الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وذكر فى جغرافيا أنّها مختلفة المقادير، فمنها: ما هو على صورة الطيلسان، ومنها ما هو على هيئة السابورة، ومنها ما هو على التدوير، والغالب عليها الاستدارة، وقال ابن حوقل فى كتاب الأقاليم:(1) وأشرّها بحر فارس والروم وهما خليجان متقابلان يأخذان من البحر المحيط، وأفسحها طولا وعرضا بحر فارس يعنى الشرقى، قال: والمحيط يقال له نيطس والبحار تستمدّ منه وهى بالنسبة إليه كالخلجان ولا يتأنّى فيه الركوب ولا يعيش فيه حيوان إمّا لشدّة برده أو لحرارته، والقريب لبرده، ولا تجرى فيه المراكب لما فيه من حجارة المغناطيس، ومن القلزم إلى الصين على خطّ مستقيم يعنى على وجه الأرض نحو من مائتى مرحلة، وأمّا من أراد قطع هذه المسافة من القلزم إلى الصين فى البحر طالت عليه المسافة لكثرة المعاطف والتعاريج فى البحار والتواء الطرق.
ذكر البحر الشرقى وعجائبه
(2)
قال علماء الهندسة: إنّه يأخذ من البحر المحيط الكبير المظلم بالمغرب وينتهى إلى أقصى الهند والصين وذلك ثمانية آلاف ميل، وعرضه (141) ألفان ميل وسبعمائة ميل، وقد يختلف عرضه باختلاف الأماكن فى الضيق والسعة، قال ابن المنادى: طول هذا البحر من القلزم إلى الوقواق أربعة ألف فرسخ وخمس مائة فرسخ، وفيه خلجان عظيمة منها: خليج يتّصل بأرض الحبشة ويمتدّ إلى بلاد الزنج إلى مكان يقال له بربر، طوله خمس مائة ميل وعرضه مائة ميل، ليس هذا بربر الموضع المعروف بالمغرب من أرض إفريقية، وإنّما هو مكان آخر
(1) صورة الأرض 1/ 11،11
(2)
مأخوذ من مرآة الزمان 25 آ،9
فى أقصى الحبشة يسمّى بهذا الاسم وهو جنس من الأحابش، وقال أبو معشر:
وليس فى البحار أعظم من موجه يرتفع مثل الجبال ثم ينخفض حتى يصير أردية عميقة.
وذكر أحمد بن محمد بن إسحاق فى كتاب البلدان، قال:(1) وليس فى العالم أكبر من هذا البحر، يعنى غير المحيط، فإنّه يأخذ من المغرب وينتهى إلى الصين فيمرّ على النوبة والحبشة، ثم إلى القلزم، ثم إلى وادى القرى جدّة، وزبيد، وعدن، والشحر، وحضرموت، وعمان، والديبل، وفارس إلى الشرق، وجميع بلاد الهند والسند عليه، صيفهم شتاؤنا وشتاؤنا صيفهم، فكانون وكانون وشباط عندهم مثل حزيران وتمّوز وآب عندنا، قال: وعلّلوا ذلك بقرب الشمس من الأقاليم وبعدها.
قال ابن الجوزى: وذكر من له خبرة به أنّ عمقه فى مواضع مائة ذراع وأكثر.
وقال أبو معشر رحمه الله: قد قسم أرباب الهيئة هذا البحر الشرقى سبعة أقسام، فالقسم الأوّل: بحر القلزم ويمرّ على النوبة والحبشة واليمن وعمان، وطول هذا القسم من البحر ألف وأربع مائة ميل وعليه من المدن: القصير، وعيذاب، وبين مدينة القلزم والفسطاط ثلاثة أيّام.
(142)
الثانى: بحر فارس، وأوّله من الأيلة والبصرة والبحرين عند الخشبات وهى علامات منصوبة من خشب فى البحر يستدلّ بها أهل المركب عند جبل يقال له رأس الجمجمة، وقد ذكرناه فى الجبال، وقلنا إنّ أوّل هذا الجبل من اليمن من ناحية الشحر والأحقاف وآخره يمتدّ فى الهند إلى البحر ولا يعلم له غاية.
(1) قارن مختصر كتاب البلدان 7،7
وعلى هذا الخليج الذى يسمّى بحر فارس من البلاد: البحرين، وعمان، وسيراف، وكرمان، ومن عمان إلى سيراف ستّون ومائة فرسخ، ومن سيراف إلى البصرة أربعون ومائة فرسخ، وفيه من الأمم والجزائر ما لا تحصى، وفيه مغاص اللؤلؤ فى جزيرة كيش، (1) قال: ولا يكون ذلك فى جميع السنة بل من أوّل يوم من نيسان إلى آخر أيلول لا غير.
واختلفوا فى اللؤلؤ على قولين: أحدهما: أنّه من حيوان فى البحر يقال له البلبل وفيه لحم ويخاف على ما فيه من الدرّ من الغاصة كما تخاف المرأة على جنينها، القول الثانى: إنّه يتولّد من الأمطار إذا وقع المطر فى نيسان ارتفع الصدف إلى وجه الماء فيفتح فاه فيقع فيه المطر، فمن الصدف ما يضمّ على ما وقع فى فيه ويغوص ويقيم طول السنة يحفظ نفسه من استنشاق الهواء حتّى يأتى على نيسان وقد انعقد فى باطنه اللؤلؤ، ومن الصدف من يشتاق إلى النسيم فيصعد على وجه الماء فيفتح فاه ويستنشق النسيم فيفسد ما فيه، والأوّل أصحّ لأنّ الغوّاصين يستخرجون هذا الحيوان من البحر ويأكلون لحمه ويأخذون اللؤلؤ من جوفه، ويحتمل أنّ اللؤلؤ يتولّد من المطر والحيوان جميعا.
