الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
فى حدّ الزمان والأيّام
(1)
قال العلماء رضى الله عنهم: الزمان اسم لقليل الوقت وكثيره، فالحاصل أنّ الله تعالى خلق السموات والأرض قبل خلقه الأيّام والليالى والشمس والقمر، وقد رواه مجاهد عن ابن عبّاس فى تفسير قوله تعالى:{فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ»} (2)، فقال الله تعالى للسموات: أطلعى شمسى وقمرى ونجومى! وقال للأرض: شقّقى أنهارك وأخرجى ثمارك! فأجابتا.
فإن قيل إنّما يعرف اليوم بطلوع الشمس والليلة بغروبها ولم تكن الشمس يومئذ فالجواب أنّ البارئ سبحانه لا يحتاج إلى طلوع الشمس فى مخلوقاته لأنّه ليس عنده ليل ولا نهار، بذلك وردت الأخبار؛ واختلف العلماء رضى الله عنهم فى الأيّام التى خلق الله فيها السموات والأرض والمخلوقات هل هى مثل أيّام الدنيا المعروفة أو مثل أيّام الآخرة كلّ يوم مقداره ألف سنة، على قولين: أحدهما أنّها مثل أيّام الدنيا، قاله مجاهد والحسن البصرى لأنّها المعهودة، والثانى أنّها مثل أيّام الآخرة، (25) وبه قال ابن عبّاس وعامّة العلماء، قال الله تعالى:{فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ»} (3).
فإن قيل: فهلاّ خلقها فى لحظة واحدة وهو أهون عليه فالجواب من وجوه:
أحدها أن النثبّت أبلغ فى القدرة والتعجيل لا تقتضيه الحكمة، قاله ابن عبّاس، الثانى: أنّ الله تعالى أراد أن يظهر فى كلّ يوم آية وأمر تستعظمه الملائكة، قاله مجاهد، الثالث: أنّ الذى يتوهّمه المتوهّم من إبطاء الخلق فى ستّة أيّام هو
(1) مأخوذ من مرآة الزمان 5 ب، -4
(2)
القرآن الكريم 41/ 11
(3)
القرآن الكريم 70/ 4
الذى يتوهّمه فى ستّة الالف (1) سنة عند تأمّل قوله تعالى {كُنْ فَيَكُونُ»} . (2)
وقال سعيد بن جبير إنّ الله سبحانه كان قادرا أن يخلق المخلوقات فى لمحة واحدة وإنّما خلقها فى ستّة أيّام تعليما لخلقه الرفق والتثبّت فى الأمور، حكاه عن ابن عبّاس وهو معنى القول الأوّل.
واختلفوا فى أسماء الأيّام فقال الزجّاج والفرّاء وأبو عبيد وقد رواه الأصمعى عن عمران بن العلاء وروى ابن الجوزى، قال أنبأتا بذلك جماعة عن القاسم ابن السمرقندى قالوا: كانت العرب العاربة تقول ليوم السبت شيار وليوم الأحد أوّل وللاثنين أهون وللثلاثاء جبار وللأربعاء دبار وللخميس مؤنس وللجمعة العروبة، وأوّل من نقل العروبة إلى الجمعة كعب بن لؤى.
وقد ذكر الجوهرى (3) هذه الأيّام وقال: كانت العرب القديمة تسمّيها فى أسمائهم القديمة. والقول الثانى: أنّهم كانوا يسمّون يوم السبت أباجاد، والأحد هوز والاثنين حطى، والثلاثاء كلمون والأربعاء سعفص والخميس قرست، ويوم الجمعة العروبة، حكاه الضحاك عن زيد بن أرقم.
والقول الثالث: ذكره أبو إسحاق الثعلبى عن ابن عبّاس قال: خلق الله يوما واحدا وسمّاه الأحد وخلق يوما ثانيا وسماه الاثنين، ثم ذكر باقى الأيّام على هذا.
(26)
قلت: والتوفيق بين هذه الأقاويل ممكن لأنّه يحتمل أنّها كانت قديمة ثم تغيّرت وتقلّبت بطول الزمان كما فعلوا فى الشهور لما نذكر إن شاء الله.
واختلفوا فى أىّ يوم بدأ الله عز وجل بالخلق على أقوال، أحدها: أنّه تعالى بدأ بها يوم السبت وكان الفراغ منها يوم الجمعة. قال الإمام أحمد بن حنبل
(1) الالف: آلاف.
