الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أخذوا عن الصحابة كمجاهد وعِكرمة وسعيد بن جبير، واعتضد بمرسل آخر1.
وقد أخذ "الواحدي" على علماء عصره تساهلهم في رواية سبب النزول، ورماهم بالإفك والكذب، وحذَّرهم من الوعيد الشديد، حيث يقول:"أما اليوم فكل أحد يخترع شيئًا، ويختلق إفكًا وكذبًا، ملقيًا زمامه إلى الجهالة، غير مفكر في الوعيد للجاهل بسبب الآية".
1 انظر الإتقان جـ1 ص31.
تعريف السبب:
وسبب النزول بعد هذا التحقيق يكون قاصرًا على أمرين:
1-
أن تحدث حادثة فيتنزل القرآن الكريم بشأنها، وذلك كالذي رُوِي عن ابن عباس قال:{وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} 1.. خرج النبي صلى الله عليه وسلم حتى صعد الصفا، فهتف:"يا صاحباه"، فاجتمعوا إليه، فقال:"أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلًا تخرج بسفح هذا الجبل أكنتم مُصَدِّقِيَّ؟ " قالوا: ما جربنا عليك كذبًا، قال:"فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد"، فقال أبو لهب2: تبٍّا لك، إنما جمعتنا لهذا؟ ثم قام، فنزلت هذه السورة:{تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} 3.
2-
أن يُسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء فيتنزل القرآن ببيان الحكم فيه، كالذي كان من خولة بنت ثعلبة عندما ظاهر4 منها زوجها أوس بن الصامت، فذهبت تشتكي من ذلك، عن عائشة قالت: "تبارك الذي وسع سمعه كل شيء، إني لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة ويخفى علي بعضه وهي تشتكي زوجها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تقول: يا رسول الله، أكل شبابي ونثرتُ له بطني
1 الشعراء: 214.
2 اسمه عبد العزى بن عبد المطلب بن هاشم.
3 أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما [والآية من سورة المسد: 1] .
4 الظِّهار: أن يقول الرجل لامرأته: أنتِ عليَّ كظهر أمي، واختلفوا في غير هذه الصيغة.
حتى إذا كبر سني وانقطع ولدي ظاهر مني! اللهم إني أشكو إليك، قالت: فما بَرِحَتْ حتى نزل جبريل بهؤلاء الآيات: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} وهو أوس بن الصامت"1.
ولا يعني هذا أن يلتمس الإنسان لكل آية سببًا، فإن القرآن لم يكن نزوله وقفًا على الحوادث والوقائع، أو على السؤال والاستفسار، بل كان القرآن يتنزل ابتداء، بعقائد الإيمان، وواجبات الإسلام، وشرائع الله تعالى في حياة الفرد وحياة الجماعة، قال "الجعبري":"نزل القرآن على قسمين: قسم نزل ابتداء، وقسم نزل عقب واقعة أو سؤال"2.
ولذا يُعرَّف سبب النزول بما يأتي: "هو ما نزل قرآن بشأنه وقت وقوعه كحادثة أو سؤال".
ومن الإفراط في علم سبب النزول أن نتوسع فيه، ونجعل منه ما هو من قبيل الإخبار عن الأحوال الماضية، والوقائع الغابرة، قال السيوطي:"والذي يتحرر في سبب النزول أنه ما نزلت الآية أيام وقوعه، ليخرج ما ذكره الواحدي في تفسيره في سورة الفيل من أن سببها قصة قدوم الحبشة، فإن ذلك ليس من أسباب النزول في شيء، بل هو من باب الإخبار عن الوقائع الماضية، كذكر قصة قوم نوح وعاد وثمود وبناء البيت ونحو ذلك، وكذلك ذكره في قوله: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} 3 سبب اتخاذه خليلًا، فليس ذلك من أسباب نزول القرآن كما لا يخفى"4.
1 أخرجه ابن ماجه وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي [والآية من سورة المجادلة: 1] .
2 انظر الإتقان جـ1 ص28.
3 النساء: 125.
4 انظر الإتقان جـ1 ص31.