القسم الثالث من هذا البحر يقال له بلاذرى وليس فى البحر الحبشى أعظم مجرى للماء منه.
والقسم الرابع (143) يعرف بكندر لاوى وفيه العنبر الخام، واختلفوا أيضا فيه، فمنهم من قال إنّه حثا سمك فى البحر وتقذفه الأمواج إلى سواحل معروفة فيه فيلقطونه أهل تلك الديار ويبيعونه على طلابه من التجّار، ومنهم من قال إنّ أصله حشيشا فى جزائر ذلك البحر وإنّ السمك إذا رعاه وتكوّن فى
(1) كيش: قارن المشترك وضعا 365
جوفه أهلكه فيموت ويطف على وجه الماء وتقذفه الأمواج إلى سواحله فيأخذونه ويستخرجون العنبر الخام من جوفه فيبيعونه، وعلى الجملة إنّه من سمك تلك الديار فى هذا البحر المعروف بكندر لاوى.
والقسم الخامس: يسمّى كلاه مات. (1)
والسادس: كردنج: وهو بحر الصين.
والسابع: مملكة المهراج، وقال فى كتاب المسالك والممالك:(2)(3) ووراء بحر الصين مفاوز ورمال تجرى فيه السفن وهذا غريب، وقال النوبختى: إنّ بين الهند والصين على هذا البحر ثلاثون ملكا أصغر ملك منهم يملك مثل ملك العرب.
وفى هذا البحر الشرقى المذكور عجائب كثيرة، منها: أنّ فيه سمكا طول كلّ سمكة خمس مائة ذراع وأكثر وأقلّ، وذلك بذراع أهل لبحر وهو ذراع أطول من ذراع التجّار، ويقال لهذا السمك العمرى، قال: وإنّ السمكة منه لترفع جناحها فيكون كالقلع العظيم وتخرج رأسها من الماء ثم تنفخ فيذهب الماء فى الجوّ صعدا ويمرّ أكثر من مرّ السهم الجيّد، قال: وأهل المراكب يخافونها فيضربون الدبادب والأبواق والصراخ العظيم لينفر عنهم وتبع ما تجده من السمك الصغار فيسمع لذلك فى جوفها دويّا عظيما، قال: ولهذه السمكة آفة وهى سمكة صغيرة بمقدار الذراع يقال لها الكشك فإذا أراد الله تعالى هلاك تلك السمكة العظيمة جاءت الصغيرة إليها (144) فتلصق بأصل أذنها وتعضّها فلقوّة ما تجده من الألم تغوص فى الماء إلى قرار البحر وتضرب بنفسها الأرض
(1) كلاه مات: كلاه تار مرآة الزمان، تحريف
(2)
قارن مروج الذهب 1/ 182 مادة 376؛1/ 83 مادة 379
(3)
المسالك 178،11
عدّة دفوع حتى تموت وتطفو على وجه الماء كالجبل العظيم، قلت: ونظير هذه السمكة الصغيرة التى تقتل هيتك (1) السمكة الكبيرة الدويبة التى تقتل التمساح بنيل مصر لما نذكر.
وفى هذا البحر سمكا يبلغ المراكب بما فيها من الركّاب والأمنعة، وفيه سمكا طيّارا، وسمكا على صورة الجمال وجوههم كوجوه البوم، وسمكا على صورة البقر كشبه الجاموس يعمل من جلودها الدرق المانعة، قال ابن الجوزى: وفيه سمك فى بطن سمك فى بطن كلّ سمكة مثلها، وفى بطن الأخرى مثلها إلى عدّة طبقات، قلت: وهذا أيضا يؤخذ بالقياس نسبة الأترجّة فى جوفها أترجّة بالديار المصريّة كثير جدّا، قال:(2) وفيه سلاحف استدارة ظهر السلحفاة عشرون ذراعا وأكثر يوجد فى جوفها ما يزيد عن ألف بيضة، وقال ابن المنادى رحمه الله وعلى هذا البحر فى الهند مدينة يقال لها مل (3) تنبت الفلفل، وعلى كلّ عنقود فى عناقيده ورقة تكنّه من المطر فإذا مضى زمان المطر ارتفعت الورقة وإذا عاد عادت.
وقال المسعودى: (4) وفى مملكة المهراج الحيوان المعروف بالكركدنّ والقرن الذى فى جبهته ينشر فيجدون فيه على صوره (5) عدّة من الحيوانات ففيه شئ نظيره، وفيه شئ نظير الفيل والزراف والقرد وشئ شبيه الطاؤوس مع عدّة من الحيوانات فيصنعون فيه المناطق بالذهب وله قيمة كبيرة ويشدوها ملوك الصين والهند فى أوساطهم مع الرؤسا منهم، وعدّد المسعودى أيضا عدّة عجائب فى هذا البحر الشرقى أضربت عنها كونها فى كتابه مروج الذهب، وهو موجودا بأيدى الناس ففيه كفاية. (145) قال ابن الجوزى: وفى هذا البحر جميع المعادن خصّص بذلك، وسنذكر مملكة المهراج عند ذكرنا للجزائر إن شاء الله تعالى.
(1) هيتك: هذه، لهجة
(2)
قارن المسالك 61،8
(3)
مل: منيبار تقويم البلدان 353، -1
(4)
مروج الذهب 1/ 204 مادة 430
(5)
صوره: صورته، تحريف