الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-
ترتيب السور:
اختلف العلماء في ترتيب السور:
أ- فقيل: إنه توقيفي، تولاه النبي صلى الله عليه وسلم كما أخبر به جبريل عن أمر ربه، فكان القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم مرتب السور، كما كان مرتب الآيات على هذا الترتيب الذي لدينا اليوم، وهو ترتيب مصحف عثمان الذي لم يتنازع أحد من الصحابة فيه مما يدل على عدم المخالفة والإجماع عليه.
ويؤيد هذا الرأي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ بعض السور مرتبة في صلاته، رَوَى ابن أبي شيبة: أنه عليه الصلاة والسلام كان يجمع المفصَّل في ركعة، ورَوَى البخاري عن ابن مسعود أنه قال في بني إسرائيل والكهف ومريم وطه والأنبياء:"إنهن من العتاق الأُوَل، وهن من تِلادى" فذكرها نسقًا كما استقر ترتيبها.
ورُوي من طريق ابن وهب عن سليمان بن بلال قال: "سمعت ربيعة يسأل: لم قُدِّمت البقرة وآل عمران وقد نزل قبلهما بضع وثمانون سورة مكية، وإنما أنزلتا بالمدينة؟ فقال: قُدِّمتا وأُلِّف القرآن على علم ممن أَلَّفه به، ثم قال: فهذا مما يُنْتَهى إليه ولا يُسأل عنه"1.
وقال ابن الحصار: "ترتيب السور ووضع الآيات مواضعها إنما كان بالوحي، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ضعوا آية كذا في موضع كذا، وقد حصل اليقين من النقل المتواتر بهذا الترتيب من تلاوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومما أجمع الصحابة على وضعه هكذا في المصحف"2.
ب- وقيل: إن ترتيب السور باجتهاد من الصحابة بدليل اختلاف مصاحفهم في الترتيب.
1 أخرجه ابن أشته في كتاب "المصاحف" والمراد بالتأليف: الجمع.
2 انظر الإتقان جـ1 ص62.
فمصحف "علي" كان مرتبًا على النزول، أوله: اقرأ، ثم المدثر، ثم ن والقلم، ثم المزمل وهكذا
…
إلى آخر المكي والمدني.
وكان أول مصحف ابن مسعود: البقرة، ثم النساء، ثم آل عمران.
وأول مصحف أُبَي: الفاتحة، ثم البقرة، ثم النساء، ثم آل عمران.
وقد رَوَى ابن عباس قال: "قلت لعثمان: ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني، وإلى براءة وهي من المئين، فقرنتم بينهما. ولم تكتبوا بينهما سطر: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ووضعتموها في السبع الطوال، فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم تنزل عليه السور ذوات العدد، فكان إذا أنزل عليه شيء دعا بعض من يكتب فيقول: ضعوا هذه الآية في السورة التي فيها كذا وكذا، وكانت الأنفال من أوائل ما نزل بالمدينة، وكانت براءة من آخر القرآن نزولًا، وكانت قصتها شبيهة بقصتها فظننت أنها منها، فقُبِض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبيِّن لنا أنها منها، فمن أجل ذلك قرنت بينهما، ولم أكتب بينهما سطر {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ووضعتها في السبع الطوال"1.
جـ- وقيل: إن بعض السور ترتيبه توقيفي وبعضها باجتهاد الصحابة: حيث ورد ما يدل على ترتيب بعض السور في عهد النبوة، فقد ورد ما يدل على ترتيب السبع الطوال والحواميم والمفصَّل في حياته عليه الصلاة والسلام.
ورُوِيَ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اقرءوا الزهراوين: البقرة وآل عمران"2.
ورُوِيَ: "أنه كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم نفث فيهما، فقرأ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} و"المعوذتين"3.
وقال ابن حجر: "ترتيب بعض السور على بعضها أو معظمها لا يمتنع أن يكون توقيفيًّا" واستدل على ذلك بحديث حذيفة الثقفي حيث جاء فيه: "فقال
1 أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي والنَّسائي وابن حبان والحاكم.
2 رواه مسلم.
3 رواه البخاري.
لنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم:"طرأ عليَّ حزب من القرآن فأردت أن لا أخرج حتى أقضيه"، فسألنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قلنا: كيف تُحزِّبون القرآن، قالوا: نُحزِّبه ثلاث سور، وخمس سور، وسبع سور، وتسع سور، وإحدى عشرة، وثلاث عشرة، وحزب المفصَّل من "ق" حتى نختم1، قال ابن حجر: فهذا يدل على أن ترتيب السور على ما هو في المصحف الآن كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ويحتمل أن الذي كان مرتبًا حينئذ حزب المفصَّل خاصة بخلاف ما عداه".
وإذا ناقشنا هذه الآراء الثلاثة يتبين لنا:
أن الرأي الثاني الذي يرى أن ترتيب السور باجتهاد الصحابة لم يستند إلى دليل يُعتمد عليه.
فاجتهاد بعض الصحابة في ترتيب مصاحفهم الخاصة كان اختيارًا منهم قبل أن يُجمع القرآن جمعًا مرتبًا، فلما جُمِع في عهد عثمان بترتيب الآيات والسور على حرف واحد واجتمعت الأمة على ذلك تركوا مصاحفهم، ولو كان الترتيب اجتهاديًّا لتمسكوا بها.
وحديث سورتي: الأنفال والتوبة الذي رُوِيَ عن ابن عباس يدور إسناده في كل رواياته على "يزيد الفارسي" الذي يذكره البخاري في الضعفاء، وفيه تشكيك في إثبات البسملة في أوائل السور. كأن عثمان كان يثبتها برأيه وينفيها برأيه. ولذا قال فيه الشيخ أحمد شاكر في تعليقه عليه بمسند الإمام أحمد:"إنه حديث لا أصل له". وغاية ما فيه أنه يدل على عدم الترتيب بين هاتين السورتين فقط2.
1 أخرجه أحمد وأبو داود، وانظر "الإتقان" جـ1 ص63.
2 وحُكي أن البسملة ثابتة لبراءة في مصحف ابن مسعود، وفي المستدرك للحاكم أن علي بن أبي طالب سُئِل: لِم لمْ تُكتب في براءة: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ؟ قال: لأنها أمان. وبراءة نزلت بالسيف.