الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
«إنما كان ذلك في الأموال (1)» .
2 -
تحريم لبس الذهب والحرير على الرجال:
عن أبي موسى الأشعري «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: حرم لباس الحرير والذهب على ذكور أمتي وأحل لإناثهم (2)» .
(1) مسند أحمد 1/ 323.
(2)
رواه الترمذي في كتاب اللباس الباب الأول وقال حديث أبي موسى حسن صحيح، انظر عارضة الأحوذي بشرح الترمذي 7/ 219، 223. وفي الباب أحاديث صحيحة في كتاب اللباس في صحيح البخاري.
ثالثا:
الاجتهاد
الاجتهاد لغة: مأخوذ من الجهد- بفتح الجيم وضمها- وهو المشقة والطاقة (1). وأما الاجتهاد في الاصطلاح فهو: استفراغ الوسع في درك الأحكام الشرعية ممن هو أهله.
وهذا التعريف للاجتهاد باعتباره فعلا للمجتهد وهو ما عليه جمهور علماء الأصول على خلاف بينهم في زيادة بعض القيود أو تغيير بعض الكلمات.
ولا يصح لإنسان أن يجتهد إلا إذا توافرت فيه شروط الاجتهاد: كالإسلام والبلوغ والعقل والعدالة، ومعرفة آيات وأحاديث الأحكام على الأقل وحال الرواة واللغة العربية وعلم أصول الفقه بما في ذلك مواضع الإجماع ومقاصد الشريعة ودلالة الألفاظ على الأحكام والناسخ والمنسوخ.
(1) لسان العرب مادة (جهد).
وقد كان باب الاجتهاد مفتوحا زمن النبي صلى الله عليه وسلم واتفق العلماء على وقوع الاجتهاد منه صلى الله عليه وسلم في الأقضية وفصل الخصومات وفي أمور الحرب وفي شئون الدنيا (1) واختلفوا في وقوع الاجتهاد منه فيما عدا ذلك. والراجح أنه وقع الاجتهاد منه مطلقا حتى في العبادات وهو ما عليه جمهور العلماء ومنهم الأئمة الأربعة.
مثال اجتهاد الرسول صلى الله عليه وسلم في الأقضية وفصل الخصومات أنه قضى لهند بنت عتبة زوجة أبي سفيان بالنفقة لها ولأولادها وأنه يجوز لها أن تأخذ من ماله ما يكفيها وولدها بالمعروف (2).
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يؤكد للمتخاصمين أنه بشر وأنه يحكم بالظاهر بناء على اجتهاده، فعن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي على نحو ما أسمع فمن قضيت له بحق أخيه شيئا فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار (3)» .
ومثال اجتهاده صلى الله عليه وسلم في أمور الحرب اجتهاده في أسرى بدر، فقد شاور الصحابة فيما يصنع بهم فأشار عليه أبو بكر بأخذ الفدية منهم وأشار عليه عمر بضرب رقابهم، ومال الرسول صلى الله عليه وسلم في اجتهاده إلى اجتهاد أبي بكر (4) فنزل قول الله سبحانه معاتبا الرسول صلى الله عليه وسلم:{مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (5).
(1) انظر نهاية السول للإسنوي ومعه سلم الوصول للمطيعي 4/ 533 - 534، وإرشاد الفحول للشوكاني ص255.
(2)
رواه مسلم في كتاب الأقضية "باب قضية هند" 3/ 1338.
(3)
رواه البخاري في كتاب الأحكام باب موعظة الإمام للخصوم 8/ 112 - 113.
(4)
انظر هذه القصة في صحيح مسلم كتاب الجهاد والسير باب الإمداد بالملائكة 3/ 1385
(5)
سورة الأنفال الآية 67
ومثال اجتهاده صلى الله عليه وسلم في شئون الدنيا قوله للصحابة لما رآهم يؤبرون النخل «لعلكم لو لم تفعلوا كان خيرا (1)» فلما ذكروا له فيما بعد أن ثمر النخل قد سقط قال لهم: «أنتم أعلم بأمر دنياكم (2)» .
ومثال اجتهاده صلى الله عليه وسلم في العبادات أنه ساق الهدي في حجه ونوى القران بدليل أنه قال للصحابة: «لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي (3)» ولو كان سوق الهدي بالوحي لما قال: «لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت (4)» .
ومثال اجتهاده صلى الله عليه وسلم في العبادات أيضا استغفاره لبعض المنافقين وصلاته على بعضهم كما ثبت أنه صلى على عبد الله بن أبي واستغفر لعمه أبي طالب (5) فنزل قول الله سبحانه في شأن استغفاره للمنافقين: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} (6).
ونزل قوله تعالى في شأن صلاته عليه الصلاة والسلام على عبد الله بن أبي: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} (7).
ونزل قوله تعالى في شأن استغفاره صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} (8).
(1) صحيح مسلم الفضائل (2362).
(2)
رواه مسلم في كتاب الفضائل باب وجوب امتثال ما قاله شرعا دون ما ذكره من معايش الدنيا على سبيل الرأي 4/ 1385 - 1836
(3)
جزء من حديث رواه مسلم في كتاب الحج باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم 2/ 888.
