الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أسقط عن الدابّة لما لحقنى من الرحمة على تلك الطفلة وقد قصدوا ذبحها والأمّ تنظر إليها وهى تستغيث لأمّها بأعذب كلام، قال: فلم أملك نفسى دون أن أطرحت عليها وسألتهم فيها وخلّصتها وأطلقتها لأمّها فأخذتها وعديا أشدّ عدوا من الغزال.
ومن عجائب الدنيا
ما ذكره صاحب كتاب ترصيع الأخبار وتنويع الآثار والبستان فى غرائب البلدان والمسالك إلى جميع الممالك تأليف أحمد بن عمر بن أنس العذرى رحمه الله، قال:(1) باليمن جبل ينبع منه ماء فتسيل على جانبيه فتجمد قبل أن يصل إلى الأرض فيكون منه الشب اليمانى.
وقال: (2) ومن العجائب أنّ أهل (234) الحجاز واليمن يمطرون الصيف كلّه ويخصبون الشتاء ومطر صنعاء اليمن وما والاها حزيران وتموّز وآب، وبعض أيلول، من الزوال إلى المغرب لا يصحون ويلقى الرجل منهم صاحبه فيكلّمه فى حاجة وذلك يكون فى نصف النهار فإذا أطال معه الحديث يقول له: عجّل قبل نزول المطر! هذا والسماء صاحية والشمس ظاهرة تحرق بحرّها ولا غيم ظاهر ولا سحاب متراكم، فيكلّمه أيسر كلام لأنّه جرت عوائدهم أنّه لا بدّ من مطر فى مثل ذلك الوقت فإن طال كلامهم لحظة واحدة أدركهم المطر فلا تزال تمطر إلى المغرب مطرا مترادفا متراكما وتمتلئ السماء سحبا وتغيب الشمس عن الأبصار بالسحب والأمطار فى ساعة واحدة، هذا دأبهم دائما.
قال: (3) وفى بلاد الروم مدينة يقال لها المستطلة المطر فيها وفى أعمالها دائما ليل
(1) المسالك 172،12
(2)
المسالك 156،9
(3)
المسالك 156،4
ونهار لا يصحون صيفا ولا شتاء حتى إنّ أهلها لا يقدرون على دراس زروعهم جملة كافية وإنما يجمعونها ويحزمونها بسنبلها فى بيوتهم فإذا احتاجوا لشئ منه فركوا منه كفايتهم، وهم على هذه الحالة فى جميع الزمان ليس يوجد عندهم قمحا ولا شعيرا ولا أرزّا إلاّ فى سنبله.
قال: وفى أرض عاد منارة نحاس عليها راكب من نحاس فإذا كان أوّل الأشهر الحرم يهطل منها الماء فيشرب منها الناس ويسقون بهائمهم ويملأون منه جميع أجبابهم وحياضهم وصرفوه فى جميع مصالحهم واختزنوا منه كفايتهم، فإذا انقضت الأشهر الحرم انقطع سيلان ذلك الماء من تلك المنارة ولم يبق له أثر، قال: ذكر ذلك أبو الحسن الحبهانى، والله أعلم.
(235)
قال: وذكر أبو الحسن الحبهانى أيضا أنّه رأى بين بلحسان وبين ركن مندك فى جبل كبير عالى فرسا واقفا فى أوعر موضع يكون فى الجبل وصورته صورة فرس كليلة أشهب اللون مليح الكفل والأذنين حسن التناسب لم يوجد مثله فى الخيل لحسن صفته وهو فى موضع لا يقدر أحد أن يصل إليه قائم على صفاة هنالك، وذكروا رفقته الذين كانوا معه أنّهم لم يزالوا يرونه هنالك واقف فى نفس تلك الصخرة وأنّه لم يقدر أحدا أن يصل إليه بحيلة ولا بوجه من الوجوه.
وقال أحمد بن عمر: وفى جزيرة فى المشرق يقال لها واق الواق أهلها مثل أهل الصين إلاّ أنّهم أعظم أجساما وأجمل ولسانهم غير لسان الصينّيين، وطعامهم الحنطة وشرابهم ممّا يتّخذونه من الحنطة، وذهبهم كثير حتى إنّ سلاسل كلابهم ذهب وكذلك أطواقهم ويأتون للتجّار بقمص منسوجة بالذهب للبيع ممّا يدلّ على كثرة الذهب عندهم.
