الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واختلفوا هل بعث فيهم نبىّ أم لا، على قولين: أحدهما: إنّه بعث إليهم نبىّ اسمه يوسف لقوله تعالى: {يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ»} (1)، وقال تعالى:{فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ»} (2)، فعلى هذا هم يحشرون ويحاسبون، والقول الثانى: إنّه لم يبعث فيهم نبىّ (225) وإنّما كان فيهم منذرين بدليل قوله تعالى: {وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ»} (3)، قاله مجاهد، وقال الكلبى: كانت الرسل قبل محمّد صلى الله عليه وسلم يبعثون إلى الإنس والجن جميعا.
ذكر الجنّ وعدّة قبائلهم وأصنافهم
رواية المسعودى قال المسعودى رحمه الله: (4) زعموا أنّ الشياطين خمسة وثلاثون قبيلة، وأنّ الذين يطيرون فى الهواء خمسة عشر قبيلة، والذين يمشون على أرجلهم خمسة وعشرون قبيلة، والذين فى الماء عشرون قبيلة، والذين يمشون ويخرجون مع الزوابع اثنا عشر قبيلة، والذين خصّوا بلهب النيران عشر قبائل، ومسترقون السمع ثلاثون قبيلة، وسكّان الهواء وهم مثل الدخان ثلاثون قبيلة، ولكلّ طائفة من هؤلاء القبائل ملك يردّ شرّهم.
قلت: وقد ذكرهم الإمام فخر الدين الرازى فى كتابه المعروف بالسرّ المكتوم المختصّ بعلم الأسماء والطلسمات وهو كتاب جليل القدر فى هذا الفنّ جميع أسماء هؤلاء الملوك والرؤساء من الجنّ واستنزالهم وعزائمهم وكذلك ذكر الحكّام عليهم من الكواكب السبع السيّارة وذكر تسابيحهم وكيفيّة الأعمال فى الأوقات المخصوصة ما إذا أراد المتمهّر فيها إنشاء ما شاء من سائر العزائم التى تطيعها الملوك
(1) القرآن الكريم 6/ 130
(2)
القرآن الكريم 19/ 68
(3)
القرآن الكريم 46/ 29
(4)
أخبار الزمان 12، -2
السبعة وكبار الرؤساء فعل: مثل: استنزال شمحيائيل الرئيس، والسيد سقريطس وغيرهم من الرؤساء المطاعين فى جميع قبائل الجنّ ممّا يضيق هذا التأريخ عن وصفهم.
وقال المسعودى أيضا: (1) ومن الجنّ صنفا يعرفون بالسعالى يتصوّرون فى صور النساء الحسان يتزوّجن برجال من الإنس، فما حكى من ذلك أنّ رجلا يقال له سعيد بن الجهم تزوّج امرأة منهم وهو لا يعلم بها (226) فأقامت عنده وولدت منه أولادا، وأنّها معه على سطح يشرف على الجبّانة إذا بصرت نيرانا فى أقصى الجبّانة تأتلق فطربت وقالت: أما ترى إلى نيران السعالى شأنك وبنيك أستوصى بهم خيرا! وطارت من بين يديه فلم تعد إليه.
