الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهكذا تتعدد وتتنوع - للأسف - المشكلات التي تواجه التعليم الإسلامي والجامعي منه بخاصة في البلاد الإفريقية جنوب الصحراء. . فمن مشكلات عقدية، إلى مشكلات لغوية، إلى مشكلات اقتصادية ومالية، إلى مشكلات تتصل بالتخلف العلمي والحضاري. . إلى صور أخرى من الاستلاب والغزو التي يبوء بإثمها الغزو التنصيري والإلحادي والعنصري.
وعلى الجامعات الإسلامية أن تقف في وجه هذا كله، وأن تقدم البديل للإنسان الإفريقي المتخلف، وأن تكون لها برامج في التنمية البشرية، وفي حفظ الذات المسلمة للإنسان الإفريقي في إطار الحضارة الإسلامية واللغة العربية.
إن إفريقية بحاجة إلى جامعات إسلامية شمولية. . تشمل الجوانب النظرية والتطبيقية في إطار من التنظير الإسلامي للمعرفة، والتصور الإسلامي للحياة. . والمعاصرة الإيجابية. . وكل هذا في نسيج متناغم متكامل.
الجامعات الإسلامية الإفريقية. . الحلول والطريق:
إن مستقبل إفريقية جنوب الصحراء - في عصر التحديات العلمية والفكرية الذي نعيشه - رهن بالتصدي للمشكلات التي تعيش في داخلها، وتلك التي تسلط عليها من خارجها.
وهذا التصدي هو الذي من شأنه أن يحقق لها التحول السياسي والاجتماعي والاقتصادي المنشود.
وفي هذا المجال فإن مؤسسات التعليم العالي والجامعات هي المرشحة لوضع السياسة القادرة على صناعة هذا التحول، وفق سنن الله الكونية والاجتماعية، ووفق خطة تنمية تعتمد على أقصى قدر من الاعتماد على
الذات، وعلى الإنتاج والعمل واكتشاف الثروات الإفريقية، وإحياء الأرض الموات، وتحقيق التكامل الإفريقي والعربي.
وإنه لمن الضروري اتباع استراتيجيات وتدابير لمعاونة واضعي السياسات في تنفيذها، قد تحقق الغايات سالفة الذكر وتؤدي إلى تحويل الاقتصاد الإفريقي من (اقتصاد تبادل) إلى (اقتصاد إنتاج) بحيث يعتمد كل قطاع إنتاجي على الآخر، ومن ثم تتكامل كافة القطاعات في كتلة اقتصادية شاملة. كما ينبغي أن تتمشى مع هذا الاتجاه نحو التحول الاقتصادي، صياغة استراتيجيات فعالة تجعل محاولات التنمية أكثر ارتكازا على الإنسان، بإشراك الشعب في اتخاذ قرارت التنمية ولضمان أن كل تحول نحو التغير الاقتصادي الاجتماعي يأتي بمكاسب أكثر من التكاليف.
ويتساءل البروفيسور " أديبايا أديرجي " مساعد الأمين العام للأمم المتحدة والأمين العام للجنة الاقتصادية الإفريقية:
إنه لمن المعروف أن التعليم المتوافر لشعب من الشعوب هو الذي يحدد آماله في أن يكون قابلا للنمو يعتمد على ذاته ويتحلى بالثقة في النفس، فهل نقول إن افتقار الشعب الإفريقي إلى الثقة في النفس يقوده من التبعية إلى الهامشية الكاملة مما يتعذر معه إلقاء اللوم على النظم التعليمية في إفريقيا، وخاصة التعليم العالي؟
هل يمكن القول إن مؤسسات التعليم العالي تعمل بمثابة أدوات لتعميق تخلف القارة الإفريقية؟ ربما كان الأمر كذلك. . إننا مقتنعون بأن حل محنة إفريقية التنموية يمكن عن طريق بعض الجهود أن يوجد (بين جدرانها) وينبغي أن تبدأ (مؤسسات التعليم العالي) فورا بخوض مجالات التدريس
والتعليم والبحوث الحيوية لإيجاد العمالة الماهرة التي تصبح إفريقيا بدونها غير قادرة على تمويل زراعتها وربط صناعتها بعملية نموها وتنميتها الداخلية الذاتية.
وينبغي على الأكاديميين والمفكرين في إفريقيا إيجاد طريقة للتأثير على وضع السياسة الخاصة باستراتيجيات التنمية في بلدانهم كما ينبغي عليهم أيضا محاولة أن يكونوا أكثر وضوحا وإقناعا للحكومة والشعب عندما يرفضون قبول تطبيق السياسات التي تعمل ضد تحقيق غاياتنا الخاصة بالتنمية طويلة المدى.