وذكر أنّ بهذه الديار مراسى ولكلّ مرساة منهم نهر عظيم تدخل فيه السفن،
وأنّه دخل قوم فى نهر من أنهار تلك المراسى وأخطئوا الطريق، فدخلوا فى بعض خلجان ذلك النهر فوقعوا فى جزيرة فرأوا أمّة من أمم الصين فصار الأبدان على مقدار أربعة أشبار، ولهم ملكا منهم يملكهم ويرجعون إليه، ولهم قرى حسنة بتلك الجزيرة كثيرة الخير والرزق والطير والبطّ والدرّاج، وأنّ أهل مملكته لمّا رأوهم استنكروهم لعظم أبدانهم فنادوا بلغتهم أنّ الشياطين قد أقبلوا فسمّوهم الشياطين.
وسئلوا هؤلاء المسافرين عمّا رأوا من العجائب فذكروا أنّ البحّارين يشدّون نشّابة لها فصل على أعلا الصارى ويصيرون ريشها عاليا ونصلها (236) سافلا فإذا أصابتهم شدّة من عواصف الرياح وطغى عليهم البحر وترادفت أمواجه وكثر الرعد والبرق ويأسوا من كلّ شئ فيروا شيئا فى البحر كالكوكب الضخم على طرف النشّابة فيكون ذلك علامة السلامة وأمانا لهم من الغرق، وربّما رأوا ذلك فى الليل ثلاث مرّات وأكثر من ذلك، ولا يكون ذلك فى ليالى الصحو، وعامّة ما يرى ذلك فيما بين سرنديب إلى أن يجاوز ميكالوس.
وقال أحمد بن عمر: وكذلك إذا كان وقت هيجان الربح واضطراب الأمواج فى البحر الشامى وجزع أهل السفينة نزل نور على رأس الصارى وربّما تنقّل ذلك النور إلى موضع آخر من السفينة فإذا رأوه البحريّون استبشروا بالسلامة وقالوا:
نزل علينا مصباح السلامة.
قال: وذكر أنّ سمكة يقال لها وال طولها مقدار مائة وأربعين ذراعا فإذا شربت الماء العذب ماتت، يكون رأسها قدر باعين وإذا كانت ملقاة بين رجلين قائمين لم يرى أحدهما الآخر ويكون طول جناحيها خمسة أبواع، وربّما كان جناحها الواحد إذا رفعته فوق الماء كالقلع الكبير، ولا تؤذّى هذه السمكة إلاّ
أن تكون نائمة فلذلك يتيقّضون (1) عامّة الليل لئلاّ يمرّون بها وهى نائمة فتخرق السفينة إن مرّت بها.
وذكر أيضا أنّ سمكة يقال لها بث الأصمّ يزعمون أنّها لا تسمع ولا تؤذّى أحد ولا تعيش فى الماء العذب وإذا الزقت بالسفينة لم تفاوتها حتى يبدو لها البرّ.
وذكر أنّ سرطانا يسمّى فشك يكون فى بلدة تسمّى شرارب قريب من سرنديب، وأنّها ما دامت فى الماء وهى حيّة يأكلونها فإذا خرجت صارت حجارة.
وزعموا أنّه رأى رجلا فى غبّ سرنديب (237) فى موضع يقال له موزرة فى غياضها أراد أن يقطع خشبا لإصلاح مركبه فرأى جارية عريانة على طول أربعة أشبار صغيرة الفرج فى رأسها زغب وإنّها هربت منه، فلمّا وقف أقبلت تنظر إليه فلمّا عاود طلبها ضربت بيدها إلى بعض أغصان شجرة من تلك الأشجار الشاهقة الطول ثم تصلّقت (2) فيها من غير أن تضع رجلها على شئ من تلك الشجرة فرجع عنها ثم إنّه حكى ذلك لأهل تلك البلدة وسألهم عن ذلك فقالوا له: إنّ عند ملكنا رجل منهم فذهبوا به حتى رآه فإذا هو مثل تلك الجارية التى رآها على قدّها وصورتها وخلقها، وذكره مثل ذكر الرجال إلاّ أنّه صغير، وزعموا أنّ مثله فى تلك الغياض كثير يأكلون ثمر الشجر والجوز واللون وما أشبه ذلك ولا يتكلّمون إلاّ صغيرا.
وذكر أنّه رأى بجزيرة بيومة التى منها إلى قشمير الهند مسيرة خمسة أيّام سنانيرا لها أجنحة كأجنحة الوطواط ولها شعر كشعر الخنازير وهى على صفة القطّ وهو السنّور.
(1) يتيقضون: يتيقظون
(2)
تصلقت: تسلقت