الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الناسخ من المنسوخ؟ قال: لا، فقال: هلكت وأهلكت. وعن ابن عباس أنه قال في قوله تعالى: {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً} 1، قال:"ناسخه ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه ومقدمه ومؤخره، وحرامه وحلاله"2.
ولمعرفة الناسخ والمنسوخ طرق:
1-
النقل الصريح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن صحابي كحديث: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها""رواه الحاكم". وقول أنس في قصة أصحاب بئر معونة كما سيأتي: "ونزل فيهم قرآن قرأناه حتى رُفِع"3.
2-
إجماع الأمة على أن هذا ناسخ وهذا منسوخ.
3-
معرفة المتقدم من المتأخر في التاريخ.
ولا يعتمد في النسخ على الاجتهاد، أو قول المفسرين، أو التعارض بين الأدلة ظاهرًا، أو تأخر إسلام أحد الراويين.
1 البقرة: 269.
2 أخرجه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس.
3 هم بعث من أصحاب رسول الله بعثهم إلى أهل نجد، فساروا حتى نزلوا ببئر معونة، فاستصرخ عليهم عامر بن الطفيل قبائل من بني سليم من عصية ورعل وذكوان - وأحاطوا بهم وقاتلوهم حتى قُتِلوا عن آخرهم.
الآراء في النسخ وأدلة ثبوته:
والناس في النسخ على أربعة أقسام:
1-
اليهود: وهؤلاء ينكرونه لأنه يستلزم في زعمهم البَدَاء، وهو الظهور بعد الخفاء، وهم يعنون بذلك: أن النسخ إما أن يكون لغير حكمة، وهذا عبث محال على الله، وإما أن يكون لحكمة ظهرت ولم تكن ظاهرة من قبل، وهذا يستلزم البَدَاء وسبق الجهل، وهو محال على الله تعالى.
واستدلالهم هذا فاسد؛ لأن كُلًّا من حكمة الناسخ وحكمة المنسوخ معلوم لله تعالى من قبل، فلم يتجدد علمه بها. وهو سبحانه ينقل العباد من حكم إلى حكم لمصلحة معلومة له من قبل بمقتضى حكمته وتصرفه المطلق في ملكه.
واليهود أنفسهم يعترفون بأن شريعة موسى ناسخة لما قبلها. وجاء في نصوص التوراة النسخ، كتحريم كثير من الحيوان على بني إسرائيل بعد حِلِّه قال تعالى في إخباره عنهم:{كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِبَنِي إِسْرائيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرائيلُ عَلَى نَفْسِهِ} 1.
وقال: {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي} 2
…
الآية.
وثبت في التوراة أن آدم كان يزوج من الأخت. وقد حرم الله ذلك على موسى، وأن موسى أمر بني إسرائيل أن يقتلوا مَن عبد منهم العجل ثم أمرهم برفع السيف عنهم.
2-
الروافض: وهؤلاء غلوا في إثبات النسخ وتوسعوا فيه، وأجازوا البَدَاء على الله تعالى، فهم مع اليهود على طرفي نقيض، واستدلوا على ذلك بأقوال نسبوها إلى علي رضي الله عنه زورًا وبهتانًا، وبقوله تعالى:{يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} 3، على معنى أنه يظهر له المحو والإثبات.
وذلك إغراق في الضلال. وتحريف للقرآن. فإن معنى الآية: ينسخ الله ما يستصوب نسخه ويثبت بدله ما يرى المصلحة في إثباته، وكل من المحو والإثبات موجود في كثير من الحالات، كمحو السيئات بالحسنات:{إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} 4، ومحو كفر التائبين ومعاصيهم بالتوبة وإثبات إيمانهم وطاعتهم، ولا يلزم من ذلك الظهور بعد الخفاء، بل يفعل الله هذا مع علمه به قبل كونه.
1 آل عمران: 93.
2 الأنعام: 146.
3 الرعد: 39.
4 هود: 114.
3-
أبو مسلم الأصفهاني 1: وهو يجوِّز النسخ عقلًا ويمنع وقوعه شرعًا، وقيل يمنعه في القرآن خاصة محتجًّا بقوله تعالى:{لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} 2، على معنى أن أحكامه لا تبطل أبدًا. ويحمل آيات النسخ على التخصيص.
ورد عليه بأن معنى الآية أن القرآن لم يتقدمه ما يبطله من الكتب ولا يأتي بعده ما يبطله.
4-
وجمهور العلماء: على جواز النسخ عقلًا ووقوعه شرعًا لأدلة:
1-
لأن أفعال الله لا تُعلَّل بالأغراض، فله أن يأمر بالشئ في وقت وينسخه بالنهي عنه في وقت، وهو أعلم بمصالح العباد.
2-
ولأن نصوص الكتاب والسٌّنَّة دالة على جواز النسخ ووقوعه:
أ- قال تعالى: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ} 3.
وقال: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} 4.
ب- وفي الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال عمر، رضي الله عنه: أقرؤنا أُبَيٌّ، وأقضانا، وإنا لندع من قول أُبَيٍّ، وذاك أن أُبَيًّا يقول: لا أدع شيئًا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قال الله عز وجل: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا} .
1 هو محمد بن بحر، المشهور بأبي مسلم الأصفهاني، معتزلي، من كبار المفسرين. أَهَمُّ كتبه:"جامع التأويل في التفسير"، توفي سنة 322 هجرية.
2 فصلت: 42.
3 النحل: 101.
4 البقرة: 106.