الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(ب) عدم جواز إثبات تلك الزيادة عند من جعلها نسخا، إلا في حال كون طريق ثبوت تلك الزيادة مثل طريق المزيد عليه في القوة والمعنى.
وقد نقل الشوكاني عن الزركشي في البحر المحيط قوله:
واعلم أن فائدة هذه المسألة أن ما ثبت أنه من باب النسخ، وكان مقطوعا به، فلا ينسخ إلا بقاطع، كالتغريب، فإن أبا حنيفة لما كان عنده نسخا نفاه، لأنه نسخ للقرآن بخبر الواحد.
ولما لم يكن عند الجمهور نسخا قبلوه؛ إذ لا معارضة، وقد ردوا - يعني الحنفية - أخبارا صحيحة لما اقتضت زيادة على القرآن، والزيادة نسخ، ولا يجوز نسخ القرآن بخبر الواحد. . . أ. هـ (1).
(1) الشوكاني: إرشاد الفحول ص196.
(4)
استدلال كل فريق على رأيه:
أولا: استدل من ذهب إلى أن الزيادة على النص ليست نسخا بأمور منها:
1 -
إن النسخ هو رفع الحكم وإزالته، والزيادة لا توجب رفع المزيد عليه، ألا ترى أنه إذا كان في الكيس مائة درهم، فزدت فوقها درهما، أن ذلك لا يوجب رفع شيء مما كان الكيس، فكذلك ها هنا (1).
إذن فحقيقة النسخ غير موجودة في الزيادة، لأن حقيقته تبديل ورفع للحكم الشرعي. بخلاف الزيادة فهي تقرير للحكم الشرعي، وضم حكم آخر إليه، والتقرير ضد الرفع، فلا يكون نسخا، ألا ترى أن إلحاق صفة الإيمان بالرقبة، لا يخرجها عن أن تكون مستحقه للإعتاق في الكفارة، وكذلك إلحاق النفي بالجلد في زنا البكر، لا يخرج الجلد عن كونه واجبا، بل هو واجب بعده، كما كان واجبا قبله، فوجوب التغريب
(1) أبو يعلى: العدة في أصول الفقه جـ3 ص816، الشيرازي: التبصرة في أصول الفقه ص277.
بعد الجلد هو ضم حكم إلى حكم، وذلك ليس بنسخ. وهو بمنزلة من ادعى على آخر ألفا وخمسمائة، وشهد له شاهدان بألف، وآخران بألف وخمسمائة، حتى قضى له بالمال كله، كان مقدار الألف مقضيا به بشهادتهم جميعا، وإلحاق الزيادة بالأف بشهادة الآخرين يوجب تقرير الأصل في كونه مشهودا به، لا رفعه فتبين بهذا أن الزيادة لا تعرض فيها لأصل الحكم المشروع، حتى تكون نسخا (1).
2 -
كذلك إذا فرض الله تعالى على عباده خمس صلوات في اليوم والليلة، ثم فرض صوم شهر رمضان، فلا يكون فرض الصوم نسخا للصلوات، فكذلك ها هنا، وتوضيح هذا بما سبق، من أن النسخ هو الرفع والإزالة، ومنه قولهم: نسخت الشمس الظل إذا أزالته، ونسخت الريح الأثر إذا ذهبت به وأزالته.
ونوقش هذا الدليل: بأن النسخ على رأينا الإزالة والرفع، وعند مخالفينا هو تغيير الحكم، وكلا المعنيين غير موجود في قولهم: نسخت الكتاب، فدل على التجوز في إطلاق النسخ على الكتاب (2).
3 -
إن النسخ إنما يثبت بدليل متأخر، مناف للأول، بحيث لو وردا معا لا يمكن الجمع بينهما لتنافيهما، وههنا إن وردت الزيادة مقارنة للمزيد عليه، وجب الجميع، ولا تكون منافية له، فكيف يثبت بها النسخ إذا وردت متأخرة؟ بل تكون بيانا (3).
4 -
ومن الحجة أيضا أن الله تعالى إذا أوجب الصلاة ركعتين ركعتين، ثم جعلها أربعا، فإن هذه الزيادة لم تبطل وجوب الركعتين
(1) عبد العزيز البخاري: كشف الأسرار على أصول البزدوي جـ3 ص193، محمد المحلاوي، تسهيل الوصول ص137.
(2)
أبو يعلى: العدة جـ3 ص816، الشيرازي: التبصرة ص277.
(3)
عبد العزيز البخاري: كشف الأسرار جـ3 ص192 - 193.
الأوليين ولا تنافيهما وما لا يتنافى لا يكون ناسخا
ونوقش هذا الدليل: بأن التشهد كان يجب عقيب الركعتين، والسلام بآخر ذلك فبطل ذلك، وصار في موضع آخر، وهو بعد الأربع فقد بطل حكم شرعي، فيكون نسخا.
والجواب على ذلك: بأنا لا نسلم أن الله أوجب السلام عقيب الركعتين: لكونهما ركعتين، بل أوجبه آخر الصلاة كيف كانت، ثنائية، أو ثلاثية أو رباعية، ولا مدخل للعدد في إيجاب السلام، بل كونه آخر الصلاة فقط، وكون السلام آخر الصلاة لم يبطل. بل هو على حاله فلا نسخ (1).
5 -
إن الزيادة على النص لو كانت نسخا لكان القياس باطلا، لأن القياس إلحاق غير المنصوص، وزيادة حكم لم يوجبه النص بصيغته، وحين كان القياس جائزا أو دليلا شرعيا، علم أن الزيادة ليست بنسخ (2).
