الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القواعد التي يحتاج إليها المفسر
مدخل
…
11-
القواعد التي يحتاج إليها المفسر:
لا بد في تناول أي علم من العلوم من معرفة أسسه العامة ومميزاته الخاصة حتى يكون الطالب له على بصيرة، وبقدر ما يتمكن الإنسان من آلة العلم بقدر ما يحرز من نصر فيه، حيث يلج فصوله من أبوابها وقد أعطي مفاتيحها، وإذا كان القرآن الكريم قد نزل بلسان عربي مبين:{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} 1، فإن القواعد التي يحتاج إليها المفسِّر في فهم القرآن ترتكز على قواعد العربية، وفهم أسسها، وتذوق أسلوبها، وإدراك أسرارها، ولذلك كله فصول متناثرة، ومباحث مستفيضة في فروع العربية وعلومها، إلا أننا نستطيع أن نجمع موجزًا لأهم ما يجب معرفته في الأمور الآتية:
1 يوسف: 2.
1-
الضمائر:
للضمائر قواعدها اللغوية التي استنبطها علماء اللغة، من القرآن الكريم، ومن مصادر العربية الأصيلة، ومن الحديث النبوي، ومن كلام العرب الذين يُستشهد بكلامهم نظمًا ونثرًا، وقد ألَّف ابن الأنباري1 في بيان الضمائر الواقعة في القرآن مجلدين2.
وأصل وضع الضمير للاختصار، فهو يُغني عن ذكر ألفاظ كثيرة، ويحل محلها مع سلامة المعنى وعدم التكرار، فقد قام في قوله تعالى:{أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} 3، مقام عشرين كلمة لو أُتِيَ بها مُظهَرة، هي
1 هو أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري، كان له عناية باللغة وبعلوم القرآن، توفي سنة 328 هجرية.
2 انظر "الإتقان" جـ1 ص186.
3 الأحزاب: 35.
والأصل تقديم مفسر لضمير الغائب.. ويعلل النحاة هذا الأصل بأن ضمير المتكلم والمخاطب يفسرهما المشاهدة، وضمير الغائب عار عن هذا الوجه من التفسير، فكان الأصل تقديم معاده ليعلم المراد بالضمير قبل ذكره. ولذلك قالوا: يمتنع عود الضمير على متأخر لفظًا ورتبة، واستثنوا من هذه القاعدة مسائل يرجع فيها الضمير إلى ما استغني عن ذكره بما يدل عليه من قرائن في نفس اللفظ، أو أحوال أخرى تحف بمقام الخطاب2، قال ابن مالك في "التسهيل":"الأصل تقديم مفسر ضمير الغائب، ولا يكون غير الأقرب إلا بدليل، وهو إما مصرح به بلفظه، أو مستغنى عنه بحضور مدلوله حسًّا أو علمًا، أو بذكر ما هو له جزء أو كل أو نظير أو مصاحب بوجه ما".
وعلى هذا فالمرجع الذي يعود إليه ضمير الغيبة. يكون ملفوظًا به سابقًا عليه مطابقًا له -وهذا هو الكثير الغالب- كقوله تعالى: {وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ} 3، أو يكون ما سبق متضمنًا له، كقوله:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَاّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} 4.
1 الأحزاب: 35.
2 ألقى الدكتور طه حسين في مؤتمر المستشرقين السابع عشر بجامعة أكسفورد سنة 1347 هجرية محاضرة عنوانها "ضمير الغائب واستعماله اسم إشارة في القرآن" نشرتها مجلة الرابطة الشرقية جاء فيها: إن ضمير الغائب يجب أن يعود إلى مذكور يتقدمه لفظًا ورتبة، يطابق هذا المذكور في التذكير والتأنيث وفي الإفراد والتثنية والجمع، وأن ما ورد على خلاف ذلك تأولوه بتكلف، وأوضح هذا بأمثلة من القرآن، وقد رد عليه الأستاذ محمد الخضر حسين. انظر "بلاغة القرآن" ص64 وما بعدها.
3 هود: 42.
4 المائدة: 8.
فإن ضمير "هو" يعود على العدل الذي يتضمنه لفظ "اعدلوا" أي إن العدل أقرب للتقوى، أو دالًّا عليه بالتزام كقوله:{فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} 1، فالضمير في "إليه" يعود على العافي الذي يستلزمه "عُفِيَ".
وقد يكون المرجع متأخرًا لفظًا لا رتبة كقوله: {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى} 2، أو لفظًا ورتبة كما في باب ضمير الشأن والقصة ونعم وبئس كقوله:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} 3، وقوله:{فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ} 4، وقوله:{بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا} 5، وقوله:{سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ} 6، أو متأخرًا دالًّا عليه كقوله:{فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ} 7، فضمير الرفع مضمر يدل عليه "الحلقوم"، والتقدير: فلولا إذا بلغت الروح الحلقوم، أو مفهومًا من السياق كقوله:{كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} 8، أي على الأرض، وقوله:{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} 9، أي القرآن، وقوله:{عَبَسَ وتَوَلَّى} 10، أي النبي صلى الله عليه وسلم وقوله:{أَمْ يَقُولُونَ افتْرَاهُ} 11، فالواو في "يقولون" للمشركين، وفاعل "افترى" للنبي صلى الله عليه وسلم ومفعوله للقرآن.
وربما عاد الضمير على اللفظ دون المعنى كقوله: {وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ} 12، فالضمير في "عمره" المراد به عمر معمر آخر، قال الفراء: يريد آخر غير الأول، فكنى عنه بالضمير كأنه الأول، لأن لفظ الثاني لو ظهر كان كالأول، كأنه قال: ولا ينقص من عمر معمر، فالكناية في عمره ترجع إلى آخر غير الأول، ومثله قولك: عندي درهم ونصفه، أي نصف آخر"13.
1 البقرة: 178.
2 طه: 67.
3 الإخلاص: 1.
4 الأنبياء: 97.
5 الكهف: 5.
6 الأعراف: 177.
7 الواقعة: 83.
8 الرحمن: 26.
9 القدر: 1.
10 عبس: 1.
11 هود: 13.
12 فاطر: 11.
13 راجع كتب التفسير في ذلك.
وربما عاد الضمير على المعنى فقط كقوله: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ} 1، فالضمير في "كانتا" لم يتقدم لفظ تثنية يعود عليه، لأن الكلالة تقع على الواحد والاثنين والجمع، فثنى الضمير الراجع إليها حملًا على المعنى، وقوله {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا} 2، فالضمير في "منه" يعود على معنى الصدقات، لأنه في معنى الصداق، أو ما أصدق كأنه قيل: وآتوا النساء، صداقهن، وما أصدقتموهن.
وقد يؤتى بالضمير أولًا ثم يخبر عنه بما يفسره، كقوله:{إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا} 3.
وقد يثنى الضمير ويعود على أحد المذكورين كقوله: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} 4، وإنما يخرج من أحدهما. وهو الملح دون العذب، لأنه إذا خرج من أحدهما فقد خرج منهما. وبهذا قال الزجاج وغيره.
وقد يعود على ملابس ما هو له كقوله: {لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا} 5، أي ضحى يومها لا ضحى العشية، لأن العشية لا ضحى لها.
وقد يراعى في الضمير اللفظ أولًا، ثم يراعى المعنى ثانيًا، كقوله:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} 6، أفرد الضمير في "يقول" باعتبار لفظ "من" ثم جمع في "وما هم" باعتبار معناه.
1 النساء: 176.
2 النساء: 4.
3 الأنعام: 29.
4 الرحمن: 22.
5 النازعات: 46.
6 البقرة: 8.