الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أشهر كتب التفسير في العصر الحديث:
لقد أعطى المفسرون الأوائل كتب التفسير حظها من المنقول والمعقول، وتوافروا على المباحث اللغوية، والبلاغية، والنحوية، والفقهية والمذهبية والكونية الفلسفية ثم فترت الهمم، وجاء مَن بعدهم مختصرًا وناقلًا، أو مفندًا ومرجحًا.
فلما جاءت النهضة العلمية في العصر الحديث شملت فيما شملته "التفسير" وإليك أمثلة منه:
1-
الجواهر في تفسير القرآن، للشيخ طنطاوي جوهري:
كان الشيخ طنطاوي جوهري مغرمًا بالعجائب الكونية، وكان مدرسًا بمدرسة دار العلوم في مصر، يفسِّر بعض آيات القرآن على طلبتها، كما كان يكتب في بعض الصحف، ثم خرج بمؤلفه في التفسير "الجواهر في تفسير القرآن".
وقد عُني في هذا التفسير عناية فائقة، بالعلوم الكونية، وعجائب الخَلْقِ، ويقرر في تفسيره أن في القرآن من آيات العلوم ما يربو على سبعمائة وخمسين آية، ويهيب بالمسلمين أن يتأملوا في آيات القرآن التي تُرْشد إلى علوم الكون، ويحثهم على العمل بما فيها، ويفضلها على غيرها في الوقت الحاضر، حتى على فرائض الدين، فيقول:"يا ليت شعري: لماذا لا نعمل في آيات العلوم الكونية ما فعله آباؤنا في آيات الميراث؟ ولكني أقول: الحمد لله. الحمد لله! إنك تقرأ في هذا التفسير خلاصات من العلوم، ودراستها أفضل من دراسة عِلم الفرائض؛ لأنه فرض كفاية، فأما هذه فإنها للازدياد في معرفة الله، وهي فرض عين على كل قادر" ويأخذ الغرور منه مأخذه، فينحى باللائمة على المفسرين السابقين، ويقول:"إن هذه العلوم التي أدخلناها في تفسير القرآن هي التي أغفلها الجهلاء المغرورون من صغار الفقهاء في الإسلام، فهذا زمان الانقلاب، وظهور الحقائق، والله يهدي مَن يشاء إلى صراط مستقيم".
والمؤلف يخلط في كتابه خلطًا، فيضع في تفسيره صور النبات والحيوانات ومناظر الطبيعة، وتجارب العلوم كتاب مدرسي في العلوم، ويشرح بعض الحقائق الدينية بما جاء عن أفلاطون في جمهوريته، وعن إخوان الصفا في رسائلهم، ويستخدم الرياضيات، ويفسر الآيات تفسيرًا يقوم على نظريات علمية حديثة.
وقد أساء الشيخ طنطاوي جوهري في نظرنا بهذا إلى التفسير إساءة بالغة من حيث يظن أنه يُحسن صنعًا ولم يجد تفسيره قبولًا لدى كثير من المثقفين. لما فيه من تعسف في حمل الآيات على غير معناها، ولذا وُصِف هذا التفسير بما وُصِفَ به تفسير الفخر الرازي، فقيل عنه:"فيه كل شيء إلا التفسير".
2-
تفسير المنار - للسيد محمد رشيد رضا:
لقد قام الشيخ محمد عبده بنهضة علمية مباركة، آتت ثمارها في تلاميذه، وترتكز هذه النهضة على الوعي الإسلامي، وإدراك مفاهيم الإسلام الاجتماعية، وعلاج هذا الدين لمشاكل الحياة المعاصرة، وبدأت نواة ذلك في حركة جمال الدين الأفغاني، الذي تتلمذ عليه الشيخ محمد عبده، وكان الشيخ محمد عبده يلقي دروسًا في التفسير بالجامع الأزهر، ولازمه كثير من طلابه ومريديه، وكان الشيخ رشيد ألزم الناس لهذه الدروس، وأحرصهم على تلقيها وضبطها، فكان بحقٍّ الوارث الأول لعلم الشيخ محمد عبده. فظهرت ثمرة ذلك في تفسيره المسمى بـ "تفسير القرآن الحكيم"، والمشهور بـ "تفسير المنار". نسبة إلى مجلة "المنار" التي كان يصدرها.