ومنهم من يظفر بالآدمى فى الأماكن الخالية وفى القفار وفى الأماكن الخربة فيرقصه حتى يسقط ويمصّ دمه ويتركه طريحا، ومنهم صنف لا يفارق صور الحيّات والأفاعى فربّما قتلها الرجل فيهلك لوقته وإن كان صغيرا وكان له ولد قتل به، وذكر جدع بن سنان فى تأريخه (2) عن عبيد الأبرص الشاعر الجاهلى الآتى ذكره وخبره فى أخبار الشعراء الجاهليّة آخر الجزء الثانى إن شاء الله تعالى، قال: إنّ عبيد بن الأبرص حرج فى سفر له يريد الشأم من الحجاز مع نفر من قومه فلمّا صار ببعض الطريق إذ هو بشجاع قد أقبل وهو يلهث عطشا وخلفه حيّة سوداء تطرده، فقال بعض أصحاب عبيد: لو نزلت إليهما فقتلتهما لرجوناك، فقال عبيد: هذا إلى أن أنضح عليه ماء أحبّ إلىّ من أن أقتله، ثم نزل فقتل ذلك الأسود وحلّ أداواته فشرب وسقّى الشجاع ونضح عليه من الماء وانساب ذلك الشجاع ودخل جحره، ومضى عبيد فقضى حجته بالشأم فلمّا انصرف عائدا أغفى فى مفازة فانتبه وقد ضلّ واستابت قلوصه ولحقت بالظعن وبقى حائرا وأيقن
(1) أخبار الزمان 13،3
(2)
أخبار الزمان 13، -5
الموت فلمّا جنّه الليل إذا بهاتف يقول (من الرجز):
يا صاحب البكر المضلّ مذهبه
…
ما عنده من ذى رشاد يصحبه
دونك هذا البكر منّا فاركبه
…
حتى إذا الليل تولّى غيهبه
(227)
وأقبل الصبح ولاح كوكبه
…
فحطّ عنه رحله وسيبه
فالتفت عبيد فإذا هو ببكر كأحسن ما يكون فركبه وسار ليلته فأصبح بمنزله وكان بينه وبين أهله إحدى وعشرين مرحلة، وسبق رفقته بهذه المدّة، فنزل عنه وأنشأ يقول (من البسيط):
يا أيها البكر قد أنجيت من كرب
…
ومن فياف تضلّ المدلج الغادى
ارجع حميدا فقد بلغت مأمننا
…
بوركت من ذى سنام رائح غادى
فأجابه البكر يقول (من البسيط):
أنا الشجاع الذى أبصرته رمضا
…
فى مهمه <نازح> (1) عن أهله صادى
فجدت بالماء لما ضنّ صاحبه
…
أرويت (2) من ضماء ولم تهمم بأنكاد
الخير يبقى وإن طال الزمان به
…
والشرّ أخبث ما أوعيت من زاد
ثم قال: إنّ الأسود الذى رأيته يطردنى فهو عبدى أراد قتلى فكفيتنى شرّا وأرويتنى من ضماء ولن يضيع الخير بين حرّين، وأستحلف الله عليك، ثم غاب فلم أره.
قلت: وقرأت هذه الحكاية بعينها فى تأريخ صاحب حماة الملك المنصور الآتى ذكره وذكر تأريخه فى موضعه، وأورد البيت الثانى من قول الشجاع مكان: أرويت من ضماء: (3) رويت منه، والرواية الأوّلة أصحّ.
(1) نازح: أخبار الزمان
(2)
أرويت من ضماء: رويت منه أخبار الزمان ||ضماء: ظماء
(3)
ضماء: ظماء
وقال المسعودى (1) بإسناده عن ابن عبّاس أنّه قال: إنّ الجنّ وإنّ الكلاب من الجنّ فإذا رأوكم تأكلون فالقوا إليهم فإنّ لهم أنفسا يعنى أنّهم يأخذون بالعين.
ومن تأريخ جدع بن سنان (2) أنّ رجلا من حمير كان بسوق عكاظ مع جماعة من قومه وغيرهم، قال: فوقف عليهم راكبا على جمل قدر (228) شاة وهو عليها كالطود العظيم فأنشد:
ألا من يهبنى ثمانين بكرة هجانا
…
سود عيونها مغبرة الألوانا
يكن له بها إلينا امتنانا
…
نجيبة فى ضيقه إذا دعانا
قال: فلم يجبه أحدا فضرب جمله فطار به مثل البرق الخاطف حتى دهش وحار كلّ من حضر، قال: فقال رجل من فزارة كان حاضرا: ألا أحدّثكم أهل ذا النادى بشئ رأيته بعينى وسمعته بأدنى؟ فقالوا: بلى والله! فقال: لقيت رجلا فى بعض المعابر راكبا على نعامة وعيناه مشقوقتان طولا فى أم رأسه تتّقد كالجمر فراعنى والله! فاستوقفنى وقال: ألا أنشدك شيئا من شعرى؟ فقلت:
بلى والله! فأنشد:
أباركه تذللها قطامى
…
قطنا بالتحية والسلام
قال: حتى أتى على آخرها، فقلت: هيهات سبقك إليها أخو بنو ذبيان فقال: أبالله أنا والله نطقت بها على لسانه بسوق عكاظ وقلتها قبله بأربعمائة سنة، ثم تركنى وطار على نعامته.
(1) أخبار الزمان 14، -4
(2)
أخبار الزمان 14، -1