الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت: انتهى الكلام فيما وقعنا عليه من العجائب وذلك ما حققناه بالإسناد إلى الثقاة (1) من الرواة، وما عدى ذلك من الأحاديث الشادّة فأضربنا عنها لقلّة الثقة بناقليها، ونبتدئ الآن بذكر النار أجارنا الله من عذابها وما أعدّ الله فيها من العذاب للمجرمين الكافرين، وأخّرنا ذكرها إلى هاهنا كونهم أجمعوا على أنّها سفلا وليس بعلوّ، فاقتضى ذلك أن نذكرها فى الحقوق الأرضيّة، ونذكر ما ورد فى ذكرها من الأخبار ونتبعه من الآثار، ونسأل الله أن يجيرنا من عذابها ويجعلنا من أهل جنّته الداخلين من أبوابها والملتذّين بنعيمها وشرابها.
(238) ذكر النار أجارنا الله من عذابها
(2)
قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله (3) بإسناده عن أبى هريرة رضى الله عنه قال:
كنّا جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعنا وجبة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما هذا؟ قلنا الله ورسوله أعلم، قال: هذا حجرا (4) أرسل فى جهنم من سبعين خريفا والآن انتهى إلى قعرها، انفرد بإخراجه مسلم، والوجبة هى السقطة مع هذه، وهذا الحديث يدلّ على أنّ النار فى الأرض وقد نصّ عليه ابن سلام وقال: كذا هو فى التوراة، فإن قيل: ففى حديث المعراج أنّ النبىّ صلى الله عليه وسلم قال:
رأيت الجنّة والنار ولم يقل رأيت النار فى السماء.
قال ابن الجوزى رحمه الله: أنبأنا جدّى بإسناده إلى سعيد بن بشر عن قتادة
(1) الثقاة: الثقات
(2)
مأخوذ من مرآة الزمان 37 ب، -21
(3)
المعجم المفهرس 7/ 140؛ مسند أحمد بن حنبل 2/ 371؛ صحيح مسلم 8/ 150، الحنة.
(4)
حجرا: حجر مسند ابن حنبل
وفى رواية عن ابن أبى الدنيا عن شعبة، قال: أخبرنى من رأى عبادة بن الصامت على حائط بيت المقدّس الشرقى يبكى ويقول: من هاهنا أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّه رأى جهنّم ليلة المعراج، قال: وكذلك سمّى وادى جهنّم، ويحتمل أنّ الله تعالى أراه إيّاها فى تلك الليلة كما جلّى له بيت المقدّس، وذلك أبلغ فى إظهار القدرة ولأنّ النار حبس والحبس يكون فى جهة السفل بخلاف الجنّة فإنّها بستان والبستان فى جهة العلوّ.
وروى مجاهد عن ابن عبّاس فى تفسير قوله تعالى: {لَها سَبْعَةُ أَبْاابٍ»} (1)، قال: دركات بعضها فوق بعض، فأوّلها: جهنم، ثم لظى، ثم الحطمة، ثم السعير، ثم سقر، ثم الجحيم، ثم الهاوية.
قال ابن الجوزى رحمه الله: (2) قرأت على شيخنا أبى اليمن زيد بن الحسن الكندى رحمه الله قال: قرأت على شيخنا أبى المنصور ابن الجواليقى (239) رحمه الله قال: اشتقاق جهنّم من قول العرب: ركيّة جهنّام، بكسر الجيم إذا كانت بعيدة القعر.
وكذا قال فى الصحاح: (3) جهنّم من أسماء النار التى يعذب الله بها عباده، قال:
ويقال: هو اسم فارسى معرّب، وركية جهنام بكسر الجيم والهاء، فأمّا لظى، فقال الجوهرى:(4) هى اسم من أسماء النار معرّفة لا تنصرف وأصلها من اللهب، وأمّا الحطمة فمن الحطم وهو الكسر لأنّها تحطم ما تلقى، وأمّا السعير فمن التسعّر وهو التوقّد، وأمّا سقر فمن البعد ويوم مسقر ومصقر شديد الحرّ، وأمّا الجحيم،
(1) القرآن الكريم 15/ 44؛ قارن الجامع لأحكام القرآن 10/ 30
(2)
المعرب 107
(3)
الصحاح 5/ 1892 آ
(4)
الصحاح 6/ 2483 ب
فقال الجوهرى: (1) كلّ نار عظيمة فى مهواة فهى جحيم من قوله تعالى: {قالُوا اِبْنُوا لَهُ بُنْياناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ»} (2)، والجاحم المكان الشديد الحرّ، قال الجوهرى:(3) وأمّا الهاوية فإنّما يقال: هاوية أى مستقرّه فى النار، قال: والنار تجمع الكلّ وهى مؤنّثة من ذوات الواو، وتصغيرها نويرة وجمعها نور وأنور ونيران.
وقد جاءت فى ذكر النار أحاديث قال: حدّثنا أحمد بن حنبل (4) حدّثنا عبد الرزّاق حدّثنا معمر عن همام بن منبّه عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ناركم هذه ما توقد بنى آدم جزءا واحدا من سبعين جزءا من حرّ جهنّم، قالوا:
يا رسول الله والله إنّها لكافية، فقال: إنّها فضلت عليها بتسعة وستّين جزءا كلّهن مثل حرّها، أخرجاه فى الصحيحين.
وفى الصحيحين (5) أيضا بهذا الإسناد عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
اشتكت النار إلى ربّها فقالت: يا ربّ أكل بعضى بعضا فنفّسنى فأذن لها أن تتنفّس نفسين نفسا فى الشتاء ونفسا فى الصيف فأشد ما تجدون من الحرّ فمن حرّ جهنّم وأشدّ ما تجدون من البرد من زمهرير جهنّم (240) فى أخبار كثيرة.
قال أحمد بن حنبل (6) بإسناده إلى حميد بن عبيد يقول: سمعت ثابتا البنانى يحدّث عن أنس بن مالك عن النبىّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال لجبرائيل: ما لى لم أر ميكائيل ضاحكا قطّ؟ فقال: منذ خلق الله النار لم يضحك، أخرجه أحمد بن حنبل فى المسند،
(1) الصحاح 5/ 1883 آ
(2)
القرآن الكريم 37/ 97
(3)
الصحاح 6/ 2539 آ
(4)
المعجم المفهرس 5/ 158؛ صحيح البخارى 2/ 219، بدؤ الخلق، باب 10؛ صحيح مسلم 8/ 149، الحنة||ناركم-جهنم: ناركم هذا التى يوقد ابن آدم جزء من سبعين جزء من حر جهنم صحيح مسلم
(5)
صحيح البخارى 2/ 219، بدؤ الخلق، باب 10
(6)
مسند أحمد بن حنبل 3/ 224