المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الأحكام المتعلقة بالهلال الشيخ / صالح بن محمد اللحيدان (1) الحمد لله رب - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٢٧

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌وجهة رأي بشأن المواشي السائبةعلى جوانب الطرق العامة

- ‌الفتاوى

- ‌ الصلاة في المساجد التي يوجد بها قبور ومقامات

- ‌ تلاوة سورة الإخلاص والمعوذتين والفاتحة للاستشفاء

- ‌ قراءة القرآن لمريض لوجه الله تعالى أو بأجرة

- ‌ الرقية بالقرآن وبالأذكار

- ‌ العلاج الشرعي للذي مسه الجن

- ‌ تأثير عين الحاسد في المحسود

- ‌ حقيقة العين

- ‌ علاج الإصابة بالعين

- ‌ تمليك الجن سلطانا على البشر

- ‌ الذهاب إلى الكنيسة لعلاج الصرع

- ‌من فتاوىسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز

- ‌وجوب العدل بين العامل المسلم وغيره

- ‌حكم السكن مع العوائل في الخارج

- ‌حكم تغيير الاسم بعد الإسلام

- ‌ الاحتيال لأخذ قرض أو مساعدة

- ‌ما هو المثل الأعلى

- ‌حكم الطواف وختم القرآن للأموات

- ‌مم خلق الله الملائكة وإبليس

- ‌حكم النكت في الإسلام

- ‌ مصافحة الطالب لزميلته

- ‌ التهرب من العمل في القضاء

- ‌حكم المقارنة بين الشريعة والقانون

- ‌ صبغ اللحية بالسواد

- ‌الأحكام المتعلقةبالهلال

- ‌بعض أقوال أهل العلم:

- ‌مصادرالنظم الإسلامية

- ‌أولا: القرآن الكريم

- ‌تعريف القرآن وجمعه:

- ‌أنواع الأحكام التي اشتمل عليها القرآن:

- ‌دلالة آيات القرآن:

- ‌خصائص أحكام القرآن الكريم:

- ‌ المرونة والصلاحية لكل زمان ومكان

- ‌اليسر ورفع الحرج:

- ‌السنة النبوية

- ‌ تعريف السنة في اللغة والاصطلاح

- ‌تدوين السنة وثبوتها:

- ‌حجية السنة:

- ‌منزلة السنة من القرآن من جهة ما ورد فيها من أحكام:

- ‌الاجتهاد

- ‌أقسام الاجتهاد

- ‌مراجع البحث

- ‌الوجوه والنظائرفي القرآن الكريم

- ‌الوجوه والنظائر لغة:

- ‌الوجوه والنظائر اصطلاحا:

- ‌الفرق بين الوجوه والنظائر في القرآن الكريم وبين تفسير المفردات:

- ‌أهمية هذا العلم والتدوين فيه:

- ‌منزلة علم الوجوه والنظائر بين العلوم الشرعية بعامة وعلوم القرآن بخاصة:

- ‌أولا: منزلته بين العلوم الشرعية بعامة:

- ‌ثانيا: في علوم القرآن بخاصة:

- ‌نشأته:

- ‌قائمة المراجع والمصادر

- ‌جعفر بن أبي طالبأول سفير في الإسلام

- ‌نسبه وأيامه الأولى

- ‌المهاجر السفير:

- ‌في سرية مؤتة:

- ‌السفير

- ‌جعفر في التاريخ

- ‌مشكلات التعليم في أفريقيا غير العربية

- ‌المسلمون في إفريقيا غير العربية:

- ‌الواقع اللغوي والثقافي في إفريقيا جنوب الصحراء:

- ‌إفريقية والصراع العقائدي:

- ‌المعاهد العليا والجامعات الإسلامية في إفريقية جنوب الصحراء:

- ‌من أهم الجامعات في إفريقية جنوب الصحراء

- ‌مشكلات الجامعات الإسلامية في البلاد الإفريقية جنوب الصحراء:

- ‌الجامعات الإسلامية الإفريقية. . الحلول والطريق:

- ‌مخطوطةتفسير سورة الفلق

- ‌التعريف بالمؤلف:

