الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا وقد رد الشوكاني رأي الحنفية في هذه المسألة فقال:
إن أحاديث التغريب قد جاوزت حد الشهرة المعتبرة عند الحنفية، فيما ورد من السنة زائدا على القرآن، فليس لهم معذرة عنها بذلك، وقد عملوا بما هو دونها بمراحل، كحديث نقض الوضوء بالقهقهة، وحديث جواز الوضوء بالنبيذ، وهما زيادة على ما في القرآن وليست هذه الزيادة مما يخرج بها المزيد عليه عن أن يكون مجزيا، حتى تتجه دعوى النسخ (1). والذي أميل إليه هو ما رجحه ابن قدامة فقال: وقول مالك فيما يقع لي أصح الأقوال وأعدلها، وعموم الخبر مخصوص بخبر النهي عن سفر المرأة بغير محرم (2) والله أعلم.
(1) الشوكاني: نيل الأوطار جـ7 ص100، ابن حجر: فتح الباري جـ2 ص157.
(2)
ابن قدامة المغني: جـ8 ص168.
(و)
القضاء بشاهد ويمين:
يقول الله عز وجل: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} (1).
وروى ابن عباس: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بيمين وشاهد (2)» .
فالآية الكريمة قد أثبتت لإحقاق الحق طريقين اثنين لا ثالث لهما وهما: إما رجلان وإما رجل وامرأتان، ولم تعرض للقضاء بشاهد ويمين من قريب ولا بعيد.
والحديث الشريف أثبت القضاء بالشاهد واليمين. فهل نثبت القضاء بالشاهد واليمين بالحديث، فيكون بيانا للآية، أو نرفض ذلك، لأنه زائد على النص القرآني؟ خلاف فقهي. من المتفق عليه بين العلماء أن اليمين
(1) سورة البقرة الآية 282
(2)
أخرجه مسلم في الأقضية، باب القضاء باليمين والشاهد جـ3 ص1337، وأبو داود في الأقضية ج2 ص277، الترمذي في الأحكام ج2 ص399 - 400، وابن ماجه في الأحكام ج2 ص393، كلهم في باب القضاء بالشاهد واليمين أو معناه.
تبطل به الدعوى عن المدعى عليه، إذا لم تكن للمدعي بينة، واختلفوا هل يثبت بها حق للمدعي؟ واتفقوا على القضاء برجلين أو برجل وامرأتين، واختلفوا في ثبوت الحقوق بشاهد ويمين.
فذهب الحنفية إلى أنه لا يقضى بشاهد ويمين الطالب في شيء من الحقوق كائنا ما كان ذلك الحق (1).
وذهب الشافعي ومالك وأحمد إلى أنه يقبل الشاهد ويمين الطالب في القضاء بالحقوق (2) وحجة الحنفية في ذلك ما يلي:
(أ) قوله عز وجل: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} (3) الآية.
فالآية بينت أن الحقوق تثبت إما بطريق رجلين أو رجل وامرأتين لا غير، وإثباتها بشاهد ويمين زيادة على النص، والزيادة على النص نسخ، ولا يثبت نسخ القرآن بخبر الواحد (4).
(ب) قوله صلى الله عليه وسلم: «البينة على المدعي واليمين على من أنكر (5)» ووجه الاستدلال أنه صلى الله عليه وسلم حصر البينة بجانب المدعي، وحصر اليمين بجانب المدعى عليه.
ونوقش هذا الدليل بأن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في هذا الحديث بدعاوى، وقضى بحديث الشاهد واليمين بدعاوى أخرى (6).
ثم إن هذا الاستدلال أخذ بالمفهوم المخالف، وهم لا يأخذون به بل ينكرونه أصلا (7).
(1) أبو القاسم السمناني: روضة القضاة وطريق النجاة جـ1 ص214 مطبعة أسعد بغداد 1970.
(2)
نفس المصدر، ونفس الجزء والصفحة، هامش، نقلا عن أحمد إبراهيم: طرق القضاء.
(3)
سورة البقرة الآية 282
(4)
السرخسي: أصول السرخسي جـ1 ص366.
(5)
أخرجه البخاري في الرهن، باب إذا اختلف الراهن والمرتهن ونحوه جـ3 ص187، والترمذي في الأحكام، باب ما جاء أن البينة على المدعي واليمن على المدعى عليه، جـ2 ص399، وابن ماجه في الأحكام باب البينة على المدعي جـ2 ص778.
(6)
ابن تيمية: مجموعة فتاوى ابن تيمية جـ35 ص391.
(7)
الشوكاني: نيل الأوطار جـ8 ص322 - 323، الصنعاني: العدة على إحكام الأحكام جـ4 ص402.
فقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم طريقين للحكم، ولو كان ثمة طريق ثالث إلى الحكم لبينها صلى الله عليه وسلم ولقال: أو يمينك وشاهد.
