الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بدأ به صلى الله عليه وسلم حين قدم، أنه توضأ ثم طاف بالبيت (1)» فكان فعله صلى الله عليه وسلم بيانا لقوله.
ثانيا: قوله صلى الله عليه وسلم: «الطواف بالبيت صلاة، إلا أنكم تتكلمون فيه (2)» ، وتوجيه ذلك أن الطواف إذا كان كالصلاة فالصلاة لا تجوز بدون الطهارة (3).
ثالثا: قوله صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها حينما طمثت في الحج: «افعلي كما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري (4)» فكان المانع لها من الطواف عدم الطهارة، فانبنى الحكم على سببه.
هذا والذي يظهر أن رأي الجمهور هو الراجح في هذا المقام؛ وذلك لأن أدلتهم من السنة الصحيحة التي تبين القرآن وتفسره، وهذه الأحاديث نص في بيان القرآن، بخلاف دليل الحنفية فإنه استدلال بعموم الآية، وقد وكل بيانه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(1) أخرجه البخاري في الحج، باب من طاف بالبيت إذا قدم مكة جـ2 ص186 - 187، وباب الطواف على وضوء جـ2 ص192، وأخرجه مسلم في الحج باب ما يلزم من طاف بالبيت وسعى جـ2 ص907 حديث رقم 1235، والبيهقي جـ5 ص86.
(2)
أخرجه الحاكم وسكت عنه، وصححه الذهبي في التلخيص جـ1 ص459، والبيهقي جـ5 ص87.
(3)
الكاساني: بدائع الصنائع جـ3 ص1102.
(4)
أخرجه البخاري في الحيض، باب كيف كان بدء الحيض جـ1 ص81، وفي باب تقضي الحائض المناسك كلها جـ1 ص83، وفي الحج، باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت جـ2 ص195، وأخرجه مسلم في الحج باب بيان وجوه الإحرام جـ2 ص873، 874، باب مذاهب العلماء في تحلل المعتمر المتمتع، وأبو داود في المناسك، باب في إفراد الحج جـ1 ص413، والنسائي في الطهارة، باب ما تفعل المحرمة إذا حاضت جـ1 ص153، وفي الحج باب ترك التسمية عند الإهلال جـ5 ص156، وابن ماجه في المناسك، باب الحائض تقضي المناسك إلا الطواف جـ2 ص1988.
(هـ)
تغريب الزاني البكر:
يقول الله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} (1).
(1) سورة النور الآية 2
ويقول صلى الله عليه وسلم: «البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة (1)»
فالآية قد أثبتت حد الجلد على الزاني مطلقا، سواء كان بكرا أم ثيبا، ولم تشر إلى شيء آخر. لكن الحديث جاء فخص الجلد بالزاني البكر، وزاد عليه التغريب، ولكن هل يعتبر التغريب (النفي) الوارد في الحديث زيادة على النص القرآني، أو بيانا له وتخصيصا؟ ذلك ما سنراه في هذه المسألة وتخريجها على قاعدة الزيادة على النص.
فالمتفق عليه بين المسملين أن حد البكر في الزنا جلد مائة، لقوله تعالى:{فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} (2)
ولكنهم اختلفوا في التغريب مع الجلد، هل هو من الحد أو ليس من الحد؟ فذهب الإمام الشافعي وأحمد إلى أن التغريب من الحد، ولا بد منه، سواء في الرجل والمرأة البكرين، وهو مذهب الإمام مالك، إلا أنه اختص الرجل بالتغريب دون المرأة.
وذهب الحنفية على عدم التغريب، وأن الجلد مائة هو الحد فحسب، واعتبروا التغريب من التعزير، إذا رأى الإمام المصلحة في ذلك (3).
حجة الجمهور في كون التغريب من الحد ما يلي:
أولا: ما روي عن أبي هريرة وزيد بن خالد أنهما قالا: «إن رجلا من الأعراب أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أنشدك الله إلا قضيت لي بكتاب الله، وقال الخصم الآخر - وهو أفقه منه - نعم فاقض بيننا بكتاب الله وأذن لي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قل: قال: إن ابني كان عسيفا على هذا فزنى بامرأته وإني أخبرت أن على ابني
(1) أخرجه مسلم في الحدود، باب حد الزنى جـ3 ص1316 وأبو داود في الحدود، باب في الرجم جـ2 ص455 والترمذي في الحدود، باب ما جاء في الرجم على الثيب جـ2 ص445 وابن ماجه، باب حد الزنى جـ2 ص853.
(2)
سورة النور الآية 2
(3)
الكاساني: جـ9 ص4163، ابن دقيق العيد: إحكام الأحكام ج4 ص342.
(4)
أخرجه البخاري في الإيمان باب كيف كانت يمين النبي صلى الله عليه وسلم جـ8 ص161 وفي الشروط، باب الشروط التي لا تحل جـ3 ص250، وفي الأحكام باب هل يجوز للحاكم أن يبعث رجلا وحده للنظر جـ9 ص94، وفي الصلح، باب إذا اصطلحوا على جور جـ3 ص241.
الرجم، فافتديت منه بمائة شاة ووليدة، فسألت أهل العلم، فأخبروني أن على ابني جلد مائة وتغريب عام، وأن على امرأة هذا الرجم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله، الوليدة والغنم رد، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام، واغد يا أنيس - لرجل من أسلم - إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها، قال: فغدا عليها فاعترفت فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجمت (1)».
ثانيا ما رواه عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا، البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة (2)» .
