الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإيمان فإنه له حقيقة تقوم بدوام مقتضاها، والمراد بالتجدد في الماضي الحصول مرة بعد أخرى، وفي المضارع أن من شأنه أن يتكرر ويقع مرة بعد أخرى، ومضمر الفعل في ذلك كمظهره ولهذا قالوا: إن سلام إبراهيم عليه السلام أبلغ من سلام الملائكة في قوله تعالى: {إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلامًا} 1، فالنصب على أنه مصدر سد مسد الفعل، وأصله: نسلم عليك سلامًا، وهذه العبارة مؤذنة بحدوث التسليم منهم، بخلاف رده:{قَالَ سَلامٌ} 2، فإنه معدول به إلى الرفع على الابتداء، وخبره محذوف والمعنى: عليكم سلام. للدلالة على إثبات السلام، كأنه قصد أن يحييهم بأحسن مما حيوه به، أخذًا بأدب الله تعالى3 وهو أيضًا من إكرامه لهم.
1 الذاريات: 25.
2 الذاريات: 25.
3 في قوله تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء: 86] .
8-
العطف:
وهو ثلاثة أقسام:
1-
عطف على اللفظ: وهو الأصل.
2-
وعطف على المحل: وجعل منه الكسائي قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِونَ} 1، فجعل "الصابئون" عطفًا على محل "إن" واسمها، ومحلها الرفع بالابتداء.
3-
وعطف على المعنى: ومنه قوله تعالى: {لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ} 2، في قراءة غير أبي عمرو بجزم "أكن" وخرَّجه
1 المائدة: 69.
2 المنافقون: 10.
في قراءة غير الخليل وسيبويه على أنه عطف على التوهم1، لأن معنى "لولا أخرتني فأصَّدَّق" ومعنى "أخرني أصَّدَّق" واحد، كأنه قيل: إن أخرتني أصَّدَّق وأكن، كما خرَّج الفارسي عليه قراءة قنبل:{إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ} 2، بسكون الراء؛ لأن "مَن" الموصولة فيها معنى الشرط.
واختُلِف في جواز عطف الخبر على الإنشاء وعكسه، فمنعه الأكثرون، وأجازه جماعة مستدلين بقوله تعالى:{وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} 3، عطف على "تؤمنون" في الآية:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ، تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} 4، وخرَّجه الآخرون على أن "تؤمنون" بمعنى آمنوا، فهو خبر بمعنى الإنشاء، فصح عطف الإنشاء عليه، و"بشِّر" كأنه قيل: آمنوا وجاهدوا يثبتكم الله وينصركم، وبشِّر يا رسول الله المؤمنين بذلك، وفائدة التعبير بالخبر في موضع الأمر الإيذان بوجوب الامتثال، أي كأنه امتثل فهو يُخبر عن إيمان وجهاد موجودين.
واختُلِف أيضًا في جواز العطف على معمولي عاملين، واستدل المجيزون بقوله تعالى:{إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ، وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} 5، فقوله:{وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} ، {آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} من العطف على معمولي عاملين سواء نصبت أو رفعت، فالعاملان إذا نصبت "إن" و"في" أقيمت الواو مقامهما، فعملت
1 هذه العبارة هي التي حكاها سيبويه عن الخليل، وهي المنقولة في كتب التفسير: إنه جزم على توهم الشرط الذي يدل عليه التمني، ولفظ "التوهم" غير لائق في تفسير القرآن والأَوْلَى أن يقال: عطف على المعنى، كما هو صريح العبارة بعد.
2 يوسف: 90.
3 الصف: 13.
4 الصف: 10، 11.
5 الجاثية: 3- 5.