- ‌التعريف بالتفسير:

- ‌أصول الكتاب:

- ‌المراجع

- ‌مناهج العلماءفي إثبات الأحكام بخبر الواحدزيادة على ما ثبت منها بالقرآن

- ‌مقدمة:

- ‌المشكلة المراد حلها وخطة البحث:

- ‌ مبنى الخلاف في هذه المسألة:

- ‌ فائدة الخلاف وثمرته:

- ‌ استدلال كل فريق على رأيه:

- ‌ بيان ابن القيم لمقصود الحنفية ورده عليهم:

- ‌ بعض الآثار التي ترتبت على الاختلاف في قاعدة الزيادة على النص

- ‌ فرضية النية للوضوء والغسل:

- ‌ تعيين قراءة الفاتحة في الصلاة:

- ‌ الطمأنينة في الركوع والسجود:

- ‌ اشتراط الطهارة في الطواف:

- ‌ تغريب الزاني البكر:

- ‌ القضاء بشاهد ويمين:

- ‌ اصطدام عند التطبيق:

- ‌ انهدام ما دون الطلقات الثلاث بالزوج الثاني:

- ‌ اجتماع القطع والضمان على السارق:

- ‌خاتمة توضح بعض نتائج البحث

- ‌المراجع

- ‌منقرارات المجمع الفقهي

- ‌القرار الأولحول (الوجودية)

- ‌القرار الرابعحكم البهائية والانتماء إليها

- ‌ حكم جمعيات الموظفين وغيرهم

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌ ‌الأحكام المتعلقة بالهلال الشيخ / صالح بن محمد اللحيدان (1) الحمد لله رب

‌الأحكام المتعلقة

بالهلال

الشيخ / صالح بن محمد اللحيدان (1)

الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وقائد الغر المحجلين وإمام المتقين أنصح الخلق وأبرهم وأزكاهم وأتقاهم وأعلمهم بمراد الله سبحانه وتعالى وأشدهم في أمر ربه جل وعلا اختاره الله للرسالة الخالدة والشريعة الخاتم المهيمنة وأعطاه من كمال البيان ما لم يعط غيره من الناس، وبعد: فقد كانت صحفنا المحلية وبعض مجلاتنا قد نشرت لي مقالا عن الهلال متى تثبت رؤيته وماذا يجب على الناس في عباداتهم المنوطة بالهلال صياما وحجا وبماذا يكون دخوله واعتمادهم أعلى الرؤية أم على الحساب وأقوال العارفين به؟

وقد كثر الحديث عن ذلك وتعدد القائلون فيه من منتسب لطلب العلم الشرعي ومدع علم الفلك وكثر الخوض في ذلك وتعمد بعض الكتاب إثارة المشاعر في كل وقت يكون الناس في استقبال عبادة تتعلق بالهلال. وقد أثر على هؤلاء الكتاب ما رأوه من تقدم العلم الفلكي في هذه العصور ومعرفة كواكب قد لا يكون الناس في السابق عرفوها وتأثر بعض هؤلاء بمقولة بعض العلماء المتقدمين التي خالفوا فيها الإجماع وربما كانت جرأة بعضهم رحمهم الله أن قرر إبطال الشهادة من العدول إذا

(1) رئيس مجلس القضاء الأعلى بهيئته الدائمة وعضو هيئة كبار العلماء

ص: 91

خالفها الحساب ظنا منهم رحمهم الله أن الحساب قطعي الدلالة وأن الشهادة ظنية الدلالة وأن الظني لا يقاوم القطعي فراح بعض من اطلع على مثل هذا القول المردود من قبل أهل العلم ينادي به ويتعلق به ويجعله حجة ترد بها البينة التي اعتبرها الشارع وبنى عليها الحكم الشرعي دون أن يرد ذلك إلى كلام الله عز وجل أو كلام رسوله صلى الله عليه وسلم أو يعرضه على كلام من هم أقعد في العلم من صاحب ذلك القول وأدق فهما ومعهم إجماع الأمة كما تأثر بعض الكتاب ببعض نشرات ندوات فلكية لم يرجع أصحابها في كلامهم إلى أدلة الشريعة وقواعدها ولم يتأملوا ما في أدلة الكتاب والسنة من اليسر والتيسير ولا عرضوا أفكارهم على أهل العلم بأدلة الكتاب والسنة.