(4)
صحيح البخاري التمني (7229)، صحيح مسلم الحج (1211).
(5)
ثبت هذا في صحيح البخاري كتاب التفسير باب قوله تعالى: " استغفر لهم " .. 5/ 206.
(6)
سورة التوبة الآية 80
(7)
سورة التوبة الآية 84
(8)
سورة التوبة الآية 113
وإذا أخطأ النبي صلى الله عليه وسلم لم يقر على ذلك ونزل عليه الوحي لبيان الصواب كما حصل منه عليه الصلاة والسلام في أخذ الفداء من أسرى بدر وفي استغفاره لعمه أبي طالب ولبعض المنافقين وصلاته على بعضهم.
ووقع الاجتهاد من الصحابة رضي الله عنهم في حضرة الرسول صلى الله عليه وسلم وفي غيبته، فإن أصابوا أقرهم على اجتهادهم وإن أخطأوا بين لهم الحق.
مثال اجتهاد الصحابة في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم أن سعد بن معاذ رضي الله عنه اجتهد فحكم على يهود بني قريظة لما نزلوا على حكمه أن تقتل المقاتلة وأن تسبى الذرية فقال صلى الله عليه وسلم: «لقد حكمت فيهم بحكم الملك (1)» وفي رواية مسلم: «لقد حكم فيهم بحكم الله (2)» .
ومثال اجتهاد الصحابة في غيبة النبي صلى الله عليه وسلم «أن عليا رضي الله عنه قضى في أهل اليمن الذين حفروا زبية لأسد فوقع فيها رجل فتعلق بآخر ثم تعلق هذا بآخر وهكذا حتى صاروا فيها أربعة فجرحهم الأسد وماتوا من جراحتهم، قضى فيهم رضي الله عنه باجتهاده فقال: اجمعوا من قبائل الذين حفروا الزبية ربع الدية وثلث الدية ونصف الدية والدية كاملة. فللأول الربع لأنه هلك من فوق وللثاني الثلث وللثالث النصف وللرابع الدية كاملة. ولم يرض أهل اليمن بذلك الحكم حتى أتوا الرسول صلى الله عليه وسلم وذكروا له القصة فأجاز عليه الصلاة والسلام اجتهاد علي (3)» .
(1) رواه البخاري في كتاب الجهاد والسير باب إذا نزل العدو على حكم رجل 4/ 28.
(2)
رواه مسلم في كتاب الجهاد والسير باب جواز قتال من نقض العهد 3/ 1389.
(3)
انظر هذه القصة في أعلام الموقعين 2/ 58. والحديث رواه أحمد في مسنده وإسناده صحيح كما قال أحمد شاكر. انظر المسند بتحقيق أحمد شاكر 2/ 24 والزبية: بئر أو حفرة تحفر للأسد في موضع عال مرتفع من المسيل. انظر لسان العرب مادة (زبي).
وإذا أخطأ الصحابي في اجتهاده بين له النبي صلى الله عليه وسلم الصواب. فعندما أجنب عمار رضي الله عنه ولم يجد الماء وتمرغ في التراب كما تتمرغ الدابة ثم صلى. قال له النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما كان يكفيك هكذا. فضرب النبي صلى الله عليه وسلم بكفيه الأرض ونفخ فيها ثم مسح بها وجهه وكفيه (1)» .
وإذا اختلف الصحابة في اجتهادهم وكان النص يحتمل ذلك أقرهم صلى الله عليه وسلم على ما فعلوا ولم يعنف أحدا. وهذا مبدأ عظيم يجب أن يتنبه المسلمون إليه فإن القرآن نزل بلغة العرب وعلى عادة العرب في أساليبهم وقد يحتمل اللفظ أكثر من معنى فلا يجوز أن نعيب أو نعادي من خالفنا في الرأي في هذه الحالة إذا كان الرأي صادرا ممن يجوز له الاجتهاد. كما لا يجوز لنا أن نحجر على الناس ونمنعهم من تقليد من يثقون بعلمه ودينه وإن كان رأيهم يخالف آراءنا. وقد اختلف الصحابة في كثير من المسائل ومع هذا الاختلاف بقي الود والتقدير بينهم ولا غرابة في ذلك. فالرسول صلى الله عليه وسلم علمهم هذا المبدأ. فعندما قال لهم يوم الأحزاب: «لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة (3)» .
ومن رحمة الله بالأمة أن جعل لكل مجتهد أجرا إن أخطأ وأجرين إن أصاب قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر (4)» هذا بشرط أن يكون المجتهد ممن يجوز له الاجتهاد. أما من يجتهد في دين الله وليس أهلا لذلك فهو في النار كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم: «القضاة ثلاثة: اثنان في النار،
(1) رواه مسلم في كتاب الحيض باب التيمم 1/ 280 - 281.
(2)
رواه البخاري في كتاب المغازي باب مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من الأحزاب 5/ 50. وانظر أعلام الموقعين لابن القيم 1/ 203.
(3)
(2) أدركوا العصر في الطريق فقال بعضهم لا نصلي حتى نأتيها وقال بعضهم بل نصلي لم يرد منا ذك. فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يعنف أحدا
(4)
رواه مسلم في كتاب الأقضية باب بيان أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ 3/ 1342.