الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التفسير والتأويل
مدخل
…
23-
التفسير والتأويل:
القرآن الكريم هو مصدر التشريع الأول للأمة المحمدية، وعلى فقه معناه ومعرفة أسراره والعمل بما فيه تتوقف سعادتها. ولا يستوي الناس جميعًا في فهم ألفاظه وعباراته مع وضوح بيانه وتفصيل آياته، فإن تفاوت الإدراك بينهم أمر لا مراء فيه فالعامي يدرك من المعاني ظاهرها ومن الآيات مجملها، والذكي المتعلم يستخرج منها المعنى الرائع. وبين هذا وذاك مراتب فهم شتى، فلا غرو أن يجد القرآن من أبناء أمته اهتمامًا بالغًا في الدراسة لتفسير غريب، أو تأويل تركيب.
معنى التفسير والتأويل:
التفسير في اللغة: تفعيل من الفَسر بمعنى الإبانة والكشف وإظهار المعنى المعقول، وفعله: كضرب ونصر، يقال: فسر الشيء يفسر بالكسر ويفسره بالضم فسرًا، وفسره: أبانه، والتفسير والفسر: الإبانة وكشف المغطى، وفي لسان العرب: الفسر كشف المغطى. والتفسير كشف المراد عن اللفظ المشكل. وفي القرآن: {وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً} 1، أي بيانًا وتفصيلًا والمزيد من الفعلين أكثر في الاستعمال.
وقال ابن عباس في قوله تعالى: {وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً} أي تفصيلًا.
وقال بعضهم: هو مقلوب من "سفر" ومعناه أيضًا: الكشف، يقال: سفرت المرأة سفورًا: إذا ألقت خمارها عن وجهها، وهي سافرة، وأسفر الصبح:
1 الفرقان: 33.
أضاء، وإنما بنوه على التفعيل؛ لأنه للتكثير، كقوله تعالى:{يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ} 1، وقوله:{وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ} 2، فكأنه يتبع سورة بعد سورة، وآية بعد آية.
وقال الراغب: الفسر والسفر يتقارب معناهما كتقارب لفظيهما، لكل جُعِل الفسر لإظهار المعنى المعقول، وجُعل السفر لإبراز الأعيان للأبصار، فقيل: سفرت المرأة عن وجهها، وأسفر الصبح.
والتفسير في الاصطلاح: عرَّفه أبو حيان بأنه: "علم يبحث عن كيفية النطق بألفاظ القرآن، ومدلولاتها، وأحكامها الإفرادية والتركيبية، ومعانيها التي تُحمل عليها حالة التركيب وتتمات لذلك".
ثم خرَّج التعريف فقال: فقولنا: "علم"، هو جنس يشمل سائر العلوم، وقولنا:"يبحث فيه عن كيفية النطق بألفاظ القرآن"، هذا هو علم القراءات، وقولنا:"ومدلولاتها" أي مدلولات تلك الألفاظ، وهذا هو علم اللغة الذي يُحتاج إليه في هذا العلم، وقولنا:"وأحكامها الإفرادية والتركيبية"، هذا يشمل علم التصريف وعلم الإعراب، وعلم البيان، وعلم البديع، وقولنا:"ومعانيها التي تُحمل عليها حالة التركيب"، يشمل ما دلالته عليه بالحقيقة، وما دلالته عليه بالمجاز، فإن التركيب قد يقتضي بظاهره شيئًا ويصد عن الحمل على الظاهر صاد فيحتاج لأجل ذلك أن يعمل على غير الظاهر، وهو المجاز، وقولنا:"وتتمات لذلك". هو معرفة النسخ وسبب النزول، وقصة توضيح بعض ما انبهم في القرآن ونحو ذلك.
وقال الزركشي: التفسير: علم يُفهم به كتاب الله المنزل على نبيه محمد، صلى الله عليه وسلم: وبيان معانيه، واستخراج أحكامه وحكمه3.
1 البقرة: 49.