وصار أولئك الكتاب عن حسن نية فيما نظن يشككون الناس في عباداتهم وصيامهم وفطرهم وفي حجهم فدعاني ذلك وما ذكرته في مقالي المنشور في آخر رمضان عام 1409هـ إلى الكتابة التي أسوق الآن نصها مع قليل من التصرف والزيادة في بعض المواضع معتمدا في ذلك الأدلة الشرعية وكلام خيار الأمة بعد نبيها، فهم أعرف الناس بمراد الله ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم وما فعلته الآن من التعديل القليل والزيادة اليسيرة. فبقدر ما تدعو الحاجة إليه، وقد رأيت إعادة نشر المقال استجابة لأمر شيخنا ووالدنا سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد وتلبية لرغبة زميلنا العزيز الدكتور محمد بن سعد الشويعر رئيس تحرير مجلة البحوث الإسلامية لينشره في مجلة البحوث ولا شك أن ما ينشر في مجلة هي بمنزلة كتاب يقتنى ويرجع إليه يحتاج لإجراء تعديل عما كان ينشر في صحف سيارة. .، ومحافطة مني على أصل المقال أسوق نصه مع التعديل الذي أشرت إليه وإضافة للزيادة التي نوهت عنها إما في صلب المقال أو على

ص: 92

شكل تعليقات على المقال وأن لا أشك أن كتابات من كتبوا إنما كان باعثها حب جمع المسلمين ولم شتاتهم ظنا منهم أن ذلك يجمعهم ومثل ذلك لا يجمع في الحقيقة وإنما يجمع الأمة اتحاد المسيرة في ظل القرآن الكريم والسنة المطهرة وما قامت عليه الدولة الإسلامية الأولى من صفاء العقيدة وصدق الانقياد لأمر الله وأمر رسوله والرجوع إلى ما قال الله ورسوله في كل الأحوال والرغبات والمقاصد وإليك أيها القارئ الكريم نص الكلمة السابقة مدخلا فيها ما ذكرته من التصرف الذي لا يخرجها عن مبناها ولا يخل بمعناها إن شاء الله:

الحمد لله الذي أكمل لنا الدين، وأتم علينا النعمة، ورضي لنا الإسلام دينا، وبعث إلينا رسوله محمدا هاديا ومعلما. فأقام الحجة وأوضح المحجة وبين للناس ما نزل إليهم من ربهم أكمل بيان وأتمه، ولم يمت عليه الصلاة والسلام حتى بين لنا فروع الدين وأصوله فلا يضل عن هديه بعد ذلك إلا هالك، وربنا سبحانه وتعالى لم يجعل علينا في ديننا أي حرج بل جعل أموره سهلة مبسطة ميسرة، وأقام لأوقات العبادة دلائل واضحة لا يختص بمعرفتها فئة خاصة من الناس وإنما يشترك في معرفتها الخاصة والعامة ولم يقيدها بعلم دقيق غامض، بل أناط معرفتها بأمور محسوسة وكواكب سيارة يعرفها المتعلم والعامي ويهتدي بطلوعها وغروبها المكلفون جميعا وهذا من رحمة الله بعباده وإحسانه إليهم وجميل لطفه بهم فله الحمد والشكر على نعمه التي لا تعد ولا تحصى؛ إذ لم يجعل أمور عباداتنا معلقة على علوم دقيقة تفتقر إلى حساب وحدس وتخمين لما في ذلك من الحرج والعناء وحدوث الغلط والاضطراب وحصول الشك والقلق. .

