الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
طلبا للإيجاز، وفيها أمم كثيرة من الفرنج بنى الأصفر الآتى ذكره فى تأريخه بحول الله وقوّته وبركة إلهامه. (1)
ذكر الجزر والمدّ وما قيل فى ذلك
(2)
قال الجوهرى: (3) المدّ جرى الماء والجزر رجوعه، وقال علماء الهيئة: البحار ثلاثة أصناف، منها ما يكون فيه المدّ والجزر ويظهر فيه ظهورا بيّنا كالبحر الحبشى عند البصرة، وهذا مشاهد محسوس، والثانى يظهر فيه فى وقت دون وقت كما فى البحر الأعظم فإنّه يمدّ ستّة أشهر ويجزر ستّة أشهر فيقلّ الماء فى موضع ويكثر فى موضع، والثالث: لا يظهر فيه المدّ أصلا كغير الحبشى.
واختلفوا فى علّة المدّ والجزر، أمّا علماء الهيئة فقد اختلفوا أيضا فقال بعضهم:
علّته القمر لأنّه مجانس لعلّة الماء وهو بسخنه فينبسط، ثم مثلوه بقمر فيه ماء مقدار نصفها فإذا غلى على النار ارتفع الغليان حتى يفور ويصعد وإذا برد الماء نقص لأنّ من شرط الحرارة أن تبسط الأجسام ومن شرط البرودة أن تنقصها فإذا امتلأ القمر حميت أرض البحر فانبسط الماء وارتفع، وإذا نقص القمر نقص الماء.
قلت: لو كان الأمر كما زعموا لكان المدّ لا يكون (159) إلاّ فى أيّام زيادة القمر والجزر فى أيّام نقصانه، وهذا الجزر والمدّ متّصل بالبصرة وغيرها فى طول أيّام الشهر نسبة واحدة على ما ذكر، والله أعلم.
وقال بعضهم: علّته الأبخرة المتولّدة فى باطن الأرض فإنّها لا تزال تتولّد حتّى تكثر وتكثف فيرد ماء البحر بكثافتها فإذا انقطعت المودّ بقلّة الكثافة
(1) اللهامه: إلهامه
(2)
مأخوذ من مرآة الزمان 29 آ،
(3)
الصحاح 2/ 613 ب
عاد ماء البحر إلى قعره، وهذا أيضا فيه <نظر> فإنّه لو كان كما ذكر كان يكون فى وقت دون وقت.
والمختار عندى (1) أنّ الجزر والمدّ من آيات الله عز وجل وأنّه من آثار قدرته فى العالم لأنّ كلّما لا يوجد له قياس فى الوجود فهو فعل إلاهى يستدلّ به على عظمة البارئ سبحانه وتعالى، وليس للمدّ والجزر قياس فى العالم.
وأمّا ما قال أهل الأثر رضى الله عنهم فى ذلك فروى عن الإمام أحمد ابن حنبل رحمه الله قال: (2) حدّثنا معتمر بن سليمان عن صباح بن أشرين، قال:
سئل ابن عبّاس عن المدّ والجزر فقال: قد وكّل الله بقاموس البحر ملكا فإذا وضع رجله فيه فاص الماء وإذا رفعها غاض، وقد ذكره الجوهرى فقال:(3) وقاموس البحر وسطه ومعظمه، قال: وفى حديث المدّ والجزر قال: ملك موكّل بقاموس البحر كلّما وضع رجله فيه فاض وإذا رفعها غاض، وروى مجاهد عن ابن عبّاس قال: الملك موكّل بالبحار يضع عقبه فى بحر الصين فيكون منه المدّ ثم يرفع قدمه فيكون الجزر، قال مجاهد رحمه الله: وهذا ظاهر محسوس فإنّ الإنسان لو وضع قدمه فى إناء فيه ماء فإنّ الماء يرتفع إلى رأس الإناء فإذا رفعها رجع الماء إلى حدّه، فإن قيل: فيلزم من هذا أن يكون المدّ والجزر فى جميع البحار، قلنا:
قد ذهب قوم إلى هذا وإنّما لم يظهر فى غير بحر البصرة لوجهين: أحدهما: لبعد المسافة واتساع البحار ومن لجّج من المسافرين فى البحار يذكر (160) أنّه شاهده، والوجه الثانى: فلأنّ مكان المدّ والجزر فى البصرة تحت خطّ الاستواء واعتدال الليل والنهار وعليه الكواكب الثابتة على ما ذكر الشيخ جمال الدين
(1) عندى: سبط بن الجوزى!
