الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وترقيق، وإمالة، وإدغام، وإظهار، وإشباع، ومد، وقصر، وتشديد، وتخفيف
…
إلخ، وجميعها في حرف واحد هو حرف قريش.
أما الأحرف السبعة فهي بخلاف ذلك على نحو ما سبق لك، وقد انتهى الأمر بها إلى ما كانت عليه العرضة الأخيرة حين اتسعت الفتوحات، ولم يعد للاختلاف في الأحرف وجه خشية الفتنة والفساد، فحمل الصحابة الناس في عهد عثمان على حرف واحد هو حرف قريش وكتبوا به المصاحف كما تقدم.
كثرة القرَّاء والسبب في الاقتصار على السبعة:
قراءات أولئك السبع هي المتفق عليها، وقد اختار العلماء من أئمة القراءة غيرهم ثلاثة صحت قراءتهم وتواترت، وهم: أبو جعفر يزيد بن القعقاع المدني، ويعقوب بن إسحاق الحضرمي، وخلف بن هشام، وهؤلاء وأولئك هم أصحاب القراءات العشر. وما عداها فشاذ، كقراءة: اليزيدي، والحسن، والأعمش، وابن جبير، وغيرهم. ولا تخلو إحدى القراءات العشر حتى السبع المشهورة من شواذ. فإن فيها من ذلك أشياء، واختيار القرَّاء السبع إنما هو للعلماء المتأخرين في المائة الثالثة، وإلا فقد كان الأئمة الموثوق بعلمهم كثيرين، وكان الناس على رأس المائتين بالبصرة على قراءة ابن عمرو، ويعقوب، وبالكوفة على قراءة حمزة وعاصم، وبالشام على قراءة ابن عامر، وبمكة على قراءة ابن كثير، وبالمدينة على قراءة نافع، وكان هؤلاء هم السبعة. فلما كان على رأس المائة الثالثة أثبت أبو بكر بن مجاهد1 اسم الكسائي، وحذف منهم اسم يعقوب.
قال السيوطي: "أول من صنف في القراءات أبو عبيد القاسم بن سلام، ثم أحمد بن جبير الكوفي، ثم إسماعيل بن إسحاق المالكي صاحب قالون، ثم
1 مقرئ أهل العراق، وممن ألفوا في هذا الفن، وكان من المتقنين، توفي سنة 324 هجرية.
أبو جعفر بن جرير الطبري، ثم أبو بكر محمد بن أحمد بن عمر الدجوني، ثم أبو بكر بن مجاهد، ثم قام الناس في عصره وبعده بالتأليف في أنواعها جامعًا ومفردًا، وموجزًا ومسهبًا، وأئمة القراءات لا تُحصى، وقد صنف طبقاتهم حافظ الإسلام أبو عبد الله الذهبي، ثم حافظ القرَّاء أبو الخير بن الجزري"1.
وقال الإمام ابن الجزري في "النشر": "أول إمام معتبر جَمع القراءات في كتابٍ أبو عبيد القاسم بن سلام، وجعلهم فيما أحسب خمسة وعشرين قارئًَا، مع هؤلاء السبعة، وتوفي سنة "224هـ" ثم قال: وكان في أثره أبو بكر أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد أول من اقتصر على قراءات هؤلاء السبعة فقط، وتوفي سنة "324هـ" ثم قال: وإنما أطلنا في هذا الفصل لما بلغنا عن بعض من لا علم له أن القراءات الصحيحة هي التي عن هؤلاء السبعة، بل غلب على كثير من الجهال أن القراءات الصحيحة هي التي في الشاطبية والتيسير"2.