وبعد. . فيا أخي المسلم. . إن الباعث لي على كتابة هذا الحديث هو ما تكرر من كتابات صحفية عند قرب مواسم العبادة الدورية أو قرب

ص: 93

خروجها كالصيام والعيد والحج مما أوجد بلبلة وتساؤلات كثيرة وما كنت أرغب الكتابة في ذلك قبل الآن لعلمي أن ما حوته الكتب من علوم القرآن والسنة وما أجمع عليه سلف الأمة فيه مقنع لطالب الحق، وأن العبرة بما جاء عن المعصوم صلوات الله وسلامه عليه، ولكن الأمر في الآونة الأخيرة بدأ يتسع خرقه ويتفاقم خطبه. وصار الناس يجدون كتابات جازمة بأحكام صادرة عن غير ذوي الشأن المعنيين بالأمر وفيها تحد سافر وتشكيك في العبادة، وإعطاء الحساب المبني على الظن حكم القرآن ومتواتر السنة من قطعية الدلالة ووجوب رد الشهادة إذا خالفته رغم أن حذاق الحساب يجزمون بأنه لا يمكن أن يتوصل بالحساب إلى أمر قاطع ولا إلى دليل حاسم ومن يطالع أكثر ما كتب باعتناء وتجرد يجد ذلك ظاهرا لا لبس فيه، وقد كثر القول والتذمر من العامة والخاصة كما كثر ترديد عبارات قوية مثل: أما يوضع لهذا الاندفاع حد؟ أما يوقف الخوض فيما يربك العامة ويؤثر على نفوسهم؟ وقد يوجد بسبب أمثال هذه الكتابات من الاختلاف والفرقة ما يعم ضرره ويعظم خطره، مما أوجب الكتابة فيه مع أن أهل العلم قد تكرر منهم البيان وإيضاح الحكم الشرعي.

وتوالت كتابات شيخنا سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز وغيره ثم إنه قد اتصل بي بعض من أرى رأيهم محل تقدير واهتمام ورغب إلي أن أقول شيئا في هذا الأمر وأكتب كتابة موسعة لعل الله أن ينفع بها، وكنت مترددا في ذلك وأخيرا انشرح صدري للكتابة وفضلت الاستجابة لرأيه وعزمه، وبما أن الأمر يتعلق بركن من أركان الإسلام بل بركنين هما: الصيام والحج فلا بد من الاهتداء بقول المبلغ عن الله رسالاته الذي لا ينطق عن الهوى، بل الكلام هو وحي يوحى وهو عليه الصلاة والسلام قد أوتي الكتاب ومثله معه، وكان أنصح الخلق وأبرهم فلم يتركنا

ص: 94

نتخبط في ظلم الجهل ونتقارع بحجج الهوى بل أعطانا مصابيح كاشفة وهاجة لا يبقى معها شك أو ريبة لمنصف ينشد الحق ويسعى في طلبه.

وإليك أيها القارئ جملة منها وسأقتصر على ما في الصحيح؛ إذ القصد إعطاء القارئ الذي قد تكون أثرت عليه بعض تلك المقالات ما يبدد عنه غيومها ويزيل عنه آثارها لا سيما وقد اقترنت بذكر بعض أقطاب العلم ممن لهم في النفوس منزلة عالية، ولكن على فرض أن في بعض كلام أهل العلم ما يؤيد ما نشر فإن مما لا شك فيه أن العبرة والعمدة على ما قاله الله ورسوله وما عدا ذلك فيرد إليهما ويعرض على دلالتهما. قال الله سبحانه وتعالى:{فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} (1).

والمراد بالشهود رؤية الهلال كما هو المتبادر، وبه فسره أهل العلم العارفون بمدلول لغة القرآن وهم القدوة في ذلك لا من خالف إجماع السلف كما سوف يمر بك إن شاء الله.

ثم تأمل كلام الصادق المصدوق تجده فصلا في الموضوع واقعا على المحز ينجلي به عن القلب كل غمة وهاك ما وعدتك به:

قال الإمام البخاري (2) في صحيحه باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا (3)» حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن نافع عن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر رمضان فقال: «لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فاقدروا له (4)» .

حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الشهر تسع وعشرون ليلة فلا تصوموا حتى تروه فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين (5)» .

حدثنا آدم حدثنا شعبة حدثنا محمد بن زياد قال سمعت أبا هريرة

(1) سورة البقرة الآية 185

(2)

صحيح البخاري (الفتح جـ4 ص119).

