الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والموقوف على الصحابي من التفسير يوجب بعض العلماء الأخذ به؛ لأنهم أهل اللسان، ولما شاهدوه من القرائن والأحوال التي اختُصوا بها، ولما لهم من الفهم الصحيح. قال الزركشي في "البرهان":"اعلم أن القرآن قسمان: قسم ورد تفسيره بالنقل، وقسم لم يرد، والأول: إما أن يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أو الصحابة، أو رءوس التابعين - فالأول يُبحث فيه عن صحة السند، والثاني يُنظر في تفسير الصحابي، فإن فسَّره من حيث اللغة فَهُم أهل اللسان، فلا شك في اعتماده. أو بما شاهدوه من الأسباب والقرائن فلا شك فيه"1.
وقال الحافظ ابن كثير في مقدمة تفسيره: "وحينئذ إذا لم نجد التفسير في القرآن ولا في السٌّنَّة رجعنا في ذلك إلى أقوال الصحابة، فإنهم أدرى بذلك لما شاهدوه من القرائن والأحوال التي اختُصوا بها، ولما لهم من الفهم التام والعلم الصحيح والعمل الصالح ولا سيما علماؤهم وكبراؤهم كالأئمة الأربعة، والخلفاء الراشدين، والأئمة المهتدين المهديين، وعبد الله بن مسعود، رضي الله عنهم"2.
ولم يدون شيء من التفسير في هذا العصر؛ لأن التدوين لم يكن إلا في القرن الثاني، وكان التفسير فرعًا من الحديث، ولم يتخذ شكلًا منظمًا بل كانت هذه التفسيرات تُرْوى منثورة لآيات متفرقة. من غير ترتيب وتسلسل لآيات القرآن وسوره كما لا تشمل القرآن كله.
1 "الإتقان" جـ2 ص183.
2 ابن كثير، جـ1 ص3.
التفسير في عصر التابعين:
كما اشتهر بعض أعلام الصحابة بالتفسير، اشتهر بعض أعلام التابعين الذين أخذوا عنهم من تلاميذهم بالتفسير كذلك معتمدين في مصادره على المصادر التي جاءت في العصر السابق بالإضافة إلى ما كان لهم من اجتهاد ونظر.
قال الأستاذ محمد حسين الذهبي: "وقد اعتمد هؤلاء المفسرون في فهمهم لكتاب الله تعالى على ما جاء في الكتاب نفسه، وعلى ما رووه عن الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى ما رووه عن الصحابة من تفسيرهم أنفسهم. وعلى ما أخذوه من أهل الكتاب مما جاء في كتبهم، وعلى ما يفتح الله به عليهم من طريق الاجتهاد والنظر في كتاب الله تعالى.
وقد روت لنا كتب التفسير كثيرًا من أقوال هؤلاء التابعين في التفسير قالوها بطريق الرأي والاجتهاد، ولم يصل إلى علمهم شيء فيها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عن أحد من الصحابة.
وقد قلنا فيما سبق: إن ما نُقِل عن الرسول صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة من التفسيرلم يتناول جميع آيات القرآن، وإنما فسروا ما غمض فهمه على معاصريهم، ثم تزايد هذا الغموض -على تدرج- كلما بَعُد الناس عن عصر النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة، فاحتاج المشتغلون بالتفسير من التابعين إلى أن يكملوا بعض هذا النقص، فزادوا في التفسير بمقدار ما زاد من غموض، ثم جاء مَن بعدهم فأتموا تفسير القرآن تباعًا، معتمدين على ما عرفوه من لغة العرب ومناحيهم في القول، وعلى ما صح لديهم من الأحداث التي حدثت في عصر نزول القرآن، وغير هذا من أدوات الفهم ووسائل البحث1.
لقد اتسعت الفتوحات الإسلامية، وانتقل كثير من أعلام الصحابة إلى الأمصار المفتوحة، ولدى كل واحد منهم علم. وعلى يد هؤلاء تلقى تلاميذهم من التابعين علمهم، وأخذوا عنهم، ونشأت مدارس متعددة.
ففي مكة نشأت مدرسة ابن عباس واشتهر من تلاميذه بمكة: سعيد بن جبير، ومجاهد، وعكرمة مولى ابن عباس، وطاوس بن كيسان اليماني، وعطاء بن أبي رباح.
1 "التفسير والمفسرون" جـ1 ص99، 100.
وهؤلاء جميعًا من الموالي، وهم يختلفون في الرواية عن ابن عباس قلة وكثرة، كما اختلف العلماء في مقدار الثقة بهم والركون إليهم، والذي ورد فيه شيء ذو بال هو عكرمة، فإن العلماء يختلفون في توثيقه وإن كانوا يشهدون له بالعلم والفضل.
وفي المدينة اشتهر أُبَيُّ بن كعب بالتفسير أكثر من غيره، وكثر ما نُقِل عنه في ذلك. واشتهر من تلاميذه من التابعين الذين أخذوا عنه مباشرة أو بالواسطة: زيد بن أسلم، وأبو العالية، ومحمد بن كعب القرظي.
وفي العراق نشأت مدرسة ابن مسعود التي يعتبرها العلماء نواة مدرسة أهل الرأي: وعُرف بالتفسير من أهل العراق كثير من التابعين. اشتهر منهم علقمة بن قيس، ومسروق، والأسود بن يزيد، ومرة الهمذاني، وعامر الشعبي، والحسن البصري، وقتادة بن دعامة السدوسي.
هؤلاء هم مشاهير المفسرين من التابعين في الأمصار الإسلامية الذين أخذ عنهم أتباع التابعين من بعدهم. وخلَّفوا لنا تراثًا علميًّا خالدًا.
واختلف العلماء فيما أثر عن التابعين من تفسير إذا لم يؤثر في ذلك شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عن الصحابة، أيؤخذ بأقوالهم أم لا؟
فذهب جماعة إلى أنه لا يؤخذ بتفسيرهم؛ لأنهم لم يشاهدوا القرائن والأحوال التي نزل عليها القرآن، فيجوز عليهم الخطأ في فهم المراد.
وذهب أكثر المفسرين إلى أنه يؤخذ بتفسيرهم؛ لأنهم تلقوه غالبًا عن الصحابة.
والذي يترجح أنه إذا أجمع التابعون على رأي فإنه يجب علينا أن نأخذ به ولا نتعداه إلى غيره.
قال ابن تيمية: "قال شُعبة بن الحجاج وغيره: أقوال التابعين ليست حُجة، فكيف تكون حُجة في التفسير؟ يعني أنها لا تكون حُجة على غيرهم ممن