الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التعريف بالعلم وبيان نشأته وتطوره:
القرآن الكريم هو معجزة الإسلام الخالدة التي لا يزيدها التقدم العلمي إلا رسوخًا في الإعجاز، أنزله الله على رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم ليُخرج الناس من الظلمات إلى النور، ويهديهم إلى الصراط المستقيم، فكان صلوات الله وسلامه عليه يبلغه لصحابته –وهم عرب خُلَّصٌ- فيفهمونه بسليقتهم، وإذا التبس عليهم فهم آية من الآيات سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها.
رَوَى الشيخان وغيرهما عن ابن مسعود قال: "لما نزلت هذه الآية: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} 1، شق ذلك على الناس، فقالوا: يا رسول الله، وأيُّنا لا يظلم نفسه؟ قال: "إنه ليس الذي تعنون، ألم تسمعوا ما قال العبد الصالح:{إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} 2، إنما هو الشرك".
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُفَسِّرُ لهم بعض الآيات.
أخرج مسلم وغيره عن عقبة بن عامر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو على المنبر: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} 3، "ألا إن القوة الرمي".
وحرص الصحابة على تلقي القرآن الكريم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وحفظه وفهمه، وكان ذلك شرفًا لهم.
عن أنس رضي الله عنه قال: "كان الرجل منا إذا قرأ البقرة وآل عمران جَدَّ فينا" أي عَظُم.
وحرصوا كذلك على العمل به والوقوف عند أحكامه.
1 الأنعام: 82.
2 لقمان: 13.
3 الأنفال: 60.
رُوِيَ عن أبي عبد الرحمن السلمي أنه قال: "حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن، كعثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود وغيرهما أنهم كانوا إذا تعلَّموا من النبي صلى الله عليه وسلم عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل، قالوا: فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعًا"1.
ولم يأذن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتابة شيء عنه سوى القرآن خشية أن يلتبس القرآن بغيره.
رَوَى مسلم عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تكتبوا عني، ومَن كتب عني غير القرآن فليمحه، وحدِّثوا عني ولا حَرَج، ومَن كَذَبَ عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار".
ولئن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أذن لبعض صحابته بعد ذلك في كتابة الحديث فإن ما يتصل بالقرآن ظل يعتمد على الرواية بالتلقين في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي خلافة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
جاءت خلافة عثمان2 رضي الله عنه، واقتضت الدواعي -التي سنذكرها فيما بعد3– إلى جمع المسلمين على مصحف واحد، فتم ذلك، وسُمِّيَ بالمصحف الإمام، وأُرْسلت نسخ منه إلى الأمصار، وسُمِّيَتْ كتابته بالرسم العثماني، نسبة إليه، ويُعتبر هذا بداية "لعلم رسم القرآن".
ثم كانت خلافة عليٍّ رضي الله عنه فوضع أبو الأسود الدؤلي بأمر منه قواعد النحو، صيانة لسلامة النطق، وضبطًا للقرآن الكريم، ويُعتبر هذا كذلك بداية لـ"علم إعراب القرآن".
1 أخرج عبد الرزاق ما في معناه عن معمر عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن السلمي، وأخرجه ابن جرير في مقدمة تفسيره عن عطاء عن أبي عبد الرحمن وصححه أحمد شاكر، فإن أبا عبد الرحمن السلمي تابعيٌّ لا يُحَدِّثُ إلا عن الصحابة.
2 لقد جُمِعَ القرآن أول جمع في عهد الخليفة أبي بكر -رضي الله تعالى عنه- بعد معركة اليمامة كما سيأتي.
3 انظر بحث جمع القرآن في عهد عثمان.
استمر الصحابة يتناقلون معاني القرآن وتفسير بعض آياته على تفاوت فيما بينهم، لتفاوت قدرتهم على الفهم، وتفاوت ملازمتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتناقل عنهم ذلك تلاميذهم من التابعين.
ومن أشهر المفسرين من الصحابة: الخلفاء الأربعة، وابن مسعود، وابن عباس، وأُبَيُّ بن كعب، وزيد بن ثابت، وأبو موسى الأشعري، وعبد الله بن الزبير.
وقد كثرت الرواية في التفسير عن: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن مسعود، وأُبَيِّ بن كعب، وما رُوِيَ عنهم لا يتضمن تفسيرًا كاملًا للقرآن، وإنما يقتصر على معاني بعض الآيات، بتفسير غامضها، وتوضيح مجملها.
أما التابعون، فاشتهر منهم جماعة، أخذوا عن الصحابة، واجتهدوا في تفسير بعض الآيات.
فاشتهر من تلاميذ ابن عباس بمكة: سعيد بن جبير، ومجاهد، وعِكرمة مولى ابن عباس، وطاوس بن كيسان اليماني، وعطاء بن أبي رباح.
واشتهر من تلاميذ أُبَيِّ بن كعب بالمدينة: زيد بن أسلم، وأبو العالية، ومحمد بن كعب القرظي.