(3)

صحيح البخاري الصوم (1909)، صحيح مسلم الصيام (1081)، سنن الترمذي الصوم (684)، سنن النسائي الصيام (2119)، سنن ابن ماجه الصيام (1655)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 259)، سنن الدارمي الصوم (1685).

(4)

صحيح البخاري الصوم (1906)، صحيح مسلم الصيام (1080)، سنن النسائي الصيام (2121)، سنن أبو داود الصوم (2319)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 63)، موطأ مالك الصيام (634)، سنن الدارمي الصوم (1684).

(5)

صحيح البخاري الصوم (1907)، موطأ مالك الصيام (634).

ص: 95

- رضي الله عنه يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم أو قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غبي عليكم فأكلموا عدة شعبان ثلاثين (1)» . حدثنا آدم حدثنا شعبة حدثنا الأسود بن قيس حدثنا سعيد بن عمرو أنه سمع ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا يعني مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين (2)» أهـ.

قال الحافظ في الفتح بعد كلام له على معنى الحديث. فعلق الحكم بالصوم وغيره بالرؤية لرفع الحرج عنهم ولو حدث بعدهم من يعرف ذلك - يعني الحساب- بل ظاهر السياق يشعر بنفي تعليق الحكم بالحساب أصلا يوضحه قوله في الحديث الماضي فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين ولم يقل فاسألوا أهل الحساب. والحكمة في كون العدد عند الإغماء يستوي فيه المكلفون فيرتفع الخلاف والنزاع. وقال (3): ونقل ابن العربي عن ابن سريج أن قوله: فاقدروا له خطاب لمن خصه الله بهذا العلم وأن قوله فأكملوا العدة خطاب للعامة قال ابن العربي: فصار وجوب رمضان عنده مختلف الحال يجب على قوم بحساب الشمس والقمر وعلى آخرين بحساب العدد قال: وهذا بعيد عن النبلاء، يعني فكيف برسول رب العالمين. وقال ابن الصلاح: معرفة منازل القمر هي معرفة سير الأهلة، وأما معرفة الحساب فأمر دقيق يختص بمعرفته الآحاد قال فمعرفة منازل القمر تدرك بأمر محسوس يدركه من يراقب النجوم وهذا هو الذي أراده ابن سريج وقال به في حق العارف بها في خاصة نفسه ونقل الروياني عنه أنه لم يقل بوجوب ذلك عليه وإنما قال بجوازه. . الخ.

وقال (4) عن اعتبار الحساب: وقال ابن بزيزة: وهو مذهب باطل

(1) صحيح البخاري الصوم (1909).

(2)

صحيح البخاري الصوم (1913)، صحيح مسلم الصيام (1080)، سنن النسائي الصيام (2140)، سنن أبو داود الصوم (2319)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 43).

(3)

صحيح البخاري (الفتح جـ4 ص122).

(4)

صحيح البخاري (الفتح جـ4 ص127).

ص: 96

فقد نهت الشريعة عن الخوض في علم النجوم لأنها حدس وتخمين ليس فيها قطع ولا ظن غالب وقال رحمه الله: وقال ابن بطال: في الحديث يعني حديث إنا أمة أمية- رفع لمراعاة النجوم بقوانين التعديل وإنما المعول الرؤية وقد نهينا عن التكلف ولا شك أن في مراعاة ما غمض حتى لا يدرك إلا بالظنون غاية التكلف أهـ. (بعض روايات الحديث في صحيح مسلم).

وقال الإمام مسلم (1): حدثني يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر رمضان فقال: «لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه فإن أغمي عليكم فاقدروا له (2)» . حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة حدثنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «ذكر رمضان فضرب بيديه فقال: الشهر هكذا وهكذا ثم عقد إبهامه في الثالثة، صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن أغمي عليكم فاقدروا له ثلاثين (3)» وساق أحاديث في هذا المعنى إلى أن قال- رحمه الله: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا غندر عن شعبة وساق السند إلى ابن عمر رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا (4)» وعقد الإبهام في الثالثة، "والشهر هكذا وهكذا وهكذا" يعني تمام الثلاثين.

