الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر إبليس وأولاد وجنوده وحشوده
(1)
قال ابن الجوزى رحمه الله: اختلفوا فى اشتقاقه، قال علماء التفسير: اشتقاق إبليس من الإبلاس وهو الإياس وإبليس يأس من رحمة الله، وقال الجوهرى:(2)
يقال: أبلس فلان إذا سكت غمّا.
واختلفوا فى كنيته على قولين أحدهما: أبو مرّة، والثانى: أبو العمر، واختلفوا فى اسمه أيضا، فقال الجوهرى: كان اسمه عزازيل وهو قول ابن عبّاس، وقيل الحرث.
واختلفوا هل كان من الملائكة، رواه سعيد بن جبير، والثانى أنّه من الشياطين، قاله الحسن البصرى، قال: ولم يكن من الملائكة قطّ، واحتجّ بقوله تعالى:{إِلاّ إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ»} (3)، الآية، والثالث:
إنّه لا من الجنّ ولا من الملائكة بل هو خلق مفرد خلقه الله من النار كما خلق آدم من الطين، قاله مقاتل، وقد رجّح علماء التفسير قول ابن عبّاس إنّه كان من الملائكة، واحتجّوا بقوله تعالى:{وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اُسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاّ إِبْلِيسَ»} (4)، وهذا استثناء متّصل فدلّ على أنّه منهم، وأمّا قول الحسن إنّه كان من الجنّ وما احتجّ به من الآية فقد فسّره ابن عبّاس قال: أشراف الملائكة والكبراء منهم يقال لهم الجنّ لأنّهم استتروا عن أعين الملائكة لشرفهم وكان إبليس منهم.
قال: وكان له سلطان السماء الدنيا وسلطان الأرض وكان يسمّى طاؤوس الملائكة وليس فى (218) السماء الدنيا مكان إلاّ وقد سجد عليه، ولما عصت
(1) مأخوذ من مرآة الزمان 39 آ، -4
(2)
الصحاح 2/ 906 ب
(3)
القرآن الكريم 18/ 50
(4)
القرآن الكريم 18/ 50
الجنّ فى الأرض بعثه الله فى طائفة من الملائكة فطردوهم إلى الجزائر وأطراف الجبال، فاغترّ فى نفسه وقال: من مثلى؟ ولم يسجد لآدم فمسخه الله شيطانا.
قلت: (1) وظاهر الآيات تقتضى التعارض فينبغى التوقّف، قال ابن الجوزى:
وقد قال: خلقتنى من نار وخلقته من طين، وإذا كان مخلوقا فى الأصل من النار فكيف يخلق من النور لأنّ الملائكة خلقوا من نور لما ذكرنا من قبل.
وذكر أبو جعفر الطبرى رحمه الله فى تأريخه الكبير (2) الذى اعتماد أهل عصرنا عليه لثقته وفضله وتأييده فى هذا الفصل إنّ إبليس بعث حاكما فى الأرض يقضى بين الجنّ ألف سنة ثم عرج إلى السماء فأقام يتعبّد الله عز وجل حتى خلق الله آدم عليه السلام.
وقال شهر بن حوشب: كان إبليس من الجنّ الذين يعملون فى الأرض بالفساد، فأسره بعض الملائكة فذهب به إلى السماء، قلت: وهذا الوجه ضعيف جدّا لم أجد أحد من علماء السير وافقه عليه.
وقال قتادة فى تفسير قوله تعالى: {فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ»} ، أى: خرج عن طاعته، والفسق الخروج من قولهم: فسقت الرطبة إذا خرجت من قشرها.
وقال عبد الله بن أحمد بإسناده إلى ثابت البنانى قال: بلغنا أنّ إبليس ظهر ليحيى عليه السلام فرأى عليه معاليق من كلّ شئ، فقال له: ويحك ما هذه المعاليق؟ فقال: الشهوات التى أصيب بها بنى آدم! قال: فهل لى فيها شئ؟ قال: ربّما شبعت فتنقّلت فى الصلاة وتغلب على الذكر، فقال يحيى: فلله علىّ لا أملأ بطنى من طعام أبدا، فقال إبليس: ولله علىّ أن لا أفصح مسلما قطّ، وفى رواية: بشرا قطّ.