(2)
مسند أحمد بن حنبل 5/ 382
(3)
الصحاح 2/ 963 ب
ابن الجوزى رحمه الله من ذلك، قال: وهذا المعنى لا يوجد فى غيره، وقد رأيت أيضا الشيخ جمال الدين ذكر ما ذكره العبد من الردّ على من قال وعلّل بزيادة القمر ونقصانه أنّه غير صحيح لأنّه لو كان كذلك لتعلّق بزمان مخصوص بالمعنى الذى ذكرناه.
وكذلك قال: وأمّا من قال إنّه من الأبخرة فباطل أيضا لأنّه يحتاج إلى زمان طويل يجتمع فيه، وهذا يوجد فى كلّ يوم وليلة، فرأيت من قول العبد ما وقع على موافقة قول الشيخ رحمه الله كما قال الحريرى رحمه الله:(1) فتواردت الخواطر كما يقع الحافر على الحافر.
قلت: (2) وطالعت فى تأريخه رحمه الله فصلا يتضمّن ذكر المسك والعنبر بمثل ما ذكرناه وزاد عليه: قال: قال أحمد بن حنبل: حدّثنا سفيان عن الزهرى عن عبيد الله بن عبد الله بن عبّاس عن أبى سعيد الخدرى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المسك أطيب الطيب، انفرد بإخراجه مسلم، (3) وثبت عن النبىّ صلى الله عليه وسلم أنّه كان يحبّ الطيب.
وذكرت العلماء بأخبار الهند والصين: أنّ المسك من غزلان الصين وأن التبّتى أذكى المسك للمراعى، وعلامة غزلان التبّت أنّ لها أنياب بارزة كأنياب الفيل من الفكّين نحو شبر فينصب لها الأشراك وترمى بالسهام فيوجد فى صراره (4) المسك وهو دم مجتمع فى نافجتها فإذا أخذت قبل أن تنضحه الطبيعة وقطع منها وجد فيه زهوكة فتبقى زمانا حتى تذهب عنه تلك الزهوكة، وأمّا المسك الخالص فإنّ الغزال يأتى وقد استحكم فى سرّته المسك ودفعته الطبيعة إلى نافجته وهى
(1) مقامات الحريرى 1/ 266
(2)
مأخوذ من مرآة الزمان 28 آ، -2
(3)
صحيح مسلم 7/ 47، ألفاظ؛ المعجم المفهرس 4/ 65
(4)
صرارها: سررعا مرآة الزمان
سرّته وقد قلق منها فيحتكّ بالصخر فتفتح وتسيل على رؤس الأحجار المحدّدة كما يسيل الدمّل وينفجر إذا نضج فيفرع ما فى نافجته، (161) والنافجة بالفارسيّة السرّة، فلمّا يخرج الصيّادون وقد أعدّوا له الأوعية الصينى فيأخذونه من على الصخور ويجمعونه ويودعونه الأوعية وذاك أفضل المسك وأطيبه ولا يكون له شهوكة (1) ويهدونه للملوك.
قال: وأمّا لعنبر فقد اختلفوا فيه على أقوال: أحدها: أنّه عين فى البحر الحبشى، قاله مجاهد، الثانى: أنّه خثا دابّة من دوابّ البحر، قاله الهيثم بن عدى، الثالث: أنّه حشيش ينبت فى جزائر البحر عند الوقواق فتبلعه دوابّ البحر ثم تلقيه، قاله وهب، الرابع: أنّ البحر يهيج فيقذف بالعنبر من قعره كأمثال الجبال فيبلعه الحيوان المعروف بالأوال فإذا حصل فى جوفه مات فيطفو على وجه الماء فيجذبونه بالكلاليب ويأخذونه، فما وجد فى ظهر الحوت من العنبر كان أجود ممّا يوجد فى بطنه وأقلّ شهوكة، قاله مقاتل.
واختلفوا الفقهاء فى وجوب الخمس فى العنبر، فقال علىّ عليه السلام وابن عبّاس رضى الله عنه وابن مسعود: لا خمس فيه، وبه أخذ أبو يوسف ومالك والشافعى وأحمد لما روى أنّ عمر رضى الله عنه سأل عنه فقال: فيه الخمس وفى كلّ ما يستخرج من البحر. ولنا إجماع من سمّينا من الصحابة ولو سلم كان محمولا على ما وجد فى خزائن الكفّار وبه نقول.
وقيل إنّ أسود العنبر ما وقع ببحر فارس قريبا من رأس الجمجمة عند بلاد الشحر باليمن، وكذلك يسمّى عنبر شحرى لخاصّيّة تلك البقعة فإنّ هناك قوم من قضاعة يجعلون الشين المعجمة كافا فيقولون:(2) قلت لش، أىّ قلت لك، ولهم
(1) شهوكة: زهوكة مرآة الزمان
(2)
قارن مروج الذهب 1/ 178 مادة 364