وقال- رحمه الله حدثنا يحيى بن يحيى أخبرنا إبراهيم بن سعد عن سعد عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين يوما (5)» وساق- رحمه الله روايات عدة في هذا المعنى.

(1) صحيح مسلم بشرح النووي جـ2 ص73، ط1283هـ

(2)

صحيح البخاري الصوم (1906)، صحيح مسلم الصيام (1080)، سنن النسائي الصيام (2121)، سنن أبو داود الصوم (2319)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 63)، موطأ مالك الصيام (634)، سنن الدارمي الصوم (1684).

(3)

سنن النسائي الصيام (2124).

(4)

صحيح البخاري الصوم (1913)، صحيح مسلم الصيام (1080)، سنن أبو داود الصوم (2319)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 43).

(5)

صحيح البخاري الصوم (1909)، صحيح مسلم الصيام (1081)، سنن الترمذي الصوم (684)، سنن النسائي الصيام (2119)، سنن ابن ماجه الصيام (1655)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 259)، سنن الدارمي الصوم (1685).

ص: 97

قال الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم: باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال والفطر لرؤية الهلال وأنه إذا غم في أوله أو آخره أكملت عدة الشهر ثلاثين يوما.

قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه فإن أغمي عليكم فاقدروا له (1)» وفي رواية: «فاقدروا له ثلاثين (2)» وفي رواية: «إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا فإن غم عليكم فاقدروا له (3)» وفي رواية: «فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين يوما (4)» وفي رواية: «فإن غمي عليكم فأكملوا العدد (5)» وفي رواية: «فإن غمي عليكم الشهر فعدوا ثلاثين (6)» وفي رواية: «فإن أغمي عليكم فعدوا ثلاثين (7)» . هذه الروايات كلها في الكتاب على هذا الترتيب. وفي رواية للبخاري: «فإن غبي عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين (8)» . واختلف العلماء في معنى «فاقدروا له (9)» فقالت طائفة من العلماء: معناه ضيقوا له وقدروه تحت السحاب وممن قال بهذا أحمد بن حنبل وغيره ممن يجوز صوم يوم ليلة الغيم عن رمضان كما سنذكره إن شاء الله تعالى. وقال ابن سريج وجماعة منهم مطرف بن عبد الله وابن قتيبة وآخرون معناه قدروه بحساب المنازل وذهب مالك والشافعي وأبو حنيفة وجمهور السلف والخلف إلى أن معناه قدروا له تمام العدد ثلاثين يوما؟

قال أهل اللغة يقال قدرت الشيء أقدره وقدرته وأقدرته بمعنى واحد وهو من التقدير. قال الخطابي ومنه قوله تعالى: {فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ} (10).

واحتج الجمهور بالروايات المذكورة: فأكملوا العدة ثلاثين وهو تفسير لقوله قدروا له ولهذا لم يجتمعا في رواية بل تارة يذكر هذا، وتارة يذكر هذا ويؤكده الرواية السابقة فاقدروا له ثلاثين. قال المازري: حمل

(1) صحيح البخاري الصوم (1906)، صحيح مسلم الصيام (1080)، سنن النسائي الصيام (2121)، سنن أبو داود الصوم (2319)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 63)، موطأ مالك الصيام (634)، سنن الدارمي الصوم (1684).

(2)

صحيح مسلم الصيام (1080)، سنن ابن ماجه الصيام (1654)، موطأ مالك الصيام (634)، سنن الدارمي الصوم (1684).

(3)

صحيح البخاري الصوم (1909)، صحيح مسلم الصيام (1081)، سنن الترمذي الصوم (684)، سنن النسائي الصيام (2119)، سنن ابن ماجه الصيام (1655)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 259)، سنن الدارمي الصوم (1685).

(4)

صحيح البخاري الصوم (1900)، صحيح مسلم الصيام (1080)، سنن النسائي الصيام (2121)، سنن أبو داود الصوم (2320)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 5)، موطأ مالك الصيام (634)، سنن الدارمي الصوم (1684).

