الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ونصفه من ثلج فلا النار تذيب الثلج ولا الثلج يطفئ النار، وهو يقول: اللهم كما ألّفت بين بارد وحارّ ألّف (167) بين قلوب عبادك المؤمنين.
قال: فآمن الأسقف وأسلم وحسن إسلامه، قلت: إنّما ذكرت هذا الأثر هاهنا لما فيه من إكمال الفائدة وتتمّة ما ورد من كلام الإمام علىّ عليه السلام فى أفضل الأنهار، فلنعود إلى ما كنّا فيه.
ذكر النيل وما ورد فيه من الأقوال
(1)
قال الجوهرى رحمه الله: (2) النيل فيض مصر، وأجمعوا على أن مبتدأه من جبل القمر، وذكره فى جغرافيا وصوّره وأنّه ينبع من اثنى عشر عينا وأنّ العيون تصبّ فى بحيرة مثل البطائح خلف خطّ الاستواء يجتمع فيه الماء ويجرى على رمال هناك وبين جبال ثم يخرق أرض السودان ثم يصبّ فى بحر الزنج وفى هذا البحر جزيرة قنبلوا وهى جزيرة عامرة وفيها قوم مسلمون لغتهم زنجيّة غلبوا على أهل هذه الجزيرة عند انقراض ملك بنى أميّة وابتداء الدولة العبّاسيّة لما نذكر من ذلك، ومن ذلك البحر الذى فيه قنبلوا يصبّ فى بحر عمان ومن جبل القمر إلى هذه الجزيرة مسيرة خمس مائة فرسخ ويقوى جريان مصبّه فى هذا البحر أيّام زيادة النيل فيجرى جرانيا (3) عظيما ويتكدّر موضع العيون حتى قيل إنّ الماء يؤثر لونه فى لون أحلا من العسل.
وقال كعب الأحبار: وجدت فى التوراة أنّ النيل نهر من العسل من الجنّة وأنّه يجرى على بلاد الحبشة فى قفار ومفاوز ومهامه وليس فيه مسلك، وذكر أحمد بن بختيار وقال: العين التى هى أصل النيل هى أوّل العيون من جبل القمر
(1) مأخوذ من مرآة الزمان 30 آ،2
(2)
الصحاح 5/ 1838 آ
(3)
جرانيا: جريانا مرآة الزمان، تحريف
ثم تنبعت منها عشرة أنهار نيل مصر أحدها، قال: والنيل يقطع الإقليم الأوّل ثم يحاوزه إلى الثانى ومن ابتدائه من جبل القمر إلى انتهائه ومصبّه فى البحر الرومى ثلاثة ألف فرسخ يجرى فى عامر وغامر فإذا تعدّا (168) الفسطاط انقسم قسمين:
قسم يمرّ على دمياط وقسم إلى رشيد فيصبّان فى البحر الرومى، وقيل: إنّه لا يعلم مسافة جريانه إلّى (1) الله عز وجل وهو الصحيح، ويبتدئ بالزيادة من نصف حزيران من الأشهر الروميّة وينتهى فى أيلول ويكون ابتداء زيادته فى الأشهر القبطيّة فى شهر باونه وينتهى فى بابه.
واختلفوا فى سبب زيادته ونقصانه، فقال قوم: سبب زيادته عيونه وزيادتها ونقصانها من نقصانها، وقال آخرون: إنّ زيادته من الأمطار والسيول تمطر ببلاد الحبشة والنوبة أيّام الشتاء فيزيد، وإنّما يتأخّر وصوله إلى الصيف لبعد المسافة، وقد ورد قوم هذا (2) وقالوا بأنّ عيونه التى تحت جبل القمر تتكدر فى أيّام زيادته فدلّ على أنّ ذلك من قدرة الله تعالى من غير زيادة مطر، وهو الصحيح، إنّ هذه الزيادة والنقصان تدبير من العزيز الحكيم، الذى فى كلّ شئ له آية تدلّ على أنّه واحد.
