الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لفظ "كان
": 1
وردت "كان" في الإخبار عن ذات الله وصفاته بالقرآن كثيرًا وقد اختلف النحاة وغيرهم في أنها تدل على الانقطاع، على مذاهب:
أحدها: أنها تفيد الانقطاع لأنها فعل يُشعر بالتجديد.
والثاني: لا تفيده، بل تقتضي الدوام والاستمرار، وبه جزم ابن معطى2 في ألفيته، حيث قال:
وكان للماضي الذي ما انقطعا
وقال الراغب في قوله تعالى: {وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا} 3، نبه بقوله:"كان" على أنه لم يزل منذ أوجد منطويًا على الكفر.
والثالث: أنه عبارة عن وجود شيء في زمان ماض على سبيل الإبهام. وليس فيه دليل على عدم سابق، ولا على انقطاع طارئ، ومنه قوله تعالى:{وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} 4، قاله الزمخشري في قوله تعالى:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} 5، عند تفسيره للآية في "الكشاف".
وذكر ابن عطية في سورة الفتح أنها حيث وقعت في صفات الله فهي مسلوبة الدلالة على الزمان.
والصواب من هذه المقالات مقالة الزمخشري، وإنها تفيد اقتران معنى الجملة
1 انظر "البرهان" جـ4 ص121.
2 هو الشيخ زين الدين يحيى بن عبد المعطي المتوفى سنة 628 هجرية، سماها "الدرة الأليفة" وأولها:
يقول راجي ربه الغفور
…
يحيى بن معط بن عبد النور
وإليها أشار ابن مالك بقوله: فائقة ألفية ابن معطي.
3 الإسراء: 27.
4 الأحزاب: 50.
5 آل عمران:110.
التي تليها بالزمن الماضي لا غير، ولا دلالة لها نفسها على انقطاع ذلك المعنى ولا بقائه، بل إن أفاد الكلام شيئًا من ذلك كان لدليل آخر.
وعلى هذا يُحمل معناها فيما وقع في القرآن من إخبار الله تعالى عن صفاته وغيرها بلفظ "كان" كثيرًا. مثل قوله تعالى: {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا} 1، {وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا} 2، {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} 3، {وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ} 4، {وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ} 5.
وحيث أخبر الله بها عن صفات الآدميين فالمراد التنبيه على أنها فيهم غريزة وطبيعة مركوزة في النفس كقوله تعالى: {وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا} 6، وقوله:{إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} 7.
وقد تتبع أبو بكر الرازي استعمال "كان" في القرآن، واستنبط وجوه استعمالها فقال:"كان" في القرآن على خمسة أوجه:
بمعنى الأزل والأبد، كقوله تعالى:{وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} 8.
وبمعنى المعنى المنقطع، كقوله تعالى:{وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ} 9، وهو الأصل في معاني "كان" كما تقول: كان زيد صالحًا أو فقيرًا أو مريضًا أو نحوه.
وبمعنى الحال، كقوله تعالى:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ} 10، وقوله:{إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} 11، وبمعنى الاستقبال، كقوله تعالى:{وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا} 12.
1 النساء: 148.
2 النساء: 130.
3 الأحزاب: 59.
4 الأنبياء: 81.
5 الأنبياء: 78.
6 الإسراء: 11.
7 الأحزاب: 72.
8 النساء: 170.
9 النمل: 48.
10 آل عمران: 110.
11 النساء: 103.
12 الإنسان: 7.