(5)

صحيح مسلم الصيام (1081).

(6)

صحيح مسلم الصيام (1081)، سنن الدارمي الصوم (1685).

(7)

صحيح البخاري الصوم (1909)، صحيح مسلم الصيام (1081)، سنن الترمذي الصوم (684)، سنن النسائي الصيام (2119)، سنن ابن ماجه الصيام (1655)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 497)، سنن الدارمي الصوم (1685).

(8)

صحيح البخاري الصوم (1909).

(9)

صحيح البخاري الصوم (1900)، صحيح مسلم الصيام (1080)، سنن النسائي الصيام (2121)، سنن أبو داود الصوم (2320)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 5)، موطأ مالك الصيام (634)، سنن الدارمي الصوم (1684).

(10)

سورة المرسلات الآية 23

ص: 98

جمهور الفقهاء قوله صلى الله عليه وسلم «فاقدروا له (1)» على أن المراد كمال العدة ثلاثين كما فسره في حديث آخر. قالوا ولا يجوز أن يكون المرالصحابةد به كلام المنجمين لأن الناس لو كلفوا به ضاق عليهم لأنه لا يعرفه إلا أفراد، والشرع إنما يعرف الناس بما يعرفه جماهيرهم والله أعلم.

وأما قوله صلى الله عليه وسلم «فإن غم عليكم (2)» فمعناه حال بينكم وبينه غيم يقال غم وأغمي وغمي بتشديد الميم وتخفيفها والغين مضمومة فيهما ويقال غبي. . إلخ، انتهى من شرح النووي على صحيح مسلم وبهذا اكتفى بالنقل من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلاصته من شرح الحافظ في الفتح على البخاري وما أتبعته من أحاديث مسلم ومن شرح الإمام النووي الذي قال فيه السبكي صاحب المقولة الشاذة في رد الشهادة إذا خالفها الحساب أنه أي النووي محرر المذهب الشافعي وحسبه أنه صاحب المجموع والروضة وشرح صحيح مسلم وتهذيب الأسماء وغيرها.

وقال الحافظ (3) أيضا بعد نقل الخلاف في خصوص النظر في الحساب والمنازل فقال: وقال ابن الصباغ: أما بالحساب فلا يلزمه يعني الحاسب بلا خلاف بين أصحابنا قلت: ونقل ابن المنذر قبله الإجماع على ذلك فقال في الإشراف: صوم يوم الثلاثين من شعبان إذ لم ير الهلال مع الصحو لا يجب بإجماع الأمة وقد صح عن أكثر الصحابة والتابعين كراهته هكذا أطلق ولم يفرق بين حاسب وغيره فمن فرق بينهما كان محجوجا بالإجماع قبله. أهـ.

(1) صحيح البخاري الصوم (1900)، صحيح مسلم الصيام (1080)، سنن النسائي الصيام (2121)، سنن أبو داود الصوم (2320)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 5)، موطأ مالك الصيام (634)، سنن الدارمي الصوم (1684).

(2)

صحيح البخاري الصوم (1900)، صحيح مسلم الصيام (1080)، سنن النسائي الصيام (2121)، سنن أبو داود الصوم (2320)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 5)، موطأ مالك الصيام (634)، سنن الدارمي الصوم (1684).

(3)

صحيح البخاري (الفتح جـ4 ص123).

ص: 99

أخي القارئ. .

بعد هذه المقدمة النفيسة من كلام المعصوم صلى الله عليه وسلم يحسن بنا أن نفكر متجردين عن الهوى: ما الذي نجنيه من الكتابة عن الصيام وتكذيب شهود رؤية الهلال لأن الحساب قد دلنا على أن الشهر لن يهل أو أنه