وجميع المياه والأنهار تجرى إلى القبلة إلاّ النيل لأنّه خارج عن خطّ الاستواء فيجرى إلى ناحية الشمال، وكذا العاصى بالشام يجرى إلى غير القبلة لما نذكر من ذلك.
قال ابن الجوزى رحمه الله: وقالوا متى بلغ النيل ستّة عشرة ذراع استحقّ السلطان الخراج، وإذا بلغ عشرون ذراع مات ملك مصر، وإذا بلغ ثمانية عشر ذراع يحدث بمصر وأعمالها وباء عظيم، قلت هذا ذكره الشيخ جمال الدين
(1) الى: الا
(2)
ورد: رد مرآة الزمان، تحريف
ابن الجوزى رحمه الله نقلا عن سماع من غير مشاهدة لذلك، وإنّما الصحيح فى ذلك أنّ عمارة ديار مصر وتعليق أراضيها بالزراعة وريّها بالكامل إذا بلغ النيل ثمانية عشر ذراع وثبت إلى طلوع نجم السماك فيكون ذلك نهاية رىّ البلاد وأقلّ من ذلك يشرق فيها وأكثر من ذلك يبحر منها، فالقانون المستقيم فى ذلك ثمانية عشر ذراع، وأمّا قوله عشرين ذراع فلم يعهد ذلك من أوّل عام الهجرة وإلى آخر سنة خمس وثلاثين (169) وسبع مائة، وهو آخر ما وقف بنا القول فى هذا التأريخ المبارك إنّه وصل إلى عشرين ذراع قطّ، اللهم إلاّ يقال فى سنة من السنين فى أيّام الحاكم بأمر الله العبيدى من الخلفاء المصريّين، ولم يثبت هذا القول فإنّى فحصت عنه فلم أجد أحدا من المؤرّخين الثقاة (1) ذكر ذلك فى تأريخه وإنّما ذلك مستفاض على ألسنة العوام من الناس.
وأمّا قوله فى الوباء فإنّه لم يكن قطّ بمصر الوباء العظيم إلاّ مع الغلاء العظيم نعوذ بالله من شرّهما، والغلاء فلا يكون بمصر إلاّ لقلّة طلوع النيل وعدم وفاه (2) دون الستّة عشر ذراع، وربّما يقع فى بعض السنين وباء يسير لما يريده الله تعالى من فروع آجال متقاربة، وقد اعتنيت بذكر هذا النيل فى هذا التأريخ بما لم يعتنى به أحد من المؤرّخين، وذكرت فيه فصول فيها الكفاية فى الجزء التالى لهذا الجزء وذكرت من أحواله ما فيه بلغة للمتأمّل ممّا استخرجته من تأريخ قبطى عتيق يأتى ذكره إن شاء الله تعالى.
وقال ابن الجوزى رحمه الله: وبمصر ترع كثيرة منها: ترعة سنباط، وترعة ذنب التمساح، وترع عدّة بالصعيد، وخليج السردوس، وخليج أبى المنجا، وخليج الإسكندريّة، وخليج القاهرة، وخليج القيّوم المعرف بالمنهى.
(1) الثقاة: الثقات
(2)
وفاه: وفاءه
قلت: وهو أقدم الجميع فإنّه من حكمة يوسف عليه السلام، وبعد السردوس من حفر هامان فى أيّام فرعون، وبعده خليج الإسكندريّة من حفر ياتى الإسكندرية ثم جدّد حسبما نذكر من خبره فى تأريخه، ثم خليج القاهرة حفره الحاكم العبيدى، وسيأتى من ذكر هذه الخلج فصلا فى مكانه إن شاء الله تعالى.
وقال ابن الجوزى إنّما سمّى الفيّوم لأنّه أصله ألف يوم، وكانت كلّ قرية منه تقوم بأهل مصر يوما، قلت: وفى تسميته الفيّوم عدّة أقوال يأتى ذكرها أيضا عند ذكرنا لعمارته فى زمن يوسف عليه السلام وقصّته إن شاء الله تعالى.