ثالثا: إن النبي والخلفاء الراشدين قد غربوا ولم نعلم لهم مخالفا فكان إجماعا (3). أما الإمام مالك فقد استدل على رأيه بعدم تغريب المرأة، بحديث نهي المرأة عن السفر بغير محرم:«لا تسافرن امرأة إلا ومعها ذو محرم (4)» . وكذا بالمصلحة حيث إن المرأة تتعرض بالغربة لأكثر من الزنا، فهي تحتاج إلى حفظ وصيانة، لأنها لا تخلو من التغريب بمحرم أو بغير محرم، فالتغريب بغير محرم غير جائز، للحديث آنف الذكر، ثم
(1) عسيفا: أجيرا. (4)
(2)
ابن قدامة: المغني ج8 ص167 العقبى: تكملة مجموع النووي ج18 ص252، ابن رشد: بداية المجتهد ج2 ص398 - 399.
(3)
الترمذي في سننه في الحدود، باب ما جاء في النفي جـ2 ص446، والمغني جـ2 ص168.
(4)
أخرجه البخاري في التقصير، باب في كم يقصر الصلاة جـ2 ص54، ومسلم في الحج، باب سفر المرأة مع محرم إلى حج أو غيره جـ2، ص975 - 978. والترمذي في الرضاع، باب ما جاء في كراهية أن تسافر المرأة وحدها، جـ2 ص318 وابن ماجه في المناسك، باب المرأة تحج بغير ولي جـ2 ص968.
فيه إغراء لها وتضييع، وإن كان بمحرم أفضى إلى تغريب من ليس بزان، ونفي من لا ذنب له، وتكليف الزانية أجرة المحرم زيادة على عقوبتها بما لم يرد به الشرع، كما لو زاد ذلك على الرجل، والخبر الخاص في التغريب إنما هو في حق الرجل، وكذلك فعل الصحابة رضي الله عنهم (1).
واحتج من نفى التغريب بما يلي:
(أ) قوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} (2).
فالمذكور في الآية الجلد فقط دون التغريب، فزيادة التغريب الوارد في الحديث زيادة على النص القرآني بخبر الواحد، فلا تثبت تلك الزيادة (3).
(ب) قول عمر رضي الله عنه: "لا أغرب بعده مسلما" بعد أن نفى ربيعة بن أمية في الشراب إلى خيبر، فلحق بهرقل فتنصر، فقال: لا أغرب بعده.
ولو كان التغريب من الحد لم يحق لعمر أن يرجع عنه.
ونوقش بأنه ربما لا يغرب أحدا في الخمر، الذي أصابت ربيعة الفتنة فيه (4).
(ج) ما نقله صاحب البدائع عن علي رضي الله عنه أنه قال: "كفى بالنفي فتنة، فدل على أن فعلهم كان على طريق التعزير"(5).
ونوقش بأنه لا يثبت لضعف رواته وإرساله (6).
(1) ابن قدامة: المغني جـ8 ص167.
(2)
سورة النور الآية 2
(3)
الكاساني: بدائع الصنائع جـ9، ص4163، ابن دقيق العيد إحكام الأحكام جـ4 ص342.
(4)
ابن قدامة: المغني جـ8 ص168.
(5)
بدائع الصنائع جـ9 ص4163، المغني: جـ8 ص167.
(6)
ابن قدامة: المغني: جـ8 ص168.
(د) إن حديث عبادة محتمل للنسخ، وذلك ما ذكره السرخسي أثناء ذكره لتدرج حد الزنا، قال رحمه الله:
"وقد كان الحكم في الابتداء الحبس في البيوت والتعيير والأذى باللسان، كما قال تعالى:{فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ} (1) وقال: {فَآذُوهُمَا} (2).
ثم انتسخ بحديث عبادة بن الصامت، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا، البكر بالبكر جلد مائة، وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة ورجم بالحجارة (3)» .
وقد كان هذا قبل نزول سورة "النور"، بدليل قوله:«خذوا عني (4)» ، ولو كان بعد نزولها لقال:"خذوا عن الله تعالى"، ثم انتسخ ذلك بقوله تعالى:{فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} (5) واستقر الحكم على الجلد في حق غير المحصن، والرجم في حق المحصن (6) ولكن ابن حجر قد رد هذه الدعوى بقوله:
واحتج بعضهم بأن حديث عبادة الذي فيه النفي منسوخ بآية النور، لأن فيها الجلد بغير نفي، وتعقب بأنه يحتاج إلى ثبوت التاريخ، وبأن العكس أقرب، فإن آية الجلد مطلقة في حق كل زان، فخص منها في حديث عبادة، الثيب، ولا يلزم من خلو آية النور عن النفي، عدم مشروعيته، كما لم يلزم من خلوها من الرجم ذلك.
ومن الحجج القوية أن قصة العسيف كانت بعد آية النور، لأنها كانت في قصة الإفك، وهي متقدمة على قصة العسيف؛ لأن أبا هريرة حضرها، وإنما هاجر بعد قصة الإفك بزمان (7).
(1) سورة النساء الآية 15
(2)
سورة النساء الآية 16
(3)
صحيح مسلم الحدود (1690)، سنن الترمذي الحدود (1434)، سنن أبو داود الحدود (4415)، سنن ابن ماجه الحدود (2550)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 327)، سنن الدارمي الحدود (2327).
(4)
صحيح مسلم الحدود (1690)، سنن الترمذي الحدود (1434)، سنن أبو داود الحدود (4415)، سنن ابن ماجه الحدود (2550)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 327)، سنن الدارمي الحدود (2327).
(5)
سورة النور الآية 2
(6)
السرخسي: المبسوط جـ9 ص36.
(7)
ابن حجر: فتح الباري جـ12 ص159.