكذلك قطام من مدن اليمن أيضا، وكذلك ظفار مثل قطام مدينة باليمن، وكذلك من مدنها الكبار عدن وزبيد مع مدن كثيرة أضربنا عن ذكرها طلبا للاختصار، وسيأتى أيضا من ذكر ذلك نتفا عند ذكرنا لملوك حمير.
(1) بالنضامية: بالنظامية
(2)
مأخوذ من مرآة الزمان 13 آ، -2||الصحاح 2/ 822 آ
(3)
مأخوذ من مرآة الزمان 13 آ،3
(4)
مأخوذ من مرآة الزمان 13 ب،7
(5)
مأخوذ من مرآة الزمان 13 ب،1
(6)
الصحاح 3/ 1246 ب
وأمّا مدائن الجزيرة، (1) قال الجوهرى:(2) والموصل بلد، واختلفوا فى ذكرها وتسميتها بذلك على قولين: أحدهما لأنّها وصلت ما بين دجلة والفرات، والثانى لأنّه كان فى موضعها راهب طليعة للفرس يوصل إليهم أخبار الروم، ولا تقال بغير الألف والام، (3) ومن مستطرف الحكايات قيل: لقى رجل لرجل فسأله:
من أين أتيت وإلى أين تريد؟ فقال: أتيت من البغداد وأنا أريد موصل فهل لك من حاجة؟ قال نعم! واحدة، قال: وما هى؟ قال: تأخذ الألف واللام من بغداد وتوصلها الموصل!
ومن شرقىّ الموصل المدينة العظيمة نينوى، وهى مدينة يونس عليه السلام وسنذكرها.
(96)
ومنها نصيبين، وهى قديمة، وذكرها الجوهرى (4) فقال: ونصيبين بلد بالعراق وللعرب فيه مذهبان: منهم من يجعل اسما واحدا ويعرّبه فيقول: هذه نصيبين ورأيت نصيبين ومنهم من يجريه مجرى الجمع: هذه نصيبون ومررت بنصيبين.
ومنها ميافارقين: أعجمى معرّب، وقد نطقت به العرب وهى أيضا من المدن المعروفة.
وآمد: من المدن القديمة ولم تتكلّم بها العرب وقيل تكلّمت بها.
وحرّان، قال الجوهرى:(5) وحرّان اسم بلد، قال ابن الكلبى: لما خرج نوح عليه السلام من السفينة بناها، وقيل إنّما بناها هاران خال يعقوب عليه السلام فأبدل العرب الهاء حاء، وكان بها معبد اليونان.
(1) مأخوذ من مرآة الزمان 13 ب، -11
(2)
الصحاح 5/ 1843 آ
(3)
الام: اللام
(4)
الصحاح 1/ 225 ب
(5)
الصحاح 5/ 2098 آ
وأمّا مدائن الشام والسواحل (1) فمنها: حلب: وقد ذكرها الجوهرى (2) فقال:
وحلب مدينة بالشام.
وقال أبو الحسين ابن المنادى: الشامات خمس كور، الأولى: قنّسرين، ومدينتها العظمى حلب، وقنّشرين أقدم منها، وبينهما أربع فراسخ، وفيها آثار الخليل عليه السلام ومقامه، وقد نزلها أكابر الملوك كبنى حمدان وغيرهم.
قال: ومن رستاقها منبج، وهى مدينة قديمة وذكرها الجوهرى (3) فقال:
ومنبج اسم موضع.