حكى (1) لى شيخنا العلامة نادر الزمان الشيخ علاء الدين البخارى أعاد الله علينا وعلى المسلمين من بركاته وناهيك به ثقة عالما عارفا محقّقا أنّه شاهد فى بلاد لهند وقوّة المطر من نصف الجوزاء إلى نصف الميزان مدّة أربع شهور لا يفتر فيها لحظة غير أنّه فى بعض الأوقات يقع المطر كثيرا متراكما وفى بعضها قليلا وأنّه لا يقع عندهم المطر فى غير هذه الأيّام نادرا حتى أنّه لا يرى عندهم فى أيّام الشتاء غيم البتة وأنّ هذه الأيّام تسمّى عندهم البيكار أو ما يشبه ذلك وإذا أيّام زيادة النيل وجدتها فى هذه الأيّام سواء ولا يقال إنّ هذا فى الهند من أين يصل إلى مصر، فإنّا نقول: المطر ليس بخاصّ بالهند فقط بل هو مختصّ بأحد الأقاليم السبعة التى الهند فى بعضه والإقليم كما علمت ما له من الشرق إلى الغرب فإذا أمطرت الجبال التى ليس بيننا وبينها بحرا أعنى الجبال التى من هذا الإقاليم سالت به الأدوية إلى جبال القمر وصبّ فى النيل زيادة على منبعه الأصلى ولا يخرج بذلك عن لونه تدبير العزيز الحكيم جل جلاله ولا إله غيره.
(1) بالهامش بخط غير خط المصنف
وذكره الجوهرى (1) فقال: الفيّوم من أرض مصر، قتل بها مروان بن محمد آخر ملوك بنى أميّة، قلت:(2) قتل مروان بقرية بوصير من عمل غير الفيّوم بل من عمل البهنسا من طرف صعيد مصر، قال ابن الجوزى: وفى نيل مصر عجائب كثيرة منها التمساح ولا يكون إلىّ (3) فى نيل مصر بخلاف سائر الأنهار الكبار والصغار، قال: وله أسامى: يسمّى فى مصر: التمساح، وفى بلاد النوبة: الورل وما وراء النوبة يسمّى: السوسمار.
قال الجوهرى: (4) التمساح دابّة من دوابّ الماء معروف بمصر، وقال الجاحظ رحمه الله فى كتاب عجائب البلدان (5) إنّ مهران السند من نيل مصر ويوجد فيه التمساح، قال ابن الجوزى: قد وهم الجاحظ لأنّ مهران السند يخرج من جبال المولتان وهى فى المشرق وداخله تحت خطّ الاستواء والاعتدال والنيل يخرج من جبل القمر من ناحية الجنوب وهو خارج عن خطّ الاستواء والاعتدال، وبين مهران السند وبين الحبشة والنوبة البحر الشرقى، فكيف يكون منه فإن وجد التمساح فى مهران السند فقد يوجد فيه كما وجد فى النيل.
قالوا: (6) والتمساح لا دبر له وما يأكله يتصوّر فى بطنه دودا فإذا أذاه ذلك خرج إلى البرّ وفتح فاه فينقض عليه طائر الماء كالطيطورى ونحوها من أنواع طيور الماء فيدخل فى فيه ويلقط ذلك الدود، فربّما يطبق عليه فيه فى بعض الأوقات فيبلعه، فضربت العرب المثل به فقالوا: مكافأة التمساح، قلت: أمّا قوله إنّ التمساح ليس له دبر فنعم والطائر الذى يدخل فى فيه ويلتقط منه الدود يعرف
(1) الصحاح 5/ 2005 آ
(2)
قلت: سبط بن الجوزى!
(3)
الى: إلا
(4)
الصحاح 1/ 405 آ
(5)
قارن مروج الذهب 1/ 113
(6)
قارن مروج الذهب 1/ 127
بالقطقاط وله فى منكبيه شوكتين كبائر حدّة فإذا طبق عليه التمساح ضربه بتلك الشوكتين فى حلقه فيفتح فاه له فيخرج.
