الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولم يعلم حقيقة حاله، ورأيت بعد ذلك ولده يخدم فى الفرع المعروف بالعطّارين من فروع دار الوكالة بمصر المحروسة من جملة القباض بدرهم كلّ يوم وأحكيت حكاية الفرع الذى تقدّم ذكره لوالده مع بعض حضاياه، فقال: يا سيّدى والله الفرح كان فى ولادة المملوك، يعنى عن نفسه، وهذه والدتى تعيش وأحكت لى هذه الحكاية بعينها، فقلت: فكيف حالها؟ قال: والله تنتظرنى بغير أكل حتّى أعود إليها آخر النهار بهذا الدرهم فتتبلّغ به، ثم بكا وقال: هذا بذاك ولا عتب على الزمن.
رجع ما انقطع
(197)
قال ابن الجوزى رحمه الله: (1) وحول الهرمين الكبار أهرام صغار عدّة، ويقال إنّ ملك اليونان عمرها، ولمّا ملك أحمد بن طولون الآتى ذكره فى تأريخه الديار المصريّة حدّثته نفسه بالوصول إلى الأهرام من أبوابها فحفر عدّة حفائر حولها فلم يقع عليها ووجدوا فى بعض الحفائر قطعة مرجان منقوش عليها سطور باليونانى فأحضر من يعرف ذلك القلم وإذا هى أبيات شعر فترجمت فإذا هى (من الطويل):
أنا بانى الأهرام فى مصر كلّها
…
ومالكها قدما بها والمقدّم
تركت بها آثار علمى وحكمتى
…
على الدهر لا تبلى ولا تتثلّم
وفيها كنوز جمّة وعجائب
…
وللدهر لين مرّة وتهجّم
وفيها علومى كلّها غير أنّنى
…
أرى قبل هذا أن أموت فتعلم
ستفتح أقفالى وتبدو عجائبى
…
وفى ليلة فى آخر الدهر تنجم
(1) قارن المسالك 159
ثمان وتسع واثنتان وأربع
…
وسبعون من بعد المبين تسلّم
ومن بعد هذا آخر تسعين برهة
…
وتلقى البرابى تسحر وتهدم
تدبّر فعالى فى صخور قطعتها
…
ستبقى وأفنى قبلها ثم تعدم
قال: فجمع ابن طولون الحكماء والحسّاب وفضلاء الناس وأمرهم بحساب هذه المدّة فلم يقدروا على تحقيق ذلك فيئس وزال الطمع.
ومن عجائب مصر المطالب، قال ابن الجوزى رحمه الله:(1) والمطالب بمصر كثيرة إلاّ أنّ الغالب عليها لها طلسمات تمنع من الوصول إليها، قال: وحكى الهيثم بن عدى وغيره أنّ رجلا جاء إلى عبد العزيز بن مروان وهو يومئذ أمير مصر من قبل أبيه مروان بن الحكم، فقال له: أيّها الأمير! إنّى قد وجدت كتابا قديما يشير إلى بعض الأماكن أنّ فيه كنزا به أموال جمة، (198) فخرج معه إلى ظاهر مصر على أميال وجاء به إلى تلّ عظيم فقال: تحت هذا! فقال:
فمن أين لك؟ فقال: علامة ذلك إذا كشفنا هذا التلّ ظهر لنا بلاط مختلف الألوان ثمّ نحفر فيظهر لنا باب من صفر ففيه المطلب، قال: فأمر بحفر ذلك التلّ فأزالوا بعض التلّ فظهر البلاط ثم ظهر الباب وإذا عليه أقفال عجيبة فعالجوها حتى فتحوها، وإذا بدرج إلى بهوّ عظيم فيه قناطر ومجالس عليها أبواب الذهب المرصّعة بالجواهر التى تشعل كالسرج، وذلك الدرج من نحاس مسبّك، وفى أوّل درجة عمود من ذهب فى أعلاه ديك عيناه ياقوتتان تساويان خراج الدنيا وجناحاه من زمرّد أخضر، فضرب ذلك الرجل رأس الديك فلمع شئ منه كالبرق الخاطف وذلك بما فى عينى الديك من الياقوتتان فظهرت الدرج بأسرها والبهوّ فبادر واحد من الرجال فوضع قدمه على أوّل درجة فلمّا استقرّت قدماه عليها
(1) قارن مروج الذهب 2/ 95 مادة 823
ظهرت سيفان عظيمان غاديان عن يمين الدرجة وشمالها فالتقيا على ذلك الرجل فقطعاه نصفين فأهوى جسده إلى الدرج، فلمّا استقرّ على بعضها اهتزّ العامود وصفر ذلك الديك صفرة عظيمة رجفت لها القلوب ثم حرّك جناحيه وظهرت بعد ذلك أصوات مزعجة وصرخات هائلة نكرة قد عملت على الكواكب السبع بالحركات الفلكية ينزعج لها السامع ولا يكاد يثبت، قال: فشجّع الناس بعضهم بعضا، وتقدّم آخر فجرى عليه كذلك وقطع نصفين، وجرت تلك الأحوال النكرة وتلك الأهوال المزعجة، قال: وآخر وآخر حتى قتل نيف وألف رجل، فقال عند ذلك عبد العزيز: حسبنا الله هذا أمر لا يدرك ولا يوصل إليه، ثم أمر بردّ التراب بعد غلق الباب على تلك القتلى فكانت تلك الحفرة (199) قبورهم وموضع ترابهم.