ص: 99

لم يولد؟ هل عندنا ذلك أثارة من علم ممن لا يرد قوله؟ أو أننا صدقنا نتيجة حسابنا إن كنا نحسن الحساب أو أننا وثقنا بخبر حاسب قال لنا ذلك مع افتقار خبره إلى مقومات قبول الخبر من الثقة والأمانة والخبرة الطويلة وتجربة صوابه دائما. . الخ. وعدم الاستغناء عنه بخبر من أمرنا الله بتصديقه وقبول أمره والوقوف عند نهيه والرضى بحكمه بدون أي تردد لأن الله عصمه وأيده. أما غيره من أهل الحساب فإن قدماءهم ومحدثيهم لا يدعون لأنفسهم العصمة ولم يسجلوا هذا في كتبهم ولو سجلوه لرد العلماء عليهم فكيف نسبغها عليهم بكل بساطة ودون مراعاة لما كان عليه سلفنا الصالح الذين هم أحرص على جمع الكلمة وتوحيد الأمة وكانوا أتقى لله وأبر وأفقه في العلم من غيرهم؛ والاقتداء بهم خير وفلاح وبر، وإن ترك قولهم لقول أهل الحساب ضلال وعقوق وإزراء بهم وما كانوا لذلك أهلا.

أخي القارئ:

إننا قد كفينا الأمر وإن هدي نبينا صلى الله عليه وسلم أمامنا فعلينا أن نوليه ما يستحقه من الاحترام والتقدير على كل قول أو رأي، إن علماء الأمة يقولون إن تأخير البيان عن وقت الحاجة غير جائز فهل يليق بنا أن ننسب لرسول الله صلى الله عليه وسلم إخفاء شيء من شرع الله أو أنه جهل بالرد إلى أمر نحن اهتدينا له، إن أمرا وسع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يجب أن يسعنا وسوف ترى أيها القارئ الكريم تفصيل القول في معنى وصف أمتنا بالأمية إن شاء الله تعالى.

إنني أعلم أن من كتب في صحفنا عن الرؤية وعدم صحتها لا ينسب لنفسه أنه اهتدى لما لم يهتد إليه محمد صلى الله عليه وسلم لأني أحسن الظن بهم من عرفته منهم ومن لم أعرفه. لكني أرى أنهم كلفوا أنفسهم تحمل حمل ثقيل ووقفوا بما كتبوه رادين لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بدون قصد إذ

ص: 100

لا يعقل أن مسلما يدين بالإسلام حقا يرضى أن يرد سنة رسول الله بحساب سوف نقرأ قول أصحابه عنه فيما يأتي إن شاء الله ونعرف بذلك ما تجشمه هؤلاء الكتاب هداهم الله وإيانا وبصرنا وإياهم بديننا إذ أن البصيرة في الدين من هدي سيد المرسلين.

إن أمة الإسلام مضى لها أكثر من أربعة عشر قرنا وأجمعت على عدم اعتبار الحساب في إثبات عبادة الصوم والحج وإذا وجد فرد قد شذ ردوا قوله ولم تقل بالحساب إلا طائفة الإسماعيلية الطائفة المعروفة ومن كان قريبا منها من الطوائف كما ذكر ذلك حفاظ الإسلام من القرون الأولى إلى من جاء بعدهم من الحفاظ وللفائدة وإزاحة لما قد يكون قد علق بالأذهان من جراء النقل عن شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم في بعض كتابات من كتبوا مدعين في كتاباتهم بلا دليل شرعي خطأ الشهود الذين شهدوا بالرؤية وعن الكسوف ونعذر ظهور الهلال إذا وجد كسوف أقول: لقد أرشدنا سيد الرسل وخاتمهم إلى ما نعتبره من الكسوف فقال إذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الصلاة وقد رواه وغيره من أحاديث الكسوف عامة مخرجي السنة في كتاب الكسوف. وسكت عن الاقتران والافتراق، وسبب الكسوف والتجلي فلم يرتب على ذلك حكما سوى الصلاة حتى يكشف عنا. أيليق بنا أن نزيد ونقول ترد بذلك الشهادة ويحكم بكذب الشهود العدول الذين لا غرض لهم في ظاهر الأمر بل عليهم من المشقة والتعرض للمتاعب ما يعلمه من يتولى أخذ شهادتهم ومطالبتهم بإحضار من يشهد بعدالتهم وأمانتهم. ألم يقل ربنا جل وعلا:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} (1).

(1) سورة المائدة الآية 3

ص: 101