وأجاب ابن حجر عن ذلك بقوله: قلت: والجواب - بعد ثبوت العمل بالشاهد واليمين - أنها زيادة صحيحة، ويتعين المصير إليها، لثبوت ذلك بالمنطوق، وإنما يستفاد نفيه من حديث الباب بالمفهوم (3). وهذا ما تقرر في الحديث السابق، وهو عين ما قاله الشافعي: القضاء بشاهد ويمين، ولا يخالف نص القرآن، لأنه لم يمنع أن يجوز أقل مما نص عليه، يعني والمخالف لذلك لا يقول بالمفهوم، فضلا عن مفهوم العدد (4).
(د) الأصل أن مال الغير لا يجوز أن يقبل فيه قول غيره، ويسلم إلى المدعي، إلا في موضع اتفق الناس عليه، ولم يتفق على الشاهد الواحد واليمين، فإن اليمين قول المدعي فلا يقضى له (5).
أما حجة الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة على جواز القضاء بشاهد ويمين فهي:
أولا: ما روي عن ابن عباس: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بيمين
(1) أخرجه البخاري في تفسير سورة آل عمران، باب إن الذين يشترون بعهد الله. بلفظ شاهداك أو يمينه جـ6 ص43. وأخرجه الإمام أحمد جـ4 ص317.
(2)
يمين الصبر: هي التي يمسكك الحكم عليها حتى تحلف، أو التي تلزم ويجبر عليها حالفها. (1)
(3)
الصنعاني: العدة على إحكام الأحكام جـ4 ص402.
(4)
الصنعاني: العدة على إحكام الأحكام جـ4 ص403.
(5)
أبو القاسم السمناني: روضة القضاة وطريق النجاة جـ1 ص215.
وشاهد (1)» وفي رواية لأحمد: «إنما كان ذلك في الأموال (2)» .
ثانيا: ما رواه أبو هريرة قال: «قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم باليمين مع الشاهد الواحد (3)» .
ثالثا: ما رواه جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم «قضى باليمين مع الشاهد (4)» .
هذا وقد رد الحنفية هذه الأحاديث؛ لمخالفتها القرآن الكريم من وجوه متعددة - ذكرها في كشف الأسرار - ولكنها استدلال بالمفهوم، والحنفية لا يقولون به أصلا (5).
على أن الآية إنما جاءت في التحمل لا في الأداء، وقد نقل عن ابن تيمية قوله: إن القرآن لم يذكر الشاهدين، والرجل والمرأتين في طرق الحكم التي يحكم بها الحاكم، وإنما ذكر هذين النوعين من البينات، في الطرق التي يحفظ بها الإنسان حقه، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} (6){وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} (7).
فأمرهم سبحانه بحفظ حقوقهم ثم أمر من له الحق أن يستشهد. . وما تحفظ به الحقوق شيء وما يحكم به الحاكم شيء آخر (8).
وقال الشافعي في الأم: " لما لم يكن في التنزيل أن لا يجوز أقل من
(1) صحيح مسلم الأقضية (1712)، سنن أبو داود الأقضية (3608)، سنن ابن ماجه الأحكام (2370)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 323).
(2)
أحاديث القضاء بشاهد ويمين بمعانيها قد أخرجها مسلم في الأقضية، باب القضاء باليمين والشاهد جـ3 ص1337، وأبو داود، باب القضاء باليمين مع الشاهد جـ2 ص277، والترمذي باب ما جاء في اليمين مع الشاهد جـ2 ص399، وابن ماجه في الأحكام، باب القضاء بالشاهد واليمين جـ2 ص393. وأحمد جـ3 ص305، جـ5 ص215.
(3)
أحاديث القضاء بشاهد ويمين بمعانيها قد أخرجها مسلم في الأقضية، باب القضاء باليمين والشاهد جـ3 ص1337، وأبو داود، باب القضاء باليمين مع الشاهد جـ2 ص277، والترمذي باب ما جاء في اليمين مع الشاهد جـ2 ص399، وابن ماجه في الأحكام، باب القضاء بالشاهد واليمين جـ2 ص393. وأحمد جـ3 ص305، جـ5 ص215.
(4)
أحاديث القضاء بشاهد ويمين بمعانيها قد أخرجها مسلم في الأقضية، باب القضاء باليمين والشاهد جـ3 ص1337، وأبو داود، باب القضاء باليمين مع الشاهد جـ2 ص277، والترمذي باب ما جاء في اليمين مع الشاهد جـ2 ص399، وابن ماجه في الأحكام، باب القضاء بالشاهد واليمين جـ2 ص393. وأحمد جـ3 ص305، جـ5 ص215.
(5)
الشوكاني: نيل الأوطار جـ8 ص322 - 323، ابن رشد: بداية المجتهد جـ2 ص426، الصنعاني: العدة جـ4 ص402.
(6)
سورة البقرة الآية 282
(7)
سورة البقرة الآية 282
(8)
أبو القاسم السمناني: روضة القضاة جـ1 ص215 هامش.