قال: وآفة التمساح دوبيّة تكون فى (171) سواحل النيل وجزائره تكمن له فى الرمل فإذا فتح فاه وثبت فدخلت فمه ونزلت جوفه فيضرب الأرض بنفسه ويغوص فى الماء فتخرق تلك الدويبّة جوفه وترعى كبده فيموت ويهلك ويطفو على وجه الماء وتخرج تلك الدويبّة منه، قال: وهذه الدويبّة على طول الذراع ونحوه على صورة ابن عرس ولها قوائم عدّة ومخاليب.
قلت: هذه لم تشهد بمصر قطّ ولو كانت ثمّ لكانت تعرف ولعلّها تكون ببلاد النوبة والحبشة.
وقد ذكر ابن حوقل رحمه الله أنّ بمصر أماكن لا يضرّ بها التمساح كعدوة أبو صير والفسطاط، قلت:(1) وهذا صحيح، ما عهد أنّه ضرّ أحد من أهل الفسطاط مع الوجه البحرى إلى حدود دمياط ورشيد وهو منتهى مصبّه فى لمالح وإنّما مؤذيته بصعيد مصر كلّما على كان أشدّ مؤذية.
قال: وفى نيل مصر السمك المسمّى بالسقنقور ويصلح للجماع، قلت: وهذا أيضا لم يكن بالنيل وإنّما ترد به الفرنج من جزائر البحر الرومى قديدا، قال:
وفى مصر أعنى نيلها السمك الرعّاد إذا وقعت السمكة فى شبكة الصيّاد لا تزال بده ترعد مع جميع أعضائه حتّى يلقيها أو تموت السمكة، وهذه السمكة نحو الذراع، قلت: هذه موجودة كثير فى النيل، والخاصّيّة فيه ما دام حيّا لا يطيق أحدا يقبض عليه فإنّه يحصل له من الرعدة والتخدّر ما لا يطيق يملك نفسه فيه حتّى مطلقه أو تموت السمكة تبطل تلك الخاصّيّة، وهذه من الخواصّ التى لا تعلّل، وهى
(1) صورة الأرض 1/ 160، -1
توجد دون نصف ذراع وطول الشبر وأكثر وأقلّ، ومن خاصّيّتها إذا خطّت على من به صداع سكن عنه بحكم أنّه حييه، (1) ومن خاصّيّتها إذا أخذت مرارتها وأذيقت بعسل الزنجبيل المربّى ولطخ بها الرجل إحليله بشئ منها (172) وجامع تجد المرأة لذّة عظيمة ولا تملك نفسها دون إلاّ تزال وتعلق المرأة من ساعتها، وهى تصلح لمن يريد الولد، وقيل إنّ مرارة الدجاجة السوداء تقوم ببعض ذلك.
قال: وفى النيل دابّة على صورة الفرس والمكان الذى تكون فيه لا يقربه التمساح، وتخرج من الماء ليلا فترعى شئ كثير من الزرع وتفسده، قال:
فيطرحون لها الترمس فتأكله وكذلك الحلبا وتشرب عليه الماء فيورّم جوفها فتموت.
قلت: قد طلع هذا الدابّ فى سنة إحدى عشرة وسبع مائة وسنذكرها فى تأريخها إن شاء الله تعالى، قال: وفى النيل الدابّة التى تعرف بالدرفيل شبه الزقّ المنفوخ، ومن خاصّيّتها تخلّص الغريق، قلت: هذا أيضا موجود عند فم دمياط وفم رشيد، قال: وفيه شيخ البحر وهو على صورة الآدمى وله لحية طويلة، والغالب أنّه يكون بنواحى دمياط وهو مشؤم فإذا رؤى فى سنة من السنين دلّ على الغلاء والقحط والموت والفتن، ويقال إنّه ظهر فى دمياط سنة أخذوها الفرنج، قلت: هذا يقال قولا لم أعلم صحّته من سقمه كما يقال عن الغول والقطرب لما نذكر من خبرهما أيضا.
قال: (2) وبنيل مصر المقياس وهو من الأبنية العجيبة يعرف به الزيادة والنقصان، قال: وأوّل من حكمه وبناه يوسف عليه السلام بمنف وبنت دلوكة الملكة مقياس بإخميم.
(1) حييه: كذا
(2)
قارن مروج الذهب 2/ 70 مادة 781