6 -
إن النسخ أمر ضروري، لأن الأصل في أحكام الشرع هو البقاء، والقول بالتخصيص والتقييد يوجب تغيير الكلام من الحقيقية إلى المجاز ومن الظاهر إلى خلافه، ولكنه متعارف في اللغة، فكان حمل الكلام عليه أولى من الحمل على النسخ (3).
ثانيا: أما أصحاب المذهب الثاني: وهم القائلون بأن الزيادة على النص نسخ، فقد استدلوا بما يلى:
(أ) إن النسخ بيان انتهاء حكم، وهذا المعنى موجود في حال الزيادة على النص.
(1) القرافي: شرح تنقيح الفصول ص318.
(2)
عبد العزيز البخاري: كشف الأسرار جـ3 ص193.
(3)
عبد العزيز البخاري: كشف الأسرار جـ3 ص193.
وذلك أن الإطلاق معنى مقصود من الكلام، وله معنى معلوم، وهو الخروج عن العهدة، بالإتيان بما يطلق عليه الاسم، من غير نظر إلى قيد، والتقييد معنى آخر مقصود على مضادة المعنى الأول المقصود من الإطلاق، لأن التقييد إثبات القيد، والإطلاق رفعه، وللمقيد حكم معلوم، وهو الخروج عن العهدة بمباشرة ما وجد فيه القيد، دون ما لم يوجد فيه ذلك، فإذا صار المطلق مقيدا، فلا بد من انتهاء حكم الإطلاق، بثبوت حكم التقييد، لعدم إمكان الجمع بينهما للتنافي، فإن الأول يستلزم الجواز بدون القيد والثاني يستلزم عدم الجواز بدونه، وإذا انتهى الحكم الأول بالثاني، كان الثاني ناسخا له ضرورة.
ونوقش هذا الدليل بعدم تسليم انتهاء حكم الأول، بل هو باق، ولكن ضم إليه شئ آخر، يحتاج إليه ليقع موقعه، فكأن المائة جلدة قد وقعت موقعها، مع الحاجة إلي زيادة التغريب (1).
وأجيب عن ذلك بأن القول بانتهاء الأول بالثاني لأن المطلق متى صار مقيدا، صار المطلق بعضه، وذلك بأن ما كان مطلقا قبل التقييد أصبح بعض المقيد، لاشتمال المقيد على معنيين: أحدهما: ما دل عليه المطلق، والثاني: ما دل عليه المقيد.
وبالبعض لا يثبت حكمه بدون انضمام الباقي إليه، فإن الركعة من صلاة الفجر لا تكون فجرا، ولا بعض الفجر بدون انضمام الركعة الأخرى إليها. والركعتان من صلاة الظهر في حق المقيم كذلك، وكذا المظاهر إذا صام شهرا ثم عجز، فأطعم ثلاثين مسكينا، لا يكون مكفرا بالإطعام، ولا بالصوم (2).
(1) عبد العزيز البخاري: كشف الأسرار جـ3 ص193 السرخسي: أصول السرخسي جـ2 ص83.
(2)
عبد العزيز البخاري: كشف الأسرار جـ3 ص193، السرخسي: أصول السرخسي جـ2 ص82.
ولكن هذا الاستدلال يبطل به إذا أمر بالصلاة ثم أمر بالصوم، فإن الصلاة كانت جميع الشرع، ثم صارت بعضه، ومعلوم أن ذلك ليس نسخا.
وكذلك يبطل بالنقصان، فإذا سقط من المائة خمسون لم يكن نسخا للباقي، وقد صارت كل الحد، بعد أن كانت بعضه (1).
ب- إن النقصان نسخ فوجب أن تكون الزيادة نسخا.
ونوقش هذا الاستدلال: بأن النقصان يسقط حكما ثابتا فأوجب دخوله في اللفظ في وقت مستقبل، وليس كذلك الزيادة، لأنها لا تسقط حكما، وهذا كما نقول: إنه إذا نسخ صوما أو صلاة كان نسخا، وإن زاد صوما بعد الصلاة لم يكن نسخا، فدل على الفرق بين النقصان والزيادة (2).
جـ- إن الزيادة إذا ثبتت صارت جزأ من المزيد عليه، وحكمها حكمه، فيجب ألا تثبت إلا بما ثبت به المزيد عليه.
ويجاب عن ذلك: بأن كونها جزأ من المزيد عليه عبارة عن ضمها إليه، ولكن لا يجب ثبوتها بالطريق الذي ثبت به المزيد عليه.
وبيان ذلك، أن كونها جزأ منه ليس بأكثر من إثبات صفه المزيد عليه، ويجوز مخالفة الصفة للموصوف في طريقه، فيثبت الشيء بطريق مقطوع، وصفته من الإيجاب وغيره تثبت بطريق غير مقطوع به (3).
والذي يترجح لي بعد استعراض أدلة الفريقين هو المذهب الأول القائل بأن الزيادة على النص ليست نسخا، وذلك لقوة أدلتهم، وسلامتها من المعارض، ولأن منهج الحنفية هذا يقتضي رد عدد من الأخبار
(1) أبو يعلى: العدة جـ3 ص817 - 818، الشيرازي: التبصرة ص278 - 279.
(2)
أبو يعلى: العدة جـ3 ص818.
(3)
الشيرازي: التبصرة ص279.