وينبغي على مؤسسات التعليم العالي إيجاد بدائل للسياسات الفاشلة، ومن ثم إيجاد طريقة لتعريف واضعي السياسات بتلك البدائل بطريقة تضمن قبولهم لها؛ لأن الوقت ليس في صالحنا. فلنعبئ الكفاءات المختلفة داخل مؤسسات التعليم العالي من أجل وضع برنامج مقنع للتنمية يكون من شأنه أن يساعد زعماءنا على وضع هذه القارة على الطريق السليم، ونضمن لأولادنا وأحفادنا مستقبلا مفعما بالأمل والخير.
وينبغي - أيضا - على كافة الأكاديميين والمفكرين في مؤسسات التعليم العالي في إفريقيا تنظيم أنفسهم في (أفرقة) البحوث والدراسات، والتعاون في كشف الجوانب الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية لما يجب أن يفعل في إفريقيا اليوم، وكيف يمكن أن يحكم ذلك آفاق تنميتها في القرن الحادي والعشرين.
وإذا كانت هذه هي المسئولية العامة والمشتركة للجامعات في إفريقية، فهي - من باب أولى - مسئولية خاصة بالجامعات الإسلامية، سواء تلك التي تحمل كلمة (الإسلامية) لانتمائها إلى بلد إسلامي، أو تلك التي
تحمل كلمة الإسلامية لوجود التخصصات الإسلامية والعربية فيها، أو لأن أهدافها تتصل بخدمة الدعوة الإسلامية.
وحتى التعليم الحر فوق الثانوي، والذي يطلق عليه أحيانا معاهد إسلامية أو كليات إسلامية أو مراكز ثقافية إسلامية أو دعوة إسلامية.
كل هذا - في تصوري - يدخل في نطاق هذه المسئولية، ويجب أن يطور فعاليته؛ بحيث يقدم إسهاما في حل المعضلات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في القارة.
وغني عن البيان أن مراكز التنصير، ومؤسساته التعليمية إنما تجد إقبالا ونجاحا ليس - فقط - لتحديثها والاعتراف بها، وإنما تجد هذا الإقبال - بالدرجة الأولى - لأنها تصور للأفارقة - أنها تساعدهم على الارتقاء الاقتصادي والاجتماعي والثقافي - وهي قد تفعل ذلك - في حالات فردية من أجل الوصول إلى مكاسب عامة.
وقد ألمحنا سلفا إلى الآثار المدمرة للتعليم الاستعماري والتنصيري!! وبالتالي، فمن الضروري بمكان أن تخرج الجامعات الإسلامية التقليدية من إطارها النظري والتجريدي لتأخذ بيد الأفارقة إلى العمل، واحترام الوقت، وتحسين الإنتاج، واكتساب مهارة عملية، وتحقيق الثقة بالنفس. . بالإضافة إلى القيام بوظيفتها الأساسية، وهي بناء الشخصية الإسلامية الإيجابية المؤثرة، وتعميم اللغة العربية (لغة القرآن) من فوق ركام اللهجات واللغات المنتشرة، ونبذ القبلية التي يرتفع بها بعضهم على حساب الأساسيات الإسلامية، وتأكيد (الأفرقة) المتعانقة مع الأخوة الإسلامية العامة، والتقاليد الشرقية الأصلية، والرافضة للروح الوثنية، والأيديلوجيات الإلحادية الوافدة!!
ولئن كان التعليم الاستعماري قد حرص على ربط الأجيال بمفاهيم خاطئة وقيم فاسدة تشيد بقوة المستعمر وحضارته وتهدف لتعميق الولاء
له، والتقليل من قيمة الحضارات والثقافات والتقاليد الوطنية. . أو كما عبر الرئيس أحمد سيكوتوري في قوله:
"كان التعليم الذي قدم لنا يسعى أساسا لاستيعابنا والقضاء على شخصيتنا، وصبغنا بالصبغة الغربية. . ذلك التعليم قدم لنا حضارتنا وثقافتنا ومفاهيمنا الاجتماعية والفلسفية باعتبارها مظاهر لحياة همجية وبدائية لا تعي كثيرا، وذلك لكي يخلقوا فينا كثيرا من العقد التي تؤدي بنا إلى أن نصبح فرنسيين أكثر من الفرنسيين".
لئن كان التعليم الاستعماري قد سعى إلى هذه النتيجة، فإن على التعليم العالي الإسلامي الإفريقي أن يعيد الثقة في الذات الإفريقية المسلمة من خلال تقديم (محور حضاري) متميز قادر على الحوار والتفاعل مع الحضارات المعاصرة. . يجمع بين الإسلامية والإفريقية في نسيج متناغم.
ولا ضير - بل إنه لمطلوب - أن توجد داخل إطار الحضارات الإسلامية أطروحات حضارية ذات تعبيرات إقليمية، لكنها وثيقة الصلة بالوشائج الإسلامية العامة، وتنتظمها الأصول والملامح المشتركة للحضارة الإسلامية.
