الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويقتضيه، أي وطء أمهاتكم؛ لأن التحريم لا يضاف إلى الأعيان، فوجب لذلك إضمار فعل يتعلق به التحريم وهو الوطء، وهذا النوع يقرب من حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، وهو من باب إيجاز القصر في البلاغة - وسمي "اقتضاء" لاقتضاء الكلام شيئًا زائدًا على اللفظ.
والثاني: وهو دلالة الإشارة - كقوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} 1، فإنه يدل على صحة صوم من أصبح جنبًا - لأنه يبيح الوطء إلى طلوع الفجر بحيث لا يتسع الوقت للغسل، وهذا يستلزم الإصباح على جنابة، وإباحة سبب الشيء إباحة للشيء نفسه، فإباحة الجِماع إلى آخر جزء من الليل لا يتسع معه الغسل قبل الفجر إباحة للإصباح على جنابة.
وهاتان الدلالتان -الاقتضاء والإشارة- أُخِذَا من المنطوق أيضًا، فهما من أقسام المنطوق، فالمنطوق على هذا يشمل: 1- النص، 2- والظاهر، 3- والمؤول، 4- والاقتضاء، 5- والإشارة.
1 البقرة: 187.
تعريف المفهوم وأقسامه:
المفهوم: هو مادل عليه اللفظ لا في محل النطق وهو قسمان:
1-
مفهوم موافقة. 2- مفهوم مخالفة.
1-
فمفهوم الموافقة: هو ما يوافق حكمه المنطوق - وهو نوعان:
أ- النوع الأول، فحوى الخطاب: وهو ما كان المفهوم فيه أولى بالحكم من المنطوق، كفهم تحريم الشتم والضرب من قوله تعالى:{فَلا تَقُلْ لَّهُمَا أفٍّ} 1؛ لأن منطوق الآية تحريم التأفيف، فيكون تحريم الشتم والضرب أولى لأنهما أشد.
1 الإسراء: 23.
ب- النوع الثاني: لحن الخطاب: وهو ما ثبت الحكم فيه للمفهوم كثبوته للمنطوق على السواء - كدلالة قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً} 1، على تحريم إحراق أموال اليتامى أو إضاعتها بأي نوع من أنواع التلف؛ لأن هذا مساوٍ للأكل في الإتلاف.
وتسمية هذين بمفهوم الموافقة؛ لأن المسكوت عنه يوافق المنطوق به في الحكم وإن زاد عليه في النوع الأول، وساواه في الثاني والدلالة فيه من قبيل التنبيه بالأدنى على الأعلى، أو بالأعلى على الأدنى، وقد اجتمعا في قوله تعالى:{وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} 2، فالجملة الأولى:{وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} من التنبيه على أنه يؤدي إليك الدينار وما تحته، والجملة الثانية:{وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} من التنبيه على أنك لا تأمنه بقنطار.
2-
مفهوم المخالفة: هو ما يخالف حكمه المنطوق - وهو أنواع:
أ- مفهوم صفة: والمراد بها الصفة المعنوية، كالمشتق: في قوله تعالى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} 3، فمفهوم التعبير بـ "فاسق" أن غير الفاسق لا يجب التثبت في خبره، ومعنى هذا أنه يجب قبول خبر الواحد العدل. وقوله تعالى:{وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} 4، فهو يدل على انتفاء الحكم في المخطئ؛ لأن تخصيص العمد بوجوب الجزاء به يدل على نفي وجوب الجزاء في قتل الصيد خطأ. وكالعدد في قوله:{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} 5، مفهومه أن الإحرام بالحج في غير أشهره لا يصح، وقوله:{فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} 6، مفهومه ألا يجلد أقل أو أكثر.
1 النساء:10.
2 آل عمران: 75.
3 الحجرات: 6.
4 المائدة: 95.
5 البقرة: 197.
6 النور: 4.