قلت: وقد يأتى فى الجزء الثانى منه ذكر عدّة من هذه الحفائر التى أودعوها ملوك القبط أموالهم وذخائرهم وأمتعتهم وجعلوها نواويسهم ومقابرهم، وذلك ما تضمّنه ذلك التأريخ القبطى المختصّ بذكر ملوك مصر، وكذلك قد ذكرت فى الجزء المختصّ بالعبيدين (1) خلفاء مصر قطعة جيّدة من كتاب حلّ الرموز فى علم الكنوز ومن اتّصل إلى بعضها من ملوك مصر وخلفائها ما فيه بلغة المتأمّل.
قال ابن الجوزى رحمه الله: ومن عجائب مصر جبل الطير بصعيدها وهو جبل فيه مغار وفى ذلك المغار شقّ فإذا كان يوما معيّنا فى السنة اجتمع إليه طيور سودانيّة من جميع الأقطار فيأتى كلّ منهم إلى ذلك الشقّ ويضع منقاره فيه ثم يخرجه ويطير ويأتى آخر فيفعل كذلك، ولا يزالون يفعلون كذلك حتى يطبق ذلك الشقّ على
(1) بالعبيدين: بالعبيديين
منقار أحدهم فإذا تعلّق بمنقاره فى ذلك الشقّ طاروا الجميع بعد ذلك وتركوه معلّق بمنقاره إلى السنة الأخرى مثل ذلك اليوم فينفتح ذلك الشقّ ويسقط الميّت ويتعلّق غيره.
قلت: هذا صحيح، وقد فحصت عنه وحكى لى جماعة لا أشكّ فى قولهم بصحّة ذلك، ولقد حكى للعبد إنسان كان متولّى منية بنى خصيب الذى هذا الجبل مقابلها يسمّى شمس الدين سنقر من مماليك كدت أنّه شاهد ذلك بعينه وأنّ الطير لا يبرح معلّق فى ذلك الشقّ وسألنى أن أتوجّه وأنظره فلم يتهيّأ ذلك لشغل الوقت، فقلت: قد اكتفيت <بقولك> عن المعاينة، وحكى أيضا أنّ فى سنة من السنين التى كان بها واليا تعلّق طائر منهم على العادة وطاروا البقيّة وتركوه فلم يبعدوا حتى لحق بهم ذلك الطائر وقد تخلّص، فعادوا على بدء إلى (200) ذلك المغار وأعرضوا أرواحهم فى ذلك الشقّ حتى طبق على واحد منهم فتركوه ومضوا لحالهم، وهذه من العجائب التى لا تكيّف.
ومن عجائب مصر عمود بثغر الإسكندريّة يعرف بعمود الصوارى ليس يوجد له نظير فى الطول والجفاء وهو من حجر أسود أصمّ لا يوجد له معدن بالديار المصريّة حتى قيل إنّه معجون من أخلاط عدّة وكذلك جميع الأعمدة التى التى بالبرابى المصريّة من معدنه، لكن ليس فيهم مثله، وقيل إنّ أخاه بآخر أعمال أسوان وهى آخر حدود الديار المصريّة.
قلت: ولعلّهما جعلا حدودا لأعمال الديار المصريّة أحدهما هذا المذكور وهو حدّ ديار مصر إلى البحر الرومى من هذه الجهة والآخر حدّ ديار مصر من بلاد النوبة، فهذا ما ظهر للعبد من أمرهما، والدليل على ذلك أنّى رأيت هذا العامود بثغر الإسكندرية على تلّ عال ليس إلى جانبه عمارة ولا منه شئ غامض فى ذلك التلّ، فيقال: قد كان عليه عمارة وزالت وأقام وإنّما إقامته إشارة لشئ مخصوص به، ولعلّه كما خطر للعبد، والله أعلم.