والسبب في الاقتصار على السبعة مع أنه في أئمة القرَّاء مَن هو أجلُّ منهم قدرًا أو مثلهم إلى عدد أكثر من السبعة، هو أن الرواة عن الأئمة كانوا كثيرًا جدًّا، فلما تقاصرت الهمم اقتصروا مما يوافق خط المصحف على ما يسهل حفظه وتنضبط القراءة به، فنظروا إلى من اشتهر بالثقة والأمانة، وطول العمر في ملازمة القراءة والاتفاق على الأخذ عنه فأفردوا من كل مصر إمامًا واحدًا.
1 "الإتقان"، ص73.
2 نقل ابن حجر في "الفتح" هذا، وأثبته الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على "تفسير الطبري" جـ1 ص65 هامش، وابن الجزري: هو محمد بن محمد بن محمد، أبو الخير شمس الدين الشهير بابن الجزري، شيخ القرَّاء في زمانه، من أشهر كتبه:"النشر في القراءات العشر" توفي سنة 833 هجرية، والشاطبية: هي المنظومة المنسوبة إلى الإمام أبي محمد القاسم الشاطبي المتوفى سنة 590 هجرية، نظم فيها كتاب "التيسير" في 1173 بيتًا، وسماها "حرز الأماني ووجه التهاني في القراءات السبع المثاني"، وكتاب "التيسير في القراءات السبع" لأبي عمرو الداني، من أئمة القرَّاء، توفي سنة 444 هجرية.
ولم يتركوا مع ذلك نقل ما كان عليه الأئمة غير هؤلاء من القراءات ولا القراءة بها، كقراءة يعقوب الحضرمي، وأبي جعفر المدني، وشيبة بن نصاع، وغيرهم.
وقد أسهم المؤلفون في القراءات في الاقتصار على عدد معين. لأنهم إذ يؤلفون مقتصرين على عدد مخصوص من أئمة القرَّاء يكون ذلك من دواعي شهرتهم وإن كان غيرهم أجلُّ منهم قدرًا، فيتوهم الناس بعد أن هؤلاء الذين اقتصر التأليف على قراءاتهم هم الأئمة المعتبرون في القراءات. وقد صنف ابن جبر المكي كتابًا في القراءات فاقتصر على خمسة، اختار من كل مصر إمامًا، وإنما اقتصر على ذلك لأن المصاحف التي أرسلها عثمان كانت خمسة إلى هذه الأمصار. ويقال: إنه وَجَّه سبعة، هذه الخمسة ومصحفًا إلى اليمن، ومصحفًا إلى البحرين. لكن لما لم يُسمع لهذين المصحفين خبر وأراد ابن مجاهد وغيره مراعاة عدد المصاحف استبدلوا من مصحف البحرين ومصحف اليمن قارئين كمل بهما العدد؛ ولذا قال العلماء: إن التمسك بقراءة سبعة من القرَّاء دون غيرهم ليس فيه أثر ولا سُنَّة. وإنما هو من جمع بعض المتأخرين فانتشر، فلو أن ابن مجاهد مثلًا كتب عن غير هؤلاء السبعة بالإضافة إليهم لاشتهروا. قال أبو بكر بن العربي:"ليست هذه السبعة متعينة للجواز حتى لا يجوز غيرها كقراءة أبي جعفر وشيبة والأعمش ونحوهم، فإن هؤلاء مثلهم أو فوقهم" وكذا قال غير واحد من أئمة القراء، وقال أبو حيان:"ليس في كتاب ابن مجاهد ومن تبعه من القراءات المشهورة إلا النزر اليسير، فهذا أبو عمرو بن العلاء اشتهر عنه سبعة عشر راويًا، ثم ساق أسماءهم، واقتصر في كتاب ابن مجاهد على اليزيدي، واشتهر عن اليزيدي عشرة أنفس. فكيف يقتصر على السوسي، والدوري، وليس لهما مزية على غيرهما، لأن الجميع مشتركون في الضبط والإتقان والاشتراك في الأخذ. قال: ولا أعرف لهذا سببًا إلا ما قضى من نقص العلم"1.
1 انظر "الإتقان" جـ1 ص80، 81.