الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نزول القرآن على سبعة أحرف
مدخل
…
9-
نزول القرآن على سبعة أحرف:
لقد كان للعرب لهجات شتى تنبع من طبيعة فطرتهم في جرسها وأصواتها وحروفها تعرضت لها كتب الأدب بالبيان والمقارنة، فكل قبيلة لها من اللحن في كثير من الكلمات ما ليس للآخرين، إلا أن قريشًا من بين العرب قد تهيأت لها عوامل جعلت للغتها الصدارة بين فروع العربية الأخرى من جوار البيت وسقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام والإشراف على التجارة، فأنزلها العرب جميعًا لهذه الخصائص وغيرها منزلة الأب للغاتهم، فكان طبيعيًّا أن يتنزل القرآن بلغة قريش على الرسول القرشي تأليفًا للعرب وتحقيقًا لإعجاز القرآن حين يسقط في أيديهم أن يأتوا بمثله أو بسورة منه.
وإذا كان العرب تتفاوت لهجاتهم في المعنى الواحد بوجه من وجوه التفاوت فالقرآن الذي أوحى الله به لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم يكمل له معنى الإعجاز إذا كان مستجمعًا بحروفه وأوجه قراءته للخالص منها، وذلك مما ييسر عليهم القراءة والحفظ والفهم.
ونصوص السٌّنَّة قد تواترت بأحاديث نزول القرآن على سبعة أحرف، ومن ذلك:
عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "أقرأني جبريل على حرف فراجعته، فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف" 1.
وعن أُبَيِّ بن كعب: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عند أضاة2 بني غفار، قال: فأتاه جبريل فقال: إن الله يأمرك أن تُقرئ أمتك القرآن على حرف. فقال: "أسال الله معافاته ومغفرته، وإن أمتي لا تطيق ذلك"، ثم أتاه الثانية فقال: إن الله يأمرك أن تُقرئ أمتك القرآن على حرفين - فقال: "أسأل الله معافاته
1 أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما.
2 الأضاة: الغدير.
ومغفرته، وإن أمتي لا تطيق ذلك"، ثم جاءه الثالثة فقال: إن الله يأمرك أن تُقرئ أمتك القرآن على ثلاثة أحرف، فقال: "أسأل الله معافاته ومغفرته، وإن أمتي لا تطيق ذلك"، ثم جاءه الرابعة فقال: إن الله يأمرك أن تُقرئ أمتك القرآن على سبعة أحرف، فأيما حرف قرءوا عليه فقد أصابوا"1.
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستمعت لقراءته، فإذا هو يقرؤها على حروف كثيرة لم يُقرئنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فكدت أساوره في الصلاة، فانتظرته حتى سلَّم، ثم لببته بردائه فقلت: من أقرأك هذه السورة؟ قال: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت له: كذبت، فوالله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأني هذه السورة التي سمعتك تقرؤها، فانطلقت أقوده إلى رسول الله، فقلت: يا رسول الله. إني سمعت هذا يقرأ بسورة الفرقان على حروف لم تُقرئنيها، وأنت أقرأتني سورة الفرقان، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "أ َرْسِله يا عمر، اقرأ يا هشام" ، فقرأ هذه القراءة التي سمعته يقرؤها، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "هكذا أُنْزِلت"، ثم قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "اقرأ يا عمر"، فقرأت القراءة التي أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "هكذا أُنْزِلت"، ثم قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "إن هذا القرآن أُنْزل على سبعة أحرف، فاقرءوا ما تيسَّر منها" 2.
والأحاديث في ذلك مستفيضة استقرأ معظمها ابن جرير في مقدمة تفسيره، وذكر السيوطي أنها رويت عن واحد وعشرين صحابيًّا، وقد نصَّ أبو عبيد القاسم بن سلام على تواتر حديث نزول القرآن على سبعة أحرف3.
واختلف العلماء في تفسير هذه الأحرف اختلافًا كثيرًا. حتى قال ابن حبان:
1 رواه مسلم.
2 رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنَّسائي والترمذي وأحمد وابن جرير.
3 انظر "الإتقان" جـ1 ص41.