واشتهر من تلاميذ عبد الله بن مسعود بالعراق: علقمة بن قيس، ومسروق، والأسود بن يزيد، وعامر الشعبي، والحسن البصري، وقتادة بن دعامة السدوسي.
قال ابن تيمية: "وأما التفسير، فأعلم الناس به أهل مكة، لأنهم أصحاب ابن عباس، كمجاهد، وعطاء بن أبي رباح، وعِكرمة مولى ابن عباس، وغيرهم من أصحاب ابن عباس، كطاوس، وأبي الشعثاء، وسعيد بن جبير وأمثالهم، وكذلك أهل الكوفة من أصحاب ابن مسعود، ومن ذلك ما تميزوا به عن غيرهم، وعلماء أهل المدينة في التفسير، مثل: زيد بن أسلم الذي أخذ عنه مالك التفسير، وأخذ عنه أيضًا ابنه عبد الرحمن، وعبد الله بن وهب"1.
1 مقدمة ابن تيمية في أصول التفسير: ص15.
والذي رُوِيَ عن هؤلاء جميعًا يتناول: علم التفسير، وعلم غريب القرآن، وعلم أسباب النزول، وعلم المكي والمدني، وعلم الناسخ والمنسوخ، ولكن هذا كله ظل معتمدًا على الرواية بالتلقين.
جاء عصر التدوين في القرن الثاني، وبدأ تدوين الحديث بأبوابه المتنوعة، وشمل ذلك ما يتعلق بالتفسير، وجمع بعض العلماء ما رُوِيَ من تفسير للقرآن الكريم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عن الصحابة، أو عن التابعين.
واشتهر منهم: يزيد بن هارون السلمي المتوفى سنة 117 هجرية، وشُعْبَة بن الحجاج المتوفى سنة 160 هجرية، ووكيع بن الجراح المتوفى سنة 197 هجرية، وسفيان بن عُيينة المتوفى سنة 198 هجرية، وعبد الرزاق بن همام المتوفى سنة 211 هجرية.
وهؤلاء جميعًا كانوا من أئمة الحديث، فكان جمعهم للتفسير جمعًا لباب من أبوابه، ولم يصلنا من تفاسيرهم شيء مكتوب سوى مخطوطة تفسير عبد الرزاق بن همام.
ثم نهج نهجهم بعد ذلك جماعة من العلماء وضعوا تفسيرًا متكاملًا للقرآن وفق ترتيب آياته، واشتهر منهم ابن جرير الطبري المتوفى سنة 310 هجرية.
وهكذا بدأ التفسير أولًا بالنقل عن طريق التلقي والرواية، ثم كان تدوينه على أنه باب من أبواب الحديث، ثم دُوِّنَ على استقلال وانفراد، وتتابع التفسير بالمأثور، ثم التفسير بالرأي.
وبإزاء علم التفسير كان التأليف الموضوعي في موضوعات تتصل بالقرآن ولا يستغني المفسر عنها.
فألَّف عليُّ بن المديني شيخ البخاري المتوفى سنة 234 هجرية في أسباب النزول.
وألَّف أبو عبيد القاسم بن سلام المتوفى سنة 224 هجرية في الناسخ والمنسوخ، وفي القراءات.
وألَّف ابن قتيبة المتوفى سنة 276 هجرية في مُشْكَل القرآن.
وهؤلاء من علماء القرن الثالث الهجري.
وألَّف محمد بن خلف المرزبان المتوفى سنة 309 هجرية "الحاوي في علوم القرآن".
وألَّف أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري المتوفى سنة 328 هجرية في علوم القرآن.
وألَّف أبو بكر السجستاني المتوفى سنة 330 هجرية في غريب القرآن.
وألَّف محمد بن عليٍّ الأدفوي المتوفى سنة 388 هجرية "الاستغناء في علوم القرآن".
وهؤلاء من علماء القرن الرابع الهجري.
ثم تتابع التأليف بعد ذلك.
فألَّف أبو بكر الباقلاني المتوفى سنة 403 هجرية في إعجاز القرآن. وعليُّ بن إبراهيم بن سعيد الحوفي المتوفى سنة 430 هجرية في إعراب القرآن.
والماوردي المتوفى سنة 450 هجرية في أمثال القرآن.
والعز بن عبد السلام المتوفى سنة 660 هجرية في مجاز القرآن.
وعلم الدين السخاوي المتوفى سنة 643 هجرية في علم القراءات.
وابن القيم المتوفى سنة 751 هجرية في "أقسام القرآن".
وهذه المؤلَّفات يتناول كل مؤلف منها نوعًا من علوم القرآن وبحثًا من مباحثه المتصلة به.