وبه قال عبد الله بن أحمد بإسناده عن ابن عبّاس، قال: كان إبليس يأتى (219) يحيى بن زكريا طمعا أن يفتنه وعرف ذلك يحيى منه، وكان يأتيه فى
(1) قلت: سبط بن الجوزى
(2)
تأريخ الطبرى 1/ 85،13
صور شتّى فقال له: أحبّ أن تأتينى فى صورتك التى أنت عليها، فأتاه فيها فإذا هو مشوّه الخلق كريه المنظر جسده جسد خنزير ووجهه وجه قرد وعيناه مشقوقتان طولا وأسنانه كلّها عظم واحد وليس له لحية ويداه فى منكبيه وله يدان آخرتان فى جانبيه وأصابعه حلقة واحدة وله ضفيران كالليف، وعليه لباس المجوس واليهود والنصارى، وفى وسطه منطقة من جلود السباع فيها كيران معلّقة وعليه حلاحل، وفى يده جرس عظيم، وعلى رأسه بيضة من حديد معوّجة كالخطّاف، فقال له يحيى عليه السلام: ويحك ما الذى شوّه خلقك؟ فقال: كنت طاؤوس الملائكة فعصيت الله فمسخنى فى أنجس صورة وهى ما ترى، قال: فما هذه الكيران؟ قال:
شهوات بنى آدم، قال: فما هذا الجرس؟ قال: صوت المعازف والنوح، قال:
فما هذه الخطاطيف؟ قال: أخطف بها عقولهم، قال: فأين تسكن؟ قال: فى صدورهم وأجرى فى عروقهم، قال: فما الذى يعصهم منك؟ قال: بغض الدنيا وحبّ الآخرة!
وقال الخطيب بإسناده عن ابن المنادى، قال: يجئ الشيطان الذى يقال له القرقيّة فى صورة طائر، وفى رواية: يجئ الشيطان فى صورة طائر يقال له القرقيّة فيخفق بجناحه على عين الرجال الذى يقر أهله على الفاحشة فلا ينكرها بعد ذلك.
وقال أحمد بن حنبل رحمه الله (1) بإسناده عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يضع إبليس عرشه على الماء ثم يبعث سراياه فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، يجئ أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعت شيئا، ويجئ أحدهم (220) فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين أهله فيدنيه منه
(1) المعجم المفهرس 2/ 461؛ صحيح مسلم 8/ 138، المنافقون
ويلتزمه ويقول: نعم أنت أنت، انفود بإخراجه مسلم.
وذكر عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه عن ابن مسعود أنّ الشيطان إذا طاف بأهل مجلس ذكر ليفتنهم فلم يقدر على التفرقة بينهم فأغرى بين أهل المجلس الآخر فاقتتلوا فقام أهل الذكر على التفرقة بينهم فحجزوا بينهم حتى تفرّقوا.
وذكر عبد الله أيضا عن قتادة، قال: لإبليس شيطانا يقال له قبقب يحمّه أربعين سنة فإذا دخل الغلام فى هذا الطريق قال له: دونك وإيّاه فإنّما أحممتك لمثل هذا أجلب عليه وأفتنه.
وقد ورد فى الشيطان حديث أنّه جاء إلى النبىّ صلى الله عليه وسلم، قال ابن الجوزى:
حدثنا جدّى حدّثنا محمّد بن عبد الملك بن جيرون بإسناده إلى عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال: كنّا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء رجل أقبح الناس وجها وثيابا وأنتنهم ريحا حافيا يتخطّى رقاب الناس فجلس بين يدى النبىّ صلى الله عليه وسلم فقال: من خلقك؟ قال: الله، قال: فمن خلق السماء والأرض؟ قال: الله، قال: فمن خلق الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا إبليس جاء ليشكّككم فى دينكم! قال ابن الجوزى: قال جدّى: هذا حديث لا أصل له وعبد الله بن دينار ضعيف تهم فى الأحاديث، وهذا إنّما هو حديث أبى هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنّ الشيطان يأتى أحدكم فيقول: من خلق كذا من خلق كذا من خلق الله، وتمّ الحديث، وقد خلّطه ابن المدائنى، وحديث أبى هريرة صحيح، ولمسلم عن جابر عن النبىّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال: إذا أذّن المؤذّن هرب الشيطان حتى يكون بالروحاء من المدينة ثلاثون ميلا.