وفي مواجهة السياسة الاستعمارية التعليمية التي حرصت على أن تقوم بتخريج فئة قليلة تعمل في الوظائف الصغيرة في الإدارات الاستعمارية، يجب على التعليم العالي الإسلامي في إفريقيا (جنوب الصحراء) أن يجمع بين التعليم النظري الفكري والفني التطبيقي، وأن يرسم خطة لتخريج كفايات تملك روح البحث والتحليل والابتكار في العلوم الإنسانية والتطبيقية.
كما أنه في مواجهة هذا الكم. . من اللغات واللهجات. . ولكي يؤدي
التعليم الإسلامي دوره في حقل الدعوة والمعرفة الإسلامية الذين هما جماع رسالة - فإن الجامعات الإسلامية ملزمة ببذل أقصى الجهد في نشر اللغة العربية - من جانب - حتى تكون - بعد فترة طالت أو قصرت، بإذن الله - لغة الثقافة الإفريقية. . ومن جانب آخر يجب أن تتضمن مقرراتها إتقان لغة أجنبية - (في هذه المرحلة من التحديات على الأقل). . ولا ضير كذلك (في ميدان مقاومتها للغات الأجنبية) من الاهتمام باللغتين السواحلية والهوسا. لكن في حدود مرحلية كذلك. .
وبالإضافة إلى هذا فإن مناهج التعليم في الجامعات الإسلامية يجب أن يتم وضعها في إطار الأصول الإسلامية والمقاصد ومعالم تأصيل الإسلام للمعرفة، وتحقيق الثقة في الذات، والتمايز الحضاري الشرقي والأفريقي، ويجب أن تكون هذه المناهج نظرية وتطبيقية، وأن تستخدم كل الوسائل المساعدة والنشاطات اللامنهجية، وتقنيات العلم الحديث. .
ومن الضروري أن يتم التعاون بين الجامعات الإسلامية على مستوى القارة الإفريقية شمال الصحراء، وجنوبها، وأن نؤكد بقوة الدور الإسلامي الإفريقي للجامعات الإسلامية العربية الكبرى كالأزهر والزيتونة والقرويين وجامعة الأمير عبد القادر الجزائري بقسنطنية وجامعة أم درمان بالسودان، بالإضافة إلى الجامعات الإسلامية في المملكة العربية السعودية وعلى رأسها جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية والجامعة الإسلامية بالمدينة، وجامعة أم القرى بمكة المكرمة. .
وحبذا أن تتولى رابطة الجامعات الإسلامية توثيق الصلات بين الجامعات الإفريقية بعضها البعض، وبينها وبين منظمة الوحدة الإفريقية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، ورابطة العالم الإسلامي مع دعمها الدائم لشتى
صور الالتقاء والتعاون والتكامل بين هذه الجامعات!!
وإنه لمن الأهمية بمكان تحقيق " التنسيق بين مفاهيم التعليم في البلاد الإفريقية" وتبادل الأساتذة والطلبة والباحثين بين الدول الإفريقية، وبينها وبين الدول الآسيوية"، و "تبادل البحوث والخبرات والتجارب" (1)، و "تقوية التعاون بين أجهزة التعليم العالي في كل دولة وصانعي القرار فيها، وكافة القطاعات المعنية بتطبيقات البحوث".
لقد تعرض مؤتمر التضامن للشعوب الإفريقية الآسيوية الذي عقد في كوناكري في الفترة ما بين 11، 15 إبريل 1960 م للمشكلات الثقافية في إفريقيا وآسيا، وأوضح أنه، وإن كانت الأسبقية في الكفاح ضد الاستعمار هي للأهداف السياسية. . بيد أن الكفاح الوطني السياسي ذاته يجب أن يتلقى العون الصادق من جانب النشاط الثقافي على يد المفكرين؛ لأن الثقافة هي التي تنير البصائر وتوقظ وعي الجميع (2).
ونحن، وإن كنا نقدر رؤية المؤتمرين، إلا أننا نرى أن الجهاد الثقافي - ولا سيما الأكاديمي - يجب أن يقف في درجة موازية على الأقل للكفاح الوطني السياسي، بل نحن نميل - منطلقين من فقهنا بقوانين الحضارة - إلى أن الجهاد الثقافي والفكري يجب أن تكون له الأسبقية بالنسبة لشتى صور الجهاد السياسي والاقتصادي. .
فالاستقلال السياسي، والاقتصادي، لن يتحققا إلا إذا وجد الإنسان
(1) من توصيات مؤتمر التضامن الإفريقي الآسيوي في كوناكري إبريل 1960 م.
(2)
نقلا عن د / شوقي عطا الله. . المرجع السابق 245.
المثقف والمتخصص، والمحصن فكريا، والواعي بذاته، والقادر على الفعل الحضاري الإيجابي!!
إن بناء الإنسان هو الأساس في أي تحول حضاري. . وإن الجامعات الإسلامية - بالمعنى الحضاري الشامل لمصطلح (الإسلامية) - هي المحضن الطبيعي لبناء الإنسان. . صانع التحول الحضاري. . والله من وراء القصد. .