وفى ساحل حلب مدن كثيرة منها: أنطاكية، ذكرها ابن الجواليقى رحمه الله فى المعرّب، (4) واختلفوا فى بانيها، فقال قوم: بناها ازطحش (5) أوّل ملوك اليونان وصيّرها دار ملكه وحشد إليها الحكماء وأصحاب الرصد وأخذ الطوالع منها ومسافة سورها اثنا عشر ميلا وعدّة أبراجها مائة وستّة وثلاثون برجا وعدد شرّافاتها أربع وعشرون ألفا، وهذا السور فى السهل والجبل، وقال أبو معشر:
بنيت بعد الإسكندر الثانى بمائة سنة، والنصارى تسمّيها: دار الله لأنّ النصرانيّة ظهرت منها بعد ما دئرت، وسيأتى من ذكرها من مبتدئها إلى حين (97) افتتحها السلطان الشهيد الملك الظاهر ركن الدنيا والدين بيبرس البند قدارى- تغمّده الله برحمته-الثالث من ملوك الترك بالديار المصريّة وما معها واستقرّت دار إسلام إلى حين تسطير هذا التأريخ المبارك لا زالت ديار الفجرة الكفّار بأيدى البربرة الأخيار من سائر الأقطار إلى يوم العرض بين يدى الملك القهّار.
(1) مأخوذ من مرآة الزمان 13 ب، -3
(2)
الصحاح 1/ 115 ب
(3)
الصحاح 1/ 343 آ
(4)
المعرب:25،6
(5)
أزطحش: انطيخس؛ قارن مروج الذهب 2/ 25 مادة 704
وأمّا الشام الثانية: (1) فهى حمص وأعمالها، وكانت مركز الملوك من الروم وكان زيتونها وقنواتها متّصلة بتدمر وبعلبك، ومن سواحلها طرابلس وما والاها، وسنذكرها عند ما فتحها السلطان الشهيد الملك المنصور قلاوون الألفى الصالحى نوّر <الله> ضريحه وجعل الجنّة مأواه، وقد نزلها خلق من الصحابة رضى الله عنهم.
وأمّا الشام الثالثة: (2) وهى الغوطة ومدينتها دمشق، واختلفوا فى الذى بناها على أقوال، فمنهم من قال: نوح عليه السلام، لمّا خرج من السفينة أقام بثمانين مدّة ثم جاء إلى الشام فأشرف من جبال الغوطة عليها فأعجبته فشرع فى بنائها واتّخذها دارا وهى أوّل مدينة خطّت بعد الطوفان.
قال النضر بن شميل، الثانى: بنوراسب، وبنى بعدها صور بالساحل، قاله مجاهد، والثالث: عاد بن عوض وإنّها المشار إليها بقوله تعالى: {إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ»} (3)، قاله كعب الأحبار، والرابع: ذو القرنين الإسكندر الأوّل، لمّا عاد من المشرق صعد على عقبة دمّر ومعه غلام اسمه دمشق فرأى المياه ضائعة فقال له:
يا دمشق ابن هاهنا مدينة! ورسمها له فبناها، حكاه أبو القسم ابن عساكر فى تأريخ دمشق، وقال: كان الغلام اسمه دمشقش بزيادة شين، قال: وكان وادى دمشق كلّه شجر الأرز، قال أبو القسم: والأرزة التى وقعت فى سنة ثلاثمائة وثلاث عشرة من ذلك الأرز، وبنى مكان الجامع معبدا لله فلم تزل فيه العبادة من ثمّ.
والخامس: (98) غلام الخليل عليه السلام يقال له العازر وهبه له نمرود لمّا خرج من النار سالما، حكاه وهب بن منبّه، السادس: سليمان بن داود عليه السلام،
(1) مأخوذ من مرآة الزمان 14 آ،10
(2)
مأخوذ من مرآة الزمان 14 آ،12||قارن تأريخ دمشق 1/ 10 - 16
(3)
القرآن الكريم 89/ 7
وبريد وجيرون الذان (1) ينسبان إليها باب البريد وجيرون هما شيطانان فى قول الحسن والمدائنى، كانا على عهد سليمان، وفى قول كعب الأحبار: هما أخوان وأبوهما سعد ابن لقمان بن عاد.
