المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

أسلم جعفر قبل أن يدخل رسول الله صلى الله عليه - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٢٧

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌وجهة رأي بشأن المواشي السائبةعلى جوانب الطرق العامة

- ‌الفتاوى

- ‌ الصلاة في المساجد التي يوجد بها قبور ومقامات

- ‌ تلاوة سورة الإخلاص والمعوذتين والفاتحة للاستشفاء

- ‌ قراءة القرآن لمريض لوجه الله تعالى أو بأجرة

- ‌ الرقية بالقرآن وبالأذكار

- ‌ العلاج الشرعي للذي مسه الجن

- ‌ تأثير عين الحاسد في المحسود

- ‌ حقيقة العين

- ‌ علاج الإصابة بالعين

- ‌ تمليك الجن سلطانا على البشر

- ‌ الذهاب إلى الكنيسة لعلاج الصرع

- ‌من فتاوىسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز

- ‌وجوب العدل بين العامل المسلم وغيره

- ‌حكم السكن مع العوائل في الخارج

- ‌حكم تغيير الاسم بعد الإسلام

- ‌ الاحتيال لأخذ قرض أو مساعدة

- ‌ما هو المثل الأعلى

- ‌حكم الطواف وختم القرآن للأموات

- ‌مم خلق الله الملائكة وإبليس

- ‌حكم النكت في الإسلام

- ‌ مصافحة الطالب لزميلته

- ‌ التهرب من العمل في القضاء

- ‌حكم المقارنة بين الشريعة والقانون

- ‌ صبغ اللحية بالسواد

- ‌الأحكام المتعلقةبالهلال

- ‌بعض أقوال أهل العلم:

- ‌مصادرالنظم الإسلامية

- ‌أولا: القرآن الكريم

- ‌تعريف القرآن وجمعه:

- ‌أنواع الأحكام التي اشتمل عليها القرآن:

- ‌دلالة آيات القرآن:

- ‌خصائص أحكام القرآن الكريم:

- ‌ المرونة والصلاحية لكل زمان ومكان

- ‌اليسر ورفع الحرج:

- ‌السنة النبوية

- ‌ تعريف السنة في اللغة والاصطلاح

- ‌تدوين السنة وثبوتها:

- ‌حجية السنة:

- ‌منزلة السنة من القرآن من جهة ما ورد فيها من أحكام:

- ‌الاجتهاد

- ‌أقسام الاجتهاد

- ‌مراجع البحث

- ‌الوجوه والنظائرفي القرآن الكريم

- ‌الوجوه والنظائر لغة:

- ‌الوجوه والنظائر اصطلاحا:

- ‌الفرق بين الوجوه والنظائر في القرآن الكريم وبين تفسير المفردات:

- ‌أهمية هذا العلم والتدوين فيه:

- ‌منزلة علم الوجوه والنظائر بين العلوم الشرعية بعامة وعلوم القرآن بخاصة:

- ‌أولا: منزلته بين العلوم الشرعية بعامة:

- ‌ثانيا: في علوم القرآن بخاصة:

- ‌نشأته:

- ‌قائمة المراجع والمصادر

- ‌جعفر بن أبي طالبأول سفير في الإسلام

- ‌نسبه وأيامه الأولى

- ‌المهاجر السفير:

- ‌في سرية مؤتة:

- ‌السفير

- ‌جعفر في التاريخ

- ‌مشكلات التعليم في أفريقيا غير العربية

- ‌المسلمون في إفريقيا غير العربية:

- ‌الواقع اللغوي والثقافي في إفريقيا جنوب الصحراء:

- ‌إفريقية والصراع العقائدي:

- ‌المعاهد العليا والجامعات الإسلامية في إفريقية جنوب الصحراء:

- ‌من أهم الجامعات في إفريقية جنوب الصحراء

- ‌مشكلات الجامعات الإسلامية في البلاد الإفريقية جنوب الصحراء:

- ‌الجامعات الإسلامية الإفريقية. . الحلول والطريق:

- ‌مخطوطةتفسير سورة الفلق

- ‌التعريف بالمؤلف:

- ‌التعريف بالتفسير:

- ‌أصول الكتاب:

- ‌المراجع

- ‌مناهج العلماءفي إثبات الأحكام بخبر الواحدزيادة على ما ثبت منها بالقرآن

- ‌مقدمة:

- ‌المشكلة المراد حلها وخطة البحث:

- ‌ مبنى الخلاف في هذه المسألة:

- ‌ فائدة الخلاف وثمرته:

- ‌ استدلال كل فريق على رأيه:

- ‌ بيان ابن القيم لمقصود الحنفية ورده عليهم:

- ‌ بعض الآثار التي ترتبت على الاختلاف في قاعدة الزيادة على النص

- ‌ فرضية النية للوضوء والغسل:

- ‌ تعيين قراءة الفاتحة في الصلاة:

- ‌ الطمأنينة في الركوع والسجود:

- ‌ اشتراط الطهارة في الطواف:

- ‌ تغريب الزاني البكر:

- ‌ القضاء بشاهد ويمين:

- ‌ اصطدام عند التطبيق:

- ‌ انهدام ما دون الطلقات الثلاث بالزوج الثاني:

- ‌ اجتماع القطع والضمان على السارق:

- ‌خاتمة توضح بعض نتائج البحث

- ‌المراجع

- ‌منقرارات المجمع الفقهي

- ‌القرار الأولحول (الوجودية)

- ‌القرار الرابعحكم البهائية والانتماء إليها

- ‌ حكم جمعيات الموظفين وغيرهم

- ‌حديث شريف

الفصل: أسلم جعفر قبل أن يدخل رسول الله صلى الله عليه

أسلم جعفر قبل أن يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم بن أبي الأرقم يدعو إلى الإسلام فيها (1)، وقد أسلم بعد إسلام شقيقه علي بن أبي طالب رضي الله عنه بقليل، وروي أن أبا طالب رأى النبي صلى الله عليه وسلم وعليا رضي الله عنه يصليان، وعلي على يمينه، فقال لجعفر:"صل جناح ابن عمك، وصل على يساره"، وقيل: أسلم بعد واحد وثلاثين إنسانا، وكان هو الثاني والثلاثين.

لقد كان جعفر من السابقين الأولين إلى الإسلام (2).

(1) طبقات ابن سعد (4/ 34).

(2)

الإصابة (1/ 248).

ص: 192

‌المهاجر السفير:

1 -

لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يصيب أصحابه من البلاء، وما هو فيه من العافية، وأنه لا يقدر على أن يمنعهم مما هم فيه من البلاء، قال لهم:«لو خرجتم إلى أرض الحبشة، فإن بها ملكا لا يظلم عنده أحد، وهي أرض صدق، حتى يجعل الله لكم فرجا مما أنتم فيه (1)» ، وكان بالحبشة ملك صالح يقال له النجاشي، لا يظلم أحد بأرضه، وكان يثنى عليه وفيه صلاح (2)، فخرج عند ذلك المسلمون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أرض الحبشة (3)، وكان ذلك في السنة الخامسة من النبوة (4)، أي في السنة الثامنة قبل الهجرة، مخافة الفتنة، وفرارا إلى الله بدينهم، فكانت هذه الهجرة أول هجرة في الإسلام (5)، وهي الهجرة الأولى إلى أرض الحبشة (6).

(1) سيرة ابن هشام (1/ 328) وانظر جوامع السيرة (55) والدرر (50).

(2)

الطبري (2/ 328).

(3)

سيرة ابن هشام (1/ 343)

(4)

الطبري (2/ 329).

(5)

سيرة ابن هشام (1/ 343).

(6)

سيرة ابن هشام (1/ 343).

ص: 192

وكما كان جعفر أحد السابقين الأولين إلى الإسلام (1)، كان أحد المهاجرين الأولين إلى الحبشة (2)، فقد هاجر إليها ومعه امرأته أسماء بنت عميس بن النعمان بن كعب بن مالك بن قحافة بن خثعم الخثعمية (3)، فولدت له هناك: عبد الله، وعونا، ومحمدا (4).

وبعث النبي صلى الله عليه وسلم كتابا إلى النجاشي مع جعفر هذا نصه.

«بسم الله الرحمن الرحيم

من: محمد رسول الله.

إلى: النجاشي الأصحم ملك الحبشة.

سلم أنت، فإني أحمد إليك الذي لا إله إلا هو، الملك القدوس، السلام، المؤمن، المهيمن، وأشهد أن عيسى ابن مريم روح الله وكلمته، ألقاها إلى مريم البتول الطيبة الحصينة، فحملت بعيسى، فخلقه الله من روحه ونفخه، كما خلق آدم بيده ونفخه.

وإني أدعوك إلى الله وحده لا شريك له، والموالاة له على طاعتهن وأن تتبعني وتؤمن بالذي جاءني، فإني رسول الله.