(2)
القرآن الكريم 2/ 117
(3)
الصحاح 6/ 2218، ب؛ وقارن مروج الذهب 2/ 349، مادة 1311
بإسناده إلى أبى هريرة رضى الله عنهما قال: (1) أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدى وقال:
خلق الله التربة يوم السبت وخلق الله الجبال فيها يوم الأحد وخلق الشجر يوم الاثنين وخلق المكروه يوم الثلاثاء وخلق النور يوم الأربعاء وبثّ فيها الدوابّ يوم الخميس وخلق آدم يوم الجمعة بعد العصر فى آخر ساعة من ساعات الجمعة ما بين العصر إلى الليل، انفرد بإخراج ذلك مسلم.
وقد رواه عكرمة عن ابن عبّاس قال جاءت اليهود فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المخلوقات فذكر الحديث (2) إلاّ أنّ الطبرى ذكر أنّه بدأ بالمخلوقات فى يوم الأحد لما نذكر، فلمّا قال: وخلق آدم يوم الجمعة فى آخر ساعة قالت اليهود:
ثم ماذا؟ فقال، ثم استوى على العرش، فقالوا: لو أتممت: ثم استراح يوم السبت، فغضب صلى الله عليه وسلم غضبا شديدا، ثم أنزل الله تعالى:{وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماااتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ»} (3). . . الآيات، وقد ذكر أبو إسحاق الثعلبى فى آخر سورة «ق» وقال فيه: فقالت اليهود: صدقت إن أتممت، قال: وما ذاك؟ قالوا: ثم استراح يوم السبت واستلقى على العرش، فنزلت الآيات.
والثانى: أنّه بدأ بالمخلوقات يوم الأحد، قال كعب الأحبار ومجاهد والضحاك، وحكاه أبو جعفر الطبرى رحمه الله عن اليهود، ورواه أيضا عن ابن عبّاس أنّ اليهود سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خلق السموات والأرض، فقال: خلق الله الأرض (27) يوم الأحد والاثنين وخلق الجبال يوم الثلاثاء وما فيهنّ من المنافع
(1) المعجم الفهرس 1/ 268، مادة تربة؛ مسند أحمد بن حنبل 2/ 327؛ صحيح مسلم 8/ 127، القيامة، باب ابتداء الخلق
(2)
جامع البيان 26/ 111؛24/ 61
(3)
القرآن الكريم 50/ 38 - 39
وخلق الشجر يوم الأربعاء والماء والمدائن فهذه أربعة وخلق يوم الخميس السماء ويوم الجمعة النجوم والشمس والقمر والملائكة وخلق آدم فى آخره وأسكنه الجنّة ثم أخرجه منها، قالت اليهود: ثم ماذا؟ وذكر الحديث أنّه قال: خلق الله يوما واحدا وسمّاه الأحد ثم ذكر بقيّة الأيّام، وحكاه الثعلبى أيضا، وكذا هو فى التوراة، ولهذا قالوا: استراح يوم السبت، وبه قالت النصارى لأنّ عيسى عليه السلام رفع فيه إلى السماء.
والثالث: يوم الاثنين قاله محمد بن إسحاق، والقول الأوّل أصحّ لوجهين:
أحدهما لأجل الحديث الصحيح الذى رواه أبو هريرة وأنّ النبىّ صلى الله عليه وسلم نصّ عليه، وقد قال أبو هريرة: أخذ رسول الله بيدى.
والثانى لأنّ فيه مخالفة لليهود لأنّهم أبطلوا الخلق يوم السبت وقالوا:
استراح، ومخالفة النصارى أيضا.
واختلفوا فى خلق السموات والأرض أيّهما أسبق على قولين:
أحدهما: الأرض، قاله ابن عبّاس. والثانى: السموات، قاله مجاهد، وسنذكر من ذلك بيانا.
واختلفوا فى خلق لليل والنهار أيضا على قولين: (1) أحدهما: النهار خلق أوّلا، قاله عكرمة ومجاهد لأنّه ضياء والنور مقدّم على الظلمة. والثانى: لليل، وقد قال ابن عبّاس وعامّة العلماء (2) لقوله تعالى:{وَلا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ»} (3). وقوله: {وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ»} (4). فدلّ على أنّ الليل مقدّم عليه ولأنّ الظلمة أصل والضياء عارض وهو من إشراق نور الشمس فلا يكون أصلا، وقد نصّ عليه ابن عبّاس فقال: أرأيتم حين كانت السموات والأرض رتقا هل كان بينهما إلاّ ظلمة.
(1) مأخوذ من مرآة الزمان 7 آ،2
(2)
جامع البيان 17/ 15؛23/ 5
(3)
القرآن الكريم 36/ 40
(4)
القرآن الكريم 36/ 37