أما جمع هذه المباحث وتلك الأنواع –كلها أو جلها- في مؤلف واحد فقد ذكر الشيخ محمد عبد العظيم الزرقاني في كتابه "مناهل العرفان في علوم
القرآن"1 أنه ظفر في دار الكتب المصرية بكتاب مخطوط لعلي بن إبراهيم بن سعيد الشهير بالحوفي، اسمه "البرهان في علوم القرآن" يقع في ثلاثين مجلدًا، يوجد منها خمسة عشر مجلدًا غير مرتبة ولا متعاقبة، حيث يتناول المؤلف الآية من آيات القرآن الكريم بترتيب المصحف فيتكلم عما تشتمل عليه من علوم القرآن، مفردًِا كل نوع بعنوان، فيجعل العنوان العام في الآية: "القول في قوله عز وجل
…
" ويذكر الآية، ثم يضع تحت هذا العنوان: "القول في الإعراب" ويتحدث عن الآية من الناحية النحوية واللغوية، ثم "القول في المعنى والتفسير" ويشرح الآية بالمأثور والمعقول، ثم "القول في الوقف والتمام" ويبين ما يجوز من الوقف وما لا يجوز، وقد يُفْرِد القراءات بعنوان مستقل فيقول: "القول في القراءة"، وقد يتكلم عن الأحكام التي تؤخذ من الآية عند عرضها.
والحوفي بهذا النهج يعتبر أول من دَوَّن علوم القرآن، وإن كان تدوينه على النمط الخاص الآنف الذكر، وهو المتوفى سنة 430هـ.
ثم تبعه ابن الجوزي سنة 597 هجرية في كتابه "فنون الأفنان في عجائب علوم القرآن"2.
ثم جاء بدر الدين الزركشي المتوفى سنة 794 هجرية وألف كتابًا وافيًا سماه "البرهان في علوم القرآن"3.
ثم أضاف إليه بعض الزيادات جلال الدين البلقيني المتوفى سنة 824 هجرية في كتابه "مواقع العلوم من مواقع النجوم".
1 انظر جـ1 ص27 وما بعدها، ط. الحلبي.
2 توجد منه نسخة مخطوطة غير كاملة في المكتبة التيمورية.
3 نشره وحققه الأستاذ محمد أبو الفضل إبراهيم في أربعة أجزاء.
ثم ألف جلال الدين السيوطي المتوفى سنة 911 هجرية كتابه المشهور "الإتقان في علوم القرآن".
ولم يكن نصيب علوم القرآن من التأليف في عصر النهضة الحديثة أقل من العلوم الأخرى. فقد اتجه المتصلون بحركة الفكر الإسلامي اتجاهًا سديدًا في معالجة الموضوعات القرآنية بأسلوب العصر، مثل كتاب "إعجاز القرآن" لمصطفى صادق الرافعي، وكتابي "التصوير الفني في القرآن" و"مشاهد القيامة في القرآن" للشهيد سيد قطب. و"ترجمة القرآن" للشيخ محمد مصطفى المراغي، وبحث فيها لمحب الدين الخطيب، و"مسألة ترجمة القرآن" لمصطفى صبري، و"النبأ العظيم" للدكتور محمد عبد الله دراز، ومقدمة تفسير "محاسن التأويل" لمحمد جمال الدين القاسمي.
وألف الشيخ طاهر الجزائري كتابًا سماه "التبيان في علوم القرآن".
وألف الشيخ محمد علي سلامة كتابه "منهج الفرقان في علوم القرآن" تناول فيه المباحث المقررة بكلية أصول الدين بمصر تخصص الدعوة والإرشاد.
وتلاه الشيخ محمد عبد العظيم الزرقاني فألف كتابه "مناهل العرفان في علوم القرآن".
ثم الشيخ أحمد أحمد علي في "مذكرة علوم القرآن" التي ألقاها على طلابه بالكلية، قسم إجازة الدعوة والإرشاد.
وصدر أخيرًا "مباحث في علوم القرآن" للدكتور صبحي الصالح.
وللأستاذ أحمد محمد جمال، أبحاث "على مائدة القرآن".
هذه المباحث جميعها هي التي تُعرف بعلوم القرآن، حتى صارت علمًا على العلم المعروف بهذا الاسم.
والعلوم: جمع عِلم، والعلم: الفهم والإدراك. ثم نُقِلَ بمعنى المسائل المختلفة المضبوطة ضبطًا علميًّا.
والمراد بعلوم القرآن: العلم الذي يتناول الأبحاث المتعلقة بالقرآن من حيث معرفة أسباب النزول، وجمع القرآن وترتيبه، ومعرفة المكي والمدني، والناسخ والمنسوخ، والمُحْكَمِ والمتشابه، إلى غير ذلك مما له صلة بالقرآن.
وقد يسمى هذا العلم بأصول التفسير، لأنه يتناول المباحث التي لا بد للمفسر من معرفتها للاستناد إليها في تفسير القرآن1.
1 اكتفينا بهذا العرض التاريخي مع التعريف الإجمالي عن البحث في لفظ "علوم القرآن" باعتباره مركبًا إضافيًّا، وباعتباره علمًا على هذا الفن.