وقد بعثت إليك ابن عمي جعفرا، ونفرا معه من المسلمين، فإذا جاءك، فأقرهم، ودع التجبر، فإني أدعوك وجنودك إلى الله، فقد بلغت ونصحت، فاقبلوا نصحي. والسلام على من اتبع الهدى (6)».

وقد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم ابن عمه جعفرا هذا الكتاب إلى النجاشي وقت

(1) الإصابة (1/ 248)

(2)

أسد الغابة (1/ 287) والإصابة (1/ 248) والاستيعاب (1/ 242).

(3)

سيرة ابن هشام (1/ 345).

(4)

جوامع السيرة (57) والدرر (51).

(5)

الطبري (2/ 652) وصبح الأعشى (6/ 379)، وانظر: تفاصيل المراجع والمصادر في: مجموعة الوثائق السياسية (43 - 44) في الوثيقة رقم (21)

(6)

اسم النجاشي: أصحمة وليس الأصحم، انظر: البداية والنهاية (3/ 77). (5)

ص: 193

هجرة جعفر إلى الحبشة، طالبا من النجاشي العادل الاعتناء بحال اللاجئين الغرباء في بلاده (1) من المسلمين، وهم المهاجرون الأولون من المسلمين إلى أرض الحبشة، كما دعاه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام.

وذكر العبارة: ". . . «وقد بعثت إليك ابن عمي جعفرا، ونفرا معه من المسلمين، فإذا جاءك، فأقرهم». . . "، لا يمكن أن تتعلق بالكتاب المرسل في السنة السادسة الهجرية مع عمرو بن أمية الضمري، حيث كان قد مضى خمس عشرة سنة على هجرة جعفر إلى الحبشة، وكان على وشك الرجوع إلى دار الإسلام.

والمصادر التي لم تذكر هذه العبارة في متن الكتاب النبوي متأخرة عن الطبري الذي ذكرها، فليس ذكرها سهوا من الطبري، بل عدم ذكرها سهو من المتأخرين.

2 -

ولما رأت قريش أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمنوا واطمأنوا بأرض الحبشة، وأنهم قد اصابوا بها دارا وقرارا، ائتمروا أن يبعثوا فيهم منهم رجلين من قريش جليدين إلى النجاشي فيردهم عليهم، ليفتنوهم في دينهم، ويخرجوهم من دارهم التي اطمأنوا بها وأمنوا فيها، فبعثوا عبد الله بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص بن وائل، وجمعوا لهما الهدايا للنجاشي وبطارقته (2)، ثم بعثوهما إليه فيهم، وأمروهما أن يدفعا إلى كل بطريق هديته قبل أن يكلما النجاشي في المسلمين المهاجرين إلى أرض الحبشة.

وخرجا حتى قدما على النجاشي، فلم يبق من بطارقته بطريق إلا دفعا إليه هديته قبل أن يكلما النجاشي، وقالا لكل بطريق منهم: "إنه قد ضوى (3) إلى بلد الملك منا غلمان سفهاء، فارقوا دين قومهم، ولم يدخلوا

(1) مجموعة الوثائق السياسية (3).

(2)

البطارقة: فسره أبو ذر بالوزراء.

(3)

ضوى: أوى، ولجأ ولصق.

ص: 194

في دينكم، وجاءوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنتم، وقد بعثنا إلى الملك فيهم أشراف قومهم ليردهم إليهم، فإذا كلمنا الملك فيهم فأشيروا عليه بأن يسلمهم إلينا، ولا يكلمهم، فإن قومهم أعلى بهم عينا وأعلم بما عابوا عليهم" فقالوا لهما:"نعم"(1).

وكان أمير المؤمنين على المهاجرين إلى الحبشة جعفر بن أبي طالب (2) وقدم عمرو بن العاص وصاحبه هداياهما إلى النجاشي، فقبلها منهما، فكلماه في المسلمين الذين هاجروا إلى بلاده ليردهم إلى قريش، فأرسل النجاشي إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما جاءوا، وقد دعا النجاشي أساقفته (3) فنشروا مصاحفهم حوله، فسألهم وقال لهم:"ما هذا الدين الذي فارقتم به قومكم، ولم تدخلوا ديني ولا دين أحد من هذه الملل؟ فأجابه جعفر عن المسلمين المهاجرين فقال له: "أيها الملك! كنا أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش وقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولا منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده، ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة، وأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئا وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام - وعدد عليه أمور الإسلام - فصدقناه وآمنا به واتبعناه على ما جاء به من الله فعبدنا الله وحده فلم نشرك به شيئا، وحرمنا ما حرم علينا، وأحللنا ما أحل لنا، فعدا علينا قومنا، فعذبونا وفتنونا عن ديننا ليردونا إلى

(1) سيرة ابن هشام (1/ 356 - 358).

