الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد أدخلت "لا" النافية على فعل القسم في بعض المواضع. كقوله تعالى: {لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ، الْقِيَامَةِ وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ} 1، فقيل:"لا" في الموضعين نافية لمحذوف يناسب المقام، والتقدير مثلًا: لا صحة لما تزعمون أنه لا حساب ولا عقاب، ثم استأنف فقال: أقسم بيوم القيامة، وبالنفس اللوامة، أنكم ستبعثون. وقيل:"لا" لنفي القسم كأنه قال: لا أقسم عليك بذلك اليوم وتلك النفس، ولكني أسألك غير مقسِم، أتحسب أنَّا لا نجمع عظامك إذا تفرقت بالموت؟ إن الأمر من الظهور بحيث لا يحتاج إلى قسم. وقيل:"لا" زائدة - وجواب القسم في الآية المذكورة محذوف دل عليه قوله بعد: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ}
…
إلخ، والتقدير: لتبعثن ولتحاسبن.
2-
والقسم المضمر هو ما لم يصرِّح فيه بفعل القسم، ولا بالمقسَم به، وإنما تدل عليه اللام المؤكدة التي تدخل على جواب القسم كقوله تعالى:{لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} 2، أي والله لتبلون.
1 القيامة: 1، 2.
2 آل عمران: 186.
أحوال المقسَم عليه:
1-
المقسَم عليه يُراد بالقسم توكيده وتحقيقه، فلا بد أن يكون مما يحسن فيه ذلك، كالأمور الغائبة والخفية إذا أقسم على ثبوتها.
2-
وجواب القسم يُذكر تارة -وهو الغالب- وتارة يحذف، كما يحذف جواب "لو" كثيرًا، كقوله:{كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ} 1، وحذف مثل هذا من أحسن الأساليب؛ لأنه يدل على التفخيم والتعظيم، فالتقدير مثلًا: لو تعلمون ما بين أيديكم علم الأمر اليقين لفعلتم ما لا يوصف من الخير، فحذف جواب القسم كقوله:{وَالْفَجْرِ، وَلَيَالٍ عَشْرٍ، وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ، وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ، هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ} 2، فالمراد بالقسم أن
1 التكاثر: 5.
2 الفجر: 1-5.
الزمان المتضمن لمثل هذه الأعمال أهل أن يقسِم الرب عز وجل به. فلا يحتاج إلى جواب، وقيل: الجواب محذوف، أي: لتعذبن يا كفار مكة، وقيل: مذكور، وهو قوله:{إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَاد} 1، والصحيح المناسب أنه لا يحتاج إلى جواب.
وقد يحذف الجواب لدلالة المذكور عليه، كقوله تعالى:{لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ} 2، فجواب القسم محذوف دل عليه قوله بعد:{أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ} 3
…
إلخ، والتقدير، لتبعثن ولتحاسبن.
3-
والماضي المثبت المتصرف الذي لم يتقدم معموله إذا وقع جوابًا للقسم تلزمه اللام و"قد"، ولا يجوز الاقتصار على إحداهما إلا عند طول الكلام. كقوله تعالى:{وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا، وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا، وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَاّهَا، وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا، وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا، وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا، وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} 4، فجواب القسم:{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} حذفت من اللام لطول الكلام.
ولذلك قالوا في قوله تعالى: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ} 5: إن الأحسن أن يكون هذا القسم مستغنيًا عن الجواب؛ لأن القصد التنبيه على المقسَم به، وأنه من آيات الرب العظيمة، وقيل: الجواب محذوف دل عليه: {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ} أي إنهم ملعونون، يعني كفار مكة كما لعن أصحاب الأخدود، وقيل: حذف صدره، وتقديره: لقد قتل؛ لأن الفعل الماضي إذا وقع جوابًا للقسم تلزمه اللام و"قد"، ولا يجوز الاقتصار على إحداهما إلا عند طول الكلام، كما سبق في قوله تعالى:{وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} ، {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} .
1 الفجر: 14.
2 القيامة: 1، 2.
3 القيامة: 3.
4 الشمس: 1-9.
5 البروج: 1-4.