الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويعتبر ابن عربي زعيم التصوف الفلسفي النظري وهو يفسر الآيات القرآنية تفسيرًا يتفق مع نظرياته الصوفية سواء أكان ذلك في التفسير المشهور باسمه، أو في الكتب التي تُنْسب إليه كالفصوص، وهو من أصحاب نظرية وحدة الوجود.
فهو يفسر مثلًا قوله تعالى في شأن إدريس عليه السلام: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّا} 1، بقوله:"وأعلى الأمكنة المكان الذي يدور عليه رحى عالَم الأفلاك، وهو فَلَك الشمس، وفيه مقام روحانية إدريس.. ثم يقول: وأما علو المكانة فهو لنا أعني المحمديين، كما قال تعالى: {وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ} 2، في هذا العلو وهو يتعالى عن المكان لا عن المكانة".
ويقول في تفسير قوله تعالى في سورة النساء: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} 3،:"اتقوا ربكم: اجعلوا ما ظهر منكم وقاية لربكم، واجعلوا ما بطن منكم -وهو ربكم- وقاية لكم، فإن الأمر ذم وحمد، فكونوا وقاية في الذم، واجعلوه وقايتكم في الحمد تكونوا أدباء عالِمين"4.
فهذا التفسير ونظائره يحمل النصوص على غير ظاهرها، ويغرق في التأويلات الباطنية البعيدة، ويجر إلى متاهات من الإلحاد والزيغ.
1 مريم: 57.
2 محمد: 35.
3 النساء: 1.
4 انظر "التفسير والمفسرون" جـ2 ص7، 8.
التفسير الإشاري:
ومن هؤلاء المتصوفة من يدَّعي أن الرياضة الروحية التي يأخذ بها الصوفي نفسه تصل إلى درجة ينكشف له فيها ما وراء العبارات القرآنية من إشارات قدسية، وتنهل على قلبه من سُحب الغيب ما تحمله الآيات من المعارف
السبحانية، ويسمى هذا بالتفسير الإشاري، فللآية ظاهر وباطن، والظاهر: هو الذي ينساق إليه الذهن قبل غيره، والباطن هو: ما وراء ذلك من إشارات خفية تظهر لأرباب السلوك، وهذا التفسير الإشاري كذلك إذا أوغل في الإشارات الخفية صار ضربًا من التجهيل، ولكنه إذا كان استنباطًا حسنًا يوافق مقتضى ظاهر العربية وكان له شاهد يشهد لصحته من غير معارض، فإنه يكون مقبولًا.
ومن ذلك ما رُوِي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "كان عمر يُدخلني مع أشياخ بدر: فكأن بعضهم وجد في نفسه فقال: لِمَ تُدخِل هذا معنا ولنا أبناء مثله؟ فقال عمر: إنه مَن حيث علمتم، فدعاه ذات يوم فأدخله معهم. فما رُئيت أنه دعاني يومئذ إلا ليريهم، قال: ما تقولون في قوله تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} 1؟ فقال بعضهم: أُمْرِنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا، وسكت بعضهم فلم يقل شيئًا، فقال لي: أكذلك تقول يابن عباس؟ فقلت: لا، قال: فما تقول؟ قلت: هو أجَلُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه له، قال: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} ، وذلك علامة أجلك، {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً} 2،فقال عمر: ما أعلم منها إلا ما تقول"3.
قال ابن القيم: "وتفسير الناس يدور على ثلاثة أصول: تفسير على اللفظ، وهو الذي ينحو إليه المتأخرون، وتفسير على المعنى: وهو الذي يذكره السلف، وتفسير على الإشارة: وهو الذي ينحو إليه كثير من الصوفية وغيرهم، وهذا لا بأس به بأربعة شروط:
1-
ألَّا يناقض معنى الآية.
2-
وأن يكون معنًى صحيحًا في نفسه.
1 النصر: 1.
2 النصر: 3.
3 أخرجه البخاري.