(2)

طبقات ابن سعد (4/ 34).

(3)

الأساقفة: جمع أسقف، وهو العالم في النصرانية.

ص: 195

عبادة الأوثان من عبادة الله، وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث، فلما قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إلى بلادك، واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك، ورجونا ألا نظلم عندك أيها الملك، فقال له النجاشي:"هل معك مما جاء به عن الله من شيء؟ " فقرأ عليه صدرا من (كهيعص)(1)، فبكى النجاشي حتى اخضلت لحيته، وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلا عليهم (2) ثم قال النجاشي:"إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة (3) واحدة، فلا والله لا أسلمهم إليكما، ولا يكادون".

ولما خرجا من عنده، قال عمرو بن العاص:"والله لآتينه غدا عنهم، أستأصل به خضراءهم (4) فقال عبد الله بن أبي ربيعة، وكان أتقى الرجلين: "لا تفعل، فإن لهم أرحاما، وإن كانوا قد خالفونا" فقال:"والله لأخبرنه أنهم يزعمون أن عيسى ابن مريم عبد ".

وغدا على النجاشي من الغد، فقال:"أيها الملك! إنهم يقولون في عيسى ابن مريم قولا عظيما، فأرسل إليهم فسلهم عما يقولون فيه".

وأرسل النجاشي إلى المسلمين المهاجرين ليسألهم عن عيسى، فلما دخلوا عليه قال لهم:"ماذا تقولون في عيسى ابن مريم؟ " فقال جعفر: "نقول فيه الذي جاءنا به نبينا صلى الله عليه وسلم هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول"، فضرب النجاشي بيده إلى الأرض فأخذ

(1) هي سورة مريم - مكية إلا آيتي 58 و 71 فمدنيتان، وآياتها 98، نزلت بعد سورة فاطر - 19.

(2)

سيرة ابن هشام (1/ 358 - 359).

(3)

المشكاة: الثقب الذي يوضع فيه الفتيل والمصباح، وهي الكوة غير النافذة.

(4)

أستأصل به خضراءهم: يعني جماعتهم ومعظمهم.

ص: 196

منها عودا، ثم قال:"والله ما عدا عيسى ابن مريم ما قلت هذا العود (1) اذهبوا فأنتم الآمنون، من سبكم غرم، ما أحب أن لي جبلا من ذهب وأني آذيت رجلا منكم. . . ردوا عليهما هداياهما فلا حاجة لي بها" فخرجا - عمرو بن العاص وصاحبه - من عنده مقبوحين مردودا عليهما ما جاءا به، وأقام المسلمون في أرض الحبشة عند النجاشي في خير دار مع خير جار (2).

وهكذا أدى جعفر واجبه في الدفاع عن المسلمين المهاجرين إلى أرض الحبشة وفي شرح تعاليم الإسلام للنجاشي ورجاله، فنجح في إخفاق عمرو بن العاص وصاحبه في مهمته إلى أرض الحبشة، فعادا أدراجهما خائبين.

3 -

ولما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، وأذن للمسلمين بالهجرة إليها، وبدأ بوضع أسس المجتمع الإسلامي بالمؤاخاة، آخى بين جعفر ومعاذ بن جبل، من بني سلمة الأنصار وكان جعفر غائبا بالحبشة (3).

وأكثر الذين أرخوا لجعفر لم يذكروا هذه المؤاخاة بينه وبين معاذ بن جبل، فقد كانت المؤاخاة بعد قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وقبل غزوة بدر الكبرى، فلما كان يوم بدر نزلت آية الميراث وانقطعت المؤاخاة، وجعفر غائب يومئذ بأرض الحبشة (4).

وأرسل النبي صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري سفيرا إلى النجاشي (5) يدعوه

(1) قال أبو ذر: تقديره: ما جاوز مقدار هذا العود أو قدر هذا العود.

(2)

سيرة ابن هشام (1/ 360) وحلية الأولياء (1/ 114 - 116) وانظر: عيون الأثر (1/ 118 - 119).

(3)

سيرة ابن هشام (2/ 124) والدرر (99) وجوامع السيرة (96) والإصابة (1/ 248).