2 يوسف: 23.
3 "الإتقان" جـ2 ص174.
والتأويل في اللغة: مأخوذ من الأول، وهو الرجوع إلى الأصل، يقال: آل إليه أولًا ومآلًا: رجع.. ويقال: أوَّل الكلام تأويلًَا وتأوَّله: دبره وقدَّره وفسَّره وعلى هذا: فتأويل الكلام في الاصطلاح له معنيان:
1-
تأويل الكلام: بمعنى ما أوَّله إليه المتكلم أو ما يؤوَّل إليه الكلام ويرجع، والكلام إنما يرجع ويعود إلى حقيقته التي هي عين المقصود. وهو نوعان: إنشاء وإخبار، ومن الإنشاء: الأمر.
فتأويل الأمر: هو الفعل المأمور به، ومن ذلك ما رُوِي عن عائشة رضي الله عنها قالت:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي، يتأوَّل القرآن"1. تعني قوله تعالى: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً} 2.
وتأويل الأخبار: هو عين المخبر إذا وقع. كقوله تعالى: {وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ، هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} 3، فقد أخبر أنه فصَّل الكتاب، وأنهم لا ينتظرون إلا تأويله، أي مجيء ما أخبر القرآن بوقوعه من القيامة وأشراطها، وما في الآخرة من الصحف والموازين والجنة والنار وغير ذلك. فحينئذ يقولون:{قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} ؟
2-
تأويل الكلام: أي تفسيره وبيان معناه. وهو ما يعنيه ابن جرير الطبري في تفسيره بقوله: "القول في تأويل قوله تعالى كذا وكذا"، وبقوله:"اختلف أهل التأويل في هذه الآية" فإن مراده التفسير.
ذلك هو معنى التأويل عند السلف.
1 رواه البخاري ومسلم.
2 النصر: 3.
3 الأعراف: 52، 53.
والتأويل في عرف المتأخرين: هو صرف اللفظ عن المعنى الراجح إلى المعنى المرجوح لدليل يقترن به - وهذا الاصطلاح لا يتفق مع ما يُراد بلفظ التأويل في القرآن عند السَّلف.
هذا ومن العلماء من يفرق بين المعنى، والتفسير، والتأويل، للتفاوت بينها لغة وإن كانت متقاربة، وقد نقل "الزركشي" هذا1.
قال ابن فارس: معاني العبارات التي يعبر بها عن الأشياء ترجع إلى ثلاثة: المعنى، والتفسير، والتأويل، وهي وإن اختلفت فالمقاصد بها متقاربة:
فأما المعنى: فهو القصد والمراد، يقال: عنيت بهذا الكلام كذا، أي قصدت وعمدت، وهو مشتق من الإظهار، يقال: عنت القِربة، إذا لم تحفظ الماء بل أظهرته، ومن هذا: عنوان الكتاب.
وأما التفسير في اللغة: فهو راجع إلى معنى الإظهار والكشف. وقال ابن الأنباري: قول العرب: فسرت الدابة وفسرتها، إذا ركضتها محصورة لينطلق حصرها، وهو يؤول إلى الكشف أيضًا. فالتفسير كشف المغلق من المراد بلفظه، وإطلاق للمحتبس عن الفهم به.
وأما التأويل: فأصله في اللغة من الأول، ومعنى قولهم: ما تأويل هذا الكلام؟ أي إلام تؤول العاقبة في المراد به؟ كقوله تعالى: {يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ} 2، أي تُكشف عاقبته، ويقال: آل الأمر إلى كذا، أي صار إليه، وقال تعالى:{ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً} 3، وأصله من المآل، وهو العاقبة والمصير، وقد أولته فآل- أي صرفته فانصرف فكأن التأويل صرف الآية إلى ما تحتمله من المعاني. وإنما بنوه على التفعيل للتكثير.
1 انظر "البرهان" جـ2 ص146 بتصرف.
2 الأعراف: 53.
3 الكهف: 82.