الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخامسة: المحاضرة الملوكيّة، أولى المعانى الزكيّة.
السادسة: المحاضرة الوزرائيّة، التى لأولى الفضل مرضيّة.
السابعة: المحاضرة القضائيّة التى عن العلماء مرويّة.
الثامنة: المحاضرة الشعرائيّة المشتملة على ذكر الشعراء الأوائليّة والعصريّة.
التاسعة: المحاضرة الفلسفية الصادرة عن أقوال الحكماء المسميّة.
العاشرة: المحاضرة النجوميّة، المشتملة على ذكر الأفلاك العليّة.
المحاضرة الأولة: وهى الربيعية
حدّث أنّه كان بجبل إصبهان، من بعد ما نسفته المزاود، وأفتنه المراود، تنّين، له عدّة من السنين، قد ألّف آلاف من الدهور، وألّف ألفا من الجحور، بين تلك الأحجار والصخور، وأخاف تلك المسالك، حتى جفل القاطن، وقفل السالك، وتحاماه الأقران، وتبادره الشجعان، إذ ليس يقطع فيه المران، ولا ينفع فيه سيف ولا سنان، (250) ودرست تلك الجادة الدوارس، ولا عاد يفترعها راجل ولا فارس، حتى عادت بكرا عذراء، لا تخطر على فكر عذراء، لعظم شرره وشرّه، وسمومه وحرّه، فلمّا تعطّلت تلك الربوع من الساكن والمسامر، وأمنت وطء الخفّ والحامر، عظمت أشجارها، وتكاثفت أثمارها، وطرز الأرض نباتها ونوارها، وأينعت أزهارها، وتجاوبت على أفنانها أطيارها، شحرورها وبلبلها وقمريّها وهزارها، وتكسّرت على حصبائها أنهارها، وأمالت الأرواح من الأشجار أغصانها، تقبّل فى الروض أوجه غدرانها، فكلّما زمر النسيم صفق الغدير على نغمات تلك الأطيار باختلاف ألحانها، فعادت كقول ابن وكيع فى زمن الربيع (من الكامل):
فرش الفضاء بأصفر وبأحمر
…
وبدت لنا حلل الربيع الأزهر (1)
وافا على أثر الشتاء كأنّه
…
إقبال جدّ بعد أمر مدبر
وكأنّ ذلك كان وجه محذّر
…
وكأنّ هذا جاء وجه مبشّر
ورد كوجنة كاعب قد موزحت
…
فتراجعت خجلا بفرط تخفّر
وكأنّما التأريخ فى أغصانه
…
أكر خرطن من العقيق الأحمر
وكأنّ نور الباقلاء دراهم
…
قد ضمّخت أوساطها بالعنبر
وكأنّما الأترجّ أكؤس عسجد
…
ولها مقابض من حرير أخضر
والنرجس الريّان بين رياضة
…
يرنو بعين الباهت المتحيّر
والجلّنار يريك من أثوابه
…
نوعين بين مزعفر ومعصفر
فالآن فاغد إلى الخلاعة والصبا
…
لا تصفين إلى العذول المكثر
أو كما ذكرنا من المنقول، لأبى إسحق الأندلسى حيث يقول:(من الكامل):
(251)
وعشيّة كم بتّ أرقب وقتها
…
سمحت بها الأيّام بعد تعذّر
نلنا بها آمالنا فى جنّة
…
أهدت لنا سفها شميم العنبر
والروض بين مفضّض ومذهّب
…
والزهر بين مدرهم ومدبر
والورق تشدو والأراكة تنثنى
…
والشمس ترفل فى قميص أصفر
فكأنّه وكأنّ خضرة شطّه
…
سيف تعلّق من نجاد أخضر
وكأنما جنّاته محفوفة
…
بالآس والنعمان خدّ معذّر
نهر يهيم بحسنه من لم يهم
…
ويجدّ فيه الشعر من لم يشعر
ما اصفرّ وجه الشمس عند غروبها
…
إلاّ لفرقة حسن ذاك المنظر
(1) ديوان ابن وكيع 63، رقم 35؛ قارن حلبه 360
وقوله (من الخفيف):
فى رياض أريضة تشرب فيها
…
السوارى أعلامها المعلمات
بين صفر وبين حمر كلونى
…
أوجه الخائفات الخجلات
ضاحكات إلى بروق توالت
…
إذ توالت فى شربها باكيات
وكقول ابن وكيع أيضا فى الربيع (من الطويل): (1)
ألست ترى وشى الربيع المنمنما
…
وما رصّع الربعى فيه وتظّما
فقد حكّت الأرض السماء بنورها
…
فلم أدر فى التشبيه أيّهما السما
فحضرتها كالجوّ فى حسن لونه
…
وأنوارها تحكى لعينيك أنجما
قم فاسقنى ما حرّموه فما أرى
…
من العيش حلوا غير ما قيل حرّما
وكقول ابن سهل فيه الذى كاسم أبيه (من الكامل): (2)
الأرض قد لبست رداء أخضرا
…
والطلّ ينثر فى رباها جوهرا
فاحت (3)
…
فخلت الزهر كافورا بها
وحسبت فيها الترب مسكا أذفرا
وكأنّ سوسنها يصافح وردها
…
ثغرا (4) يقبّل منه خدّا أحمرا
والنهر (5)
…
فيه والنبات يحفّه
سيف تعلّق من نجاد أخضرا
(252)
وجرت بصفحته الصبا فحسبته
…
كفّا تنمّق فى الصحيفة أسطرا
والطير قد قامت عليه خطيبة
…
لم تتّخذ إلاّ الأراكة منبرا
وكقول من صدق فى جلق (من البسيط):
فى جلّق نزلوا حيث النعيم غدا
…
مطوّلا وهو فى الآفاق مختصر
(1) ديوان ابن وكيع 93، رقم 35
(2)
ديوان ابن سهل الأندلسى 163،4، رقم 54/ 1 - 4
(3)
فاحت: هاجت الديوان
(4)
ثغرا: تغر الديوان
(5)
والنهر-سيف: والنهر ما بين الرياض تخاله سيفا الديوان