(4)

طبقات ابن سعد (4/ 35)

(5)

سيرة ابن هشام (4/ 279) وجوامع السيرة (29)

ص: 197

إلى الإسلام سنة ست الهجرية، وكتب إلى النجاشي، فأسلم النجاشي، وأمره أن يزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب ويرسلها ويرسل من عنده من المسلمين (1).

فقد آمن النجاشي بالنبي صلى الله عليه وسلم واتبعه، وأسلم على يد جعفر بن أبي طالب، وأرسل إليه ابنه في ستين من الحبشة، فغرقوا في البحر (2). وبعث النجاشي بكسوة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (3). وأرسل النجاشي إلى النواتي (4) فقال:"انظروا ما يحتاج فيه هؤلاء القوم من السفن؟ "، فقالوا: يحتاجون إلى سفينتين، فجهزهم.

وكلم قوم النجاشي من الحبشة أسلموا، في أن يبعث بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلموا عليه، وقالوا: نصاحب هؤلاء، فنجذف بهم في البحر، ونغنيهم، فأذن لهم، فشخصوا مع عمرو بن أمية، وأمر عليهم جعفر بن أبي طالب (5).

ويبدو أن النبي صلى الله عليه وسلم، أرسل عمرو بن أمية إلى النجاشي في أواخر سنة ست الهجرية، فعاد من سفارته في أوائل سنة سبع الهجرية، لأن مهاجري الحبشة وعلى رأسهم جعفر، عادوا من أرض الحبشة إلى المدينة المنورة، في أعقاب غزوة خيبر التي كانت في شهر محرم من سنة سبع الهجرية (6).

وقدم جعفر في جماعة من المسلمين من أرض الحبشة بإثر فتح خيبر (7) فالتزمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبل «ما بين عينيه واعتنقه، وقال: والله ما

(1) أسد الغابة (4/ 86).

(2)

ابن الأثير (2/ 113).

(3)

المحبر (76)

(4)

النواتي: مفردها نوتي، وهو الملاح الذي يدير السفينة في البحر.

(5)

أنساب الأشراف (1/ 229).

(6)

جوامع السيرة (211) والدرر (217).

(7)

الدرر (218).

(8)

الاستيعاب (1/ 242).

ص: 198

أدري بأيهما أنا أسر! بقدوم جعفر، أم بفتح خيبر. أو قال: والله ما أدري، أبقدوم جعفر أنا أسر وأفرح، أم بفتح خيبر وأنزله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنب المسجد. وقسم له من غنائم خيبر، واختط له إلى جنب المسجد (5)».

وهكذا كانت لجعفر هجرتان: هجرة إلى الحبشة، وهجرة إلى المدينة المنورة (6)، وقد استقر في المدينة المنورة قاعدة المسلمين الرئيسة، بعد أن طال غيابه عن وطنه ردحا طويلا من الزمن، استمر أكثر من أربع عشرة سنة في بلاد الحبشة، من السنة الثامنة قبل الهجرة إلى أوائل السنة السابعة الهجرية، كان خلالها المسئول الأول عن المسلمين المهاجرين إلى أرض الحبشة، فأسلم على يده النجاشي وغيره من الحبشة، كما أسلم غير النجاشي وغير الذين أسلموا على يد جعفر من الأحباش على أيدي غيره من المسلمين المهاجرين.

ولا مجال للشك في إسلام النجاشي، ولا مجال للتشكيك في إسلامه، ولا يقبل الشك في إسلامه ولا التشكيك فيه مسلم حق، لأن إسلام النجاشي ثابت، «فقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الغائب حين بلغه موته، (7)» كما ثبت ذلك في صحيح البخاري ومسلم (8) والنسائي (9) وفي جميع مصادر الحديث الشريف والفقه الإسلامي (10)، ولا تصلى صلاة الغائب إلا

(1) طبقات ابن سعد (4/ 35)(8)

(2)

سيرة ابن هشام (3/ 414). (1)

(3)

الدرر (218)، وفي طبقات ابن سعد (4/ 35): ما أدري بأيها أنا أفرح، بقدوم جعفر أم بفتح خيبر. (2)

(4)

أسد الغاية (1/ 287)(3)

(5)

طبقات ابن سعد (4/ 35)(4)

(6)

أسد الغاية (1/ 287).

(7)

مسند أحمد بن حنبل (1/ 461).

(8)

صحيح مسلم (3/ 54) في باب التكبير على الجنازة

(9)

النسائي (2/ 337) في باب التكبير على الجنازة

(10)

انظر: التفاصيل في بحث: إسلام النجاشي في هذا الكتاب.

ص: 199