وقد بدأ تفسيره من أول القرآن، وانتهى عند قوله تعالى:{رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} 1، ثم عاجلته المنية قبل أن يتم تفسير القرآن، وهذا القدر من التفسير مطبوع في اثني عشر مجلدًا كبارًا.
1 يوسف: 101.
وهو تفسير غني بالمأثور عن سالف هذه الأمة من الصحابة التابعين، وبأساليب اللغة العربية، وبسُنَن الله الاجتماعية، يشرح الآيات بأسلوب رائع، ويكشف عن المعاني بعبارة سهلة، ويوضح كثيرًا من المشكلات، ويرد على ما أُثِير حول الإسلام من شبهات خصومه، ويعالج أمراض المجتمع بهَدْي القرآن، ويصرح الشيخ رشيد بأن هدفه من هذا التفسير هو:"فهم الكتاب من حيث هو دين يرشد الناس إلى ما فيه سعادتهم في حياتهم الدنيا وحياتهم الآخرة".
4-
التفسير البياني للقرآن الكريم، لعائشة عبد الرحمن "بنت الشاطئ":
من نسائنا المعاصرات اللاتي أسهمن بنصيبهن في الأدب العربي والفكر الاجتماعي - الدكتورة عائشة عبد الرحمن، المشهورة بـ "بنت الشاطئ".
وقد تولت التدريس في كلية الآداب بالقاهرة، وفي كلية التربية للبنات. وتناولت في تدريسها تفسير بعض سور القرآن القصار. وطبعت ذلك في "التفسير البياني للقرآن".
وبنت الشاطئ تهتم في تفسيرها بالبيان العربي وتذكر في المقدمة أنها اهتدت إلى هذه الطريقة لمعالجة مشكلاتنا في حياتنا الأدبية واللغوية، وأنها بحثت ذلك في عدة مؤتمرات دولية، ففي مؤتمر المستشرقين الدولي في الهند سنة 1964 – كان موضوع البحث الذي شاركت به في شُعبة الدراسات الإسلامية، هو "مشكلة الترادف اللغوي، في ضوء التفسير البياني للقرآن الكريم" تقول: "وفيه بيَّنت كيف شهد التتبع الدقيق لمعجم ألفاظ القرآن - واستقراء دلالاتها في سياقها، بأن القرآن يستعمل اللفظ بدلالة محدودة، لا يمكن معها أن يقوم لفظ مقام آخر، في المعنى الواحد الذي تحشد له المعاجم اللغوية وكتب التفسير، عددًا قَلَّ أو كثر من الألفاظ المقول بترادفها".
وتعيب بنت الشاطئ على الانشغال في دروس الأدب بالمعلقات والنقائض والمفضليات ومشهور الخمريات والحماسيات عن الاتجاه إلى القرآن الكريم، ثم تقول:"ونحن في الجامعة نترك هذا الكنز الغالي لدرس التفسير، وقَلَّ فينا مَن حاول أن ينقله إلى مجال الدراسة الأدبية الخالصة التي قصرناها على دواوين الشعر، ونثر أمراء البيان".
والتفسير البياني محاولة لا بأس بها لتحقيق الأغراض التي تهدف إليها بنت الشاطئ، وهي تعتمد في ذلك على كتب التفسير التي لها عناية بوجوه البلاغة القرآنية، وتُعبِّر تعبيرًا أدبيًّا راقيًا1.
1 من محاذير هذا النهج في التفسير أنه يَغفل جوانب القرآن المتعددة من أسرار الإعجاز في معانيه وتشريعاته، وأحكامه ومبادئه للحياة الإنسانية الفاضلة. ويتخذ من النص القرآني مادة للدراسة الأدبية كالنص الشعري أو النثري، ودراسة النصوص الأدبية تعتمد على الذوق اللغوي الذي يتفاوت من شخص لآخر بتفاوت ثقافته.