الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والحديث النبوي قسمان: الأول: ما اجتهد فيه الرسول صلى الله عليه وسلم وهذا ليس وحيًا ويكون إقرار الوحي له بسكوته إذا كان صوابًا.
والثاني: ما أُوحِيَ إليه بمعناه واللَّفظ لرسول الله، ولذا يجوز روايته بالمعنى. والحديث القدسي -على القول الراجح بنزول معناه دون لفظه- يكون من هذا القسم ونسبته إلى الله في الرواية لورود النص الشرعي على ذلك دون الأحاديث النبوية.
كيفية وحي اللله إلى رسله
…
كيفية وحي الله إلى رسله
يوحي الله إلى رسله بواسطة وبغير واسطة.
فالأول: بواسطة جبريل مَلك الوحي وسيأتي بيانه.
والثاني: هو الذي لا واسطة فيه.
أ- منه الرؤيا الصالحة في المنام: فعن عائشة رضي الله عنها قالت: "أول ما بُدِئَ به صلى الله عليه وسلم الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح"1. وكان ذلك تهيئة لرسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ينزل عليه الوحي يقظة وليس في القرآن شيء من هذا النوع لأنه نزل جميعه يقظة، خلافًا لمن ادَّعى نزول سورة "الكوثر" منامًا للحديث الوارد فيها، ففي صحيح مسلم عن أنس، رضي الله عنه: "بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم بين أظهرنا في المسجد إذ أغفى إغفاءة ثم رفع رأسه مبتسمًا فقلت: ما أضحكك يا رسول الله؟ فقال: "نزلت عليَّ آنفًا سورة"، فقرأ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ، فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ، إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} 2.. فلعل الإغفاء هذه هي الحالة التي كانت تعتريه عند الوحي.
1 متفق عليه.
2 سورة الكوثر.
ومما يدل على أن الرؤية الصالحة للأنبياء في المنام وحي يجب اتباعه ما جاء في قصة إبراهيم من رؤيا ذبحه لولده إسماعيل1: {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ، فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ، فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ، وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ، قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ، إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ، وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ، وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ، سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ، إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ، وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ} 2.. ولو لم تكن هذه الرؤيا وحيًا يجب اتباعه لما أقدم إبراهيم عليه السلام على ذبح ولده لولا أن منَّ الله عليه بالفداء.
الرؤيا الصالحة ليست خاصة بالرسول، فهي باقية للمؤمنين، وإن لم تكن وحيًا، قال عليه الصلاة والسلام:"انقطع الوحي وبقيت المبشرات، رؤيا المؤمن"3.
والرؤيا الصالحة في المنام للأنبياء هي القسم الأول من أقسام التكليم الإلهي المذكور في قوله تعالى:
ب- ومنه الكلام الإلهي من وراء حجاب بدون واسطة يقظة، وهو ثابت لموسى عليه السلام {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} 5، {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} 6.
1 هذا هو الصواب، خلافًا لمن ذهب إلى أنه إسحاق، فإن البشارة كانت أولًا بإسماعيل قبل إسحاق، وإسماعيل هو الذي نشأ في الجزيرة العربية حيث كانت قصة الذبح، وهو الحري بأن يوصف بالحلم، وقد ذهب اليهود إلى أنه "إسحاق" حقدًا وحسدًا، لأنه أبوهم، وإسماعيل أبو العرب، والقرآن يرده لأنه لما ذكر البشارة بغلام حليم ذكر أنه الذبيح ثم قال بعد ذلك:{وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ} [الصافات: 112] .
2 الصافات: 101، 122.
3 أصل الحديث في الصحيحين وغيرهما، ولفظ البخاري:"لم يبق من النبوة إلا المبشرات" قالوا: وما المبشرات؟ قال: "الرؤيا الصالحة".
4 الشورى: 51.
5 الأعراف: 143.
6 النساء: 164.