الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأمّا حديث أبى هريرة، (1) قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم (40) إذ مرّت سحابة فقال: أتدرون ما هذه؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: الرفيع موج مكفوف وسقف محفوظ، أتدرون كم بينها وبينكم؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، ثم ذكر السموات والأرض وعدّ ما بين كلّ سماء وسماء خمس مائة عام بمعنى حديث أبى ذرّ، وقال فى آخره: لو حفرتم لصاحبكم ودليتموه بحبل إلى الأرض السابعة لهبط على الله، ثم قرأ رسول الله:{هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ»} (2).
فصل
فى ذكر الشمس والقمر والنجوم الثابتة والسيّارة وغيرها
(3)
الشمس: قال الجوهرى: (4) الشمس المعروفة، ويقال لها ذكاء لأنّها تذكو كما تذكو النار، ولذلك يسمّى النهار ابن ذكاء، قال: وهى ممدودة غير مصروفة لا تدخلها ألف ولا لام.
فأمّا خلقها، روى كعب الأحبار، قال فى التوراة: لمّا أراد الله أن يخلق الشمس والقمر قال للسماء أخرجى شمسك وقمرك! وعن علىّ عليه السلام موقوفا عليه قال:
خلقت الشمس والقمر من نور العرش.
وقد روى فيما يتعلّق بالشمس أخبار وآثار، فأمّا الأخبار فلا يثبت منها إلاّ حديث واحد، قال البخارى (5) بإسناده إلى إبراهيم التيمى عن أبيه عن أبى ذرّ قال: كنت مع النبىّ صلى الله عليه وسلم فى المسجد حين وجبت الشمس فقال: يا أبا ذرّ أتدرى أين تذهب هذه الشمس؟ قلت: الله ورسوله أعلم! قال: إنّها تذهب حتى تسجد
(1) قارن سنن الترمذى 5/ 77
(2)
القرآن الكريم 57/ 3
(3)
مأخوذ من مرآة الزمان 44 ب، -13
(4)
الصحاح 6/ 2346 ب
(5)
قارن المعجم المفهرس 7/ 137، مسند أحمد بن حنبل 5/ 152 و 177
بين يدى الله، أو قال ربّها، فتستأذن فى الرجوع فيأذن لها، أخرجاه فى الصحيحين.
وأخرج البيهقى عن ابن عمر بمعناه، وفيه: نظر النبىّ صلى الله عليه وسلم إلى الشمس قد غابت، فقال: فى عين الله الحامية، لولا ما يزعها من أمر الله لأهلكت ما على وجه الأرض، ومعنى يزعها: يكفّها ويردّها.
ومنه قول الحسن البصرى: لا بدّ للناس من وزعة (41) ولأنّ ما نزع الله بالسلطان أكثر مما نزع بالقرآن، ومعنى الحديث أنّ النبىّ صلى الله عليه وسلم أخبر عن مغيبها فى النار الحامية لا أنّه دعا عليها.
وأمّا فى الأخبار الواهية، (1) فقال عن أبى أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
قد وكل الله بالشمس سبعة أملاك يقذفونها بالثلج ولولا ذلك ما أتت على شئ إلاّ أحرقته، وسنّة عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الشمس والقمر ثوران عقيران فى النار، وفى رواية: يؤتى بهما يوم القيامة فيكوّران فى النار، والعقير المجروح، ومنها ما ذكره الطبرى رحمه الله عن ابن عبّاس عن عكرمة (2) قال: كنت جالسا عنده إذ جاءه رجل فقال: يا ابن عبّاس سمعت كعب الأحبار يقول: إنّ الشمس والقمر يكوّران يوم القيامة ويلقيان فى النار، وكان ابن عبّاس متكئا فجلس واجتمع وقال: كذب كعب لمسائل هى يهوديّة يريد إدخالها فى الإسلام، الله أجلّ وأكرم أن يعذّب على طاعته، ألم تسمع إلى قوله تعالى:{وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ»} (3)، أى: طائعين، فكيف يعذّب من أثنى عليه؟ ثم قال:
ألا أحدّثكم ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله لما أبرم خلقه غير آدم خلق شمسين من نور عرشه، فأمّا ما كان فى سابق علمه أن يدعها شمسا فإنّه خلقها
(1) قارن فيض القدير 6/ 363 رقم 9629
(2)
قارن قصص الأنبياء 12؛ الجامع لأحكام القرآن 10/ 227؛ فيض القدير 4/ 177 رقم 4948 و 4949
(3)
القرآن الكريم 14/ 33
مثل الدنيا ما بين مشارقها ومغاربها، وأمّا ما كان فى سابق علمه أن يطمسها ويحوّلها قمرا فإنّه دون الشمس فى العظم، وإنّما يرى صغيرا لسدّه من ارتفاع السماء وبعدها من الأرض، فلو ترك الله الشمس كما كان خلقها لم يعرف الليل من النهار ولا النهار من الليل، وكان لا يدرى الأجير إلى أى متى يعمل ومتى أخذ أجره، ولا يدرى الصائم إلى متى يصوم، ولا تدرى المرأة كيف تعتدّ ولا يدرى المسلمون متى وقت الحجّ، ولا متى تحلّ ديونهم، فنظر الله لعباده فأرسل جبرائيل (42) فأمرّ جناحه على وجه القمر فطمس عنه الضوء وبقى فيه النور، فذلك قوله تعالى:{وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ»} (1)، الآية، فالسواد الذى ترونه فيه شبه الخطوط فهو أثر المحو، قال: ثم خلق الله للشمس عجلة من نور العرش لها ثلاثمائة وستّون عروة، ووكّل بالشمس وعجلتها ثلاثمائة وستّين ملكا يعلق كلّ واحد منهم بعروة، وخلق القمر أيضا كذلك وخلق لها مشارق ومغارب ثمانين ومائة عين فى المغرب طينة سوداء، فذلك قوله تعالى:{وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ»} (2)، تفور كغليان القدور، فكلّ يوم وليلة لهما مطلع جديد ومغرب جديد، فذلك قوله تعالى:{رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ»} (3)، قال: وخلق الله مجرى دون السماء يعنى بحرا مقدار ثلاثة فراسخ، وهو موج مكفوف قائم فى الهواء كأنّه جبل ممدود فتجرى فيه الشمس والقمر والخنس، فذلك قوله تعالى:{وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ»} (4)، والذى نفس محمدّ بيده لو بدت الشمس من ذلك البحر لأحرقت كلّ شئ فى الأرض حتى الصخور والحجارة ولو بدا القمر من ذلك البحر لافتتن أهل الأرض حتى يعبدوه من دون الله تعالى.
