الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الترجمة التفسيرية:
ويحق لنا أن نقول: إن علماء الإسلام إذا قاموا بتفسير للقرآن، يتوخى فيه أداء المعنى القريب الميسور الراجح، ثم يترجم هذا التفسير بأمانة وبراعة، فإن هذا يقال فيه:"ترجمة تفسير القرآن" أو "ترجمة تفسيرية" بمعنى شرح الكلام وبيان معناه بلغة أخرى. ولا بأس بذلك. فإن الله تعالى بعث محمدًا صلى الله عليه وسلم برسالة الإسلام إلى البشرية كافة على اختلاف أجناسها وألوانها: "وكان النبي يُبعث إلى قومه خاصة وبُعثت إلى الناس كافة" 1، وشرط لزوم الرسالة البلاغ - والقرآن الذي نزل بلغة العرب صار إبلاغه للأمة العربية ملزمًا لها، ولكن سائر الأمم التي لا تُحسن العربية، أو لا تعرفها يتوقف إبلاغها الدعوة على ترجمتها بلسانها. وقد عرفنا قبل استحالة الترجمة الحرفية وحرمتها. واستحالة ترجمة المعاني الثانوية، ومشقة ترجمة المعاني الأصلية وما فيها من أخطار، فلم يبق إلا أن يترجم تفسير القرآن الذي يتضمن أسس دعوته بما يتفق مع نصوص الكتاب وصريح السٌّنَّة إلى لسان كل قبيل حتى تبلغهم الدعوة وتلزمهم الحجة. وترجمة تفسير للقرآن على نحو ما ذكرنا يصح أن نسميها بالترجمة التفسيرية. وهي تختلف عن الترجمة المعنوية وإن كان الباحثون لا يفرقون بينهما، فإن الترجمة المعنوية توهم أن المترجم أخذ معاني القرآن من أطرافها ونقلها إلى اللغة الأجنبية، كما يقال في ترجمة غيره: ترجمة طبق الأصل. فالمفسِّر يتكلم بلهجة المبيِّن لمعنى الكلام على حسب فهمه، فكأنه يقول للناس: هذا ما أفهمه من الآية، والمترجم يتكلم بلهجة من أحاط بمعنى الكلام وصبَّه في ألفاظ لغة أخرى. وشتان بين الأمرين. فالمفسِّر يقول في تفسير الآية: يعني كذا، ويذكر فهمه الخاص. والمترجم يقول: معنى هذا الكلام هو عين معنى الآية، وقد عرفنا ما في ذلك.
وينبغي أن يؤكَّد في الترجمة التفسيرية أنها ترجمة لفهم شخصي خاص، لا تتضمن وجوه التأويل المحتملة لمعاني القرآن، وإنما تتضمن ما أدركه المفسر
1 من حديث: "أعطيت خمسًا لم يعطهن أحد قبلي
…
". في الصحيحين وغيرهما.
منها، وبهذا تكون ترجمة للعقيدة الإسلامية ومبادئ الشريعة كما تُفهم من القرآن.
وإذا كان إبلاغ الدعوة من واجبات الإسلام فإن ما يتوقف على هذا البلاغ من دراسة اللغات ونقل أصول الإسلام إليها واجب كذلك. كما أن معرفتنا لهذه اللغات بالقدر الضروري تمكننا من دراسة كتبها للرد على المبشرين والمستشرقين الذين غمزوا عود الإسلام من بعيد أو قريب، وهذا هو ما عناه شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه "العقل والنقل" عندما قال:"وأما مخاطبة أهل الاصطلاح باصطلاحهم ولغتهم فليس بمكروه إذا احتيج إلى ذلك، وكانت المعاني صحيحة - كمخاطبة العجم من الروم والفرس والترك بلغتهم وعرفهم، فإن هذا جائز حسن للحاجة، وإنما كرهه الأئمة إذا لم يحتج إليه" ثم قال: "ولذلك يترجم القرآن والحديث لمن يحتاج إلى تفهمه إياه بالترجمة، وكذلك يقرأ المسلم ما يحتاج إليه من كتب الأمم وكلامهم بلغتهم، ويترجم بالعربية، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم زيد بن ثابت أن يتعلم كتاب اليهود ليقرأ له ويكتب له ذلك. حيث لم يأتمن اليهود عليه".
وإذا كانت الترجمة بمعناها الحقيقي ولو للمعاني الأصلية لا تتيسر في جميع آيات القرآن. وإنما المتيسر الترجمة على معنى التفسير، كان من الضروري إشعار القارئ بذلك، ومن وسائله كتابة جمل في حواشي الصحائف يبيِّن بها أن هذا أحد وجوه -أو أرجح وجوه- تحتملها الآية "ولو قامت جماعة ذات نيات صالحة وعقول راجحة. وتولت نقل تفسير القرآن إلى بعض اللغات الأجنبية، وهي على بينة من مقاصده - وعلى رسوخ في معرفة تلك اللغات، وتحامت الوجوه التي دخل منها الخلل في التراجم السائرة اليوم في أوروبا لفتحت لدعوة الحق سبيلًا كانت مقفلة. ونشرت الحنيفية السمحة في بلاد طافحة بالغواية قاتمة"1.
1 "بلاغة القرآن" ص21.