الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الناسخ والمنسوخ
مدخل
…
14-
الناسخ والمنسوخ: 1
تنزل التشريعات السماوية من الله تعالى على رسله لإصلاح الناس في العقيدة والعبادة والمعاملة. وحيث كانت العقيدة واحدة لا يطرأ عليها تغيير لقيامها على توحيد الألوهية والربوبية فقد اتفقت دعوة الرسل جميعًا إليها: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} 2، أما العبادات والمعاملات فإنها تتفق في الأسس العامة التي تهدف إلى تهذيب النفس والمحافظة على سلامة المجتمع وربطه برباط التعاون والإخاء، إلا أن مطالب كل أمة قد تختلف عن مطالب أختها، وما يلائم قومًا في عصر قد لا يلائمهم في آخر، ومسلك الدعوة في طور النشأة والتأسيس يختلف عن شرعتها بعد التكوين والبناء، فحكمة التشريع في هذه غيرها في تلك، ولا شك أن المشرِّع سبحانه وتعالى يسع كل شيء رحمة وعلمًا، ولله الأمر والنهي {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} 3، فلا غرابة في أن يرفع تشريع بآخر مراعاة لمصلحة العباد عن علم سابق بالأول والآخر.
1 أفرده بالتصنيف خلائق لا يحصون: منهم أبو عبيد القاسم بن سلام، وأبو داود السجستاني، وأبو جعفر النحاس، وابن الأنباري، ومكي، وابن العربي، وآخرون، انظر الإتقان جـ2 ص20. ومن المعاصرين: الدكتور مصطفى زيد "النسخ في القرآن".
2 الأنبياء: 25.
3 الأنبياء: 23.
تعريف النسخ وشروطه:
والنسخ لغة: يُطلق بمعنى الإزالة، ومنه يقال: نسخت الشمس الظل: أي أزالته. ونسخت الريح أثر المشي - ويطلق بمعنى نقل الشيء من موضع إلى موضع، ومنه نسخت الكتاب: إذا نقلت ما فيه. وفي القرآن: {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} 1، والمراد به نقل الأعمال إلى الصحف.
1 الجاثية: 29.
والنسخ في الاصطلاح: رفع الحكم الشرعي بخطاب شرعي - فخرج بالحكم رفع البراءة الأصلية، وخرج بقولنا:"بخطاب شرعي" رفع الحكم بموت أو جنون أو إجماع أو قياس.
ويطلق الناسخ على الله تعالى كقوله: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ} 1، وعلى الآية وما يُعرف به النسخ، فيقال: هذه الآية ناسخة لآية كذا، وعلى الحكم الناسخ لحكم آخر.
والمنسوخ هو الحكم المرتفع، فآية المواريث مثلًا أو ما فيها من حكم ناسخ لحكم الوصية للوالدين والأقربين كما سيأتي، ومقتضى ما سبق أنه يُشترط في النسخ:
1-
أن يكون الحكم المنسوخ شرعيًّا.
2-
أن يكون الدليل على ارتفاع الحكم خطابًا شرعيًّا متراخيًا عن الخطاب المنسوخ حكمه.
3-
وألا يكون الخطاب المرفوع حكمه مقيدًا بوقت معين. وإلا فالحكم ينتهي بانتهاء وقته ولا يُعَد هذا نسخًا. قال "مكي"2:
"ذكر جماعة أن ما ورد من الخطاب مشعرًا بالتوقيت والغاية مثل قوله في البقرة: {فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} 3، مُحكم غير منسوخ، لأنه مؤجل بأجل، والمؤجل بأجل لا نسخ فيه.
1 البقرة: 106.
2 هو مكي بن أبي طالب حموش بن محمد بن مختار القيسي المقرئ يكنى أبا محمد، وأصله من القيروان، كثير التأليف في علوم القرآن والعربية، له كتاب في "الناسخ والمنسوخ" سكن قرطبة، ورحل إلى مصر مرتين، توفي سنة 437 هجرية.
3 البقرة: 109.