(1) القرآن الكريم 17/ 12
(2)
القرآن الكريم 18/ 86
(3)
القرآن الكريم 70/ 40
(4)
القرآن الكريم 36/ 40
قال ابن عبّاس: وكان علىّ بن أبى طالب حاضرا فقال: يا رسول الله ذكرت الخنس فما هنّ؟ فقال: خمسة كواكب: الرجيس (1) وزحل وعطارد وبهرام والزهرة جاريات طالعات كالشمس والقمر فأمّا سائر الكواكب فمعلّقات فى السماء كالقناديل فى المساجد.
قال، وقال النبىّ صلى الله عليه وسلم:(2) ثم خلق الله مدينتين إحداهما بالمشرق والأخرى بالمغرب حابرشا وجابلقا، لكلّ واحدة منهما عشرة آلاف باب، وعلى كلّ باب عشرة آلاف فارس من الحرس، ووراءهم أمم يقال لهم منشك وناسك وثاريس وناويل، ومن ورائهم ياجوج وماجوج، قلت: وذكر الطبرى رحمه الله حديث طويل وفيه طلوع الشمس من مغربها وباب (43) التوبة، فقال له عمر بن الخطّاب: وما باب التوبة؟ ففسّره، وقال: من المصراع إلى المصراع مسيرة أربعين سنة للراكب المجدّ، وذكر الصور، فقال له حذيفة بن اليمان: يا رسول الله وما الصور؟ ففسّره فى آخر الحديث، فبلغ كعبا فأتا إلى ابن عبّاس يعتذر، وقال: إنّما حدّثت من كتاب دارس تداولته الأيدى وأنت حدّثت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر كلام طويل.
قلت: وقد أنكر الشيخ الحافظ أبو الفرج ابن الجوزى رحمه الله على راوى هذا الحديث وقال: المنقول مثل هذه الألفاظ عن ابن عبّاس لو وقفوه عليه كان أولى وإنّما رفعوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحوشى منصبه الكريم عن مثله، واضعه ما قصد به إلاّ شين الشريعة، وإلاّ فمن أين فى الدنيا مدينة لها عشرة ألف باب بين كلّ بابين فرسخ وما أشبه ذلك؟
(1) الرجيس: البرجيس، تحريف
(2)
قصص الأنبياء 13؛ الكامل (ابن الأثير) 1/ 21
قلت: (1) قد روى هذا الحديث وله إسناد متّصل يقول: إنّ الله عز وجل له مدينتين عظيمتين واحدة بالمشرق والأخرى بالمغرب واسم التى بالمشرق حابلتا واسم التى بالمغرب جابرضا، طول كلّ مدينة منهن اثنا عشر ألف فرسخ لكلّ مدينة عشرة آلاف باب، بين كلّ باب وباب فرسخين، يحرس كلّ باب فى كلّ ليلة عشرة آلاف رجل لا تلحقهم التوبة إلى يوم القيامة، وإنّهم يأكلون ويشربون ويتناكحون، وفيهم حلم كثير ولهم خلق عظام تامّة فى الطول والجسامة، وإنّ هاتين المدينتين خارجتين من هذا العالم، لا يرون شمسا ولا قمر، ولا يعرفون آدم ولا إبليس، يعبدون الله تعالى ويوحّدونه، وإنّ لهم نور يشيعون فيه من نور العرش من غير شمس ولا قمر، وإنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: مرّ بى جبريل عليه السلام ليلة الإسراء عليهم فدعوتهم إلى الله عز وجل فأجابونى فمحسنهم مع محسنكم ومسيئهم مع (44) مسيئكم.
وعن وهب بن منبّه (2) ما رواه المسعودى أيضا تبعا لما قدّمنا أنّه قال: إنّ لله ثمانية عشر ألف عالم، الدنيا منه عالم واحد وما العمران فى الخراب إلاّ كخردلة فى كفّ أحدكم.
وروى المسعودى أيضا (3) عن أهل الأثر أنّ لله تعالى دابة فى مرج من مروجه فى غامض علمه رزقها كلّ يوم مثل رزق العالم بأسره.
قلت: وهذه الأخبار والآثار فإنّها مبالغة فى عظمة ملك الله تعالى الذى لا يحدّ وكفى من ذلك قوله تعالى: {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ»} (4).
(1) أخبار الزمان 18،8
(2)
أخبار الزمان 19،1
(3)
أخبار الزمان 19،4
(4)
القرآن الكريم 2/ 255