وقيل: كان موضع جيرون وباب البريد مدينة صغيرة وهما من بعض أبوابها وإنّما سمّى الباب الصغير لأنّه كان أصغر أبوابها لمّا بنيت، وباب كيسان منسوب إلى كيسان مولى معاوية بن أبى سفيان، وباب ثوما ينسب إلى عظيم من الروم يقال إنّه كان صهر هرقل ملك الروم، وباب الفراديس منسوب إلى محلّة كانت فى ظاهره تسمّى الفراديس ويقال إنّها كانت عدّة جنّات فسمّيت به لجمع فردوس، وباب الفرج فتحه نور الدين الشهيد تفاؤلا باسمه وما فتح عليه من الفتوح ببلاد الفرنج لما نذكره فى موضعه إن شاء الله تعالى، وباب الجابية منسوب إلى قرية ظاهرة تسمّى الجابية، وكانت مدينة عظيمة فى الجاهليّة، وباب السلامة سمّته العرب لأنّه لم يكن من جهته قتال فى وقت فتوحها فى خلافة أبى بكر وعمر رضى الله عنهما لما نذكره أيضا إن شاء الله تعالى، وفى السور أبوابا صغارا تفتح عند الحاجة إليها.
وذكر أبو القسم عبيد الله بن عبد الله بن حرداناده: (2) أنّ أصحاب الرسّ كانوا باليمن فأرسل الله تعالى إليهم حنضلة (3) بن صفوان نبيّا فقتلوه فسار إليهم عاد ابن عوض بن إرم بن سام بن نوح عليه السلام بولده من الرسّ فنزل الأحقاف وأهلك الله تعالى أصحاب الرسّ لما سنذكره، وانتشر ولد عاد فى بلاد اليمن ثم خرجوا إلى الشام فنزل جيرون بن سعد بن عاد بن عوض دمشق وبنا مدينتها
(1) الذان: اللذان
(2)
حردا ناده: خرداذبه، تحريف؛ القصة ناقصة فى المسالك لكن موجودة فى تأريخ دمشق 11
(3)
حنضلة: حنظلة
وسماها جيرون وهى {إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ»} ، فبعث الله هود بن عبد الله بن رباح (99) ابن خلد بن الجلود بن عاد بن عوض نبيّا إلى قوم عاد بالأحقاف فكذّبوه فأهلكهم الله تعالى، وسنذكر ذلك فى قصّة هود عليه السلام إن شاء الله تعالى.
وقال بعض الأوائل: إنّما بنيت على الكواكب السبعة وكان لها سبعة أبواب على كلّ باب صورة الكوكب المختصّ به، فكان الباب الشرقى للشمس، وباب ثوما للزهرة، وباب السلامة للقمر، وباب الفراديس لعطارد، وباب الجابية للمرّيخ، وباب الصغير للمشترى، وباب كيسان لزحل. قال الجوهرى:(1) ويقال إنّ صورة زحل باقية عليه إلى الآن، ودمشق قصبة الشام، قال: ودمشق من صفات النوق.
واختلفوا فى لفظة جلّق فقال الجوهرى: (2) جلّق موضع بالشام، وقال ابن الجواليقى:(3)
جلّق يراد به دمشق. وقيل: هو موضع بقرب دمشق وهو أعجمى معرّب، وقد جاء فى الشعر الصحيح قول حسّان بن ثابت الأنصارى (من الكامل):
لله درّ عصابة نادمتها
…
يوما بجلّق فى الزمان الأوّل
(4)
ويقال: (5) إنّ صورة امرأة كان الماء يجرى من فيها فى قرية من قرى دمشق.
وقال الهيثم: بنيت دمشق فى خمس مائة سنة وأصل مياهها من عين فى مرج الزبدانى عند قرية يقال لها بردا ثم تجتمع من عين الفيجة، وتنقسم سبعة أنهار وفى بردا يقول بعض القدماء (من البسيط):
وما ذكرتكم إلاّ وضعت يدى
…
على حرارة قلب قلّ ما بردا
ولا تذكّرتم والدمع يشرق لى
…
إلاّ تحدّر من عينىّ ما بردا
(1) الصحاح 4/ 1477 آ
(2)
الصحاح 4/ 1454 ب
(3)
المعرب 101،1
(4)
ديوان حسان 74، رقم 13/ 7
(5)
إن: إنه مرآة الزمان