الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهو نهر حرّان وماؤه خفيف ويقال إنّ أوّله رخم ثم يصحّ وأوّله من عين ببلد الرها، ومنها الهرماس وهو نهر نصيبين ويقال إنّه يسقى ثلاثين ألف بستان ومبدأه من جبل نصيبين، ومنها الخابور، وهما خابوران: خابور رأس العين ويمتدّ منها إلى الفرات فيصبّ فيها تحت قرقيسيا وعليه المجدل وغيره من القرى، وأمّا الخابور الثانى ففى ديار بكر عند قردى ومارندى (1) وهى ديار بنى حمدان الذين ملكوا الموصل والجزيرة والشام بحلب الآتى ذكرهم فى تأريخهم إن شاء الله تعالى، ومخرج هذا النهر من بلاد أرمينية ويصبّ فى دجلة وماؤه عذب وفيه قال الشاعر (من الطويل):
(181)
بقردى ومارندى مصيف ومربع
…
وعذب يحاكى السلسبيل برود
وبغداد ما بغداد أمّا ترابها
…
فحم وأمّا حرّها فشديد
ذكر أنهار العراق
(2)
حكى الخطيب رحمه الله فى تأريخه عن الأوائل أنّ ملوك الأردوان وهم النبط الأول كانوا فى السواد قبل فارس وهم الذين استنبطوا المياه وحفروا الأنهار العظام بالعراق وصرّفوا دجلة والفرات بالسكور وقسموا المياه، يقال لهم ملوك الطوائف وإنّما سمّوا بذلك (3) نبطا لأنّهم استنبطوا المياه أى استخرجوها.
وذكرهم الجوهرى (4) فقال: النبط والنبيط قوم ينزلوا البطائح بين العراقين، وقال ابن قتيبة رحمه الله: هم قوم ملكوا العراق ألف سنة، وقال ابن المنادى:
(1) مارندى: بازندى مرآة الزمان؛ المسالك 95،10
(2)
مأخوذ من مرآة الزمان 33 آ،12
(3)
بذلك: ناقص فى مرآة الزمان، تحريف
(4)
الصحاح 3/ 1162 ب
كان ملكهم من عانات وكور دجلة والبصرة وكانوا يصرّفون الفرات ودجلة كيف شاءوا وما فضل يصرّفونه إلى البحر الشرقى فلهذا سمّوا نبطا.
قلت: ولعلّ من آثارهم وغرسهم التفّاح المعروف بالنبطى موجودا بالشام إلى الآن وهو أكثر ما يكون.
وحكى الخطيب أيضا عن الهيثم بن عدى عن عبد الله بن عيّاش المنتوف قال: كان حدّ ملك النبط الأنهار إلى عانات كسكر إلى ما والاها من كور دجلة إلى كوجا (1) والسواد، وكان فى أيدى النبط سرّة الدنيا وكانت الفرات ودجلة لا ينتفع بهما حتى يليان بلادهم فيحفّونها ويفجّرونها فى كلّ موضع ويسوقونها إلى البحر الشرقى وحفروا الصراة العظمى ونهر سورا، وقيل إنّما جفر الصراة ملوك فارس ثم وليت الفرس فحفروا الأنهار (182) مثل نهر الملك، والخالص، ودبالى، وفم الصلح، وقيل إنّما حفر نهر الملك أفقورشه آخر ملوك النبط ويقال إنّه ملك مائتى سنة، وقيل إنّما حفره سليمان بن داود عليه السلام، وقيل إنّما حفر فم الصلح خالد بن عبد الله القسرى لمّا كان متولى العراق، وفم الصلح كان قد أقطعه المأمون للحسن بن سهل لما تجوّز ابنته بوران لما نذكر من ذلك فى آخر جزء هذا التأريخ وهو الجزء المسمّى بالدرّ الفاخر فى سيرة الملك الناصر أخّرناه لمكان لائق به فأثبتناه إذ كان القصد من ذكره عظم أمر الوليمة التى كانت فى ذلك الوقت لما يقف عليه من تطلبه.
قال: وأمّا النيل الذى بأرض العراق فيقال إنّ الحجّاج بن يوسف حفره وهو قريب من واسط.
(1) كوجا: كوثى مروج الذهب 1/ 254 مادة 523
واختلفوا فى الذى حفر نهر عيسى وهذا النهر الذى يأخذ من الفرات ويصبّ ببغداد وعليه المحول وغيرها على أقوال: أحدها أنّه سليمان بن داود عليهما السلام، الثانى: أنّه أفقورشه آخر ملوك النبط، الثالث: أنّهم ملوك الفرس، وقيل عيسى ابن على بن عبد الله بن عبّاس، وبه عرف، وليس كذلك فإنّه قديم وإنّما عيسى ابن على المذكور ابتنا عليه قصرا فعرف به، وأمّا الصراة فقديمة أيضا، قال الجوهرى (1) وذكرها: الصراة بالفتح نهر بالعراق وهى الصراة العظمى والصغرى وصرا الماء (2) إذا طال مكثه وتغيّر.
وأمّا دجيل فهو الذى غرق فيه شبيب الخارجى لما يأتى من خبره، واختلفوا أيضا فيه، فقال الهيثم بن عدى إنّ سليمان عليه السلام أمر الشياطين فحفرته وألقت ترابه بين قصر (183) شيرين وخانقين وقيل إنّ بعض ملوك الفرس حفره.
انتهى القول فيما اشترطناه من ذكر الأقاليم السبع والبحار السبع وما فى ضمن ذلك من الجزائر والبحيرات والأنهار والبلدان، مع ما مضى من ذكر الجبال والتلاع والقلاع والرمال وغير ذلك ممّا لخصناه من عدّة تواريخ وكتب الحديث النبوىّ من الصحيحين وما اشتمل عليه هذا الجزء المبارك من الأخبار وتبعها من الآثار، وجميع ذلك بحول الله وقوّته وحسن عنايته وبركة توفيقه وإلهامه وهدايته، ولنبتدئ الآن بذكر عجائب المخلوقات وبدائع المصنوعات فى كلّ إقليم وما اختصّ به واجتمع فيه موفّقا لذلك إن شاء الله تعالى.
(1) الصحاح 6/ 2400 آ
(2)
الصحاح 6/ 2399 ب