الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرق بين المحكم والمتشابه
مدخل
…
12-
الفرق بين المُحكم والمتشابه: 1
أنزل الله الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرًا، فرسم للخلق العقيدة السليمة والمبادئ القويمة في آيات بينات واضحة المعالم، وذلك من فضل الله على الناس حيث أحكم لهم أصول الدين لتسلم لهم عقائدهم ويتبين لهم الصراط المستقيم، وتلك الآيات هي أم الكتاب التي لا يقع الاختلاف في فهمها سلامة لوحدة الأمة الإسلامية وصيانة لكيانها {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} 2.
وقد تأتي هذه الأصول الدينية في أكثر من موضع بالقرآن مع اختلاف اللفظ والعبارة والأسلوب إلا أن معناها يكون واحدًا، فيشبه بعضها الآخر ويوافقه معنى دون تناقض، أما ما عدا تلك الأصول من فروع الدين فإن في آياتها من العموم والاشتباه ما يُفسح المجال أمام المجتهدين الراسخين في العلم، حتى يردوها إلى المُحكم ببناء الفروع على الأصول، والجزئيات على الكليات وإن زاغت بها قلوب أصحاب الهوى وبهذا الإحكام في الأصول والعموم في الفروع كان الإسلام دين الإنسانية الخالد الذي يكفل لها خير الدنيا والآخرة على مر العصور والأزمان.
1 راجع هذا الفصل فيما كتبه شيخ الإسلام ابن تيمية عن المُحْكم والمتشابه، والتأويل في التدمرية وغيرها من رسائله.
2 فصلت: 3.
الإحكام العام والتشابه العام:
المُحكم لغة: مأخوذ من حكمت الدابة وأحكمت: بمعنى منعت، والحكم: هو الفصل بين الشيئين، فالحاكم يمنع الظالم ويفصل بين الخصمين، ويميز بين الحق والباطل، والصدق والكذب، ويقال: حكمت السفيه وأحكمته: إذا
أخذت على يديه، وحكمت الدابة وأحكمتها: إذا جعلت لها حكمة: وهي ما أحاط بالحنك من اللجام لأنها تمنع الكرس عن الاضطراب، ومنه الحكمة: لأنها تمنع صاحبها عما لا يليق، وإحكام الشيء: إتقانه، والمحكم: المتقن.
فإحكام الكلام: إتقانه بتمييز الصدق من الكذب في أخباره، والرشد من الغي في أوامره، والمُحكم منه: ما كان كذلك.
وقد وصف الله القرآن كله بأنه مُحكم على هذا المعنى فقال: {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} 1، وقال:{الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ} 2، فالقرآن كله محكم: أي إنه كلام متقن فصيح يميز بين الحق والباطل، والصدق والكذب. وهذا هو الإحكام العام.
والمتشابه لغة: مأخوذ من التشابه: وهو أن يشبه أحد الشيئين الآخر، والشبهة: هي ألا يتميز أحد الشيئين من الآخر لما بينهما من التشابه عينًا كان أو معنى، قال تعالى:{وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهاً} 3، أي يشبه بعضه بعضًا لونًا لا طعمًا وحقيقة، وقيل: متماثلًا في الكلام والجودة.
وتشابه الكلام: هو تماثله وتناسبه بحيث يُصدِّق بعضه بعضًا، وقد وصف الله القرآن كله بأنه متشابه على هذا المعنى فقال:{اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِي} 4، فالقرآن كله متشابه: أي إنه يشبه بعضه بعضًا في الكمال والجودة، ويُصدِّق بعضه بعضًا في المعنى ويماثله، وهذا هو التشابه العام.
وكل من المُحكم والمتشابه بمعناه المطلق المتقدم لا ينافي الآخر، فالقرآن كله مُحكم بمعنى الإتقان، وهو متماثل يُصدِّق بعضه بعضًا، فإن الكلام المُحكم المتقن تتفق معانيه وإن اختلفت ألفاظه، فإذا أمر القرآن بأمر لم يأمر بنقيضه
1 هود: 1.
2 يونس: 1.
3 البقرة: 25.
4 الزمر: 23.